|
ماذا نفعل..هل سنبقي هكذا مستسلمين.
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 6129 - 2019 / 1 / 29 - 10:49
المحور:
المجتمع المدني
سؤال لا يطرحة إلا الشباب.. فالمسنين الذين لم يعد لديهم الكثير من الزمن .. يهتمون بأن ينهوا حياتهم و هم علي وفاق مع السماء .. إما بالحج و العمرة ..أو بالإنتظام في أداء الطقوس ..أو بالدعاء الذى لا يتوقف أن ينجيهم و الأبناء و الأحفاد .. من الطوفان القادم . الشاب الذى ولد وفي فمة معلقة ذهب .. يستخدم كل إمكانيات عائلته في أن يتعلم جيدا .. و يستمتع بعمق .. و يستحوذ علي وظيفة أو منصب مرموق ..و قد يهاجر أو يحتمي بقلعة من القلاع التي تقام اليوم لتمنع عن المترفين ..نظرات و حقد من يحسدهم و يفكر في العدوان عليهم . الشاب الذى ولد في طبقة متوسطة تحارب من أجل البقاء .. يطمع في إختراق الأبواب الموصدة إما بالعمل و هوأمر أصبح غير محتمل حدوثة إلا بالمصادفة .. أو بالمصاهرة .. و الزواج و الإنتماء للطبقات العليوى (من أبناء اللصوص المحدثين )..و هو يظل علي حالة .. يصارع و يكافح حتي يبلغ من السن أرزلة إلا إذا ركب موجة تعلو به إلا مصاف القادرين . الشاب المكافح الذى يقاتل لينال بعض من حقوقة ..و هو أمر يزداد صعوبة كلما مرت الأيام بعد أن كان الحصول علي مؤهل عال أو الإنضمام للقوات المسلحة أو الشرطة أو القضاء طريق مناسب للصعود .. إلا أنه اليوم يعتبرأمنية لا تتحقق إلا بشروط غير متوفرة للجميع ..وأصبح العديد من هؤلاء الشباب يجلسون علي المقاهي بدون عمل أو يزاولون أعمالا طفيلية ..خارج تخصصاتهم و أحلامهم . هؤلاء هم من يسألون .. كيف لنا أن نعيش في هذا المجتمع غيرالصديق و الذى في الغالب تحكم سلوكيات أفراده ميولا عدوانية. إذا كانت الدولة عاجزة .. عن التخطيط .. و التدريب و التعليم .. و توظيف الطاقة ..بل عاجزة عن ضبط مصروفاتها فتقوم بالإستدانة و تحميل الأجيال القادمة عبء عبثها .. و عدم كفاءتها .. و ضيق أفقها .. فلنتول نحن ..و نسشير في إتجاه خلاص هؤلاء الشباب .. الذين يمثلون الأمل و مستقبل الحياة في هذه البقعة من الأرض من أجل هؤلاء الشباب التائهون .. بالقرى و النجوع .. بالمدن الصغيرة .. بالأحياء الشعبية .. بالعشوائيات ..الصبايا .. و الجدعان .. التلاميذ و الصنايعية .. الحرفيين و البائعين السريحة . من أجل كل المهمشين .. البواب و السايس و الشغالة .. وصبي البقال .. و بلية الذى يساعد الميكانيكي.. من أجل من تعلم ..و من يفك الخط .. و من تسرب من المدارس ليعيل أسرته .. من أجل 80 % من المصريين تحت سن الثلاثين .. سأبدأ نقاشا مع حضرات المسنين و الناضجين من الأصدقاء.. حول .. ماذا يفعل الشباب .. حتي يؤسسون مجتمعا .. صحيا موات .. يوظف كل هذه الطاقات الإيجابية توظيفا صحيحا .. و يرتقي بمستوى الحياة إلي درجة إنسانية تتناسب مع إنجازات البشر في القرن الحادى و العشرين. نقطة البداية في نظرى .. أن التبرعات و الإحسان ..و الصدقة ..و البر بالسائل و المحروم ..