|
خريف المآذن .. ونبرة الحزن المُبَجّل
رضا الخفاجي
الحوار المتمدن-العدد: 1527 - 2006 / 4 / 21 - 09:53
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
غالبية قصائد المجموعة الشعرية الثانية للشاعر العراقي المغترب باسم فرات تنحو منحى مأساوياً ، فالشاعر يسحبك الى عالمه منذ الوهلة الأولى / الملئ بالاحزان والخراب والحرائق ، هذا الشاب الذي اعتوره الالم مبكراً وقادته الغربة مصادفة الى عذابات لا تنتهي .. باسم فرات الشاعر منذ القصيدة الاولى يريد ان يقول لك كل شيئ في جملة واحدة لكنه لا يستطيع ، ربما كان مبرراً له أن يرثي انكساراته ويدمي أحلامه بهذا الأسلوب المأساوي ، عندما كان في بدايات شوط الغربة .. لكننا وبعد مرور عقد من الزمن نشعر بحريقه الهائل الذي ربما لن ينطفئ أبداً ، ان عدم استطاعة الشاعر معايشة الواقع الجديد رغم مغرياته المادية والمعنوية يعني ان هذا الشاعر الأصيل المنتمي يكتب بدمائه ويستنزفها قطرة قطرة وهو بكامل وعيه ، هذا الفتى السومري الكربلائي ، الذي خرج في ليلة من ليالي الوطن المرعبة ، استطاعت الحالة الجديدة ، بكل معطياتها ان تسكت لحظة من ألم حنينه الى بغداد وكربلاء ( ونهر الحسينية ) والبساتين الممتدة على جانبيه من باب الطاق الى باب السلالمة الى أبعاد الروح ما زالت تضايق روحه وتسكن في دمائه !! رغم صدمة الرعب الهائلة والاختراقات القاتلة التي طعنت الروحية العراقية في الصميم! تركتني أحلامي ومضت على الشبابيك تركت تلهفي والابواب تركت عليها خيباتي انه لحد الآن لم يغادر منزله ، فهو في حالة عناق أبدي مع امه التي لم تصدق هي الأخرى أن فرات قد غادرها حقاً !! أي الأزقة تفتح قمصانها للغريب أعلّق على الجدران انكساراتي وأتوسّد الحنين هذه القصائد كان يمكن لها ان تحوز الكمال ، لو كان الشاعر ممسكاً بزمام المبادئة ، منذ اللحظة الاولى التي احتدم فيها الوعي باللاوعي لذلك أحسستُ كمتلقي ببعض الانقطاعات المفتعلة التي حاولت منعي من التواصل الصميمي مع روحية القصائد وعوالمها ، فالغموض المفتعل رغم قلته قد أصاب بعضاً من القصائد بالترهل والارتباك وهذا أمر يجب الحذر منه بخاصة في قصيدة النثر التي تعتمد على موسيقاها الداخلية فقط والتي لا يتفاعل معها كل من يقرأها الا الذي يتوفر على حرفية وذهنية شديدة الانتباه ، عكس قصيدة التفعيلة والقافية التي كثيراً ما تساعد الشاعر وبخاصة في حالة قراءتها أمام الجمهور وذلك للتأثير المباشر التي تحدثه القافية والوزن حتى لو كانت القصيدة متواضعة بمضامينها ورؤاها ! وهذا الاحساس يقودنا الى ضرورة البحث في مسألة جوهر الشعر حيث أكدتُ في مقالات كثيرة على التفريق بين الوضوح الشعري والوضوح التقريري ...! فالحالة الشعرية الخالصة والصادقة هي التي تجسد جوهر الشعر بكل وضوحها الفني وقدرتها التأويلية العالية واسلوبها السهل الممتنع .. بعيداً عن الزخارف والتهويمات الغير مبررة فنياً وموضوعياً .. لاحظ الشاعر كيف يدخل في حالة جوهر الشعر عندما يقول : أبي يا أبي أوكلما توغّلتَ في موتك أهلتَ التراب على أحلامي هذه قصيدة كاملة ، وهذا هو الوضوح الفني في الشعر، والذي ليس له علاقة حتماً بالجمل التي بعد هذا المقطع مباشرةً من نفس القصيدة ، هذا مثال واحد من أمثلة عديدة ... ومع ذلك يظل باسم فرات الشاعر صوتاً مميزاً تؤكد شاعريته الأصيلة كل ابداعاته وانجازاته الادبية في المجموعتين وفي غيرهما بالتأكيد لأنه نشأ وترعرع ونما في بلد الحضارة والانسانية ، فكان لابد لأنسانيته النبيلة ان تبزغ مفاهيمها وقيمها في أعماله الادبية لتكون خير معبر عما يحمله هذا الانسان من عذابات وآمال وحرائق وانكسارات وحب خالص للحياة التي يتطلع إليها برؤية مستقبلية مشرقة بالتأكيد والا ماكانت هذه القصائد المتجاوزة الاهلة بكل هذه المشاعر الانسانية النبيلة ! وهذا ليس انحيازاً عاطفياً اطلاقاً وعندما تسنح فرصة اخرى سنتكلم بالتفصيل عن ابداعات هذا الشاعر الواعد في زمن تكاثرت فيه الكتابات المتواضعة البائسة بمحتوياتها والتي لا تستحق القراءة بالتأكيد .
#رضا_الخفاجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في روما.. يختبر السيّاح تجربة جديدة أمام نافورة -تريفي-
-
لغز مرض تسمم الحمل الذي حير العلماء
-
-بايدن قد يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته- -
...
-
قلق على مصير الكاتب صنصال إثر -اختفائه- بالجزائر بظروف غامضة
...
-
هل نحن وحدنا في الكون؟ ماذا يقول الكونغرس؟
-
مشاهد لآثار سقوط صواريخ لبنانية في مستوطنة كريات أتا (صور +
...
-
-حزب الله-: إيقاع قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح
-
مشاهد لـRT من موقع الضربة الإسرائيلية لمنطقة البسطة الفوقا ف
...
-
مجموعة السبع ستناقش مذكرات التوقيف الصادرة عن الجنائية الدول
...
-
لماذا يضاف الفلورايد لمياه الصنبور وما الكمية الآمنة؟
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|