|
كاسيت رواية ١٩٨٤ من إنتاج الجماعة الحوثية.
زيدان الدين محمد
الحوار المتمدن-العدد: 6138 - 2019 / 2 / 7 - 19:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
"يُثيرني الفضول لِمعرفة كم عدد الأراضي الصالحة لحياة البشر؟ كم عدد الأرواح الساقطة في الحرب؟ كم من شجرة تقع في النعيم، لم ينالها البُؤس؟" -ندئ عادل.
يقول جورج أورويل في روايته ١٩٨٤ : "الحُرّية هي حُرية القول إن اثنين و اثنين يساويان أربعة، فإذا سُلّم بذلك سار كل شيء آخر في مساره السليم". و أقول في حقيقة الواقع تحت عصا استبداد الحوثي و براثن منهجيته الفاشية: "الحُرية و النجاة من الموت هي قول: إن اثنين و اثنين يساويان خمسة، فإذا سُلّم بذلك سار كل شيء في مسار بعيد عن التعذيب حتى الموت".
كَتب جورج أورويل روايته المُرعبة بحقيقتها،لنا، لهذهِ اللحظة خصوصًا ، فهي بمثابة صعقة كهرباء لي و لكُل مواطن يمني و عربي يعيش في واقع ممتلئ بتلك المجموعة و الشبيحة المتعسفة المُسمّاه بـ "الحوثي" ،و عليه أن يعي كمية إجرام أيديولوجية هذه الجماعة المفروضة على العامة . فِي الأمسِ ، و في المدرسة المُقابلة لمنزلي ، تمّ إجبار الطُّلاب بتأدية الصَّرخة ،ذلك الشعار الفُقاعي الحامل في باطنه أدلجة الكراهية: "الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام". الجميع دون إستثناء عليه أن يصرخ بثقافة الكراهية هذهِ ، هذه الصرخة أصبحت النشيد الوطني لِطُلّاب المدارس ، و لا يكتفي الحوثي و جماعته بِفرض هذا النشيد الكراهي على الطُّلاب، بل يتم إجبارهم على تمجيد النزعة الطائفية ،و تمجيد الولاء لإلههم عبدالملك الحوثي و رعاعه ..و الساحات المدرسية التي كانت تشدو بالأناشيد الوطنية العطرة، أصبحت تعجّ بزوامل همجية للجماعة هذه و التي تؤطر الأفضلية لهم و العنصرية ،بل و التحريض الحماسي للقتال . و في هذا يحترف الحوثي هيمنة حزب الأخ الكبير في رواية ١٩٨٤ بتلك الشعارات الملغومة التي وُجب ترديدها لصنع ذهنية جديدة في عقول الجيل هذا و الذي بعده: الحرب هي السلام العبودية هي الحُرية الجهل هو القوة.
بعد هذا يتمّ توزيع الهدايا لِلطُلاب الذين فقدوا أحد أفراد عوائلهم في جبهات القتال الموالية للحوثي،كدعمٍ و إعانة، و في هذا استمالة صارخة لعواطف الطالب و خلق منه مواليًا تبعًا لعاطفته و ليس قناعاته بالواقع و أحواله. بعد هذهِ الجولة، تكون الحصص الدراسية مُبطنة في كلاميتها على التّحريض الطائفي، طبعًا بعد أن تمّ طرد بعض المُعلمين القُدامى و استبدالهم بُمعلمين مواليين للحوثي.و فِي هذهِ الجولة بالذّات يحاول الحوثيون الوصول لِهدف خلق منهج تعليمي محتواه الإيديولوجي "داعشي أو طائفي كراهي" يهدف لإستمرار برمجة العقول و السّطو عليها و غسل أمخاخ أولئك الأطفال و الطّلبة الأبرياء لوضعها في نهاية المطاف لخدمة فكر و أيديولوجية الحوثي و رعاعه و كل من هم على شاكلته. و في هذا يتضح النظام البروليتاري لحزب الأخ الكبير حيث يطرح جورج أورويل رسالة لامتناهية الألم و الخنوع: "فمن الممكن في نهاية المطاف أن يعلن الحزب أن اثنين و اثنين يساويان خمسة وعليك أن تصدق ذلك. و عاجلًا أم آجلًا سيحصل ذلك". فما أتعس أطفال اليوم ،لأن أعمارهم كُتب أن تُعاش في ضحالة زمن الحوثي .
