|
تنويع التعليم في مرحلة التعليم قبل الجامعي (النّظامان: التطبيقي والاحيائي أنموذجًا)
إحسان عمر الحديثي
الحوار المتمدن-العدد: 6134 - 2019 / 2 / 3 - 21:26
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
مِمَّا لاشكَّ فيهِ أنَّ تطوّرَ البلدان وتقدمها يُقاسُ بمدى تطوّرِ أنظمتها التعليمية، بما يحقق رسالتها في الحياة، ويتوافق ونظرتها إلى الإنسان وتنميته. إنَّ كلَّ معايير القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية للدول اليوم، نتيجةٌ حتميةٌ لاهتمامها بالتعليم بوصفه مفتاح التنمية وتحقيق الرفاه، لذا تجدها في مراجعة مستمرة لأنظمتها التعليمية وفي سباق محموم نحو أخذ زمام المبادرة للارتقاء بتلك الأنظمة وتطويرها. والعراق من الدول التي تهتم بالتعليم على نحو كبير جدًا، وسياساتها وأهدافها تصبُّ في ذلك، ولكن تطبيق تلك السياسات لا ينسجم وذلك الاهتمام لكون عمليات الإصلاح عادة ما تكون (ترقيعيَّة) وبعيدة عن الواقع، فعدد من المناهج التعليمية والدراسية على سبيل المثال تجدها متطورة على نحو قد يفوق مناهج عدة دول متقدمة، وهي فضلًا عن ذلك تكتنفها صعوبة قد تفوق في مستواها إمكانيات المعلم والمدرس العلمية، وغالبًا ما تجدها بعيدة عن حاجات المتعلمين واهتماماتهم، بل وبعيدة عن حاجات السوق، أي أن هناك فجوة كبيرة بين ما يتلقاه المتعلم في داخل المدرسة من معلومات وبين الواقع الذي يعيش فيه، مما يفقد المناهج عنصري الجذب والاهتمام، وتصبح في نظرة المتعلم اليها، مجرد أداة للنجاح لا أكثر. لذا لا نستغرب عندما نقرأ التقرير السنوي لوزارة التخطيط الخاص بالتعليم، الذي يشير إلى أن اكثر من مليون متعلم خارج عملية التعليم، فالبنى التحتية للتعليم بدءًا بالمنهج والبيئة المدرسية والمعلم وإدارات المدارس والإشراف وصولًا إلَى نظام الامتحانات وغير ذلك مِمَّا يَستَدعي قيامَ ثورة في الإصلاح والتغيير . فإصلاح واقع التعليم في ظل متغيرات العصر وتحدياته أصبح أمرًا مُلِحًّا وضروريًّا لوقف الهدر الحاصل في الموارد البشرية ووقف نزيف تسرب التلاميذ والطلبة، وذلك عن طريق إيجاد حلول جذرية وليست ترقيعية تشمل المنظومة التعليمية بمفاصلها كافة، وعلى المستويين في التعليم العام والتعليم العالي والبحث العلمي. وهنا يأتي الحديث عن مشروع (الإحيائي والتطبيقي)، الذي شرعت وزارة التربية تطبيقه عام 2016 ، بوصفهِ أحد المشاريع المهمة في تطوير التعليم قبل الجامعي، فعلى الرغم من التحديات والمشكلات التي برزت في أثناء تطبيق المشروع، إلا أنَّ ذلك لا يعني إلغاءه والتّراجع عنه كما يروم البعض، بل على العَكسِ من ذلك إذ يَنبَغي تطويره بما يحقق الأهداف المَرجوة من تنويع التعليم ويعزز من فرص الاستجابة للطلب المتزايد على التعليم. فمشروع تنويع التعليم وايجاد أنواع اخرى في المجال الرياضي والزراعي والصناعي والتجاري والتربوي والسياسي والاجتماعي واللغات والفنون ، هو من أجل تحقيق مبدأ حق التعليم للجميع، وتأكيد مبدأ تكافؤ الفرص التربوية بين أبناء الوطن ، لأنَّ هناك أفرادًا تختلفُ قابلياتهم من فردٍ لآخر فضلًا عن اختلاف اهتماماتهم وميولهم، ومن ثَمَّ فإنَّ تنويع التعليم بحسب قابليات الأفراد والاهتمامات والميول سيصب في تعليم جميع الأفراد ما يتمنون تعلّمه من مهاراتٍ ومهن وفنون ولغات، وصولًا إلَى ضمان استدامة تعليم الأفراد وتنمية مهاراتهم وتحقق طموحاتهم ووقف نزيف تسرب الطلبة من مراحل التعليم المختلفة. إنَّ الغاء المشروع سيغلق الباب أمام أيِّ محاولات أخرى للإصلاح في المستقبل ؛ إذ ليس من المعقول أن أي قرارات تتخذ في عهد وزير ما يتم الغاؤها حال مغادرة هذا الوزير أو ذاك، من دون التفكير بمصير الأجيال، فالطلبة ليسوا حقلًا للتجارب ولا مستقبلهم يتحمل المزيد، فضلًا عن ذلك التفكير مليا بما يسببه الإلغاء من هدر مالي كبير جراء تغيير المناهج على وفق نظام (الاحيائي والتطبيقي). من هنا تأتي المطالبة بالتأني ودراسة المشروع جيدًا، ومعالجة الأخطاء التي رافقت تطبيقه، فليس هناك عمل إلّا ويرافقه تلكؤ أو خلل، وعلى التعليم العالي والبحث العلمي أن يوسع من خياراته أيضًا، فهو الآخر مطالب بالتوسع في ميادين العلوم المختلفة، فأعداد خريجي التعليم قبل الجامعي في ازدياد، ولم يعد من المقبول أن تبقى الطاقة الاستيعابية للاختصاصات الطبية وغيرها في الجامعات هي ذاتها، كما لم يعد من المقبول أن نبقى حبيسي الاختصاص الاكاديمي (علمي وادبي) من دون الاهتمام بالفروع العلمية الأخرى. أخيرًا.. لابد لمشروع تنويع التعليم أن يفتح المجال واسعًا أمام مجالات علمية اخرى تلبي طموحات الأفراد من جهة، وحاجة السوق من جهة أخرى، ووفق مشاريع الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم العالي 2022، وأهداف التنمية المستدامة 2030 . أختم بقول رئيس تيمور الشرقية جوزيه راموس هورتا الحاصل على جائزة نوبل للسلام 1996 : (أي أمة تريد أن تنهض من جديد، فليس هناك ما هو أفضل من ان توفر لأبنائها التعليم، وإذا أردنا السلام والعدل والتمتع بالوظائف والرخاء وأردنا لشعب ما أن يتحلى أفرادهُ بالإنصاف، فليس هناك من مكان آخر للشروع فيه بهذا المسعى غير المدرسة)
#إحسان_عمر_الحديثي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|