أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - جدل الثورات الفلسفية















المزيد.....

جدل الثورات الفلسفية


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 6124 - 2019 / 1 / 24 - 08:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تتوالد الثورات الفلسفية من بعضها البعض كما تتوالد الأكوان الممكنة من بعضها فلا تتوقف جدلية التاريخ المعرفي تماما ً كما لا تتوقف جدلية الوقائع الواقعية و الممكنة عن إنجاب ذواتها و نقائضها و نقائض نقائضها. فالحداثة أنجبت نقيضها المتمثل في ما بعد الحداثة. و جدل الخلاف بين الحداثة و ما بعدها أوصلنا إلى السوبر حداثة في محاولة تخطي الحداثة و ما بعدها. و هذه التجسّدات المتنوّعة للعقل الحداثوي قاتلت و ما تزال تقاتل السوبر تخلف نقيض تجليات الحداثة بأبعادها المختلفة.

تعتبر الحداثة أنَّ الكون مُحدَّد و لذا من الممكن معرفته فتُحلِّل معارفنا و تُعقلِنها بينما تصرّ ما بعد الحداثة على أنَّ الكون غير مُحدَّد و لذلك من غير الممكن معرفته فتفكك معارفنا و تُظهِر لاعقلانيتها. أما السوبر حداثة فتقول إنَّ رغم لامحددية الكون من الممكن معرفته لأنَّ من خلال لامحددية العالَم من الممكن بحق تفسيره فالحصول على المعرفة. و بذلك تتجاوز السوبر حداثة كلا ً من التحليل و التفكيك التقليدييْن من جراء اعتبار أنَّ المعرفة غير مُحدَّدة ما يُفسِّر اختلاف معارفنا و تنوّعها كاختلاف معارفنا في العلوم كالفيزياء و الكيمياء و البيولوجيا رغم مقبوليتها جمعاء. هذه التجسّدات المتنوّعة للعقل المعاصر عبارة عن جدلية ثورات فلسفية متتالية هدفها الأساس تحديد اللامُحدَّد من المعارف و استمرارية البحث العلمي و المعرفي.

يتجلّى جدل الثورات الفلسفية في حقول فكرية عديدة منها فلسفة العلوم. فبينما الحداثة تعتبر أنَّ النظريات العلمية صادقة (بمعنى أنها مطابقة للواقع) لكونها ناجحة في تفسير ظواهر الكون كما يؤكّد الفيلسوف ريتشارد بويد , تصرّ ما بعد الحداثة على أنَّ النظريات العلمية ليست صادقة و لا كاذبة بل هي فقط مقبولة كما يقول الفيلسوف توماس كون. بالنسبة إلى بويد , التفسير الوحيد لكون النظريات العلمية ناجحة في تفسير ظواهر الكون و التنبؤ بها هو أنها صادقة. فلو لم تكن صادقة ما كانت لتنجح في وصف الكون و تفسيره. أما "توماس كون" فيرفض هذا الموقف الحداثوي و يُعبِّر عن موقفه الخاص ضمن ما بعد الحداثة فيقول إنَّ النظرية العلمية هي معيار الحقيقة فالنظرية العلمية تُحدِّد الحقائق و بذلك لا يوجد معيار مستقل للحكم على صدق هذه النظرية العلمية و كذب أخرى. من هنا بالنسبة إلى "توماس كون" , النظريات العلمية ليست صادقة و لا كاذبة بل هي فقط مقبولة.

أما السوبر حداثة فتتخطى كلا ً من الحداثة و ما بعد الحداثة من خلال إصرارها على أنَّه من غير المُحدَّد أية نظرية علمية هي النظرية الصادقة من بين كل النظريات العلمية العديدة و المتنافسة ما يُفسِّر نجاحاتها جمعاء رغم اختلافها و تعارضها. فإن كان من المُحدَّد أية نظرية علمية هي الصادقة لنجحت تلك النظرية في وصف الكون و تفسيره دون النظريات العلمية الأخرى. لكن ثمة نظريات علمية عديدة ناجحة في وصف الكون و تفسيره رغم التعارض فيما بينها و اختلافها. لذلك من غير المُحدَّد أية نظرية علمية هي الصادقة تماما ً كما تقول السوبر حداثة.

تتعدّد الأمثلة على نجاح النظريات العلمية رغم اختلافها فمن منظور النموذج العلمي الكلاسيكي , العالَم يتشكّل من مواد و طاقاتها. يعتبر هذا النموذج العلمي أنَّ الكون يتكوّن من ذرات مادية التي تتشكّل بدورها من جُسيمات كالإلكترونات و العلاقات فيما بينها. أما نموذج علمي ثان ٍ فيؤكّد على أنَّ العالَم أوتار و أنغامها. فالمواد و طاقاتها تختلف مع اختلاف تذبذب الأوتار و بذلك الكون سيمفونية موسيقية. و من منطلق نموذج علمي ثالث , العالَم مجموعة معلومات فكل المواد و الأحداث و العلاقات فيما بينها مُختزَلة إلى معلومات و عمليات تبادل للمعلومات كما يؤكد الفيزيائي بول ديفيز.