و لا يقتصر الحوثي حربه على عقول البراعم و الناشئين، بل و حتى الجامعات ،و لَا شيء أسوء و أقذر من نشر الحوثي لثقافته العنصرية و الطائفية، إلا تقاعس الشرعية و المؤسسات عن ردع ما يقوم به الحوثيون من تفخيخ و تلغيم التعليم في البلاد. ففي الجامعات يتم تكريس المنابر لنشر ثقافة "الولاية" و أفضلية السلالة الهاشمية على اليمنيين و باقي أهل الأرض، و الأشنع من ذلك قيام هذه الجماعة الهمجية بقطع المحاضرات العلمية للطلاب وأساتذتهم، وتخصيص وقتها لدعاة و رجال دين من الجماعة على رأسهم المطري إمام جامع الصالح، الذي يخصص وقته لإقناع الطلاب بالتمسك بـ"المسيرة القرآنية"، حسب وصفه. إلى جانب المطري هناك رجلان مجهولان يقولان أنهما من عدن، وأن الإمارات قامت بسجنهما واتهامهما بأنهما "دواعش"، ولذلك فقد فضّلا الحوثيين على الإمارات وجاءا إلى صنعاء. و من المُلاحظ و العجيب أن جماعة الحوثي تتميز بتهمة الدعشنة لكُل من خالفهم و في هذا ترويج لفكرهم، على الرغم أن الحوض الذي يستقي منه داعش و الجماعة الحوثية تحتوي على الماء نفسه..فالعلم قبسةٌ من نور الله و من طبيعة النور تبديد الظَّلام ،و أي نور نحياه تحت فيء ظلامية الحوثي و تعليمه ؟. و في هذا يتبدأ جزء آخر من أحد مقطوعات نظام الحزب ،حيث يصف جورج أورويل في روايته ،شاشات الرصد تلك و التي عبرها يتم مقاطعة أي عملٍ كان لتأدية نشيد الكراهية و تمجيد الأخ الكبير و تأطير أيديولوجية هذا النظام و الفكر أكثر فأكثر.
التفاصيل المُتراكمة التي يرتكبها الحوثيون من إجرام في حق التعليم كفيلة بتفخيخ اليمن لعقود قادمة، فاستقطاب طالب واحد و إقناعه من كل عشرة طلاب بفكرها و عنصريتها و طائفيتها يساعد في تكوين قاعدة صلبة من فكرها الطائفي و الذي هو مستقبلًا أشد خطرًا من الألغام المزروعة مغارب و مشارق اليمن. جميع ما ذُكر و لم تتيح الفرصة لتفصيلهِ ، مقطع من رواية ١٩٨٤ المرعبة و التي تتمثل في عصرنا هذا على أيدي شبيحة الحوثي ، و الحاصل لا يقل رعبًا عن رعب ما يجري في الواقع.
يقول جورج أورويل: "إنه لخطر جسيم أن تدع أفكارك تجري على عواهنها حينما تكون في مكانٍ علم". و هذا ينعكس على واقعنا في بلادٍ يتجول فيه الحوثي بسلاحه و ثقافة الموت و الرفض لكل من عارضه ، و ترتعد فصائل الجماعة الإستبدادية هذه مِن قولٍ حُر لا يوافقها و من عقيدة لا تعترف بعقيدتها، و من نطق حقٍ يفضح إنتهاكاتهم ،فتراهم كالعساكرِ على عقول الناس في الشارع و الأماكن و الدوائر العامة، و لا أحد يجرؤ قول شيء عنهم إلا صمتًا أو ذِكرًا منافقًا يمجدهم،و من يقول شيئًا عن تقبيحهم في أي جانب، فمصيره المعتقلات أو القتل حتى التعذيب أو المتاجرة بأعضائه أو ترحيله للجبهات القتالية. يذكر الكواكبي في كتابهِ طبائع الإستبداد و مصارع الإستعباد ،قولًا حقًا يصف كل نظام استبدادي،و هو واقعًا على الحوثيين بجميع تفاصيله، يقول الكواكبي : "ينتج مما تقدم أن بين الإستبداد و العلم حربًا دائمةً و طرادًا مستمرًا: يسعى العلماء في تنوير العقول و يجتهد المُستبد في إطفاء نورها". لذا الجماعة الحوثية توأد النور قبل ولادته،لأن النور وحده من سيبدد ظلاميتها، فلا يحق لك في ظلهم سوى الولاء و الولاء يعني عدم التفكير و انعدام الوعي.
الجماعة الحوثية لا تقف عند حد التَّعليم فحسب، فلها تشعباتها و على أن تشعباتها هي المشروع الأول من نوعه لبناء نظام جديد استبدادي كراهي، إلا أنها بكل تبجح تتدعي الإصلاح و تعمير الأرض متخذةً بذلك دور النملة التي ترى الأشياء الصغيرة و تتعامى عن القضايا الكبيرة التي ساعدت في تهاوي الشعب نحو الظلام.. كم سقطت أرواح، و شُنقت أحلامٌ و طموحاتٌ ، و ترمّدت أرض و ابيضّ فيها الموت و لاحت الأشجار و الثمار لَنا قبل سقوطها بعد اصفرارها رعبًا من سماءٍ مظلمة ظللتها.
في خِتامٍ لا نهائي و كسيح: لأننا نعلم أن المُستقبل لا ظلام فيه ، فكُل ما نحتاجه أن ننتفض كما ينتفض الحصان لإزاحة الذباب بعيدًا عنه.
#زيدان_الدين_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بُنٌ بِرائحة امرأة.
-
القدِّيس الزِّنديق.
-
بَين ثُنائية التُّراث و المُعاصرة..فجوة التهمت ثقافتنا.
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|