|
شبح ( المنطقة المقدسة ) .. ومثيراتها المعرفية
محمد علي النصراوي
الحوار المتمدن-العدد: 1527 - 2006 / 4 / 21 - 06:08
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
إذا كانت ( المنطقة المقدّسة ) هي مجال شبحي / مخلق – فأن هذا المجال يتشكل أثناء اكتشافنا (للمثيرات) المموضعة في داخل النص فان هذه ( المثيرات ) تشبه العلامات الدالة التي تقوم باستحضار الشبح المختفي فـي داخلها 0 فإذا كـانت ( المثيرات ) نوعا خاصاً من العلامات المصنّعة من قبل المنشئ، فهي تمثل الحضور الفعلي للشيء الغائب من خلال الصورة المرئية لجسد المكتوب ، فان أثرها يبقـى شبحاً ، أو وحدة طيفية تراود القـارئ أثناء تتبعه لجسد الكتابة 0 و بالتالي فإنها تُعدّ المفاتيـح الأساسية لتخمين المعنى المغيّب في النص ، فبوساطتها تهيئ الطريق الصحيح للقارئ في تكوين (بنية افتراضية) عن هذا العالم ( عـالم النص الداخلي ) 0 بمعنـى آخـر فان هــــذه (المثيرات) في حالة الكشف عنها تُعدّ الذخيرة الحية مادة أولية / خام بيد مكتشفها القارئ - و هي هنا بمثابة مراكز/ أو بُنى افتراضية لتدعيم الحدث و تحريكه داخل نسقه الإشاري اللغوي ، فعن طريقها يقوم القارئ بالتكهن لذلك الشبح المغيب ، الذي يتأرجح بين اليقين و اللايقــين - أنه المضمون أو الفكرة أو الكمـون الساكن في جسـد الكتابة ، أي إن (المثيرات) تصبح الطاقة النصية أو المحرك الديناميكي للنص - أو لنقل إن أصل الحركة تكمن في قلب (المثير) الذي يٌعدّ المنبع الوحيد لهذه الحركة المستمرة ، فهي تارة تكون بطيئة و تارة أخرى تتخذ طابع العنف و القوة ( و قد يصطدم المضمون بالشكل فيفجره و يخلق أفكاراً جديدة ) (1) 0 و لكي نقف على مميزات هذا ( المثير ) علينا أن نعرف ما هي العلامة أو الإشارة 00؟ هذا السؤال يستدعي إلى الذهن مراجعة تعريف العالم اللغوي فردينان دي سوسور للغة حيث قال ( إنها نظام من الإشارات جوهره الوحيد الربط بين المعاني و الصورة الصوتية و كلا طرفي الإشارة سايكولوجي ) (2) ، وهذا ما جعل سوسير ينتقل من دراسة التغييرات التي تطرأ على اللغة إلى دراسة اللغة في ذاتها و لذاتها و أنه قد درس هذه التغييرات في بعديها التعاقبي و التزامني 0 و هذا ما يجعل نظرته إلى الأدب بوصفه ( تركيباً لغوياً مفصولاً عن أي شيء خارج ذاته و هو كيان باطني الرؤيا مغلق ، يحتوي الحياة و الحقيقة في نظام العلاقات اللغوية )(3) 0 و هذا ما يؤكد إن آلية اشتغال سوسير على اللغة هو استنباط العلامة و تجريدها من سياقها اللغوي و إن العلامة تتألف من عنصـرين هما الدال و المدلول ، أو الصورة الصوتية و المفهوم و هما يرتبطان مع بعضهما بصلة ترابطية نفسـية ، أي بمعنى أنـه ( قد جعل لهذه الإشارة صفتين جوهريتين هما الاعتباطية و الخطية ، و نعني بالاعتباطية أنه لا توجد علاقـــة داخلية بين الاسـم و المسـمى 0 ففــكرة ( الأخت ) التي تقوم بوظيفة الدال في العربية لا ترتبط بأي رابطة مع التعاقب الصوتي للحـروف (( أ - خ - ت )) و هذه الفكرة يمكن التعبير عنها بأصوات كثيرة وأوضح دليل على ذلك هو اللغات المختلفة 0 أما البعد الخطي هو إن العلامة لا ترد منفردة بل ترد في سياق