لكن من منطلق نموذج علمي رابع , الكون كمبيوتر متطوّر يحسب المعلومات المتجلية في الموجودات كافة كما يؤكد عالِم الهندسة الكمية سيث لويد. من جهة أخرى , يعتبر نموذج علمي خامس أنَّ العالَم مجرد وهم ؛ فمعلومات الكون موجودة على سطح العالَم بدلا ً من أن تكون موزّعة داخله ما يشير إلى وهمية ما نراه من وجود. و هذا ما يصرّ عليه الفيزيائي ليونارد سسكيند. أما الفيزيائي ماكس تغمارك فيقول إنَّ الكون بنيات رياضية مجرّدة فيقدِّم بذلك نموذجا ً علميا ً سادسا ً. هكذا من الممكن الانطلاق من عالَم مادي إلى عالَم أكثر تجريدا ً يتصف بأنه موسيقى أو معلومات حتى نصل إلى عالم محض مجرّد ألا و هو الكون كبنية رياضية لكي نصل أخيرا ً إلى عالَم وهمي فتكتمل عملية تصاعد التجريد العلمي. كل هذه النظريات العلمية ناجحة في تفسير ظواهر الكون. و بذلك إذا كان من المُحدَّد أية نظرية منها هي الصادقة من دون النظريات الأخرى ما كانت كلها ناجحة بل لنجحت نظرية واحدة منها فقط. من هنا من غير المُحدَّد أية نظرية علمية هي الصادقة ما يدل على مقبولية السوبر حداثة و صدقها.

لا تكتفي جدلية الثورات الفلسفية بالحداثة و ما بعد الحداثة و السوبر حداثة بل نجدها تفتتح عصر السوبر تخلف النقيض الطبيعي لكل تجليات الحداثة و ما بعدها. فإن كان العلم قد أصبح موضة كالأزياء و العطور كما يقول عالِم الرياضيات و الفيزيائي روجر بنروز فهذا دليل على تجاوز كل تجليات الحداثة و تحوّل المشهد الثقافي و العلمي العالَمي إلى تجسّد حيّ للسوبر تخلف. يؤكّد بنروز على أنَّ العلماء عرضة للتأثر بموضة الأفكار و الخيال المحض كباقي البشر ما أدى اليوم إلى تخبط العلماء كابتعاد نظرية الأوتار (القائلة بأنَّ الكون أوتار و أنغامها) عن الواقع الفيزيائي و اختباره علميا ً. إذا صدق هذا النموذج التفكيكي للعلم المعاصر فحينها العديد من العلماء يقدّمون الجهل على أنه علم و العلم على أنه جهل فيطوّرون التخلف تماما ً كما يحدث في المجتمعات السوبر متخلفة. هكذا أمسى السوبر تخلف سيدا ً من أسياد العلم و العالَم. لكن هذا لا يعني أن نرفض العلوم لأنَّ العلم عملية تصحيح مستمرة (كاستبدال النظريات العلمية بأخرى) ما يشير إلى أنه لا توجد يقينيات مطلقة في العلوم ما يسمح بدوره في تحريرنا من ذواتنا و استمرارية أبحاثنا العلمية و الفلسفية و تطوّرنا.

أما الخطوة الأولى في محاربة السوبر تخلف فتكمن في قبول المنطق و العلم (المعتمد على اختبار الواقع و ليس العلم كموضة) و المشاركة في إنتاج العلوم ما يجعلنا نتخلى عن يقينياتنا المُسبَقة فلا نتعصب لها فنتحرّر من السوبر تخلف الكامن في تعصبنا لِما نعتقد. مَن لا يتحرّر من يقينياته لا يتحرّر من الآخرين. فالمعرفة جدلية ثورات فكرية متعاقبة. إنسان بلا جدل ثورات فلسفية إنسان بلا معرفة. و إنسان بلا معرفة إنسان بلا وجود.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجاز فن المعاني الصادقة
- الإعجاز المخادع و البلاغة الكاذبة
- المعنى فن إنتاج اللغة
- الشِعر فن استدعاء التأويل
- الكون فن إيصال المعاني
- الجمال فن انتظام المعاني
- الفن تحويل اللامعنى إلى معان ٍ
- العقل فن إنتاج الواقع
- المعرفة فن إنتاج المعاني
- العِلم فن توحيد المعاني
- الأدب فن تكثير المعنى
- الأدب فن إخفاء المعنى
- فلسفة ارتباط العقل بالواقع
- فلسفة المعاني و صراع النظريات
- ستيفن هوكنغ : لا غالب إلا العلم
- الفيزياء المعاصرة و التصوّف
- فلسفة العلمانية الإنسانوية
- العلم أنسنة الكون
- الكون عزف جاز
- نقد العلوم


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - جدل الثورات الفلسفية