هل ذيل السعادة أملس؟

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

الحوار المتمدن-العدد: 6139 - 2019 / 2 / 8 - 10:21
المحور: الطب , والعلوم
    

تُعتبر السعادة حقلاً معرفياً لم يسبر علماء الاجتماع غوره مقارنة بحالتي البؤس والشقاء. وهذه الدراسة القصيرة تستقصي نتائج بحوث اكتشفت بعض الحقائق حول السعادة وارتباطها بالفكاهة والوجه البشوش . وقد قرأتُ رأياً لأبي حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة يقول :
أسعد الناس بالخُلق الحسن, صاحبُه, نفسه منه في راحة, ثم زوجته, ثم ولدُه, حتى فرسَهُ ليصهل إذا سمع صوته, وكلبه يشرشر بذنبه إذا رآه, وقطه يدخل تحت مائدته. وإن السيئ الخُلق لأشقى الناس, نفسه منه في بلاء, ثم زوجته, ثم ولدُه, ثم خدمه وإنه ليدخل وهم في سُروُر فيتفرقون فرقاً منه, وإن دابته لتحيد عنه إذا رأته, مما ترى منه, وكلبه يغيب خلف الجدار, وقطه يفر منه.
وهذا رأي ثاقب, على طرافته, تقرأه أو تسمعه, فتحسه طازجاً ما يزال عبر العصور. وقد أدرك التوحيدي بفطنته وذكاءه وحسن ملاحظته, ما للخُلق الحسن من تأثير في حياة الناس وسعادتهم.

1
أثبتت الدراسات الحديثة أن الضحك يريح الإنسان من التوتر العصبي ويحسن المزاج العام. وقد اعتبر أرسطو المرح والفكاهة تمرين جسدي ونفسي ثمين لصحة المرء البدنية والروحية. ويعتقد معظم الباحثين في مجال الفكاهة أن الموقف النفسي من الفكاهة, وليس الضحك في حد ذاته, هو الذي ينفع أكثر الصحة العقلية والجسدية. وتفيد الدراسات أن المرح, وهو سمة تجعل الناس أكثر سعادة وأكثر استعداداً للتفاعل مع ما يُضحك, مرتبط بسهولة التكيف المتمثل بالقدرة على بقاء المرء حصيفاً, متزن العقل, في الظروف الصعبة. ويشير العلم كذلك إلى أن روح الفكاهة وابتسامة الثغر أمر جذاب للجنس الآخر. فالنساء ينجذبن أكثر إلى الرجل صاحب الروح المرحة. ومن ثم, وبطرق مختلفة, قد يزداد الرضا والارتياح بالحياة مع المقدرة على الضحك. وهذا السلوك يقود المرء للنظر إلى الجانب المشرق من الحياة, وبالتالي تقوى النفس ويخف الألم وتتوثق الروابط والصلات الاجتماعية.
2
كيف يمكن لعلماء الاجتماع قياس شيء يصعب تحديده كالسعادة؟ إن معظم الباحثين يقتصرون على مجرد طرح أسئلة على الناس يطلبون فيها إليهم وصف مشاعرهم أهم سعداء أم تعساء؟ كي يقيسوا من إجاباتهم مقدار رضاهم عن حياتهم. ومما يلاحظ أن إقرار المرء بأنه سعيد يبقى ثابتاً إلى حد ما على امتداد سنوات عمره. وتكشفُ البحوث التي أجريت مع عينات من جميع الأعمار, عن أنه ليس هناك سن معينة يكون فيها المرء أكثر سعادة أو أكثر تعاسة. كما تُظهر أنه من المرجح أن يتساوى الرجال والنساء في الإعراب عن كونهم سعداء أو تعساء.
3
تُرى هل الناس في البلدان الغنية هم على العموم أكثر سعادة ومرحاً من الناس في البلدان الأقل غنى؟ يبدو أنهم كذلك بصفة إجمالية مع العلم أن الفارق قد يكون ضئيلاً. لأن السعادة والرضا بالحياة تسير جنباً إلى جنب مع توفر الثروة الاجتماعية وحسن توزيع الدخل والتمتع بالحقوق المدنية ووجود حكومة ديمقراطية. وأغلب الظن أن السعادة هي شعور المرء بأنه يتحكم بشروط حياته, أما المحرومون من القدرة على التحكم في حياتهم أو الذين يملكون القليل منها, كالسجناء والمرضى والفقراء والمواطنين الرازحين تحت وطأة الأنظمة الاستبدادية, فمعنوياتهم أضعف وصحتهم النفسية أسوأ.
4
دلَّت البحوث الميدانية أن الأفراد الذين ينشطون في مجالات العمل الاجتماعي والسياسي والثقافي, كالجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية والمنتديات الثقافية, يتمتعون بسعادة غامرة. وهذه دعوة للأحزاب كي ترفع شعاراً جذاباً "أنضم إلينا تكن أكثر سعادة ومرحاً" ويرى بعض الباحثين أن النشاط الاجتماعي يؤدي بالمرء إلى زيادة دعمه لمجتمعه وزيادة إحساسه بالأمل. ومهما يكن السبب, فالعلاقات الشخصية الوطيدة التي تتميز بها حياة السعداء ترتبط بالصحة أيضاً. وإذا عقدنا مقارنة بين مجموعة أشخاص انعزاليين ومجموعة أشخاص اجتماعيين لهم عدة أصدقاء حميمين لوجدنا أن المجموعة الثانية هي الأوفر صحة, لأن المنظور الفكاهي المعتمد على أوسع الصلات الإنسانية يستطيع تكوين مسافة إدراكية بين الإنسان وبين الظروف بطريقة تحميه نفسياً من الانزلاق نحو طرق العيش الرتيبة المملة. وعلى العموم فإن للناس المرحين السعداء أسلوب تفاعل جذل يُسهّل إقامة علاقات وثيقة مع الآخرين وكسب سند اجتماعي في الحياة. ومع أن النظر إلى الحياة على أنها مأساة أمر له تاريخه الطويل الجدير بالتقدير, فإن الحياة تستحق أن تعاش كما صرح ذات مرة بوشكين تركيا الشاعر العظيم ناظم حكمت.

#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات