|
روزا لوكسمبورغ والإسلام
شادي لويس
الحوار المتمدن-العدد: 6113 - 2019 / 1 / 13 - 22:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في كراستها الطويلة " الكنيسة والاشتراكية"، (من ترجمة محمد أبوزيد، وإصدار مؤسسة روزا لوكسمبورغ 2017)، تسعي روزا لوكسمبورغ لإيجاد أرضية مشتركة، بين الإشتراكية الديموقراطية والكنيسة. وبعد تأكيد مبدئي على أن الإشتراكيين الديموقراطيين لا يسعون إلى صِدام مع الدين، تقدم تحليلاً تاريخياً موجزاً لعلاقات الكنيسة بالسلطة الزمنية ورأس المال، وتحولاتها. ورغم أن الكراسة نشرت قبل 112 عاماً، فإن مقدمة الناشر تربط بين تناول لوكسمبورغ، وبين الحاجة إلى تناول سياسي غير صِدامي للدِّين في منطقتنا، خصوصاً في حين تبدو معاداة الإسلام جزءاً من الخطاب اليساري أو العلماني بشكل أوسع في مجتمعاتنا. فبحسب لوكسمبورغ، لكي ينجح النضال في سبيل العدالة الإجتماعية، على القوى التقدمية أن تمثل الغالبية الساحقة من المقهورين، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية، وعبر مد تحالفات مع القوى الإجتماعية والسياسية على أساس القيم المشتركة.
ورغم بداهة ما تطرحه مقدمة كراسة لوكسمبورغ، إلا أنها لا تقدم لنا إجابات بقدر ما تتورط في إشكاليات. ففي سبيل تفتيشها عن المشترك بين المسيحية وتاريخها، وبين قيم الإشتراكية، تحيلنا لوكسمبورغ إلى مشاعية المسيحيين الأوائل، وتتبع التغيرات التي طرأت على علاقة المسيحية بالدولة في الإمبراطورية الرومانية، وتبعات ذلك على مأسسة طبقة من الإكليروس، وصولاً إلى تحصيل الدولة للضرائب لصالح الكنيسة، وتحالف الأخيرة مع الطبقة الرأسمالية. وفيما تحاول لوكسمبورغ في سرديتها عن المشاعية المسيحية، تذكير الكنيسة وجماعة المؤمنين بالقيم الإشتراكية للمسيحية الأولى، والتي تم تناسيها، فإنها تسقط في فخ تبني سردية بروتستانتية لتاريخ المسيحية، ولتحولات قيمها التي أفسدها تحالف الكنيسة مع السلطة الزمنية، وهو الأمر الذي ينتهي بحنين أصولي وتطهري إلى الماضي.
فبينما يبدو أن الديانات الإبراهيمية كلها، تحمل، بشكل أو بآخر، قيماً تشاركية وإمكانات تحررية في نصوصها وتواريخها - الأولى على الأقل، إلا أن محاولة استراجع تلك القيم وتفعيلها سيصب حتماً في مصلحة مشروع استعادةٍ أصولية للماضي الذهبي، سواء كان هذا الماضي هو عصر الرسل المسيحي، أو زمن الخلفاء الراشدين، أو مملكة داود. ورغم أن الطبيعة الطوباوية لمشروعات الإستعادة هي بالضرورة تهديد لأي مشروع تحرري وواقعي (بحكم التجربة على الأقل)، إلا أن الأفدح في ما يخص منطقتنا، هو أن هناك مشروعات طوباوية أصولية مترسخة بالفعل لدى قوى الإسلام السياسي، والتي لا يبدو اليسار أو غيره من الإتجاهات العلمانية قادراً على مزاحمتها أو منافستها في ما يخص الماضي. فإذا كان الإسلام في صورته الأنقى محملاً بقيم الحرية والمساواة والعدالة الإشتراكية، فما الحاجة إلى غيره؟ الأمر لا يتطلب سوى استعادته.
تقدم لوكسمبورغ تحليلاً مادياً تاريخياً شديد الفطنة، لمشاعية الكنيسة الأولى وسقوطها، إلا أن ذلك التحليل يتجاهل حقيقة أن تلك المشاعية كانت مبنية على أسس لاهوتية غير قابلة للاستدامة. فالمسيحيون الأوائل ظنوا أن المجيء الثاني للمسيح سيتم في جيلهم، لذا لم يجدوا ضرورة لإيجاد تنظيم اجتماعي واقتصادي قابل للاستمرار، غير المشاعية البدائية. وبغض النظر عن التفاصيل التاريخية واللاهوتية للمسألة، فإن تناول لوكسمبورغ يكشف معضلة التناول السياسي للدِّين بدوافع براغماتية، والذي بالضرورة سينتهي كتناول إنتقائي، وسيواجه تعارضاً بين أدوات الفهم والتحليل التاريخي والمادي، وبين اللاهوتي.
وأخيراً، تَعِد لوكسمبورغ في مقالتها بأكثر مما تستطيع الوفاء به، عندما تقول أن "ضمير الإنسان ومعتقده أمور مقدسة غير قابلة للتدخل. فكل فرد حر في ممارسة المعتقد والقناعة التي تسعده". فالمبدأ العام الذي لا يبدو عليه خلاف للوهلة الأولى، يفتقد إلى الدقة، وإلى واقعية التساؤل عما يجب عمله إذا تعارض بعض تلك القناعات مع قيم بعينها.. كالمساواة بين الجنسين مثلاً؟
عن حق، تؤكد مقدمة الناشر على حاجة أي مشروع نضالي وتحريري في مجتمعاتنا، إلى تناول سياسي غير صِدامي للإسلام والدِّين بشكل أعم، من أجل تمثيل حقيقي لمصالح وطموحات المؤمنين على اختلاف مذاهبهم. لكن كراسة لوكسمبورغ لا تساعدنا في تبني منهج واضح لتلك المسألة، وإن كانت على الأقل، وعبر تناقضاتها، تضع أمامنا عدداً من المحاذير: عدم التسليم بفرضية أن أي نضال تحرري يتضمن صِداماً مع الدِّين بالضرورة، وتفادي التورط في ترسيخ خطاب أصولي عبر بحث ماضوي عن أرضية مشتركة، وكذا تحاشي الوقوع في فخ الحاجة إلى التوفيق بين المادي واللاهوتي. وتنتهي بنا تلك المحاذير، إلى موقف سياسي من الدين، لا ينفيه (وإن كان لا يتماهي معه، لا حاضراً، ولا في صورة متخيلة من الماضي) تأطيرٌ يكون أساسه تمثيلاً للدين، لا بوصفه نصاً لاهوتياً أو حدثاً تاريخياً، بل بوصفه ممثلاً لحقوق وطموحات وواجبات المؤمنين به، كمواطنين وشركاء.
#شادي_لويس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
روزا لوكسمبورغ والإسلام
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|