|
على مائدة عشاء مهلِك
جواد كاظم غلوم
الحوار المتمدن-العدد: 6134 - 2019 / 2 / 3 - 12:49
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
أرغمت على قبول دعوة عشاء من قبل عائلة ابني في احد المطاعم التي تسمى فاخرة لكني من وجهة نظري أهجسها مهلكة ومؤذية ؛ فانا لا ارتاد هذه الأماكن ولا استسيغ ماتقدم من صحون ويكفيني طبق اختاره بنفسي وأقوم بإعداده وفق هواي ومزاجي ومدى نفعه والحالة العمرية التي تتطلب انتقاءً مدروسا للطعام خاصة لشيخ يدنو من الهرم مثلي . ذهبت معهم جمعا للشمل والالتئام طالما أحفادي يحيطون بي وهذا مبعث سعادتي ومناي . طلبت طبقا من السلطة وأوصيت النادل باختيار محتوياته وفق ما ارغب وطبقا آخرَ من الأوراق النباتية الخضر بينما طلبتْ عائلة ابني أنواعا من " الغذاء الغربي " يشمل الهامبرغر واللحوم الحمراء المشبعة بالدهون ولمحت احدى حفيداتي وهي تؤشر على طعامي وتوصي أباها ان يجلب لها مثل ما أردتُ أنا وقد سمعت صوتها رغم خفوته وهي تقول لأبيها : " ان جدي يعرف كيف يهتم بصحته وقلما يمرض فما زال في أتمّ عافيته ويقرأ ويكتب بعقل نشيط وارغب في ان اكون مثله من الان حتى اكبر وأنمو وفقا لطباعه " هذه الحفيدة الصغيرة النابهة كثيرا ماتراقبني في البيت وأنا أعدّ طعامي ، ومرةً جمعتُ انواعا من الخضار في طبق كبير وبدأت امضغها بعد ان غسلتها جيدا وقد صدمتُ بكلامها الواخز وهي تقول لي بكل جرأة وصلافة أنني آكل مثلما تأكل الخراف وبقية المواشي من الأعشاب الخضر ؛ وقد علّقتُ على كلامها وأنا ألقنها معلومة بان هذه المواشي لم تُصب يوما بأمراض ضغط الدم والسكّري الشائعة عندنا ولم تتعرّض الى ايّ نوع من الجلطات او السرطانات المنتشرة لدى بني البشر ولهذا ترين معظمها بصحة جيدة وذات لحوم مكتنزة وتسابق الريح في حركتها وأنشطتها ... ولم ترد عليّ وكأنها اقتنعت بوجهة نظري . وصل النادل حاملا بما أكره من الطعام غير النافع لمن أحبهم حبّا جمّاً ؛ وهنا ثارت ثائرتي وكان لزاما عليّ ان أبوح مالديّ من نصح جارح ولو كره الآكلون بعد ان رأيت على المائدة ما لايخطر على البال من الاطعمة الضارة تقدّم الى من أحبّ من شطائر الهوت دوغ والاصناف الشبيهة لما تقدمه مطاعم الماكدولاندز والبرغر ولم أعبأ باللياقة في الكلام وأصررت على تنغيص ما سيأكلونه منوّها ان هذه الاطعمة الحاوية على نسب عالية من الشحوم ومن السكّريات المصفاة واللحوم الحمراء تعد من الاطعمة الالتهابية الضارة جدا وتقود الى ما لاتحمد عقباه اضافة الى مؤداها الى السمنة المفرطة وما يتبعها من الاسقام والداء المزمن مثل السكّري والخَرَف المبكّر وزيادة احتمالات الإصابة بالسرطانات . ليس هذا فحسب انما تؤدي ايضا انجرافات في الجينات الوراثية ( Epigenetic drift ) فتسرع في الشيخوخة المبكرة وتحطّ من خلايا الجسد وبالأخص الخلايا العصبية