معين 0 و هي ترتبط ببقية الإشارات أو العلامات التي تسبقها أو تلحقها في الجملة بعلاقة تتابعية هي علاقة حضور و ترتبط أيضاً ببقية الإشارات التي لا تندرج في الجملة أو الرســالة بعلاقـة تبادلية هي علاقــة غياب )(4) 0 و قد جاء ( جاك ديريدا ) لنســف هذه المحاولات و ركـــــز في نهجه على العلاقـــة القائمة بيـن ( الكلام ) و (الكتابة) 0 و هو يعتقد بأسبقية ( الكلام ) وأولويته على ( الكتابة ) 0 و قد عرّف الكلمة المنطوقة phone ) ( بأنها صورة صوتية ( سمعية ) وظيفتها هي استحضار المفهوم الذي تمثله الصورة الصوتية 0 إلاّ إنها تتلاشى و تطفئ نفسها بوصفها دالاً في حالة استحضار المدلول ، و إن هذا المدلول لا يمكن تصوره إلاّ من خلال الصورة الصـوتية التي هي الدال و هذا ما أسـماه بـ( التمركز حول الكتابة ) هو انتقال الأهمية من الكلام إلى الكتابة ثم ركز على ثلاثة مصــطلحات تدخـل في منهجه هي : ) الاختلاف ( difference و )الأثر trace ( و ) الكتابة الأصلية(arche - writing الاختلاف يشـير إلى فعلين 1 - أن يختلف ، أن لا يكون متشـابهاً، 2- أن يرجئ و يؤجل 0 و ينبغي الانتباه إن الأول مكاني و الثاني زماني 0 و على العلامة أن تؤدي هذه الوظيفة المزدوجة : أي الاختلاف و التأجيل ، و إن بنية العـــلامة هي الاختلاف ، أي إن العلامة شيء لا يشبه علامة أخرى ….(5) 0 و ثمة سؤال يطرح نفسه في هذا السياق ، إذا كان (المثير) في صورة من صوره يشبه العلامة الإشارية في وظيفته الدلالية ضمن السـياق اللغوي من ناحية و من ناحية أخرى يعطي الصورة السمعية أو ( الصوتية ) لمنطوق الكلام فما هو اختلافه عن الحالتين 00؟ نقول : بما إن (المثير) يعطينا الدلالة السيميائية في حالة الكتابة تارة و يعطينا الصورة السمعية لمنطوق الكــلام تارة أخرى 0 فان كلا هاتين الحالتين تتمثلان في وجـه واحد من عملة (المثير) ، أما الوجه الآخر فهو يخفي في داخله الوحدة الطيفية التي تربطنا بعقل المنشئ - بكون إن هذا ( المثير ) لم يكن اعتباطياً و إنما صنعه المنشئ خصيصاً ليخفي في داخله هذا الكيان الشبحي / أو الوحدة الطيفية ، كي يقوم القارئ بوساطة التفعيل القرائي التكهن لهذه الوحدة او الكيان الشبحي الخاص بـ(المثير) 0 و على هذا الأساس نقول إن (المثير) ليس كالعلامة اللغوية التي تكون مُلكاً مشاعاً لكل الناس 0 لان اللغة موجودة بشكل ذخيرة من الانطباعات مخزونة في دماغ كل فرد من أفراد مجتمـــع معين 0 أما (المثير) يقوم المنشئ على تخليقه او صناعته كبنية افتراضية داخل النص الأدبي 0 وعليـه فان ( المثير ) يدخل ضمن نظام النص الأدبـي - و بما إن النص الأدبي جهد فردي لـذا فان (المثير) يُعدّ بنية تأسيسية افتراضية مخلّقة تختلف عن الإشارة اللغوية السوسيرية التداولية التي تدخل في النظام اللغوي العام 0 لذا فقد وجدنـا إن هذه الوحدة الطيفية التي تدخل فـــي صناعة ( المثير ) هي بمثابة الروح التي تحرك النص الأدبي حركة ديناميكية إلى الأمام ، و هكذا نلاحظ أنّ ثمة خيطاً سايكولوجياً يربط ( المثير ) بذهن المنشـئ و تداعياته – بمعنى آخر إن هــذا ( المثير ) اصبح الصورة الحقيقية الذي يمثل الحضور الفعلي في النسق