لم تعد وسيلة مناسبة في مجتمع تعيش فية و تسيطرعلي إقتصاده وحوش أسماك القرش الشرسة.. كما أن بث الأمال الكاذبة التي أدمنا علي إستهلاكها لا تؤدى إلا لكوارث فقد الثقة و كسل إنتظارالفرج . الدعاء لا ينتج عنه إلا راحة نفسية مؤقته لصاحبه .. و حلول الكهنة لتسكين الغضب لا تملأ إلا بطونهم هم و ذويهم .. من سيتخلص من ثقل المسئولية ليريح ضميرة بأن ينتظر ويجعلنا ننتظر معه حلول السماء .. فليخرج من دائرة النقاش .. أما من يرقب تغير الرياح لتأتي بما تشتهي السفن فسينتظر كثيرا رغم أن إن حركة و سير الرياح لم تعد سرا ولم تعد مفاجئة لا يمكن التنبوء بها ساعة بساعة . لا تتصوروا أن الغرب أو الشرق أوسكان بلاد الواق الواق سيمدون لكم يد المساعدة .. لقد رأينا صور لأطفال في إفريقيا و الصومال جلد علي عظم من الجوع لسنين لم يمد لهم الأغنياء المتخمين يد المساعدة . إنه دورك و وظيفتك .. عليك أن تحارب من أجل التغيير .. إذا نجحت فلقد تحقق الأمل .. و إذا فنيت و أنت تحاول .. فلقد قدمت للأخرين النموذج و أشرت للطريق . الخطوة التالية الإنسان هو الكائن الوحيد الذى يمكنه أن يحول الظرف غير الموات إلي ظرف موات .. و يستطيع أن يروض الصحارى ..و يستخرج خيرها.. أو يزرعها .. ويعمرها .. و يستطيع أن يهاجرإلي الأرض غير المسكونة بإرادته.. و يغامر .. و يطوع البيئة المعادية .. لتصبح أخرى عطاءة . كسر المألوف .. و سلوك الدروب غير المطروقة ..و مواجهة المخاوف .. و عدم الإستكانة للظلم ..هي أدوات الشباب ..التي تؤهلهم للخروج من مصيدة التكرار والراحة و الإستقرارالمرضي وما يتبعها من تبلد و خمول . في هذا الخطاب سأحاول أن أقدم للشباب بعض الردود علي تساؤلاتهم و التي أرجو أن تكون البداية لحوار مجتمعي عاقل ..إنه كل ما نستطيع عملة .. بعد أن شاب الشعر ..ووهن العظم .. أن نساعد البعض فكريا و نحفزهم علي التعلم من خلال التجربة و الخطأ وخوض المغامرة المحسوبة واضعا في إعتباره العقبات التي سيواجهها من جهاز بيروقراطي خامل فقد القدرة علي تقديم خدمة مناسبة لمن يدفعون أجوره من الأموال التي تجبي قسرا منهم. حول عام 1954كان مقررا علينا في منهج اللغة الإنجليزية رواية للكاتبة الإنجليزية ((بيرل بك )) تدور أحداثها في صين نهاية القرن التاسع عشر و بدايات العشرين حول أسرة من الفلاحين المعدمين الذين يواجهون الجوع الناتج عن قلة المياة و القحط . الرواية بعنوان ((الأرض الطيبة ))..كانت تحكي حجم المعاناة التي عاش فيها الفلاح الصيني (وانج لانج ) و القهر الذى مارسة المجتمع علي زوجته (أولان ) من خلال تقاليد بالية وعلاقات إنتاج ظالمة ...الرواية مكتوبة بعناية و واقعية بحيث كسبت بطلة الرواية هذة السيدة الصينية الغريبة عنا التعاطف الإنساني لصبية في الرابعة عشر من عمرهم . هكذا كنا نتعلم أنه بغض النظر عن الدين أو الجنس أو النوع .. فالإنسان يستحق ألا يجوع .. أو يقهر .. أو يعاني من الذل . خلال القرن التالي..قامت حروب في الصين إستخدم فيها الاعداء كل وسائل التغييب .. و منها تدخين الأفيون .. و التفرقة بين المجاميع المختلفة علي أساس قبلي أو عرقي ..أو مذهبي.. إنتهت المعارك الضارية بإنتصار حزب ماوتسي تونج الشيوعي .. و إنشاء دولة شمولية صارمة .. تصحح إنحرافات في حياة البشر لدرجة منعهم من الإنجاب لأكثر من طفل . اليوم أصبحت الصين التي كان شعبها يموت جوعا .. من أقوى الدول إقتصاديا و علميا و عسكريا ..