|
تحصين الموهبة و التفوق أساس التقدم الإجتماعي الجذري
محمد جواد سيفاو
الحوار المتمدن-العدد: 6119 - 2019 / 1 / 19 - 20:12
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
مما لا شك فيه توجد علاقة و ثيقة الصلة بين : الذكاء و الإبداع والموهبة، و عليه فإن الموهبة و الذكاء معا يمثلان عاملا مشتركا يتم على أساسه تطوير قدرات الإنسان و تفجير طاقاته الإبداعية . و حقيقة الأمر أن الموهبة باتت ضرورة لازمة و واجبة يجب رعايتها و المحافظة عليها في حالة وجودها، لأن طبيعة المشكلات الحادة و المعضلات الشائكة التي تواجهنا يوميا، وتستوجب و ضع حلول ناجعة و سريعة لها ، تفرض علينا أن نتكيف مع متغيرات العصر، و أن نتوافق مع تقنياته الحديثة ( الهاتف الذكي –الإنترنيت....)، و أن نفهم طبيعة العلوم الجديدة (الذكاء الاصطناعي- الاتصالات الخلوية السريعة – و استنتاج الصفات و الجينات الوراثية...إلخ ). ذلك لا يتحقق دون اللجوء إلى أقصى خدمات يمكن أن تقدمها أفضل العقول القادرة الواعدة عن طريق إتاحة الفرص الملائمة لها و إعدادها لمعالجة المشكلات و المعضلات العديدة و المتعددة التي تواجه الإنسان في كل زمان و مكان، إذ باتت هذه المعضلات عقبة كؤود تسبب لإنسان القلق و التوتر، و تجعله يعيش مضطربا خائفا و لا يشعر بالأمان، و لإعداد تلك العقول ، فذلك بطبيعته يرتبط بعملية تطوير جذرية لإعادة ترتيب أولوياتنا التربوية والتعليمية من أجل ضمان تلبية احتياجات الموهوبين . إذن : ما المقصود بالموهبة ؟ يجيبنا الدكتور فتحي عبد الرحمن جروان في كتابه الممتع تعليم التفكير مفاهيمه و تطبيقاته على أن مفهوم الموهبة Giftedness تعني قدرة استثنائية و استعدادا فطريا غير عادي لدى الفرد، بينما ترد كلمة التفوق Talent إما كمرادفة في المعنى لكلمة الموهبة، وإما بمعنى قدرة موروثة أو مكتسبة سوآءا أكانت قدرة عقلية أم قدرة بدنية. أما من الناحية التربوية الاصطلاحية فإن الأمر يبدوا أكثر تشعبا و تعقيدا، على الرغم من الإنجازات الضخمة التي قد تتبادر إلى الذهن عند ذكر الموهبة و التفوق، إلا أن مراجعة شاملة نسبيا حول هذا الموضوع لأعراض تطبيقية تكشف بوضوح عن عدم وجود تعريف عام متفق عليه بين الباحثين و المربيين و غيرهم من ذوى العلاقة، أضف إلى ذلك حالة الخلط و عدم الوضوح في استخدام ألفاظ مختلفة للدلالة على القدرة أو الأداء غي العادي في مجال من المجالات، و لا فرق في ذلك بين الأكاديمي و الرجل العادي، فقد جرت العادة على استخدام الفاظ، مثل : موهوب و متفوق و مبدع و متميز و ذكي ...إلى آخره بمعنى واحد أو بمعان غير واضحة و غير محددة، و بالمثل تستخدم في الإنكليزية كلمات مثل : Gifted ,Abel,Créative,Intelligent,Superior, Talented للدلالة على قدرة استثنائية في مجال من المجالات التي يقدرها المجتمع و لا يخفي أن هذا الوضع يزيد من تعقيد مهمة الباحثين في تحديد مفهوم الموهبة والتفوق من الناحية التربوية. أما في المراجع العربية يظهر من مراجعة بعض ما كتب في موضوع "الموهبة و التفوق" حالة من الخلط و الهلامية في تعؤيف مفهومي الموهبة والتفوق، و من الأمثلة نجد أن كلمة Gifted وردت بمعان مختلفة من بينها : متميز و متفوق و موهوب، بينما وردت كلمة Talentedبمعنى واحد هو موهوب، و قد تكون هذه الحالة ناجمة عن اسباب كثيرة من بينها ما يأتي: و قوع الكتاب فريسة لمشكلة الترجمة كما تعكسهاقواميس اللغة و التربية التي تعرف المفردات و التعبيرات الإنكليزية، إن أكثر القواميس لا تفرق بين Gifted و Talented و تترجمها بنفس المعنى إلى موهوب عدم وضوح الفرق في المعنى الإصطلاحي بين المفهومين في قواميس اللغة الإنجليزية، حيث ترد كلمة Talented كلا من القدرات العفلية و البدنية المكتسبة والفطرية بشرط أن تكون في مستوى رفيع، أما كلمة Giftedness فيقتصر معناها على القدرة الفطرية أو المورثة عدم وجود نظرية