الإشاري السميائي أو في نسق المنطوق الصوتي / لذاك الطيف الهيولي الغائب ، ما هو إلاّ شبح الفكرة أو الكمون الساكن في الوجه الآخر مـن ( المثير) 0 لهذا نجد إن الآلية المعرفية عند ( أرسطو ) تتمثل في (العلاقة المتبادلة بين المادة و الصـورة (( المضمون و الشكل )) فقد جعل الأولى عنصراً سلبياً و منفعلاً بالصورة الإيجابية الفاعلة التي تمنح المادة مقومات وجودها الحقيقي ، فحجر الرخام هو مادة بالنسبة للتمثال الصورة المتكونة منه و هي بهــذا المنظور تبقــى هيكــلاً كمياً إلى حين تحـــولها إلى وجـــود كيفي متحـــقق يتم عـبر اكتسابها صورة مطابقة ))(6) 0 لذا فـان ( ما ينتصب أمامنا هو الشكل الروحي في جسمانيته التامة الكاملة ، الإنسان كما هـو كائن 0 و هكذا يبدو النحت و كأنه تمثيل روحي الأكثر أمانة و الأكثر مطابقة للطبيعة )(7) 0 وفي ضوء هذه الآليات المعرفية في النظـر إلى المـادة و الصـورة ، أي بين الطيف الهيـولي و صـورته الحقيقيـة الحاضـرة عـرّف ( جاك ديريدا ) الكتابة : ( إنها النقش عموماً ، سواء كان ذلك حرفياً ، أم غير حرفي ، حتى و إن كان ما تم توزيعه في الفراغ ( المكان ) غريباً عن نظام الصوت 00 أي إن جاك ديريدا يوضح هنا ان الكتابة واحدة من الأشكال التي تمثل الأثر عموماً و ليس الأثر نفسه و إن فكـرة الأثر هي أنه يمكن أن يخضع لسؤال الماهية الأنطو- ظاهراتي ما الأثر هو لا شيء و هو ليس كيـاناً ، بل أنه يتجــاوز السـؤال الذي يقــول ما هو 00؟ )(8) 0 وفي ضوء هذا التعريف للكتابة فان الأدب هو : ( شكل من أشكال الكتابة ، و إن القصيدة أو القصة أو أي عمل ادبي هو بنية آثار - تلك الآثار التي تعرف إنها بصمات شبحية لا نعرف ماهيتها إلاّ إننا واثقون من كينونتها و وجودها 0 أما في حالة النقد 00 فعلينا أن نبدأ بالشك ، الشك الذي يستند إلى الإقناع ، فالناقد يشك في مظهر العلامة - كأن تكون كلمة ، وسطراً ، وقصة وتمثالاً وبورتريتاً 00ألخ- لأنه يحمل قناعة مؤداها إن ما يظهر هو ليس كل شيء ، بل هناك شيء آخر فنحن لا نكتفي بالأشياء كما هي ، بل نرغب بالبحث فيها و التوغل إلى أبعد من حدودها لاكتشاف أسرارها 00 لأننا نشعر إن ثمة شيئاً مفقوداً أو شيئاً غائباً كما نتصوره نحن و ندركه حسياً )(9) 0 و هذا الشعور بفقدان الشيء و تتبع أثره هو ما يسميه ديريدا بـ( الكتابة الأصلية ) و تعمل الكتابة الأصلية بصفة آثار في الموضوعات 0 فالآثار أشبه ما تكون بطبع الأقدام ( فمن هو الذي مشى على الرمال ؟ لقد مشى أحدهم وخلف وراءه آثار أقدامه في المكان )(10) 0 و هذا ما يجعل نظرتنا إلى الأدب على انه بنية ( غياب ) - و إن أي نص أدبي ما هو إلاّ بنيـة افتراضيـة ، وهمية ، تسعي بالقارئ إلى أن يتتبع أثرها ، لذا فان (المثيرات) المموضعة داخل النص تبدو لنا عبارة عن بصمات شبحية لوحدة المضمون الأدبي 0 و بالتالي يمكننا القول إن هذا الأثر الشبحي يمثل لنا المعنى ، تلك الكينونة المتعالية للموضوع - أي عندما نتتبع ذلك الأثر - هو كما لو إننا نتتبع المعنى العام لـه 0 و نستشف من ذلك على إن المعنى يبقى شبحه يرتسم أمامنا كبنية افتراضية ، المعنى مفقود و غائب لكننا نحـس بوجـوده