تقاطعات بين الأديان 15 الحكمة والحكماء

عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 6127 - 2019 / 1 / 27 - 14:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

تقاطعات بين الأديان
15
الحكمة والحكماء
لا يفاجئ الباحث اهتمام مختلف الأديان ، قديمها قبل حديثها ، بموضوعة الحكمة والحكماء ، تماما كما كان الحال مع موضوعات الحلقات السابقة ، والتي أشارت كلها إلى اتساق تطور البشرية في مختلف القارات ، مع سبق هنا وتأخر هناك . لكن ، ومواصلة لما اتبعناه في الحلقة السابقة ، سنقصر بحثنا في هذه الحلقة على ديانات الجوار ، لاعتقادنا بقوة فعل التأثير المتبادل بينها .
1
ونبدأ مع العصر الأكدي – البابلي الأول - ومقتطفات من توصيات أب لابنه المنحرف .
يبدأ النص باستجواب الأب للإبن :
أين ذهبت ؟
لم أذهب لأي مكان
إذا لم تذهب لأي مكان فقد أضعت وقتك عبثا . إذهب إلى بيت اللوحات – المدرسة - ، قدم نفسك لأب بيت اللوحات ، أُتلُ عليه درسك ، افتح حقيبتك ، انقش لوحتك ، أترك للأخ الكبير أمر تخطيط لوحتك الجديدة . عندما تنتهي مهمتك وتعرض ما أنجزته على المراقب ، عد إلي ، ولا تتسكع في الشوارع .
ويتابع الأب نصائحه :
كن رجلا يا بني ، لا تعمد إلى ارتياد الحدائق العامة . ولا تتسكع في الشوارع وعلى الجادات . عندما تسير في الشارع لا تنظر إلى ما حولك . كن متواضعا وأرِ مناظرك بأنك ترهبه . إذا ما أظهرت له رهبة يرضى عنك . .... هل ستصل إلى النجاح لو أنك تتسكع في الحدائق العامة ؟ تمثل بالأجيال السابقة . واظب على بيت اللوحات لكي تستفيد منه . تمثل بالأجيال السابقة ، استعلم عنها . أنت المنحرف الذي علي مراقبته . لن أكون رجلا إذا لم أراقب ولدي . ....... تحدثت إلى من هم حولي ، واكتشفت أمرا لم أكن ألاحظه قبل الآن . الكلمات التي سوف أرددها ، فلتوقظ فيك خشيتك وحذرك . أنت لا تعير اهتماما لزميلك في الدراسة ، لرفيقك في العمل . لماذا لا تتخذه مثالا لك ؟ امتثل بأخيك الأكبر . بين جميع المهن البشرية التي وُجدت على الأرض ، والتي عَيَّن الإله إنليل أسماءها ، لم يُسمِ أية مهنة أصعب من فن الكتابة ، لأنه إذا لم تكن الأغنية شبيهة بشاطئ البحر ، بضفة الترع البعيدة ، قلب الأغنية البعيدة ، فلن تعير لنصائحي أذنا صاغية ، ولن أكرر أمامك حكمة أبي . امتثالا لأوامر إنليل ، على الإبن أن يتبنى وأن يرث مهنة أبيه .
أما أنا فالعذاب يساورني ليل نهار . أنت تبدد وقتك في الملذات . أنت جمعت ثروات كبيرة ، ونَمَوْتَ لتصبح سمينا وعريضا ، وقويا ومتكبرا . لكن ذويك يتوقعون أن تبتليك المحن ، وإذا ما اغتبطوا لذلك ، فلأنك تهمل تنمية الفضائل الإنسانية .
2
حكيم ينصح تلميذه
ومن العصر الأكدي المتأخر - البابلي الثاني - ، تعالوا نتوقف عند بعض نصائح حكيم لتلميذه .
1 - الذي لا يستقر في مكانه ولا يراقب بيته فامرأته تصبح تجاهه شيطانا حقيقيا .
2 – من يعاشر الأشرار يُنظر إليه بازدراء ، وتسوء سمعته في أفواه ذويه .
3- لا تقرر أمرأ مع صانع المشكلات ، ولا تستشر فاقد الهمة ولا الكسلان ، لأنه على الرغم من صدق عزيمتك ، ستألف عقليتهما ، فيتقلص إنتاجك وتتحول عن طريقك ، وينحرف تفكيرك مهما كنت متواضعا وحكيما .
4- عليك مراقبة ما يقوله فمك والسهر على مضمون خِطابك ، ففي ذلك مقدرة الرجل ، وليكن قولك ذا قيمة أكيده . لا تتلفظ بسخريات ولا بآراء غير صادقة ، لأنه بازدراء ينظر إليك صانع المشكلات .
5 – لا تعامل بسوء من يسعى لمخاصمتك ، بادل بعمل الخير من أساء إليك . ابقَ عادلا تجاه من عاملك بسوء ولتكن روحك عادلة تجاه عدوك !
6 – لا تنتهر قليل العقل بل اشفق عليه . لا تزدرِ الذين هم عرضة لتجربة ولا تتوجه إليهم بغطرسة ، لأنه من أجل ذلك يهجرك إلهك الشخصي الذي يحميك .