و تنتج ما يغرق أسواق العالم ببضائع متنوعة حتي سجادة الصلاة .. و الساعات التي تؤذن في مواعيدها .. و فانوس رمضان . الدرس الصيني في تسارع مستوى النمو .. مبني علي عنصرين .. الأول التعليم المتطور العلمي الطابع .. ثم إحترام الأخر و قبوله و تبادل الخبرات معه. الشبه بين الصين و مصريدعو للدهشة .. فهي ذات حضارة قديمة تمتد لالاف السنين ..و لها تاريخ طويل من الصراع و الحروب .. وكانت عرضة لهجوم الغزاة من البدو خلال فترات ضعفها و تفككها .. و كانت تحكم بواسطة ما يسمي بالإستبداد الشرقي لأباطرة يمتلكون حياة البشر و نعيمهم .. ثم أنها في العصر الحديث إنتهت إلي حكم دولة شمولية مركزية .. تتحكم في الاقتصاد و السياسة .. ثم بعد ثورة ثقافية شهيرة تتحول إلي عضو ذو فاعلية في السوق العالمي . إنه نفس ما حدث للمصريين مع فارق ..أن الحزب الشيوعي الصيني ..كان لدية المرونه و القدرة علي التغيير و التوائم مع متغيرات الحياة في نهاية القرن العشرين و العقود الأولي من القرن الحالي . ..حزب ذو نظره شاملة .. قادر علي قيادة أمته يهتم بالإنسان يعلي من مهاراته و ينمي لديه الجدية في العمل .. ويتعلم من الأخر .. ويطوير أساليب و طرق الإنتاج .. ويساوى بين الجميع بعدالة القانون الحاسم . خلال القرن التاسع عشر كتبت هيربرت ستو الأمريكية رواية (كوخ العم توم ) تدين فيها نظام الرق الذى ساد هناك و كان يمثل دعامة زراعة القطن في الجنوب . ثم في عام 1936 جاءت مارغريت ميتشل، لتكتب (ذهب مع الريح ) لتقص ما حدث خلال الحرب الأهلية بين الشمال و الجنوب من خلال عائلة بيضاء تستخدم عبيد من أصل إفريقي . وفي عام 1976كتب أليكس هيلي رواية (الجذور ) تتبع فيها حياة عائلة أمريكية من أصل إفريقي من لحظة إصطياد (كونتا كنتي ) من إفريقيا و المعاناة التي عاشتها هذه الأسرة عند ترويض البطل ليصبح عبدا. ( كوخ العم توم ) ، ( ذهب مع الريح ) ، (الجذور ) أعمال فنية لا تقل في جمالها عن (الأرض الطيبة ) ..تعلمنا منها .. أن الحياة ليست عادلة .. و أن البشر في كل مكان سواء بيض أو سمر أو صفر أو سود قد واجهوا صعاب القهر .. و ذل الحرمان .. و شظف العيش .. و لكنهم من خلال الصراع .. والرغبة في الحياة .. إستمروا و غيروا الظرف غير الموات ليصبح في صالحهم ..حتي أن أمريكا في يوم قريب كان يحكمها رئيس من أصل إفريقي جاء جدودة و بيعوا بواسطة النخاسين .. البيض . هنا أيضا تطل علينا مصر .. لقد عاش علي أرضها في يوم ما .. من إعتبرهم الغزاة و المحتلين عبيدا .. سواء في زمن البطالسة أو الرومان أو العرب .. و عاني أهلها .. الكثير .. وثاروا .. و قهروهم .. و إنتفضوا .. و تم خيانتهم ..و إذلالهم .. و بيعهم في الأسواق . هذا التاريخ نخفيه عن الأبناء .. و نغض النظرعنه .. فلم يخرج علينا (بيرل بك ) أو (هيربرت ستو ) أو (اليكسي هيل ) .. يقص علينا ما حدث لعائلة مصرية تم قهرها و إستعبادها علي يد الإغريق ثم الرومان ثم العرب .. ثم المغاربة .. ثم الأتراك ثم الإنجليز أو الفرنسيين .. لذلك لم نعالج المرض .. إنه يعيش في دمائنا .. و لا ندرى أننا مرضي .. مستعبدين لالاف السنين .. فنرضي و نستكين . غياب الأعمال الفنية التي تحكي المأساة .. ثم الحزب القائد الذى يمتلك رؤية .. تسبب في أن شباب اليوم في بلدنا ..