في دخـائلنا و في إدراكنا الحسي لـه - أي إن الموضوع بحد ذاته يحمل في داخله وحدة ثنائية ذات قطبين ( الحضــــور / الغياب ) 0 فــ(المثيرات) يمكننا أن نقول إنها بصمات شبحية تؤكد على حضـور المعنى من خلال أرضنتها - أي تجسيد موضوعها المباشر ، المشار أليه - أي أن ( المثير) هو الحضور بينما الشيء نفسه يبقى غائباً عنّا 0 و السؤال الذي نطرحه هنا ، هل كل العلامات الدالة التي تكوّن النص الأدبي من خلال النسق السيميائي له أو المنطوق الكلامي تعمل كـ(مثيرات) موضوعية أو معرفية تحفز القارئ أثناء فعل القراءة لتحقيق إنتاج المعنى المخبأ داخلها 00؟ فالجواب هو كـلا 00 ليس كل علامة داخل النسق الإشاري تعمل بمثابة (مثير) فعلي يسهم في إرساء المعنى الغائب ، و لكن يمكن أن نقول إن (المثير) بمثابة بنية افتراضية أقام المنشئ بتخليقها أو صناعتها خصيصاً فهي تسهم بتشكيل أو نحت ( المنطقة المقدّسة ) من خــلال استـكشـاف القارئ لتـلك (المثيرات) – على أنها مراكز قوى تعمل كشفرات ، أو بؤر فكرية مركزة في تعزيز المعنى – أي إن تشكيل ذلك الطيف الهيولي / الغائب / الكمون الساكن في قلب (المثير) يقوم بتحفـيز القارئ فــــي تركيب أو نحــت ( المنطقة المقدّسة ) 0 فإذا كانت هذه المنطقة تشكل لدينا الصورة الحقيقية / الشكل المهيأ لاستيعاب الرؤيا الشــاملة للموضــوع 0 فان مجمــوع تـلك ( المثيرات ) تحفز وعي القارئ بتشكيل الجسـد الغـائب لـ(( المنطقة المقدّسة )) - هو الطيف المترجرج - أنه الروح الذي يجعل هذه المنطقة في حالة حركة مســتمرة 0 إلاّ إننا نرى في النقد التفكيكي ( إن العلامة غير وافية و ناقصة لذلك ينبغي أن تفهم على أنها - تحت المحو - under erasure و هو مصطلح صاغـه ديريدا ليشير إلى عـدم كفايـة العـلامات و نقصـها 0 فهي مكتوبة لكنها مع ذلك مشطوبة )(11) 0 و هذا عكس ما نريده عنــد اكتشــاف المثير / المحـرك لتدعيم الرؤيا - نحن هنا لا نقوم على أرجاء المعنى المنبثق من المثير من أجل اكتشاف مثير آخر يحل محل الأول داخل النظام النصي ، لأن من مميزات المثيرات هو اشتراكها أو تطابقها على صفات ظاهرية أو جــوهرية لتعزيز و إسناد ( المثير ) السابق على اللاحق في إنتاج الرؤيا حتى و إن كان النص الأدبي يحتوي على مثير واحد - فهو يعمل هنا كمركز بؤري على تشكيل ( المنطقة المقدسة ) / صورة الأثر الغائب للعمل 0 فيتبدى لنا إن ( العقل ) هو منطقة التفاعل في عملية تشكيل الرؤيا - فالوحدة الطيفية / ذلك الشيء الهيولي ، الغائب 00 و لكن لنسأل أنفسنا أين يكمن غيابه ، أو من أين يأتي ، ما منبعه 00؟ كي يجعلنا نستثير من اجل خلق وحدات طيفية ، و هذه الوحدات إما أن تكون متآلفة على تشكيل الرؤيا أو متقاطعة تعمل على التصادم المعرفي ، و هي من هذه الناحية أيضاً قد أصبحت محفزاً إيجابياً حركت ذهن القارئ على تشكيل رؤى مخالفة احتوت على جهازه المعرفي الخاص 0 لذا يبدو لنا إن ( العقل ) هـو مركز الكمون / مصدر الانبعاث الطيفي ، و هنا نمسـك بالميتافيزيقا من أجل خلق حالة من التأمل الإيجابي 0 و من هذا المنطلق أكـد السـميائي (أومبرتو إيكو ) هذا التشكيل الذهني من خـلال الفكر الهرمسـي و تأثيره