|
هل يوجد أمل فى إعادة النهج الديموقراطى لمصر؟
رياض حسن محرم
الحوار المتمدن-العدد: 6124 - 2019 / 1 / 24 - 01:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يوجد شك فى أن أعظم ما أفرزته ثورة 25 يناير المجيدة هو فتح أبواب الديموقراطية وحرية التعبير على مصاريعها، وشهدت الأعوام 2011 -2013 أجلى مرحلة فى اطلاق حرية التعبير والرأى والتنظيم لدى القطاع الأوسع من الجماهير حتى سيطرة الإخوان، ورغم وجودهم فى الحكم فقد احتفظ الشعب بحقه كاملا فى ممارسة الديموقراطية رغم أنوفهم، ومع صعود الجنرال/عبد الفتاح السيسى الى قمة هرم السلطة الاّ وبدء حثيثا تطبيق برنامجه "الذى لم يفصح عنه قبلا" ، وهو إسكات جميع الأصوات المعارضة حتى يمكن إنقاذ البلد من كارثة ثورة يناير، واطلاق قوى الثورة المضادة لتنهش لحم كل من شارك أو عبّر عن رأى فى هذا الفعل المشين، والباقى منهم تتولاه أجهزته الأمنية، و احكم سيطرته المطلقة على مقاليد السلطة مستعينا بأجهزة الأمن وملحقاتها، وبالقوات المسلحة بكافة تشكيلاتها، وبالشريحة الرأسمالية المدنية التى لعبت نفس الدور فى كل العصور، ولم يكتف بذلك بل عمد الى السيطرة على جميع وسائل الإعلام المرئية كالصحافة والتليفزيون ووسائط التواصل الإجتماعى (الأخيرة لم يتم السيطرة عليها كاملا بعد، والمسموعة من راديو ومنابر المساجد وغيرها، ويجتهد دهاقنتة فى البحث عن طرق غير مسبوقة للسيطرة عليها")، ولا بأس من إستحداث أشكال جديدة من نوع "المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة وغيرها" للإجهاز نهائيا على آخر صوت معارض، كل ذلك تحت ستار" لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" مع عدم تحديد نوع المعركة هذه المرّة، مع إطلاق تصريحات من وقت لآخر أن الثورة حدثت نتيجة تشخيص خاطئ وأنه لن يسمح لما حدث فى 2011 أن يتكرر ثانية، وأنه مستعد أن يمحى من على وجه الأرض كل من يفكر فى الإقتراب من كرسى الحكم. لقد شدد السيسى أكثر من مرّة أنه لا يجب أن نقارن الأوضاع فى مصر بالدول الراسخة فى التحول الديموقراطى من حيث الحريات وحقوق الإنسان، وأن مصر تحتاج من 20 الى 25 سنة لتحقق الديموقراطية، وقال مخاطبا المصريين "لسه بدري أوي عشان تبدوأ الممارسات الديمقراطية بشكل مفتوح". ولكن كيف أمكن لأى قوة مهما بلغت درجة عنفوانها أن تعيد هذا المارد "الشعب" الى قمقمه مرّة أخرى بعد أعوام من الثورة والتمرد على المألوف، لعل القوة السحرية التى مكنّت السيسى أن يفعل ما فعله فى الشعب المصرى دون أن تبدى الجماهير أى درجة من درجات التذمر أو الإمتعاض الذى يقود الى شكل من أشكال الثورة أو التمرد، السر فى ذلك "من وجهة نظرى" هى ذلك الإتفاق الصامت غيرالمكتوب بين الجنرال والشعب، وطبيعة الإتفاق هو أن يسلّم المصريين زمام أمرهم كاملا له، مقابل أن يعيد لهم الأمان ويقضى على الإرهاب الذى تفشى فى سيناء وإمتد الى داخل الدلتا والوادى وعلى حدود مصر الغربية، وأن يكمل إجهازه على جماعات الإسلام السياسى الإرهابية وفى المقدمة منهم تنظيم الإخوان المسلمين، كذلك مقابل أن ينتشل الإقتصاد المصرى من الوضع البائس الذى وصل اليه، ويعيد وضع مصر فى الموضع الذى يليق بها على الخريطة، مع تخويف الشعب المصرى بصفة دائمة من المصير الذى أحاق بدول مجاورة فى سوريا وليبيا واليمن، ولعل شواهد الواقع والحملات الدعائية ما زالت تعطى تلك الجماهير الأمل فى تحقيق تغيّر حقيقى فى أوضاعهم المادية والمعيشية، وقد قال السيسي فى حوار مع جريدة (جون أفريك) الفرنسية فى فبراير الماضى إن التنمية شرط مهم لتحقيق الديمقراطية، موضحاً أن الأمر يحتاج إلى تحسين التعليم ومكافحة الفساد والفقر، وتبني معايير حقوق الإنسان في إطار ظروف وطبيعة المجتمع، وقال إن الديمقراطية عملية طويلة ومستمرة وسيتطلب تحقيقها في مصر فترة تتراوح من 20 إلى 25 عاماً، مضيفًا أن تلك الفترة تعتبر إلى حد ما قصيرة لتحقيق الهدف بشكل كامل". ليست هذه أول مرّة يعطى الشعب المصرى حاكمه "شيكا على بياض"، فقد فعلها قبلا مع (جمال عبد الناصر) عام 1954 وتنازل بمشيئته عن الحريات والحق فى التنظيم السياسى والنقابى المستقل مقابل تحقيق درجة حقيقية من العدالة الإجتماعية وحرية القرار السياسى، وربما كررها الشعب مجددا