في حالة توهه لا يعلمون و لا يتعلمون .. ولا يمتلكوا مهارات العصر فالمسنين لم يهتموا بالمستقبل لقد كانت صراعاتهم تمنعهم من الرؤية الصحيحة . في بلاد الواق الواق .. يقدمون إلي جانب عناوين المواضيع بالمدارس.. العمل الفني و المتحف و المسرح و فرصة للتبحر و الفهم .. عن طريق الكتاب .. سواء كان متخصصا أو مبسطا .. و الطالب علية عمل ابحاثة و دراساته التي تتيح له الإبحار .. إلي المياة العميقة دون تابوهات أو موانع .... هذا هو ما كان يفعله الرواد في صدر شبابي .. لقد كان سلامة موسي و عباس العقاد .. كل منهما لم يتجاوز في تعليمة المرحلة الإبتدائية .. و لكنهما بالتثقيف الذاتي كان كل منهما قادر علي الخوض في علوم وفلسفات و فنون .. لم يكن يعلم عنها خريجي المدارس الكثير. فإذا ما إفتقدنا للقيادة العاقلة المستنيرة .. و كانت مدارس اليوم و الجامعات .. لا تقدم لأبنائها إلا القليل من العلم و المعرفة .. أو فلنقل عناوين المواضيع ..فإن الفن و الثقافة و مؤسسات المجتمع المدني و المبادرة الذاتية والجهد الفردى .. قد يغطي ما عجزت عنه الحكومات . التثقيف الذاتي و إمتلاك أكثر من لغة .. وتنمية المهارات العصرية كلها أدوات الخروج من الركود الأسن. السؤال منالذى سيقوم بهذه الثورة الثقافية ؟؟ في هذا الوسط غير الصديق الشاب الذى ولد و في فمة معلقة ذهب .. إنه لم يتميز وينتج و ينافس في السوق العالمي .. رغم أن لدية كل الإمكانيات التي من المفترض أن تضمن له تفوقا .. أبناء وبنات الرؤساء (جمال و السادات و مبارك )..أبناء رؤساء الوزارات و البرلمانات و المحافظين ومديرى الجامعات .. أبناء أساتذة مراكز البحوث و العلماء .. و الفنانين الكبار ..ورجال الأعمال ..و قادة الشرطة و القوات المسلحة ..أين هم إذا تتبعت سيرة حياة عدد من هؤلاء المحظوظين فالغريب أنك قد لا تجد بينهم من جاء أداؤة أفضل أو في مستوى أبيه ..إن الأغلبية أطلقت علي نفسها (بزينيس مان ) و تعمل في السمسرة وشركات (الريال ستيت ) و المقاولات أو في إدارة وكالات بيع الماركات العالمية ..و الخيبان ستجده (خبيرا إستشاريا ) عند أونكل في الوزارة بمرتبات خيالية .. . ما السبب في أن الطفل و الصبي أو الصبية الذى نال أفضل تعليم بالداخل و الخارج .. و تيسرت له سبل التمويل الكافي .. و تم حمايته من غيلان البيروقراطية المعوقين ..أو منافسة زملاء الدراسة والعمل ..يجيء إنتاجه في النهاية .. إن لم يكن متوسطا .. فهو لا يرقي لمستوى الإبهار و المنافسة . هل الحماية الزائدة كما يقول علماء النفس .. لها عيوبها التربوية و أن الشاب الذى يسير في ظل أهله يعاني من مشاكل سلوكية تجعله مغرورا ، أنانيا ، محدود الذكاء ، متعافي ، فارغ من الداخل ، نمطي غير مبتكر يعتمد علي نفوذ العشيرة في إنجاز مهامة .. و قد يكون ضحية سهلة لتجار المغيبات سواء كانت فكرية أومخدرات فعلية . أم أن الشاب الغني حتي لو بدا ناجحا إجتماعيا .. فنجاحه مبني علي علاقات إنتهازية من المحيطين به كما كانوا يبررون لنا أسباب التلف الأخلاقي للملك السابق فاروق ويرجعونه لنفوذ حاشيته محدودة الكفاءة . هل حققوا إنجازا إقتصاديا و كان نجاحهم نتيجة لخبرة و دراسة و تجربة أم إنه يحمل علامات و شبهات من لا يورد لخزانة الدولة الضرائب التي تجبي من الغير بقسوة، أو لا يوفي بالإلتزامات التي يرتبط بها الاخرون، أو لأن لديه القدرة علي معرفة أسرار غير متوفره للعامة فيتلاعب (مثلا ) بالبورصة ..