7- لا تتزوج بغياً أزواجها لا عد لهم ، ولا ابنة لعشتار نذرت إلى الآلهة جسدها ، ولا غانية عديدة علاقاتها ، لأنها لن تكون سندا لك إذا ألمت بك المصائب ، وتهزأ منك إذا ما تعرضت لمشاجرة ، فالاحترام والطاعة ليسا من خصائصها ، ولئن كانت لها سلطة مطلقة على بيتك فاطردها منه ، لأن البيت الذي تدخله سوف ينهار ، والرجل الذي يتزوجها لن يعرف الاستقرار .
8 – يا بني إذا ما كانت إرادة الأمير أن تكون تحت تصرفه ، وإذا ما علقت في عنقك ختمه الأكثر حفظا ، افتح غرفة كنوزه وادخل إليها ، وبما أنه لا أحد غيرك له الحق بذلك ، سوف تكتشف فيها ثروات لا توصف ، ولكن لا ترفع نظرك إلى أي شيء من هذا ، ويجب أن لا تشوقك الرغبة على ارتكاب اختلاس ، لأنه فيما بعد يمكن للأمر أن يتم تفحصه ، ويُكتشف الاختلاس الذي ارتكبت ، وعندما يعلم الأمير ذلك فسوف يشتد غضبه ، ومن وجه مبتسم يتحول إلى وجه مُهدد ، وأنت سوف تثقل كاهلك قضية خطيرة جدا .
9 – لا تلجأ إلى النميمة وتلفظ بالكلمات الطيبة . لا تعقد حديث سوء ولتكن الطيبة في جميع كلماتك ، فمن يستغيب ويردد كلمات السوء ينتظر دون جدوى مكافأة شمش . لا تترك العنان لفمك ، وراقب ما تقوله شفتاك . لا تصرح بأفكارك الصميمية حتى لوكنت منفردا ، لأن ما قلته في الكراهية قد تندم عليه فيما بعد . مرِّنْ ذهنك على مراقبة خطابك .
3
أمثال وحكم سومرية
ونعود إلى الوراء قليلا ، إلى الحقبة السومرية ، لنقف على بعض حكم حكمائها وأمثالهم .
• الرجل الفاشل يقول :" وُلِدت في يوم مشؤوم " .
• لكل شيء سببه :"هل نرزق الأولاد بدون مضاجعة ؟ وهل نسمن بدون أن نأكل ؟ "
• تعاسة الفقير : " موت الفقير أفضل له ، إن كان لديه خبز فليس لديه ملح ، وإن كان لديه ملح فلا خبز لديه ، وإن كان لديه لحم فليس لديه خردل وإن كان لديه خردل ، فلا ملح لديه ."
• هَمُّ من يملك : " الرجل الذي يملك كثيرا من المال هو سعيد بدون شك والرجل الذي يملك كثيرا من الشعير هو سعيد بدون شك ، ولكن الذي لا يملك شيئا يستطيع النوم " .
• الإمكانيات المبددة :" أنا حصان سباق أصيل ولكنني كُدِنتُ مع بغل ، كي أجر عربة وأنقل رزم القصب والقش ".
• يتودد الجميع للرجل حسن الهندام .
• الكاتب الذي تتحرك يده بالسرعة التي يملي فيها عليه الفم هو كاتب جدير بهذا الإسم .
• لم يَقبض على الثعلب بعد ، مع ذلك أعد له قفصا .
• البلاد ذات التسليح الضعيف لن تطرد العدو عن أبوابها .
• قد تكون تحت إمرة سيد ، أو تكون خاضعا لسلطة ملك ، ولكن الرجل الواجب خشيته هو جابي الضرائب .
• حيث يقع شجار ، تحاشَ أن يظهر الغضب على وجهك . وعندما يأكل الغضب أحدا مثل النار ، تأكد أن باستطاعتك إطفاء لهبها . وإن قال لك أحد ما غير حُبّي فلا تقل له ما يماثل قوله ، لأن ذلك له عواقب لا تحمد .
4
وبالانتقال من الحكمة إلى الحكماء نبدأ مع :
أحيقار : حكيم بلاط نينوى .
يعلمنا الكتاب الثالث من ديوان الأساطير أن أحيقار ، الكاتب الشهير والحكيم الأشهر ، آرامي الأصل ، اسمه آبا – نيننو – داري ، قد عمل في بلاط الإمبراطور سنحاريب الآشوري (704 -681 ) ق.م ، خازنا ، فكاتبا ، فوزير مالية ، كما عاصر ابنه الإمبراطور آسر حدون (680 -669 ) ق .م . كما يعلمنا أن أحيقار ، في القاموس العبري ، تعني أخي العزيز علي ، وفي العربية تعني الأخ القارّْ ، أي الأخ الذي قرت عينه ، أو المستقر .
جمع أحيقار ثروة عظيمة ، لكنه ، كما روى بنفسه ، لم يرزق بولد . سعى لذلك عند الآلهة ، وتزوج ستين زوجة بنى لهن ستين قصرا ، دون الحصول على الولد . أشارت عليه الآلهة ، وعمره ستون سنة ، باتخاذ ابن أخته ، واسمه نادان ، ولدا . تبنى ابن الأخت هذا ، ولقنه كل حكمته ، وقدمه للبلاط ،وريثا له . لكن نادان ، وبعد بعض الوقت خانه . وكانت حبكة الدسيسة محكمة لدرجة أن دفعت بالإمبراطور لإصدار أمر بإعدام أحيقار ، لم ينفذه المكلف ، لقناعته ببراءة الحكيم . وبعد فترة من الاختفاء تكشفت خيانة نادان وبراءة أحيقار ، فعودته للبلاط الملكي .