ذلك العقد مع (أنور السادات) مقابل تحرير سيناء و إستعادة الكرامة المصرية، هكذا يقبل ذلك الشعب طوعا بالتنازل عن حرياته وإقتسام قوته مقابل الأمل فى حياة أفضل وأكثر كرامة، لكنها مرتهنة بمدى صدق الحاكم. لقد تمادى السيسى فى إستخدام ذلك الحق، واستغل كرم الشعب المصرى فى الضغط عليه لحد الإذلال، واستخدم القمع كوسيلة لضمان خنوع المصريين، وتفنن فى إبتكار وسائل قمعية تستهدف إخضاع المواطن وضبط المجتمع والسيطرة على مؤسسات الدولة، منها كما ذكرنا السيطرة على وسائل الإعلام، ولم يكتف بذلك بل إستدار لينقض على النقابات العمالية والمهنية جميعا من خلال تسخير مجلس النواب لإصدار مجموعة من القوانين "سيئة السمعة" فى مجالات عمالية واستثمارية تضمن له مزيد من السيطرة. فى ظل هذا المناخ الكئيب، بدأت جوقة المطبلين فى المجلس وأجهزة الإعلام تعزف على نغمة ضرورة تغيير الدستور لإستصدار تعديلات دستورية تسمح للرئيس بالبقاء لفترة أو لفترات أخرى، وكأننا نشاهد فيلما قديما سبق عرضه فى الماضى القريب، وتتحول القصة الى مبايعة وتكرار لولايات جديدة، والإطاحة بجميع المبادئ الدستورية التى إستقر عليها الواقع داخليا وخارجيا، الحقيقة أن الدساتير وضعت لتبقى لفترات تمتد لعشرات السنين ولا تعدل أو تتبدل إلا مع حدوث تغيرات كبرى في البلاد، وأن هذا الدستور قد تمت ولادته بعد معاناة شديدة ونقضا لدستور سبقه بعامين ومن خلال لجنة لوضعه وصياغته تم تغييرها وتعديلها أكثر من مرّة، وتم إقراره بأغلبية كاسحة من الشعب المصرى، لقد ناور السادات بعد إقرار دستور 1971 بأكثر من 15 عاما واستحدث تغيير المادة الثانية لتمرير تلك الفقرة، ولكنهم يلعبون باسلوب مكشوف ومفضوح هذه المرّة، ورغم عدم تفعيل دستور 1914 كاملا حتى الآن فإنهم بكل بجاحة يدعون لتغييره، واضح وضوح الشمس أن تلك المحاولات "التى ستتحقق رغم أنف الجميع" هى عودة لمرحلة كنا نتخيل من خلال معاناة طويلة وثورتين أننا قد تجاوزناها، بما يقوض بناء الدولة الديموقراطية ويجعلنا أمثولة بين دول العالم، بعد مهزلة الإنتخابات الرئاسية الأخيرة واستبعاد جميع المنافسين وتقديم "دوبلير مزيف" لمحاولة لحفظ ماء الوجه. رغم كل ذلك فإننا بكل ثقة يمكن أن نقول أنه قد حدث تغيّر جوهرى بين زمن كان فيه السيسى يشغل وظيفة وزير دفاع فى ظل حكم الإخوان وبين وضعه الآن، فقد إكتسب مزيدا من الغرور والثقة بالنفس، وبدأ فى تصديق نفسه انه يحكم بتأييد الجماهير ورغبتها فى إستمراره و أنه مضطر لذلك حتى لا تحدث الفوضى. فى التحليل النهائى فالسيسى "فى قرارة نفسه" يعتبر أن الأخطر عليه من الإرهاب والتدخل الخارجى هو الديموقراطية نفسها، وهو ما تدل عليه جميع ردود أفعاله وتصرفاته حتى الآن، ونجح فى اقناع الكثير من المصريين بأسطورة أن حكم العسكر وسطوة الرجل القوي هي الحصن الوحيد ضد الفوضى والثيوقراطية الإسلامية، مستغلا فى ذلك وضعا عالميا يميل تدريجيا الى تفضيل الديكتاتورية الوطنية الشعبوية فى كثير من الدول الغربية على حساب المبادئ الأساسية للديموقراطية ومبادئ اليسار، التى أعتقد أن أحد الأسباب الأساسية لصعودها جاءت نتيجة للتطرف الإسلامى والتنظيمات الإرهابية الجهادية. السلام عليكم.
#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطريق الى ثورة 25 يناير
-
قراءة جديدة لأحمد فؤاد نجم
-
مرّة أخرى.. بين الشيخ والرئيس..خلاف مقنن.
-
السترات الصفراء فى فرنسا.. ثورة أو ثورة مضادة؟
-
بين الشيخ والرئيس
-
الإستشراق المعكوس.. والحالة المصرية
-
ضد الحرب على اليمن.. وضد الحوثيين
-
إنتخابات الإتحادات الطلابية.. لم يحضر أحد!!
-
عن الإمام الخومينى واليسار الإيرانى
-
تراجع اليسار عالميا
-
السر وراء بقاء نظام الأسد فى سوريا حتى الآن
-
قرار التقسيم .. ومأزق الأحزاب الشيوعية العربية
-
أشرف مروان.. جاسوس برتبة زعيم وطنى
-
تطور نظام البوليس السياسى فى مصر
-
حركة الطلاب المصريين فى السبعينات
-
عن فيلم -تراب الماس- .. وفساد المجتمع.
-
حسين عبد الرازق.. مناضل حتى الرمق الأخير
-
على العطفى .. آخر الجواسيس قبل كامب ديفيد
-
مؤامرة غزة .. الباب الملكى لصفقة القرن
-
5 سنوات على فض رابعة والنهضة..وما زال الحدث مستمرا
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|