أو يكسب الملايين بتخزين سلعة قبل رفع أسعارها .. أو يغير القوانين و يستورد دجاج معفي من الجمارك . أبناء أصحاب النفوذ و الثروة في المجتمعات التي لا يحكمها القانون .. و يكفل المساواة بين المواطنين .. و يعلي من قيمة المنافسة ..و تداول السلطة سلميا .. هم رغم نموهم الجسدى يظلون أطفالا غير ناضجين .. يسعون إلي ترف إستهلاكي .. و متع وقتية .. و سيطرة متلفة ضارة علي مصادر الثروة .. ويظهرون عدم الإنتماء لوطنهم بقدر إنتماؤهم لذويهم .. أو ببساطة يقعون بسهولة في سلوكيات الكومبرادور الطفيلي . ستراهم اليوم في خمارات الفنادق الخمسة نجوم يعقدون الصفقات و كازينوهات الساحل أو الجونة أو الغردقة ينفقون بسفة..و سترى عرباتهم تتحرك بنزق .. و ملابسهم مستوردة من جميع بقاع العالم فيما عدا بلدهم . ستراهم و هم يشترون العقارات بملايين الجنيهات دون أن يجفل لهم رمش .. و يضاربون في السوق بأسعار الأراضي و المنشأت .. و يتكالبون علي السكن في محميات مرتفعة الأسوار و يتزوجون بعضهم بعضا .. ثم ينفصلون بعد شهور من الفرح بعد أن ينفق بابا علي إقامته الملايين . كريمة هذا الوطن فاسدة .. أتلفها التدليل.. و من منحهم فرصة و تميزا لا يستحقونه.. ومن تسبب في كسبهم لأموال سهلة .. يبعثرونها .. كما لو كانوا من أمراء الخليج .. و أباطرة البترول. لماذا لا يحدث هذا في بلاد الواق الواق .. لأن الطبقات هناك إستقرت و لم تعد تعاني من الزلازل الطبقية التي شهدتها بلادنا منذ إنقلاب البكباشية و عندما يحدث صعود طبقي لأحدهم لا يحدث بالصدفة.. كما هوحال (النفو ريش ) في بلدنا .. الطفل هناك سواء كان إبن ملك أو صعلوك .. يعامل علي أساس أنه ثروة قومية عليهم الحفاظ عليها و تعليمها و تدريبها .. حتي تصبح قوة منتجه فعالة . ومع ذلك فإبن صاحب ( الكوربريشن) الصناعي في مرحلة بعينها يتدرب و يتعلم ..و يؤهل ليكون مديرا جديدا يطورالأداء و صاحب رؤية معاصرة أفضل من أبيه . وهكذا كان حال إبن الإقطاعي صاحب الأرض في زمن سابق ..فهو عند مرحلة ما يبدأ تدريبة علي أن يسلك نفس السلوك الذى كانت علية أسرته ابا عن جد عن جد جد ..و يكتسب خبرات و حكمة طبقته بحيث يستحيل أن يصعد فجأة إبن الجنايني ليتولي إدارة العزبة . ومع ذلك فمن حق أى مواطن أن يغير مساره الطبقي بجهده .. بالعلم و التدريب .. و الإبتكار .. و الإندماج في مجتمعه يصعد خطوة خطوة من خلال آليات عمل إجتماعي في وحدات القاعدة ينتهي به لأن يشغل أكبر منصب سياسي لو كانت لدية أو لديها الكفاءة لان يختارة الناخبون . في بلدنا الطرق بين الشرائح الطبقية المختلفة أصبحت مسدودة.. بأبناء من يجلسون علي كراسي اتخاذ القرار ..و لا توجد أحزاب يسمح لها بتداول سلمي للسلطة .. فلا يبق علي المداود إلا أنصاف المتعلمين...من محدودى الكفاءة إن لم يكن منعدميها .