روى أحيقار قصة حياته بنفسه ، لتتناقلها مع حكمته كل منطقة الشرق الأوسط ، وما وراءها ، شفاهة وكتابة ، ولتترجم للغات عديدة منها ، بالإضافة للآرامية ؛ العربية ، العبرية ، اليونانية ، السريانية ، الأرمنية ، الرومانية والسلافية .
ولأن فصل أحيقار طويل ، أكثر من سبعين صفحة ، يصعب تكثيفه ، فسأكتفي باختيار بعض نصائحه لابنه بالتبني ، قبل خيانته ؛ وعددها 95 ، وبعد الخيانة وعددها 47 نصيحة .
قبل الخيانة :
3- يا بني إذا سمعت كلمة فلا تكشفها لأحد ، ولا تقل شيئا عما ترى .
4- أي بني ، لا تحل عقدة خفية ولا تقم بختم عقدة محلولة .
5- أي بني وجه مسلكك وكلماتك ، استمع ولا تتسرع في الإجابة .
6 – يا بني ، لا ترغب بالجمال في الخارج ، لأن الجمال يمضي ويزول ، لكن الذكرى الطيبة والسمعة الطيبة تبقيان إلى الأبد .
9 – يا بني ، لا ترتكب المعاصي مع امرأة غيرك خشية أن يرتكبها الآخرون مع امرأتك .
11 – يا بني ، أحنِ رأسك ، أمعن نظرك وانظر بتواضع وأعر انتباهك . كن عالما وخاضعا ورضيا وهادئا . لا تكن وقحا ومشاكسا ، ولا صوتك يرتفع بتبجح وضجيج ، لأنه إذا ما كان الصوت المرتفع كافيا لإعمار بيت ، فالحمار يبني بيتين في يوم واحد ، وإذا ما كانت القوة هي التي تجر المحراث ، فالجمل إذن يجره بشكل أفضل .
12 – يا بني ، الأفضل لك نقل حجارة مع رجل حكيم ، من شرب الخمر مع رجل أحمق .
30 – يا بني إذا مرض الحكيم يمكن للطبيب الاعتناء به وشفاؤه ، ولكن ليس هناك علاج لآلام الأحمق وجراحه .
36 – يا بني ، أقوال الرجل الكذاب والأحمق تشبه سمنة العصافير التي تطير في الهواء ، لا يستمع إليها إلا عديم الذكاء .
37 – يا بني ، لا تجبر أبناءك على تحمل عيشة الفقر ، خشية لعنتهم لك ، مما يجعل غضب الإله ينصب عليهم . لأنه كتب : " من لعن أباه وأمه يقتل قتلا " ، وهذا هو الذنب الذي يغضب الله . وكذلك : " من أكرم أباه وأمه تكون له حياة مديدة وممتلكات كبيرة " .
39 – يا بني ، مثل شجرة وافرة ثمارها وأوراقها وفروعها ، كذلك هو الرجل مع امرأة ممتازة ، وثماره هم أبناء وأخوة . الرجل الذي لا زوجة ولا أولاد له ، ولا أخوة في هذا العالم ، سوف يزدريه ويحتقره أعداؤه . ومثله مثل شجرة قائمة على جانب الطريق ، يطرقها المارة بأرجلهم ، ويأكلون من ثمارها ، ويجعل الحيوان الوحشي أوراقها تسقط وتتناثر .
49 – يا بني ، لا تسمح للغير بالسير على رجلك – بالدوس على قدمك – خشية أن يسير على صدرك . وهذا يعني ؛ لا تسمح لخصمك الشيطان أن يجعلك ترتكب ذنبا صغيرا ، خشية أن يدفعك إلى ارتكاب ذنب كبير .
68 – يا بني ، كسرة الخبز التي تقدمها بيدك للفقير وأنت في عِوزك ، تفوق مثقال الفضة الذي تعطيه وأنت في غناك . العنزة القريبة أفضل من الثور البعيد ، وعصفور تمسك به بيدك أفضل من مائة عصفور تطير في الهواء . إذا كنت محتاجا وأبناؤك من حولك يكدسون الغنى ، فهذا أفضل من أن تكون كثير الغنى وأبناؤك يبذرون ، وثعلب حي أفضل من أسد ميت ، وهذا يعني أن رجلا ضعيفا يقدم خدمة هو أفضل من رجل غني ، بخيل وسيئ ، وهذا الأخير يموت في الخطيئة .
80 – يا بني ، عندما يتمكن الرجل أن يقف دون إشغال المكان ، ويطير العصفور بدون أجنحة ، وعندما يصبح الغراب أبيض كالثلج ، ويصبح المر حلوا كالعسل ، عند ذلك يمكن للأحمق أن يصبح حكيما .
94 – يا بني ، على رجلك أن لا تركض دوما نحو صديقك ، خشية أن يشبع منك ويبدأ بكرهك .
وبعد الخيانة :
وبعد الخيانة ، وبالرغم مما خلفته في نفسه من مرارة ، يستأنف أحيقار نصائحه لإبنه المتبنى من حيث انتهى .
96 – يا بني ، من لا يسمع بأذنيه يُعْمد إلى إسماعه من وراء ظهره – بالسوط أو العصا على ظهره - ، بدأ نادان ابني حديثه لي قائلا :" لماذا غضبت على ابنك ؟"
97 – فأجبته :" أنا يا بني جعلتك تجلس على كرسي شرف ، وأنت رميت بي من على عرشي ووحدها عدالتي هي التي أنقذتني " .
