فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 1524 - 2006 / 4 / 18 - 12:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تناقلت وسائل الأخبار المرئية والمسموعة والمقروءة، أنباء الحوادث المأساوية والموجعة التي جرت في مدينة الإسكندرية المصرية، ولم تكن هذه المرة الأولى التي تجري فيها حوادث ذات بعد ومغزى طائفي بين المسلمين ، وهم الأكثرية الغالبة في مصر، وبين الأقلية القبطية، وفي كل مرة تحاول الأوساط الرسمية تلفيق المواضيع وتصنيفها بأطر مطلية ومعبئة سلطوياً مستخدمة على الدوام أساليب التغطية والتعمية على الواقع ، بل وتشحن وتغذي تحت الرماد مثل هذه الحوادث، ثم تخرج على الملأ بأن فاعلي ومرتكبي هذه الجرائم البشعة بحق المحتفلين والمصلين في بيوت عبادتهم، من أخوتنا الأقباط ، مجرد معتوهين أ ومصابين بلوثة عقلية!!.
وأنا أؤكد للمسؤولين المصريين ، أن الفاعل مغسول الدماغ ومعتوه، إنما أجريت له عملية غسل دماغي بواسطة معتوهين مثله ضد أبناء وطنه، وجعلوا منه آلة تسير بفعل الشحن الخاطيء والفهم المغلوط للدين ، رسموا له صورة أهل الكتاب على غير ما رسمها القرآن الكريم، وقدموا له أبناء وطنه من الأقباط كأعداء حقيقيين!! ، من المسؤول يا سيــــادة الرئيـــــــس مبـــــــــــارك؟؟
حين يقف رئيس دولة بكامل هيئته ومركزه لينعت ويشكك بانتماء ووطنية شيعة العراق!!
فهل نعاتب مخبولا لا يفقه من الدين ولا أصوله سوى بعض آيات وفتاوي لقنت إليه من شيخ جاهل داخل المساجد المنتشرة كالفطر في كل أصقاع الوطن العربي، غايتها فقط إنتاج الإرهاب والتطبيل لزعماء جهلة يحمون الدين ليستغلوا ضعف المواطن وإيمانه بوطنه ودينه ويسخروه لخدمة أغراضهم الآنية، دون أن يدركوا أن هؤلاء سينقلبون عليهم يوما ما؟!! ، التجارب التي مر فيها الشعب السوري والعراقي خير دليل على ذلك...ألم نتعلم؟! .من صدام حسين وممارساته التطييفية، واستغلاله الانتماء الطائفي وتجييره لخدمة مصالحه السياسية وغاياته للإبقاء على قبضته وسلطته الفتاكة والديكتاتورية، لكن من يدفع اليوم الثمن الباهظ لأخطاء حكمه هو الشعب العراقي.. إن التثقيف الخاطيء لمراحل طويلة من الزمن ولأجيال عديدة سينتج ثمار التفرقة وثمار تربة زرعت فيها الطائفية شوائبها لتخرج علينا ببشر ينتمون للطائفة قبل الوطن ويقتلون على الهوية الدينية قبل أن يثبتوا انتماءهم للشعب والوطن..
وهذا ما يحصده المواطن العراقي اليوم من حرب أهلية لا تبقي ولا تذر...تأكل الصالح قبل الطالح، وتطيح بالوطن العراقي إلى غياهب الإرهاب والتمزق والتفرقة، إلا إذا تصدى لها العاقلون والصالحون من أبنائها ليجتمعوا على خير الوطن ويصونوا وحدته...رغم نبرة اليأس التي تعتريني لكني آمل أن يخرج العراق من محنته وينتصر أبناءه لوطنهم قبل انتصارهم لمذاهبهم...
وهاهي عجلة الطائفية تدور وتطحن أبرياء من أبناء مصر الشقيقة!، من المسؤول؟ أليس النظام هو المسؤول الأول؟! ، لماذا لم تعرف مصر هذا أيام الحقبات الماضية؟ لماذا لم تعرف سورية هذا في الخمسينات؟؟ لكنها تعج اليوم وتغص بالممارسات الطائفية رغم ما تحاول السلطة تغطيته وتعميته وتمنع الخوض فيه، لكنها تمارس الطائفية السياسية علنا..وتترك المجال مفتوحاً أمام رجال الدين الجهلة للإطاحة بحقوق المرأة والطفل والأسرة، بل وتترك لهم مجال غسل عقول الشباب وتجهيلهم من خلال دروس دينية تسخرهم وتشغلهم في صفوفها الجهادية ، لترسلهم فيما بعد إلى كتائب الموت للتخلص منهم ، وتحارب بهم أميركا، ولترسل لأميركا رسالتها عبرهم....إما أنا....أو هؤلاء!!!!!!!!!
إني ابنة سورية، لكني لم أرها كما هي عليه اليوم من مظاهر التخلف والعودة للسلف الصالح ، وهل يعقل أن جيل اليوم أكثر تخلفا من الأجيال السابقة؟ ، وهل يعني أننا لم ننشأ ونتلقن تعاليم الإسلام، في بيوت مؤمنة ومنتمية للإسلام؟؟ لكننا لا نعرف الوجه الإسلامي القاتل ولا الوجه الإسلامي الإرهابي الذي قدمه بعض الجهلة من مشايخ التعمية للكون ، والذي تدعمه الأنظمة العربية القائمة ، بدون استثناء...
ثم إن حوادث الثمانينات في سورية، وما تركته من وجع وتشرد لآلاف الأسر وانعدام ثقة بين المواطن وحكومته..إلى انحسار لدور المواطن في العمل السياسي، بل تم قمعه وإذلاله وإقصاءه عن الحياة العامة، يقتصر دوره على العمل والأكل وعدم الحراك إلا بأمر من السلطة....وضمن مخططاتها السياسية بإظهار موالاته فقط..وتم تجيير النقابات والإتحادات العمالية والمهنية والطلابية والنسائية..لتصبح كلها إرثاً سلطوياً بدون منازع...للحزب من جهة رغم أنه حزب للواجهة فقط
وحقيقة الأمر والنهي هي بيد حفنة صغيرة ودائرة ضيقة مقربة جدا للقصر الجمهوري وحاشيته الأسرية وفروعه الأمنية..... وتم تجيير العسكر وكبار ضباط الأمن والجيش...ولو أحصينا عدد أفراد الضباط الفاعلين في قطاعات الجيش وفروع الأمن ، ذات البعد الاستراتيجي ، لوجدنا أن هذه القوة تتمركز بأيدي طائفة وحيدة الجانب!!
بينما يتم إبعاد وإقصاء بقية الطوائف والإثنيات وجميعها غير مرغوب فيها...أو غير موثوق بولائها!!..رغم ما تشكله من أكثرية ساحقة على الأرض السورية، لكنها في قطاعات الجيش والأمن تمثل أقلية!!! لماذا هذا التكتيك وهذه الاستراتيجية ذات الطابع الانقلابي المعروف ..في دولنا العربية .لأن .قوتها السياسية دائماً.. تعتمد على العسكر...في تسلم زمام السلطة والارتقاء للسيادة!.
ولأن نظامنا في سورية ومنذ الاستقلال لم نعرف سوى الانقلابات العسكرية...اللهم إلا حقبة الخمسينات القصيرة في عهد الرئيس المرحوم شكري القوتلي، الذي سلم زمام الوحدة عن طيب خاطر وقناعة وطنية لعبد الناصر...وحتى اللحظة نعيش في ظل نظام العسكر والتوريث للسلطة، وهذا ما لا تعرفه سورية على الاطلاق، في أشد لحظات .. تاريخها ظلاما ... ولم تعرف لغة الطائفية على لسان أبنائها، بل كانت على الدوام مثالا ونموذجاً للتعايش والأخوة، والسماحة...ولا يصل فيها مواطن لمركز ما ،إلا لكفاءته، و يكفي أن يكون من مواليد الوطن السوري ..دون النظر لمنطقته وهويته الطائفية..........
هذا بالضبط ما يحصل اليوم في سورية وما حصل في العراق إبان حكم الديكتاتور صدام حسين الرفيق السابق في المدرسة البعثية ...والعدو اللدود لمدرستنا السورية........وكم كنا من باب السخرية نطلق عليهم صفة الأخوة الأعداء في دمشق وبغداد!!!!!!!.
وهاهي مصر تسير في درب التوريث الرئاسي، وليبيا ليست ببعيدة عن الموضوع...واليمن تسير على نفس النهج.... وما في حدا أحسن من حدا........
وبفضل زعمائنا الكرام...صار الانتماء الوطني ينحصر ، إما بالولاء والتقرب والتمسح بأذيالهم المباركة، أو بحمل دفاتر أحزابهم الطاهرة اليد والعفيفة الفرج!...أوبالتخلي عن اسم الطائفة والمسكن والمنشأ ...لنسجل في قائمة الشرفاء ونصبح من المقربين من نبلاء القصور والأسياد والملات ... أو نحمل سلاح إحدى الميليشيات! ...وبهذا نصبح من أبناء المقاومة المشروعة...أو المنكوبة الحظ والمحكومة بوجودها ..وعليها أن تخرج من جلدها...ولونها................
.إلى أين نسير يا عرب؟؟ إلى أين ؟؟؟ ........ألم نعي بعد أن الدين نرثه كما نرث لون عيوننا وبشرتنا..........وكل على دين آبائه..وخاصة في بلادنا ...........فليس لنا خيار فيما اختاره القدر؟! ......وفي النهاية فإن انتماءنا لهذه الأرض وكلنا أحفاد آدم ..........فهل نستحق أن نعيش معاً فوقها؟ ونتعايش على المحبة والأخوة والحوار ؟؟؟؟؟؟؟؟لنتخلص من شوائب من سُلطوا علينا...لنستعيد كرامتنا وإنسانيتنا ...وأهم صفاتها الحـــــــــريــــــــــــــــــة.
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