و تتدهور البلاد .. علي كلدرب من دروب الحياة . لهذا عندما نتكلم عن المواطنه المتساوية .. و الفرص المتساوية .. فإننا لا نحلم مرددين شعارات الثورة الفرنسية ( حرية أخاء مساواة ) التى غيرت أوروبا و كفلت لها الأمان لتتطور سلميا.. بقدر ما نأمل .. أن نسير علي نفس الممر ..و هو الأمر المطروح علي أى مجتمع يريد أن يكون له دورة في تقدم البشرية . الحفاظ علي القيم العليا ليست رفاهية للمترفين .. بقدر ما هي ضرورة للمتعسرين ... بإستطاعة الشاب أن يرقص أمام كل زفة و يطبل في المولد .. و قد يناله جزء من صحن الفته الميرى .. و لكن يظل غريبا .. بين أبناء الحكام ..مهما علا شأنه . في زمن شبابنا كان التعليم هو البوابة الملكية للإنتقال الطبقي .. فكنا نحرص علي التفوق .. و في زمن تال أصبح السلوك الإنتهازى و الرقص علي الحبال .. هو الوسيلة الناجحة .. فتقلصت قيمة التعليم .. وفي زمن يليه أصبحت الدروشة و التجارة في الدين .. هي الباسورد لفتح مغارة علي بابا .. و اليوم .. سدت جميع المنافذ فالحكام يريدون أن يعلموا عددا محدودا .. من أبنائهم تعليما متفوقا يديرون بهم التكية .. و يحولون الباقي لجيش من العاطلين يمثلون إحتياطي عمل تضرب به العمالة و يخفض سعرها و إمتيازاتها . دعنا نأمل أن يأتي يوم الخلاص ويعي المجتمع .. و يمتلك آليات التعرف و التصعيد .. للمتفوقين .. ليقودوا الركب . فجهز نفسك للصراع . بدأ المحاضر الأمريكي كلمته .. بأن 60% من قوة العمل في بلده يتم توظيفها في مجال المعلومات ( إينفورمايشن ) .. تخيلت أنني سمعت الرقم بصورة غير صحيحة .. فسالته ..60% .. (أومال) مين اللي بيزرع حقول القمح الأكبر في العالم .... ومين اللي بيصنع و يطور أسلحة الترسانة الأمريكية .. وبيربي قطعان المواشي و بيستخرج البترول .. وبيحارب في كل بقاع الأرض .. مين بيحرك أساطيل التجارة و السياحة . قاطعني مبتسما .. فهذا الإعتراض بالضبط هو ما كان يحاول أن يقودنا إلية ..ليشرح آليات العمل في بلده .. بعيدا عن تصوراتنا لإسلوب توظيف الجهد البشرى التي قد تعود في أحسن أحوالها إلي القرن التاسع عشر . أعداد قليلة جدا قد لا تزيد عن أصابع الكف الواحد تستطيع أن تزرع و تروى و تعتني بمحصول الاف الأفدنة بواسطة أدوات التكنولوجيا الحديثة و شبكات الاقمار الصناعية و الكومبيوترات والأبحاث الجينية التي ترفع الإنتاج إلي معدلات غير مسبوقة .. من يعمل بالزراعة لا يزيد عن 1% من قوة العمل الأمريكية ينتجون ما يكفيهم من محاصيل .. و يجعلهم هذا في وضع تنافسي كاسح للأسواق العالمية . المصانع اليوم .. لم تعد تحتاج إلي قوى عاملة .. بعد إنتشار (الأتوميشن) .. إن مصنع ضخم لإنتاج السيارات يعمل ليل نهار .. دون الحاجة إلا لعدد محدود .. من المراقبين لشاشات الكومبيوترات الخاضعة لنظام (إسكادا ) شديد الدقة . مراكز البحوث وإتخاذ القرار تعمل بواسطة أدوات الذكاء الإصطناعي المتفوقة .. تخرج بعدد قليل من الباحثين .. نتائج مذهلة . ثم إنتهي إلي أنه في عالم نهاية القرن العشرين أصبح صاحب المعلومة الصحيحة المدققة في الوقت المناسب هو القادر علي السيطرة علي العالم .. و لذلك فمراكز المعلومات الأمريكية لا تنام ليل أو نهار إنها مربوطة بشبكات مركبة حول العالم .. تستخدم فيها مشغلين من الهند و اليابان و أوروبا و الشرق الأوسط يقومون بنفس الوظيفة و الدور بنفس المستوى الفني الذى يقوم به نظرائهم في أمريكا دون الإحتياج للعمل 24 ساعة في اليوم لأى منهم . خلال النصف الثاني من القرن العشرين .. تغير العالم ..