98 – كنت من أجلي مثل عقرب لدغ صخرة فقالت له :" لقد وقعتُ على قلب عديم الشعور " . يعود العقرب ويلدغ من جديد ، فتقول له : " ضُرِبتُ منخسا أكثر رهبة من شوكتك " .
99 – كنتَ مثل عنزة انتصبت وبدأت تأكل من شجيرة سماق ، فقالت لها الشجيرة :" لماذا تأكلينني وأنت تعرفين أنهم سيدبغون جلدك بواسطة جذوري ؟ أجابت العنزة :" آكلك وأنا على قيد الحياة ، لأنه عند موتي سوف تقتلعين من الجذور " .
101 – كنت بالنسبة لي يا بني كمن رأى جاره يرتجف من البرد فتناول وعاء ماء وسكبه عليه .
102 – يا بني ، بعد أن أرسلتني إلى الموت ، ليتك تمكنت من أخذ مكاني . ومع ذلك عليك أن تعلم ؛ إذا ما استطال ذنب الخنزير لسبعة أذرع فلن يحل محل الحصان ، وإذا ما صار وبره ناعما وكثير الصوف فلن يصلح أبدا لأن يكون كساءً لرجل نبيل .
106 – يا بني ، كنت بالنسبة لي مثل فخ مخبأ تحت الزبل ، وقد حط عصفور الدوري وراءالفخ فقال له : " أي أخي ! ماذا تعمل هنا ؟" فأجاب الدوري : " أنا أنظر إليك " . قال الفخ :" توجه بصلاتك إلى الله ، له المجد " . فسأل الدوري :" ما هذه الخشبة المربوطة لديك ؟ " فأجاب الفخ :" إنها عصاي وسندي أتكئ عليها عندما أصلي " . قال الدوري :" ما هذا القمح الذي في فمك ؟" . أجاب الفخ :" إنه غذاء وخبز يعيد القوة لمن هم جياع ، وضعته في فمي ليكون غذاء لمن يلتجئون إلي " . قال الدوري :" أنا الآن أتضور جوعا وأريد أكله " . قال الفخ :" اقترب يا أخي ولا تخف " . وعندما استعد الدوري لنقر الغذاء أمسك به الفخ فجأة من رأسه . فقال الدوري للفخ :" إذا كان صومك وصلاتك بصدد هذا الخبز على هذا الشكل ، فإن الله لن يتقبل صومك وصلاتك ، ولن يمنحك بسبب ذلك أي رزق " .
114 – يا بني مثلك مثل هذا الخنزير الذي ذهب للاستحمام مع العظماء ، واغتسل لدى وصوله إلى الحمام ، ولكنه بعد خروجه وجد بركة وحل فراح يتدحرج فيها .
126 – كنت بالنسبة لي مثل شجرة تقول لقاطعيها :" لو لم يكن لديكم جزء مني بين أيديكم لما وقعتم علي " .
134-أ – يا بني كنت بالنسبة لي مثل الخلد الذي خرج إلى سطح الأرض ، متهما الله لأنه حرمه حاسة النظر ، فأتى نسر حمله وذهب .
134 – ب – أجاب ابني نادان قائلا لي : " بعيد عنك يا سيدي أن تكون بين الذين لا رحمة في قلوبهم . تصرف نحوي وفقا لإحسانك . إذا ما أذنب الرجل أمام الله فإن الله يغفر له ذنوبه . وأنت أيضا اغفر لي الآن وسوف أعتني بدوابك وأرعى نعاجك وخنازيرك ، فيقال عني رجل سيء ويقال عنك رجل طيب " .
135 – أجبته قائلا :" يا بني ، كنت بالنسبة لي مثل شجرة نخيل قامت على حافة طريق ولم تكن تعطي ثمارا ، فأتى صاحبها وأراد قلعها ، فقالت له النخلة :" أمهلني سنة جديدة وأعطيك القِرْطِم " . فأجابها صاحبها :" أيتها التعسة ، إذا لم تنجحي بإنتاج ثمرك أنتِ ، فكيف يمكنك انتاج ثمر آخر ؟"
141- يا بني ، أكثر من أي حديث آخر ، لابد أن تتأمل هذا : " خذ ابن أختك تحت إبطك وقاوم معه الصخر " .
5
سليمان الحكيم .
ونصل إلى الحكيم الثاني في هذه الحلقة ، وهو سليمان الحكيم ؛ الملك سليمان في التوراة ، والنبي سليمان في القرآن .
ونبدأ مع التوراة .
يقول الإصحاح الرابع من سفر الملوك الأول أن الله أعطى سليمان " حكمة وفهما كبيرا جدا ورحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر * وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر " ، " وكان أحكم من جميع الناس " ، " وكان صيته في جميغ الأمم حواليه " . و " وتكلم بثلاثة آلاف مَثَل ، وكانت نشائده ألفا وخمسا * وتكلم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوف النابت في الحائط . وتكلم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك * وكانوا يأتون من جمبع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان ، من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته ."