علمية عربية في علم النفس الموهبة و التفوق و الإبداع يؤدي إلى اعتماد الكتاب على النقل المبشر و الترجمة الحرفية للمفاهيم دونما إمعان نظر في الأسس النظرية التي تستند إليها المفاهيم و السياقات السوسيواقتصادية و السياسيى التي نتجت فيها . إذا استعرضنا التطور التاريخي لمفهوم الموهبة و التوفق وجدنا أنه يمكن التمييز بين أربع مراحل متداخلة إلى حد ما و لكنها لا تزال تلقى بظلالها بشكل أو بآخر على الإتجاهات السائدة في الدوائر الأكاديمية و لدى العامة، أما هذه المراحل فهي: المرحلة الفيزيقية لمفهوم الموهبة: و هي مرحلة ارتبطت فيها الموهبة و التفوق بالعبقرية كقوة خارقة توجهها أرواح أو آلهة تسكن روح الشخص الحكيم أو العبقري . المرحلة الأدائية : هنا ارتبط مفهوم الموهبة بالأداء المتميز في ميدان أو آخر من الميادين التي اهتمت بها الحضارات القديمة المختلفة كالفروسية و الشعر و الخطابة وغيرها . مرحلة الإرتباط بالذكاء: بدأت هذه المرحلة مع بدايات القرن العشرين حيث تم ربط الموهبة و التفوق بنسبة الذكاء لدى الفرد مثل اختبار ستانفورد- بينيه و اختبارات وكسلر، من خلال قياس الإختبارات الفردية . مرحلة التوسع والشمولية : في الأونة الأخير اتسع مفهوم الموهبة ليصبح حقلا معرفيا قائما، يجمع بين مجموعة من الحقول المعرفية الأخرى كالحقل البسيكولوجي و السوسيولوجي و البيوعصبي...، و يبحث في الاداء العقلي المتميز في المجالات العقلية و الاكاديمية و الفنية و القيادية و النفسحركية، و قد تبلور هذا الإتجاه خلال التلث الأخير من القرن العشرين و أصبح أكثر قبولا في أوساط الباحثين و المربيين . قد شهدت حركة تعليم الموهوبين و المتفوقين –تاريخيا- مجهودات هائلة في الجانبين النظري و التجريبي لتعريف مفهومي الموهبة و التفوق و قياسهما، و قد تغير التعريف عبر السنين من الإتجاه الذي يسوي بين الموهبة و التفوق على أنهما مفهومان مختلفان مركبان من عناصر عقلية و غير عقلية(Tannenbaun 1987)، إلى تلك التي نحت منحى أكثر تحديدا و ركزت على بعد واحد كالقدرة الإستثنائية على المحاكمة الرياضية(Benbow 1985). يواجه مجتمعنا تحديات مصيرية و بنية مفارقة حضارية ، و هذه و تلك تهدد و جودنا هوياتيا و ثقافيا و قيميا، و تقود إلى حالة من الفوضى، و قد يصل الأمر إلى الوصول إلى عبثية و عدمية في مختلف جوانب الحياة الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية ..إفى آخره. إن الخروج من بوابة التخلف التي تفرضها الضغوط المقصودة، التي تهدف تدميرنا أو تعمل على سقوطنا في هاوية جهنمية من التردي و الدونية ، يحتاج إلى عقول قوية، قادرة على التفكير والإبداع، ويتطلب كوادر بعينها من أصحاب المواهب الخاصة ، التي تمتلك قدرات تؤهلها لتحقيق اندفاعات حضارية مذهلة. من هذا المنطلق ، نقول أن الموهبة تغزل نسيج الوجود الإنساني، و تبرز نفائس الامم و ذخائرها، مع مرهاة أن عملية بناء الانسان و تشكيل شخصيته يجب أن تسير جنبا إلى جنب، في خط مواز في اتجاه واحد، مع عملية اكتشاف موهبة هذا الإنسان و رعايتها و صقلها.و بذلك تكون الوهبة هي المرتكز الأساسي لتحديد السمات النفسية و الثقافية و العقلية للإنسان . فالموهبة الإنسانية وحدها، و دون غيرها، تشكل أساس الانطلاق لتحقيق البناء الحضاري، ولمقاومة حركات القهر و الاستلاب و السيطرة و الهيمنة، سوآءا أكانت داخلية أم خارجية، الموهبة ينبوع العطاء الثري، والفيض المنهمر الغزير، الذي يدلي بدلوه في طريق العلم والمعرفة . الموهبة ترتبط بالحياة الإنسانية في معان سامية و نبيلة، لأن موهبة الإنسان تساعده على إدراك العالم من حوله، وترسم له صورة دقيقة لما يجب أن يكون عليه موقفه من الموجود.
#محمد_جواد_سيفاو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موت مؤسسة المدرسة بين الوهم و الحقيقة
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|