لم يعد ينتج بنفس الأساليب التي إستخدمها أبناء القرون السابقة .. فالتوجيه عن بعد و إستخدام الأقمار الصناعية .. و تطور التكنولوجيا .. قسم سكان الكوكب إلي ثلاثة أقسام يتوزع بينهم حجم العمل الكوني طبقا لقدرات كل مجتمع و نوع العمالة المتاحة . شعوب القمة توفر في إستخدام الأيدى العاملة الكثيفة ..و تستبدلها بالكمبيوترات .. حوض نهر الراين الذى كان مصنع العالم لإنتاج الحديد و الصلب .. تم تفريغة من المصانع ذات المداخن الملوثة للبيئة .. و ترحيلها إلي بلاد الكثافة السكانية في الهند و الصين و إفريقيا ..حيث العمالة متوفرة بأسعار زهيدة ولا يهم إن كانت ماهرة من عدمة ،بجوار الصناعات الكيماوية للسماد و المبيدات .. أو الألمونيوم . صناعات السيارات و الماكينات الضخمة ..والإلكترونية و ما يشبهها تم ترحيلها لجنوب شرق اسيا أو دول أمريكا اللاتينية حيث العمالة الرخيصة المدربة. أما المنتجات الزراعية و المواد الخام و البن و السكر .. ففي البلاد التي يمكن التحكم فيها بواسطة الشركات المالتي ناشونال العملاقة . بلدنا كان نصيبها .. أن تكون الممر للناقلات الضخمة عبر قناة السويس .. و مكان للسياحة الترفيهية علي شواطيء البحر الأحمر و سيناء .. و مكان لإقامة المصانع الملوثة للبيئة (حديد و المونيوم و سماد و مبيدات ).. و مصدر لعمالة رخيصة للدول النفطية المجاورة .. و إحتياطي إستراتيجي للغاز و البترول .. ثم سوق واسع يستقبل منتجات مثل القمح و السلاح و وسائل الإتصال .. تعتمد في حياتها.. علي ألإستيراد .. و تعيش توازن عجز ميزانها التجارى .. بالقروض (الديون) و المعونات ... محافظة علي أدني مستوى في التعليم مضاف له تغييب دينى و إستهلاك للمخدرات و لأفلام البورنو . فإذا ما كان العالم قد تعير هكذا .. و أصبح مالكي المعلومة يحركوننا طبقا لمصالحهم .. و فقدنا أساليبنا البدائية في العمل التي حافظت علي وجودنا لعشرات القرون نأكل من كدنا .. فاليوم لم يعد أمامنا للخروج من هذا (القدر ) إلا إمتلاك لغته .. و التعلم من إسلوبه .. و المنافسة في إمتلاك المعلومة .. و تطوير معرفتنا .. ومبارحة البحيرة الأسنة التي علقنا بها منذ هزيمة 67 .. علي الشباب ..الواعي إمتلاك اللغة المعاصرة للحياة ..و التدرب عليها .. إما بالسفر للخارج أو بإستخدام وسائل الإتصال الحديثة .. أو الإلتحاق بكورسات متخصصة و الشباب الذى لا يمتلك بعد مقوماتها أن ينتج بواسطة مشاريع صغيرة .. ما يكفية عن مد اليد و الإستيراد .. المزارع المحدودة ، الورش التي تعمل بتكنولوجيا وسيطة ، الصناعات التي يمكن أن يقبلها السوق العالمي من المنتجات المحلية كتعليب السمك و تربية الطيور و الضفادع و النعام .. والتماسيح و زراعة الزهور .. و الأعشاب الطبية ..