وإذا ما استثنينا الجزء الأخير من هذا النص ، الذي يخرج سليمان من بشريته ، ويضفي عليه صفات الألوهية ، حيث يتعدى صفة عالِم النبات إلى صفة موسوعة النبات ، فموسوعة الحيوانات الفقارية ، وموسوعة الطيور وموسوعة الحشرات ، وموسوعة الحياة البحرية ، وكل موسوعة ، كما نعرف ، جمعها جهد عديد العلماء على مر عديد القرون ، إذا استثنينا ذلك ، فلنا أن نسأل : ما الذي قدمته لنا التوراة تدليلا على حكمة سليمان التي فاقت حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر ، وأهلته ليكون أحكم من جميع الناس ؟
الإصحاح الثالث ، وبدءا من الآية 17 ، عرض لنا الرواية التالية : " حينئذٍ أتت امرأتان زانيتان إلى الملك ووقفتا بين يديه * فقالت المرأة الواحدة استمع يا سيدي ، إني أنا وهذه المرأة ساكنتان في بيت واحد وقد وَلَدْتُ معها في البيت * وفي اليوم الثالث بعد ولادتي وَلدتْ هذه المرأة أيضا ، وكنا معا ولم يكن معنا غريب في البيت غيرنا نحن كلتينا في البيت * فمات ابن هذه في الليل لأنها اضطجعت عليه * فقامت في وسط الليل وأخذت ابني من جانبي وأمتك نائمة وأضجعته في حضنها وأضجعت ابنها الميت في حضني * فلما قمت صباحا لأرضع ابني إذا هو ميت ، ولما تأملت فيه في الصباح إذا هو ليس ابني الذي ولدته * وكانت المرأة الأخرى تقول كلا بل ابني الحي وابنك الميت . وهذه تقول لا بل ابنك الميت وابني الحي ، وتكلمتا أمام الملك * فقال الملك هذه تقول هذا ابني الحي وابنك الميت ، وتلك تقول لا بل ابنك الميت وابني الحي * فقال الملك إيتوني بسيف . فأتوا بسيف بين يدي الملك * فقال الملك اشطروا الولد الحي اثنين وأعطوا نصفا للواحدة ونصفا للأخرى * فتكلمت المرأة التي ابنها الحي إلى الملك ، لأن أحشاءها اضطربت على ابنها ، وقالت استمع يا سيدي ، أعطوها الولد الحي ولا تميتوه . وأما تلك فقالت : لا يكون لي ولا لك . اشطروه * فأجاب الملك ، أعطوها الولد الحي ولا تميتوه فإنها أمه * فلما سمع جميع إسرائيل الحكم الذي حكم به الملك خافوا الملك لأنهم رأوا حكمة الله فيه لإجراء الحكم " .
سليمان وملكة سبأ :
وعن توجه الملوك إليه لسماع حكمته ، قدمت التوراة الحكاية التي بطلتها ملكة سبأ .
يبدأ الإصحاح العاشر سرد الحكاية على النحو التالي : " وسمعت ملكة سبأ بخبر سليمان لمجد الرب فأتت تمتحنه بمسائل * فأتت إلى أورشليم بموكب عظيم جدا ، بجمال حاملة أطيابا وذهبا كثيرا وحجارة كريمة ، وأتت إلى سليمان وكلمته بكل ما كان بقلبها * فأخبرها سليمان بكل كلامها . لم يكن أمر مخفيا عن الملك لم يخبرها به * فلما رأت ملكة سبأ كل حكمة سليمان والبيت الذي بناه وطعام مائدته ، ومجلس عبيده وموقف خدامه وملابسهم وسقاته ومحرقاته التي كان يُصًعِّدها في بيت الرب لم يبق فيها روح بعد * فقالت للملك صحيحا كان الخبر الذي سمعته في أرضي عن أمورك وعن حكمتك * ولم أصدق الأخبار حتى جئت وأبصرت عيناي فهوذا النصف الذي لم أُخبر به . زِدتُ حكمة وصلاحا على الخبر الذي سمعته * .طوبى لرجالك وطوبى لعبيدك هؤلاء الواقفين أمامك دائما السامعين حكمتك * ليكن مباركا الرب إلهك الذي سر بك وجعلك على كرسي إسرائيل لأن الرب أحب إسرائيل إلى الأبد * ........وأعطى الملك سليمان لملكة سبأ كل مشتهاها الذي طلبت ، عدا ما أعطاها إياه حسب كرم الملك سليمان . فانصرفت وذهبت إلى أرضها هي وعبيدها " .
6
النبي سليمان في القران :
وننتقل من التوراة إلى القرآن ، فنرى أن ذكر النبي سليمان ، أو سليمان الحكيم ، تناولته آيات عدة ، وردت في خمس من السور هي : الأنبياء ، النمل ، سبأ ، ص ، والبقرة ، ننقلها بنصها .
ونبدأ مع سورة الأنبياء :
{وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم ، وكنا لحكمهم شاهدين 78 ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين 79 ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين 81 ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين 82 .}
وفي سورة النمل .
{ ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين 15 وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس عُلِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين 16 وحُشِر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون 17 حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون 18 فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ أن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني رحمتك في عبادك الصالحين 19 وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين 20 لأعذبنَّه عذابا شديدا أو لأذبحنَّه أو ليأتيني بسلطان مبين 21 فمكث غير بعيد فقال أحطتُ بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين 22 إني وجدت امرأة تملكهم وأوتِيَتْ من كل شيء ولها عرش عظيم 23 وجدتها وقومَها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون 24 ألّا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون 25 الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم 26 قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين 27 اذهب بكتابي هذا فالقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون 28 قالت يا أيها الملأ إني ألقي إليَّ كتاب كريم 29 إنه سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم 30 ألّا تعلوا عليَّ وأتوني مسلمين 31 قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون 32 قالوا نحن أُلوا قوة وأُلوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين 33 قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون 34 وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بِمَ يرجع المرسلون 35 فلما جاء سليمان قال أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون 36 ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون 37 قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين 38 قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين 39 قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم 40 قال نكِّروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون 41 فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين 42 وصدَّها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين 43 قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لُجَّة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين 44 }
وفي سورة سبأ :
{ ولسليمان الريح غُدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القِطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزِغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير 12 يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور 13 فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خرَّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين 14 }
وفي سورة ص :
{ ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب 34 قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب 35 فسخرنا له الريح تجري بأمره رُخاءً حيث أصاب 36 والشياطين كل بنَّاءٍ وغواص 37 وآخرين مقرنين في الأصفاد 38 هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب 39 وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب 40 }
وفي سورة البقرة :
{ واتبعوا ما تتلوا الشياطين على مُلك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا .....} 102 }
7
وقفة استباقية :
والآن ، وقبل الانتقال للفقرة التالية ، استسمحكم بوقفة استباقية نستهلها بسؤال . هل ما اقتبسناه من التوراة ، وأورده القرآن ، من سيرة سليمان يدلل ما نسب إليه من الحكمة ؟ التوراة قدمت لنا فصله ، كقاض ، في حكاية الزانيتين وادعاء أمومة الرضيع ، والقرآن أشار لفصله ، وأبيه داود ، في حكاية دخول غنم قوم على زرع آخرين ورعيه ، دون أي معلومة عن القضية أو كيفية الفصل فيها . وعليه نعود لنسأل : هل فصل سليمان في قضية الزانيتين يدلل على تضلع بالحكمة ؟
إعادة القراءة تبين أننا ، إن أحسنا الظن ، أمام قاض ٍيفصل في قضية تصنف تحت باب الجنحة . قاضي نبيه ، فطين ، حاضر البديهة ، واسع الحيلة ، وفي ذات الوقت أمام مدعية تفتقد لأدنى درجات الفطنة ، لأنها لو لم تكن كذلك ، واتخذت موقف أم الرضيع برفض شطره، لكانت دفعت بالقاضي إلى مأزق ، يفرض عليه استحضار كل مخزون خبرته للخروج منه ،
وبالعودة لباقي روايتي التوراة والقرآن ، نعود لنسأل : هل تحوي الروايتان دليلا ما على حكمة سليمان ؟
في محاولة البحث عن جواب للسؤال ، تعالوا نتجاوز حكمة سليمان من قتله لأخيه الأكبر ، أدونيا ، صاحب الحق في العرش ، في مؤامرة دنيئة ، لتثبيت استفراده بعرش اعتلاه طفلا في الثانية عشرة ، كما يخبرنا الإصحاح الثاني . إعادة قراءة الروايتين تضعنا ، مع تجاوز اتصافهما بالمزايدة ، واحدتهما على الأخرى ، أمام حقيقة اتفاقهما على نزع أي صفة بشرية عنه وإلباسه صفات إلهية . فالقرآن زاد على الموسوعيات التي أضفتها عليه التوراة في مختلف فروع علوم النبات والحيوان والحشرات ..الخ ، إلى معرفته لعدد غير محدود من لغات الطيور ، والحيوانات وحتى الحشرات ، وبما لا يتوفر إلا لأمثاله من الآلهة دون البشر . وفوق هذا جعل من طير ضعيف كالهدهد ، يملك دماغا لا يتعدى الغرامين وزنا ، عالما في الجغرافيا وفي السياسة ، وفي الفن المعماري ، وأكثر من ذلك في المعارف الدينية . ومن دماغ نملة خبيرا في تحركات وقدرات الجيوش . وأضاف للصفات الألوهية تلك صفات أخرى كتسخير الريح والتحكم في سرعات ووجهات هبوبها ، وتسخير الجن والشياطين لخدمته ، وتشكيل جيوش لجبة من الجن والإنس والطير ..الخ تحت إمرته ، وحتى غياب عقل خدمه وحراسه وندمائه من البشر ، وخدمه من الجن والعفاريت ، بعدم تمييو حالته بعد موته ، لولا سوسة نخرت عصاه ، فأسقطته على الأرض . وإذا ما اختار المرء نزع صفة الأسطورة ، عن رواية القرآن ، وتعامل معها كواقع وحقيقة ، فلا بد أن يسأل : كيف ولماذا لم ينشئ سليمان امبراطورية كونية تحكم العالم من أربعة أطرافه ؟ وكيف تكون حقيقة والتاريخ ، كما يعترف علماء كليات الآثار الإسرائيلية ، لم يسجل سطرا او جملة منفردة له وعنه ؟
لكن وبالرجوع لقراءة حكاية الهدهد وملكة سبأ ، في كل من روايتي التوراة والقرآن ، نقع على هدف إنشاء كل من الروايتين ، وهو محاولة كل منها إثبات صحة دين صاحب كتاب الرواية ، استنادا لحكم الملكة . التوراة قالت أن الملكة ، بعد أن سمعت لحكمة سليمان ، ورأت عظمة بلاطه ودولته قالت في بيان إعلان الاعتراف بدين سليمان :" ليكن مباركا الرب إلهك الذي سر بك وجعلك على كرسي إسرائيل ، لأن الرب أحب أسرائيل إلى الأبد " ، أي أن كل الحكاية هي تزكية الدين اليهودي وتزكية حب الرب لإسرائيل ، وللأبد . فيما ذهب القرآن إلى تزكية الدين الإسلامي ، لأن دين سليمان كان هو الإسلام ، كما قالت قراءة الملكة لكتابه في الآية 30 من سورة النمل ، وعودته هو للتأكيد على إسلامه في الآية 42 ، وأخيرا لإعلان الملكة لإسلامها في الأية 44 .