وتتنامى بكثرة خارج اطار نموّ الجسد الطبيعية المتعارف عليها وتتحدى السيطرة المناعية التي ضعفت هي الأخرى بسبب تناول مثل هذه الأغذية الماثلة أمامنا باعتبارها أغذية إلتهابية ، وهذا النظام الغذائي المستحدث المبتكر من الغرب يعتبر غريبا على ما يألفه الجسد من الأطعمة الليفية الغنية بالخضار والفاكهة مما يسمى عندنا غذاء البحر المتوسط ، وهذا مايفسر لنا غياب الأمراض المزمنة السائدة حاليا مثل أمراض القلب والسكري وتصلب الشرايين والسرطانات المتنوعة لدى أسلافنا الأوَل وانتشارها بشكل مفزع لدى الاخلاف والجيل الحالي المنغمس كليا بمثل هذه الاطعمة الدخيلة الضارة جدا . اعترف اني تماديت في وقاحتي في النصح بشكل متعمّد مؤكدا ان هذه الأطباق الضارة التي أمامي تسمى أطعمة التهابية ( Proinflammatory ) مخربة للجسد وبالضد من هارمونيكا النموّ المعتاد لانها تنحو منحى متعرجا وسريعا باتجاه الشيخوخة ولا تكتفي بهذا بل تفعل فعلها السيئ في شيخوخة الخلايا كلها فتتيح المجال للخلايا السرطانية النهمة الأكولة الأشعبية ان ترتع وتمرح وتعبث في الجسم معاندةً للضوابط والترتيب النمطي المؤتلف داخل الجسد فتعبث بالجهاز المناعي وتضعفه ولا يخفى ما لأشعب من حكايا في تراثنا العربي اذ رأى مرةً قوما يأكلون على مائدة خوان فسألهم ماذا يأكلون فأجابوا انهم يأكلون سمّا زعافا ولم يعبأ بما قالوا وبدأ ينهم الطعام بشراهة وهو يدمدم : الحياة بعدكم حرام ولا تساوي شيئا ، دعونا نمت معا خلاصا من هذا الزمان المجحف . هكذا هي الاطعمة التي تصطف امامي لا أراها الاّ سموما تبدو للوهلة الأولى شهية مشبعة ذات مرأى جميل فيقبل عليها المرء اقبال النهم ويسيل لعابه طمعا بها دون ان يدري انها ستفتح مجرى الأمراض لتسيل في جسده وترخي مناعته وتعيث بعافيته وتنهم ما تبقّى من عمره نهم الوحوش الجائعة على لحوم طريدتها ؛ فالطعام الصحي المنتخب غذاءٌ ودواءٌ وشفاءٌ لا شقاء وعناءٌ .
#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتابة التأريخ .. تزييف الحقائق وتشويهها وانقلابها
-
غزوات ٌ وغاراتٌ بريّة أم فتوحات ؟؟
-
أما من مزيد
-
دكاكين وعيادات تجميل أم تقتيل ؟!
-
عتابٌ الى أبي الطيّب المتنبي
-
متى تلامس مؤشراتُ الرفاهية العراقَ المحزون ؟؟
-
حديث وسط خضم الفوضى
-
ماراثون الى الوراء
-
قصيدة بعنوان / اسمك القصيدة
-
وحشية الذئاب البشرية وإنسانية الذئاب البرية
-
نومٌ وخدَرٌ شجاعٌ
-
نوماً آبِداً وخدَراً خالداً
-
اهزوجات رخيصة بائسة جعلت الفقراء أثرياء
-
قصيدة - زبانية الحروب -
-
صيد الأفيال ثم تطييرها في الأعالي
-
المعوقون في أرض السواد والحداد
-
بعض الجرعات مستساغة لإرواء النفس بالسعادة
-
عندما يأخذ الموت منّا أحبابَنا
-
يا فرحة ما تمّت
-
اسمٌ آخرُ جديد للعراق
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|