على الظاهرة اللسانية : { إن هرمس المثلث بالحكمةtrismégiste ) ( سـيتلقى نبـوءته عـبر رؤيا أو حلم و سيتبدى له النوس (Noûs ({العقل} 0 و النوس عند أفلاطون هي الملكة المولدة للأفكار ، و هي عند أرسطو العقـل الذي يمكننا من التعرف على الجواهر 00 و كانت آثار هذا النوس مخالفة للابستمي بصفته علمـاً و لـ ) الفرونيزيـسphronesis ( بصفته تأمــلاً للحقيقة 00 و إن هذا النوس سيصبح في القرن الثاني ملكة للحدس الصوفي ، و الإشراق اللاعقلاني ، سيصبح ملكة للرؤية المباشرة و العفوية 00 و هو ما يحدث في السحر ، و هو ما يحدث أيضاً في الفيلولوجيا0 فالمبدأ العقلاني هو : (( تعلق اللاحق بالسابق )) سـيعوض بـ(( تعلق السابق باللاحق )) }(12) 0 و بهذا المعنى فان الآليات المعرفية لهذا النموذج الهرمسي في تحليله هذا يؤكد إن ( النوس ) العقل هو مركز العمليات المغيّبة – أي بمعنى إن أصل الحركة كامن فيه و عن طريق هذا العقل بإمكان الإنسان الكشف عن علاقات جديدة داخل هذا الكون تمكن الإنسان من الإنتاج و الفعل على صـياغة مثيراته الشخصية /الفيزيقية / الداخلية / النفسية / الروحية / الفردانية على إنتاج النص 0 لـذا فان هـذا الجـزء الذاتي الذي قـام ببلورة هذا ( المثير) و صياغته على شكل علامة سـميائية يُعدّ المهندس الفعلي المنبثق من خلايا الوعي المفترضة في دماغ الكاتب – يعطينا قدسية هـذا المثير و أهميته الروحية عند المنشئ 0 سنضرب مثلاً على ذلك : - ضمن نص (بوّابة النسيان الأبدي) للقاص عباس عبد جاسم نستخرج العلامة السميائية (نهـر النسيان)(13)0فـاذا عددنا علامة (النهر) ، مثيراً موضوعياً له حضوره الفعلي من خلال الخريطة السميائية للملفوظ أي باستطاعة القارئ ان يتخيل أي نهر في أي مكان من العالم ، فان كلمة (النسيان) قد نقلت هذا المثير من حالته الموضوعية المجردة إلى حالة أخرى هي ذاتية صرف حولت هذا المثير الموضوعي إلى ( مثير معرفي ) خاص بالكاتب ، إذ ليس هناك في العالم نهر يسمى بهذا الاسم 0 و نستشف من ذلك أن ( نهر النسيان ) قد أحتوى على قدسية ذاتية ، نابعة من روحية المنشئ ، إذ إن طيفها المعــرفي مـا زال غائـباً عنّا ، ولكـن في بعـض الأحيـــان إن (المثير المعرفي) يتحول إلى (جين معرفي ) يســـــهم في تركيب أو نحت ( المنطقة المقدّســـة ) نتيجة التفعيل القرائي بين القارئ و النص 0 و لكن كيف يحصل هذا التحول 00؟ نقول عندما يصبح هـذا ( المثير المعرفي ) ثـقيلا بحمولاته الدلالية و ذلك بفتح سجله على نصوص سابقة على هذا النص ، فان هذه النصوص السابقة تُعدّ مواداً أولية يتم التلاقح معها فكرياً و معرفياً 0 كما حصل هذا التحول للمثير المعرفي ( نهر النسيان ) الذي فتح سجله على استدعاء مواد أولية من خارج المتن – متمثلة بالمثير المعرفي ( عين الحياة ) المذكور في كتاب ( بدائع الزهور في وقائع الدهور ) لمحمد بن أحمد بن إياس الحنفي – و هي العين التي كان يبحث عنها ذو القرنين للحصول على الخلود المطلق ، فان هذا الاستدعاء الإيحائي لمرجعية (عين الحياة ) الذي تم التلاقح معه فكرياً و معرفياً في نص : ( بوّابة النســــيان الأبدي ) – قـد سحب ( نهر النسيان ) و جعله ( جيناً معرفياً ) ذات حمولة دلالية عميقة توحي بقدسية الكاتب الذاتية 0 و عليه فان هذا ( الجين المعرفي ) اصبح جزءاً من البُنى الذهنية التكوينية لعقل الكاتب ، يمثل جهازه المفاهيمي و المعرفي ، و الذي يتعالق تناصياً مع ملحمة كلكامش عندما يذهب هذا للبحث عن نبتة الخلود ، فالحصول على الخلود المطلق / ما بعد الموت أصبح جزءاً من قدسية الكاتب المعرفية 0 و من هذا التحليل السميائي للمثير نستدل على الوحدات الطيفية التي تعطي النص قدسيته - أي بمعنى إن قراءتنا للنص الأدبي يجب أن تكون قراءة بحث و تنقيب ، يتم خلالها استخراج المثيرات و التكهن على تلك الوحدات الطيفية الكامنة فيها ، فإذا ما تم التكهن بتلك الوحدات الطيفية / الغائبة عنّا يتحول المثير الموضوعي إلى مثير معرفي يسهم بشكل فعال في صياغة و بلورة هذا ( الجين المعرفي )الخاص بالكاتب ، و عليه فان هذه الوحدات الطيفية تمثل لنا الشعور الداخلي / المهندس الفعلي المنبثق من وعي الكاتب أو المنشئ في صناعة ( المثير )0 أي مدى الانفتاح الذي تعطيه هذه المثيرات و تجسيدها لشــبح ( المنطقة المقدّسة ) 0 و هكذا فان هذه المنطقة تتشكل من خلال حضور طيفها الغائب / الشبح الذي ترك آثاره في جسد النص ، فحضور هذا الشبح هو استدعاء ( رؤيا ) هذه المِنطقة ، و عليه فان هذه الرؤيا لا يمكنها أن تتشكل إلاّ من خلال التفعيل القرائي الناتج من تداخل أو تقاطع نص القارئ المتشكل ذهنياً مع نص المنشئ – أي من جرّاء ذلك اللقاء التفاعلي بينهما 0 لذا فان إنتاج المعنى – هو تحقيق ( بنية مكانية افتراضية / مخلّقة ) تدخــل في السيرورة التكوينية لتجسـيد طيف / شــــبح (( المِنطقة المقدّسة )) 0 المراجع والإحالات 1/ مجيد محمود مطلب / تاريخية المعرفة منذ الأغريق حتى أبن رشد - الموسوعة الصغيرة _ العدد / 72 بغداد 1980م0 2/ فردينان دي سوسور / علم اللغة العام - ت : د 0 يوئيل يوسف عزيز – مراجعة : د 0 مالك يوسف المطلبي – ضمن سلسلة كتب شهرية تصدرها دار آفاق عربية – عدد / 3 لسنة 1985م – ص / 33 0 3/ تيري ايغلتن / مقدمة في النظرية الأدبية / ت: أبراهيم جاسم العلي - بغداد/ 1992م 4/ سعيد الغانمي/ المعنى و الكلمات / الموسوعة الصغيرة - العدد316 بغداد 1989م 5/ سنكران رافيندران / البنيوية و التفكيك ، تطورات النقد الأدبي – ترجمة : خالدة حامد – دار الشؤون الثقافية / بغداد عام 2002م0 6/ مجيد محمود مطلب / تاريخية المعرفة منذ الأغريق حتى ابن رشد / الموسوعة الصغيرة / العدد 72 / بغداد 1980م0 7/ هيغل / فن النحت _ ت: جورج طرابيشي _ دار الطليعة _ بيروت 0 8/ سنكران رافيندران / البنيوية والتفكيك ، تطورات النقد الأدبي ، السالف الذكر 0 9/ المرجع نفسه 0 10/ المرجع نفسه 0 11/ المرجع نفسه 0 12/ أومبرتو إيكو / التأويل بين السيميائيات و التفكيكية / ت: سعيد بنكراد 0 13/ نص ( بوّابة النسيان الأبدي ) ضمن المجموعة القصصية ( بوابات أحمد المشهداني ) - القاص عباس عبد جاسم – بغداد 1994م 0
#محمد_علي_النصراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في خريف المآذن للشاعر باسم فرات
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|