8
أمثال سليمان :
لكن التوراة قالت بأن لسليمان قال من الأمثال ثلاثة آلاف مثل ، وألفا وخمسة من الأناشيد . فهل أمثال سليمان هي مصدر حكمته ؟
سفر الأمثال في التوراة يتكون من 31 إصحاحا ، وبالتالي من المستحيل إيرادها في مثل هذه الحلقة ، كما من الصعب الاختيار بينها ، ولكن لأنه لا بد مما ليس منه بد ، سأحاول انتقاء ما يمكن الاستدلال منه على ما وصف به من الحكمة .
1 – يا إبني ، إن تملقك الخطاة فلا ترضى * إن قالوا هلم معنا لنكون للدم ، لنخنف للبريء باطلا * لنبتلعهم أحياء كالهاوية ، وصحاحا كالهابطين في الجب * فنجد كل قنية فاخرة نملأ بيوتنا غنيمة * نلقي قرعتك وسطنا ، يكون لنا جميعنا كيس واحد * يا بني لا تسلك في الطريق معهم . امنع رجلك عن مسالكهم * لأن أرجلهم تجري إلى الشر ، وتسرع إلى سفك الدم * لأنه باطلا تنصب الشبكة في عيني كل ذي جناح .
2- يا إبني لا تنس شريعتي بل ليحفظ قلبك وصاياي ، فإنها تزيدك طول أيام وسني حياة وسلامة * لا تدع الحق والرحمة يتركانك . تقلدهما على عنقك ، اكتبهما على لوح قلبك .
3 – لا تمنع الخير عن أهله حين يكون في طاقة يدك أن تفعله * لا تقل لصاحبك إذهب وعد فأعطيك غدا وموجود عندك * لا تخترع شرا على صاحبك وهو ساكن لديك آمنا * لا تخاصم إنسانا بدون سبب ، إن لم يكن قد صنع معك شرا .
4- اشرب مياها من جُبِّك ومياها جارية من بئرك * لا تفض ينابيعك إلى الخارج سواقي مياه في الشوارع * لتكن لك وحدك وليس لأجانب معك * ليكن ينبوعك مباركا وافرح بامرأة شبابك * الظبية المحبوبة والوعلة الزاهية . ليروك ثدياها في كل وقت وبمحبتها اسكر دائما .
5- إذهب إلى النملة أيها الكسلان . تأمل طرقها وكن حكيما * التي ليس لها قائد أو عريف أو متسلط . في الصيف تعد طعامها وتجمع في الحصاد أكلها .
6- هذه النبتة يبغضها الرب وسبعة مكرهة نفسه * عيون متعالية ، لسان كاذب ، أيد سافكة دما بريئا ، قلب ينشئ أفكارا رديئة ، أرجل سريعة الجريان إلى السوء ، شاهد زور يفوه بالأكاذيب وزارع خصومات بين إخوة .
7- حافظ التعليم هو في طريق الحياة ورافض التأديب ضال * من يخفي البغضة فشفتاه كاذبتان ومشيع المذمة هو جاهل * كثرة الكلام لا تخلو من معصية ، أما الضابط شفتيه فعاقل * لسان الصِدِّيق فضة مختارة ، قلب الأشرار كشيء زهيد * شفتا الصِدِّيق تهديان كثيرين ، أما الأغبياء فيموتون من نقص الفهم .
8- حكمة المرأة تبني بيتها والحماقة تهدمه بيدها * ..... حيث لا بقر المعلف فارغ ، وكثرة الغلة من قوة الثور * الشاهد الأمين لن يكذب ، والشاهد الزور يتفوه بالأكاذيب .
9- الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط * لسان الحكماء يحسِّن المعرفة وفم الجهال ينبع حماقة .
10- مقاصد بغير مشورة تَبْطُل وبكثرة المشيرين تقوم * للإنسان فَرَحٌ بجواب فمه والكلمة في وقتها ما أحسنها .
9
لقمان الحكيم
وانفرد القرآن بذكر لقمان الحكيم ، في سورة حملت اسمه ، دون أن يشير إلى نسبه أو للعصر الذي عاش فيه ، الأمر الذي أطلق العنان للمخيال الإسلامي ، حيث فجاجة الصنعة فيه واضحة ، لا تخطئها حتى العين غير الفاحصة .