و المنسوجات اليدوية .. و الضيافة المرحبة بالسياح . علي الشباب أن يعبر الأسور التي حجزنا خلفها .. من حكمونا .. و يرتبط بالسوق العالمي .. خطوة خطوة .. حتي يجد له مكانا و لو محدودا .. هكذا فعلت دول جنوب شرق أسيا و الصين .. و توقفوا عن مضغ الأفيون . هذا التوجه نحو تحديث أساليب الإنتاج .. يحتاج لثورة ثقافية .. سيقوم بها .. من سيستفيدون من التغيير .. لا تنتظروا هذا من أبناء ( النفو ريش ) ..أو البيروقراطيين ذوى الكروش الضخمة و العقول المسحوقة و لكنه سيأتي كنتاج تفعيل الطاقة الكامنة داخل أبناء المهمشين الذين يكونون جيش البطالة.. الجالس علي القهاوى . المجتمع المرجو يحتاج .. لتعليم جديد .. و تدريب مخالف .. لقد أصبح المهندس وخريجي التجارة و الأداب و الحقوق و الإقتصاد.. و غيرهم من التخصصات التي تعاني من البطالة عبء علي عملية التطور .. فغيروا مهنكم .. وإسلوب إختيار تخصصاتكم .. لمهن و مهارات .. مفتقدة . بالامس فهمنا من الرسميين أن الدين الخارجي تجاوز المائة مليار دولار بعشرة مليارات ..و أن الأمر سيستمر .. و يزيد لتمويل مشروعات متناثرة .. لا تتبع خطة تنمية واضحة و ليس لها عائدا إقتصاديا يسدد القروض .. هذا المسار لا يبدو واضحا لمسن يفتقد المعلومات .. و لكنه في حدود المتاح فإن علي الشباب ألا يتصور أنه سيجد في نهاية الدرب الإسقرار و الطمانينة .. علية أن يعرف أن أمنه و إستمراره و قدرته علي النجاة .. تكمن في مدى تنمية إمكانياته و إمتلاك لغة العصر أقول قولي هذا .. و أنهي حديثا بدأته ..لم أكن فيه مفيدا .. فهذا الأمر لا يتصدى له فرد محدود الرؤية مثلي .. ولكنني أرجو أن أكون قد القيت حجرا في البحيرة الأسنه .. وبدأت حوارا .. تتبناه مؤسسات المجتمع المدني (التي يتكلمون عنها و لا نرى تأثيرها ) .. و الأحزاب ( التي تعدت المائة و لم تستطع أن تقدم برنامجا واحدا للخروج من الأزمة ) .. ومجاميع الدراسة و البحوث بالجامعات و المراكز المتخصصة ( المشغولة بالهم اليومي لزيادة مكاسب أعضاءها ) ... لتخرج بمخطط تفصيلي ..و خريطة طريق للنجاة .. من حصار صندوق الدين و من يفرض و ينفذ تعليماته من بيروقراطي الحكومة .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يناير 2011 بين ( الحلم و العلم )
-
يد تبني .. و يد تحمل السلاح
-
متي نرتقي بسلوكنا إلي مستوى العقلاء ؟؟
-
أبينك فرق و بين الحمار .
-
هل ينجح الحكم الفردى.
-
إعادة تدوير الأحلام .. عودوا لثكناتكم
-
العروسة للعريس
-
ولا كل من لبس العمامة يزينها.
-
رجع أكتوبر .. ورجع معه النقار
-
اللهم إيمانا كإيمان العجائز .
-
زحمة يا دنيا زحمة (1972 - 2018.)
-
مسرور السياف و أخوته
-
بدرنا لم يعد ينير بين الامم
-
خارج حسابات القوى ..أصبحنا
-
مواطنة منقوصة رغم أحضان الكهان.
-
أوهام مهدرة..لديكتاتورعادل
-
رموز من قش..و أبطال من ورق
-
تخيروا نوابكم فإن العرق دساس
-
تداعيات حفل تنصيب الرئيس .
-
إستبد ، يستبد ،إستبدادا .
المزيد.....
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
-
كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج
...
-
تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي
...
-
وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|