|
إدماج الكتابة الإنشائية في الدرس الفلسفي
المامون حساين
الحوار المتمدن-العدد: 6132 - 2019 / 2 / 1 - 19:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن تدريب التلاميذ على التفكير الفلسفي بأنفسهم من خلال تعاملهم مع النّصوص ،و تدريبهم على الكتابة الفلسفية ليس بالأمر اليسير وذلك لأسباب عدة أبرزها كون المادة- مادة الفلسفة – جديدة كليا على التلميذ في المرحلة الثانوية أن من جهة الموضوعات وطبيعة المقاربات الفلسفية وان من حيث المنهجية وطرق التفكير والكتابة. فمن خلال تعاملهم مع النّصوص والأقوال والأسئلة الفلسفية – على اختلافها – يتعرّف التلاميذ على خصوصية التفكير الفلسفي من حيث هو تفكير يقطع مع البداهات العامّة و الأحكام المسبّقة و يطرح إشكاليات يسعى إلى حلّها بكيفية منهجية . غير أنّ المطلوب ليس أن يتعرّف التلاميذ على تفكير الفلاسفة ، بل أن يفكّروا هم بأنفسهم تفكيرا فلسفيا ، و أن يكتبوا هم بأنفسهم و أن تكون كتابتهم فلسفية اقتداء بالفلاسفة و من خلال التحاور معهم ، ويحترم العناصر المطلوبة في كل صيغة فلسفية وسواء كان نصا أو قولا أو سؤالا، و لكن كيف يمكن للتلميذ أن يمتلك كلّ هذه القدرات و أن ينسّق بينها في موضوع إنشائي متكامل إن لم ندرّبه على ذلك تدريجيا في حصص دراسية نموذج فيها بين الكتابة الإنشائية في الدرس الفلسفي؟فما هي أهمّ هذه القدرات التي ينبغي استحضارها أتناء انجاز الدرس الفلسفي؟ ما هي التمارين التي يمكن اعتمادها لتدريب التلاميذ عليها ؟ كيف يستعدّ الأستاذ لهذه التمارين ؟
في المفهوم: إن المقصود بانجاز الدرس وفق مهارات الكتابة الإنشائية، وهو بناء الدرس الفلسفي على الخطة المنهجية التي يُختبَرُ على أساسها المتعلم، عندما يطالب بإنجاز موضوع إنشائي. فإذا جرت العادة، أن يختبر في إحدى الطرائق التالية: نص فلسفي ، قول فلسفي ، سؤال فلسفي، وجب أن تكون طريقة الدروس، على الاحتمالات التلات. في الأهمية: إنه لا يعقل، أن نمارس التعليم دون أن نَعْلَم ماذا ندرِّس، و لا يعقل، أن ندرِّس دون أن نعرف الكفايات والمهارات التي ننشدها. أما الطريقة التي نختارها كهمزة وصل بين منطلق الدرس، و مبتغاه، فإنه تتحكم فيه، عدة شروط متداخلة، منها طبيعة الدرس و نوع الأهداف المرتسمة، و خبـرة المدرس و شخصيته، و مستوى المتعلمين في الدرس. و إذا ثبت لنا ذلك، عرفنا أنه، لا معنى لتدريس الفلسفة في السنوات التلات(الجذع المشترك، السنة الأولى ، السنة الثانية)، إذا لم يكن مدخلا أو نموذجا يحتذى به، من الناحية المنهجية على الأقل. فهو في نهاية هذه السنة، يرتبط بامتحان اشهادي لشهادة البكالوريا، و النجاح فيها،والحصول على نقطة جيدة في مادة الفلسفة يتوقف على العلاقـة المثمرة بين إنجـاز الـدرس، و إنجاز الخطوات المنهجية، و الفوز فيها أيضا، معناه فــوز الـمادة و أساتذتِها و تلامذتها المتعلمين و تعليميتها. فادماج المنهجية في صياغة وانجاز الدرس الفلسفي هي، إذن طـريقة تجتمع فيها، حاجة المتعلم النظرية، وحاجته التطبيقية، حيث يتعلم الخطوات المنهجية عن طريق بناء الدرس الفلسفي. 3 ـ علاقتها بالدرس الفلسفي إن علاقتها بالدرس، تتجلى في مستويات ثلاثة: في مستوى العلاقة المنهجية، و في مستوى العلاقة العملية-السلوكية، و في مستوى العلاقة التسخيرية. أ ـ علاقة منهجية إن لهذه العلاقة، أهميةً أساسية من الناحية البراغماتية، إذ لم يعد المقصِد تقديمَ معرفةٍ للتلميذ من خلال الدرس: إن المقصِد الأساسي الذي يجب أن يسعى إليه الدرس، هو أن تكون له، وظيفة منهجية. فبإلمام المتعلم بشتى النظريات و المواقف، و بامتلاكه للمادة المعرفية، دون اقتران ذلك، بطريقة الاستعمال، كل ذلك، لا يعد إلا عمـلا مجانيا لا نفع فيـه . و عليه، فإن الدرس الفلسفي، يهتم بنمو القدرات العقلية و تحويلها إلى كفاءات، كالنقد و التحليل و المقارنة و البحث، و يسعى إلى دفع التلميذ، إلى استعمال أسلوب الحجاج و أسلوب الاستدلال. و إننا بعملنا هذا، لـننمي لديه، الملكة على التفكير المحكم، و استخدام أساليب التدعيم، و النقد، و التحليل المنطقي، و حب التنظيم. إن قراءة لمنهاج الفلسفة والمذكرات الوزارية الصادرة في هذا الباب ، تحتوي على جملة من الكفايات، وعلى محاور معرفية محددة، تختلف شكلا و مادة، حسْب الشعبة، و السنة الدراسية. و نحن مطالبون بتدريسها كاملا، وتطوير مهارات المتعلم، و تجسيد أهدافها ميدانيـا. وذلك بتوظيف وسائل تربـوية، من دروس و نصوص ووضعيات اختبارية.... ب ـ علاقة عملية- سلوكية و لكننا على الرغم من استخدامنا لهذه الوسائل ـ إذا تحدثنا عن الفترات الأخيرة ـ فإننا لا ندعي بأننا تجاوزنا الأهداف النظرية المرسومة للارتقاء إلى واقع السلوكات، و الممارسات لدى تلامذتنا، لأن الاكتفاء بالاستقرار في هذه الغايات المجردة، لا يضمن لنا إطلاقا، أنهم تمكنوا من البرنامج، تمكنا سلوكيا و ميدانيا. و هنا، نود التركيز على أنه لا يجب أن تذهب جهودنا المدرسية عبثا، فإذا نحن اجتهدنا، فلا بد من أن يكون اجتهادنا هادفا و ملتزما. و انطلاقا من هذا المبدأ، و بوحي من منطق النجاعة، يحق لنا أن نتساءل: من هو المتعلم الموفق؟ فهل هو الذي يهضم الدرس بكل تفاصيله، أو هو من ينجح في بناء انشاء فلسفي يحترم الخطوات المنهجية؟ فإذا كنا نعرف أن الناجح في البكالوريا مثلا، هو الناجح في بناء موضوع إنشائي ، عرفنا ما هو المقصِد الأساسي الذي يجب أن يسعى إليه الدرس الفلسفي، طبعا اضافة البعد القيمي. إن المدرس الذي لا يدرك هذه الحقيقة، يُخشى أن يقف تأثيرُ مهمته، عند باب القاعة، و ذلك، لأننا نلاحظ أن التلاميذ المتعلمين يهضمون أحيانا، كل الدروس، حفظا واستظهارا أو فهما وإدراكـا عن طريق الشرح والإلقاء، ولكنهم يجدون صعوبة، في كتابة موضوع إنشائي. و خلاصة ما يعني هذا، هو أننا في دروسنا، نقدم لهم الوسيلة الخرساء، و نسكت عن طريقة استعمالها. و هذا يعوقهم بالطبع، عن تحويل قدراتهم الكامنة، إلى عمل ملموس. إنهم يجدون أنفسهم ضائعين بين الدروس و النصوص و الكتاب من جهة، و بين الكتابة الانشائية من جهة أخرى، و لا يدركون جيدا، العلاقة بين هذا و ذاك حيث لا تنسيق و لا تكامل، و كأن الدرس مثلا، أمام هذا التشتت و التفكك، مستقل عن مهارات الكتابة الانشائية تمام الاستقلال. و نحن لا نفشي سرا، إن قلنا بأن تلامذتنا أصبحوا اليوم، يميلون أكثر إلى البحث عن النقطة في مادة الفلسفة و التقدير و الحسابات، بحكم قلقهم على مصائرهم، و حرصهم على تحقيق أهدافهم المنشودة، و بحكم إيمانهم بالفلسفة البراغماتية. ج ـ علاقة تسخيرية إن الهدف من هذا الكلام، هو السعي إلى تسخير كل نشاطاتنا، و على رأسها الدروس في مختلف المستويات التلات (الجذع المشترك، السنة الأولى و السنة الثانية بكالوريا)، خدمة للكتابة الانشائية فضلا عن المناقشة الفلسفية. و عليه، فلم يعد يكفي المدرس عرضُ الدرس ـ مهما كانت هيكــلته ناجحة، من ناحية الاشكلة والمفهمة والحجاج... و بل أضحى ساعيا إلى البحث عن سبل تسخيره لتوصيل إشكالات الدرس الفلسفي، و لإعداد التلميذ لإنجاز الموضوع الانشائي بوجه أخص. و انطلاقا من هذا المسعى البيداغوجي، يكون التلميذ ـ بـدءا من فهمه للدرس ـ قد تقدم في الاطلاع على مفاهيم السنة الدراسية، و قد تهيأت له أسباب الكتابة الإنشائية. لقد أهملنا هذه العلاقة الموجودة بين انجاز الدرس الفلسفي و ادماج خطوات الكتابة الانشائية، و تسببنا أحيانا، في تشــويش الصورة السليمة التي كان يجب أن نحملها عن الكتابة الانشائية، إلى تلامذتنا. هذا، و إن طمس هذه العلاقة أو تجاهلها، و الاعتقاد بأن الدرس لا يخدم الكتابة، و أن كل واحد منهما مستقل عن الآخر استقلالا مطلقا، لهو انزلاق منهجي و تربوي خطير، على أن هذا، لا يعني بتاتا، الخلطَ بينهما، و تذويبَ خصوصيات كلٍّ منهما. إن المنطق التربوي يقتضي أن نطالب التلميذ بما يتلقاه في حصص الـدروس. فإن كان ما يتلـقاه فيها، لا يمكنه من الاهتـداء بها إلى الكتابة الانشائية ـ فضلا عن أننا إذا كلفناه بكتابة موضوع، لا نعززه بنموذج ـ فإنه لا يحق لنا عندئذ، أن نَقْلـَقَ لفشله، لأن العيب عيبُنا، و لأننا فسخنا معه، التعاقد التربوي المبني مند بداية الموسم (عقد النجاعة). هذا، و يحملني أسلوب الإيضاح إلى القول، بأن هناك من جهة، فرقا بين أن نشرك المتعلم مثلا، في صناعة أحذية، و نطالبه بعد ذلك، بصناعة حقائب، و بين أن نعلمه المبدأ المشترك في الصناعتين، من جهة أخرى. فنحن لسنا مطالبين بتعليم التلميذ كيف يدرِّس الفلسفة، و إنما بتعليمه كيف يجب أن يستثمر الدرس لإنجاز موضوع إنشائي و ما تفترضه من كفايات أو لحل وضعية مشكلة. في النهاية لابد أن نتفق على أنّ الدرس الفلسفي بناء فكري و تماسك منطقي، فإذا كان المقصد من تدريس الفلسفة هو دفع التّلاميذ إلى الانخراط في تجربة فلسفيّة ذاتيّة و امتلاك الكفايات اللازمة للكتابة الإنشائية، فانّ نجاح هذه المهمّة التّربويّة يتوقّف على مدى التزام المدرس في الحصّة بآليات الدرس الفلسفي و ثوابته لأنّ الفلسفة كتكفير، و بالنظر إلى مستواها المنطقي، هي نزوع إلى النسقية في عرض التصورات و المواقف. فلا معنى للمعارف و المعلومات التي نقدمها خارج التماسك المنطقي لمحتوياتها. التماسك المنطقي الذي يضمن الحصانة لدروسنا و القوة في تبليغها و الأثر في تثبيتها، في خطوات منهجية تنسجم مع مطالب الكتابة الإنشائية للامتحان الاشهادي. لدلك فان منهجية بناء خريطة الدرس في أي مفهوم، يمكن القول بأن المدرس وحده يقدر الأسلوب المنهجي الذي يناسب المقام، والدي يستحضر دمج خطوات الكتابة في بناء الدرس ، و له الحرية أن يتبنى ما شاء منها، شريطة استجابتها للأهداف الجزئية التي يرمي إليها المنهاج، و الكفايات التي يستهدفها، و طبيعة المفهوم الذي يعالجه، مهما كانت الاختلافات المنهجية الموجودة بين الأساتذة من درس إلى آخر،وفي الدرس الواحد، فإن هناك في مجال التخطيط، ثوابت أو محطات لا يستقيم بدونها و بسهولة، الفهمُ و لا التفكير وهي الاشكلة والمفهمة والحجاج وهي رهانات الكتابة الانشائية.
#المامون_حساين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة أطفال الشوارع بالمغرب : نحو فهم سوسيولوجي
-
الفضاء التربوي لجمعية النجد منارة للعلم والتربية
-
الجديدة كمدينة اسمنتية
-
لماذا يكرهوننا؟
-
بكم ستبيع صوتك؟
-
الدرس الفلسفي في حاجة لعدة بيداغوجية متجددة
-
القراءة كخبز يومي
-
المرأة من يبنغي أن يقرر في الاجهاض
-
تدريس الفلسفة بالمغرب: آفاق وتحديات المهنة (حوار صحافي مع ال
...
-
من يشتري البكالوريا ؟
-
جميعة قدماء بئر انزران تنظم الايام التواصلية
-
في رحيل السوسيولوجي محمد جسوس
-
رابطة جنيف لحقوق الانسان تنظم مناظرة وطنية لنوادي المناظرات
-
ندوة تحسيسية حول المخدرات والتدخين
-
الانتفاضات الورقية للنقابات
-
تخليد الذكرى بالثانوية التأهيلية بئر أنزران
-
لا وصاية لكم على عقولنا
-
هل أصبحنا عنصريين؟
-
نحو تعريف لعلم الاجتماع
-
المدرسة كفضاء للتربية الديمقراطية
المزيد.....
-
الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
-
من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل
...
-
التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي
...
-
هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
-
مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
-
إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام
...
-
الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية
...
-
الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|