ورد ذكر لقمان وحكمته في ست آيات من سورة لقمان هي : { ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد 12 وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم 13 يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير 16 يا بني أقم الصلاة وأْمُر بالمعروف وانْه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور 17 ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور 18 واقصد في مشيك واغضض من صو إن أنكر الأصوات لصوت الحمير 19 }
وفي سورة الإسراء وردت آية ، جرت العادة على نسبها للقمان ، مع أنها ليست كذلك . تقول الآية :{ ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا " الآية 37
10
وفي الأدب الإسلامي
وعدم إشارة القرآن لنسب لقمان ،أو للعصر الذي عاش فيه ، فسح المجال لمخيال علماء المسلمين ومحدثيهم ، بدءا بجيل الصحابة . فهو ابن أخت أيوب تارة ، وابن خالته تارة أخرى ، وهو حكيم عاصر داود ونهل من حكمته تارة ، وهو نبي سبق داود وعرضت عليه الخلافة -- لاحظوا الخلافة وليس الملك كداود - تارة أحرى ، وهو عبد نوبي ، ونجار تارة ، وسوداني تارة ثالثة ... الخ .
ولم يفت مدوني التراث الإسلامي إيراد حكم نسبوها للقمان ، دون إشارة للمصدر الذي استقوها منه ، وحيث بانت غلبة الصنعة عليها ، كما سبق وأشرت ، ومنها :
• يا بني إن العمل لا يستطاع إلا باليقين ومن يضعف يقينه يضعف عمله .
• يا بني إياك والكذب فإنه شهي كلحم العصفور ، عما قليل يُقلى صاحبه .
• يا بني لا تأكل شبعا على شبع لأنك لو تلقه لكلب خير من أن تأكله .
• يا بني لا تكن حلوا فتبلع ولا مرا فتلفظ .
• يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله ليحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر .
• يا بني إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك .
• يا بني إياك والدَّين فإنه ذل في النهار وهَمٌّ في الليل .
• يا بني امتنع عما يخرج من شفتيك فإنْ ما سكتَّ سالم وإنما ينبغي لك من القول ما ينفعك .
• يا بني اعلم أن الجهاد ذروة سنام الإسلام .
• يا بني ليكن لك علو الهمة في طلب الجنة والعزم للشهادة في سبيل الله .
• يا بني من كذب ذهب ماء وجهه ومن ساء خلقه كثر همه .
• نقل الصخور من موضعها أيسر من إفهام من لا يفهم .
• ما ندمت على السكوت قط ، وإن كان الكلام من الفضة فالسكوت من الذهب .
وتبدو فجاجة الصنعة أكثر وضوحا في الحكاية التالية : " عن ابن جرير عن ابن وكيع عن ابن شهاب ، ...عن خالد الربعي قال :" كان لقمان عبدا حبشيا نجارا ، فقال له مولاه : اذبح لنا هذه الشاة ، فذبحها . فقال : أخرج لي أطيب مضغتين فيها ، فأخرج اللسان والقلب . فمكث ما شاء الله له ، ثم قال : اذبح لنا هذه الشاة ، فذبحها . فقال : أخرج أخبث مضغتين فيها ، فأخرج اللسان والقلب . فقال له مولاه : أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجتهما ، وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فأخرجتهما . فقال لقمان : إنه ليس من شيء أطيب منهما إن طابا ولا أخبث منهما إن خبثا .
وأظنكم تذكرون الحديث : المرء بأصغريه قلبه ولسانه ؟
11
وخاتمة
ومن إعادة قراءة الحكم ، أو النصائح ، أو الأمثال السابقة ، نلاحظ كم هو كبير حجم التقاطع بينها ، حتى أن بعضها لا يعدو أن يكون في العصر اللاحق مجرد تحوير في كلمات مثيله من العصر السابق . خذ مثلا ، آيتي لا تمش في الأرض مرحا ، واخفض من صوتك ، وحكمة أحيقار رقم 11 ، ومن أمثال سليمان المثل 7 ، ونصحية الأب الكلداني لابنه في المواظبة على الذهاب لبيت اللوحات – المدرسة – ونصيحة لقمان الثانية ، الوارد ذكر العصفور فيها ، ونصيحة أحيقار رقم 36 ، والقائمة تطول .
لكن وقبل إعادة القول أن تماثل ، أو تقاطع الحكمة ، ووجود وتقدير الحكماء عند أتباع مختلف الأديان ، قديمها الوضعي ، وحديثها ؛ السماوي ، يدلل على مسار التطور الصاعد للعقل البشري ، وإن اتصف بالبطء في بعض المراحل التاريخية ، قبل إعادة هذا القول ، تعالوا نتوقف عند ملاحظة أن ما صنفته الأديان تحت باب الحكمة ، جاء على شكل نصائح ، من معلم لتلميذه ، أو من أب لابنه . ذلك يستفز فينا أكثر من سؤال : هل الصحيح وضع هذه النصائح تحت باب الحكمة ، أم الإشارة إليها كمبادئ تربوية ؟ سيقول واحدكم : ولكن علم التربية ، كعلم مستقل ، لم يكن معروفا آنذاك ، ولذلك جاز لواضعي الأديان تصنيفها تحت أبواب الحكمة ، كما تصنيف المربين ، آباء ، معلمين وأنبياء تحت مسمى الحكماء .
وأختم بإعادة التذكير بنصحية الأب ، من العصر الأكدي الأول ، ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد ، لابنه بالمواظبة على الذهاب لبيت اللوحات ، أي للمدرسة ، لأن مهنة الكتابة كما قال ، هي أعقد المهن وأشرفها ، الأمر الذي يدعونا لأن ننحني إجلالا لأجدادنا الأوائل .

#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات