|
تناقضات النظام السوري، وبعض معارضيه
فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 1523 - 2006 / 4 / 17 - 10:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يكرس النظام السوري جل جهده وخطابه الإعلامي، بمحاولة إقناع العالم والشعب ، أنه نظام يحظى بمحبة مواطنيه وتفانيهم من أجل بقائه وحرصهم الشديد على الولاء له، وإبداء كل وسائل وسبل الطاعة والانصياع، مظهرها للعلن من خلال مسيرات التضامن الوطنية والعربية المسخرة والمبرمجة من الأعلى، ومسلطاً الأضواء على برامجه الممجوجة تلفزيونيا وصحافيا من خلال وسائله التي يشرف عليها نظامه الأمني القمعي، ومن خلال أجهزته الساهرة على دوامه، كونها ضمانته الوحيدة للبقاء.. ومع ما يدركه جيدا هو والشعب كذلك ولا يستطيع المزاودة فيه على أحد، أن كل هذه الألاعيب غدت مكشوفة ومعروفة من أصغر وأبسط مواطن يعيش على أرض سورية، لكنه مستمر باستخدام أساليبه المهترئة رغم ما يعلوها من صدأ تكنولوجي وأيديولوجي، وهي خياره الوحيد، لهذا نجده يمارس طقوس سلفه الصالح!. بعد خطاب القسم الشهير، والذي ضلل الكثير من أبناء الوطن، بل بعض أطراف المعارضة أيضا، التي ما زالت تساوم وتقارع مستخدمة العين مقابل المخرز...بإمكانية الإصلاح!!! ، ولا ندري أي نوع من الإصلاح يقصدون؟! ، فالسلطة تدعي أنها تتبنى الإصلاح الاقتصادي أولا وتتبعه بالإداري ثم فيما بعد يأتي دور الإصلاح السياسي!!، علما أنها لم تبدأ حتى اليوم وبعد مضي خمسة أعوام على العهد الجديد، بأي خطوة وفي أي اتجاه...تهرع متذرعة بكل السبل والموانع والحجج مستعينة مرة بخبراء فرنسيين، ثم لا تعجبها مقترحاتهم ولا تناسبها آراءهم فتأتي بخبراء من أندونيسيا!! ، نأمل أن تأتي مقاييسهم الإصلاحية مطابقة لشروط النظام النهبية وأدواته الفاسدة لإقناع المراهنين أن الفاسدين سيتوبوا لله وستصلح حالهم ، ويعلنوا الايمان والانتماء والولاء للوطن ، فينشئوا المشاريع والمؤسسات التي تعمر البلاد بما نهبوه من مال العباد!. إن ما يثير الحيرة والتساؤل في بلادنا العجيبة وخصال نظامها الغريبة، وبما أن الشعب مطواع وراض وينعم بالهناء والسؤدد، فلماذا تزداد قبضة النظام الأمنية ويتشدد حيال معارضيه فيزج بهم في غياهب السجون؟ ، دون حتى أن يكلف نفسه من الإعلان عن مكان وجودهم، أو أسباب اعتقالهم، وإن حدث ونطق ( بدري )، وبدري لمن لا يعرف ويدري هو محكمة أمن الدولة الموقرة، ذات الأضابير والدفاتر الجاهزة والأحكام النافذة والقاطعة، صاحبة الكليشيهات المعروفة والمسبوقة والمطبوعة بتهمها المشروعة!! ــ حسب عرفها طبعا من خلال قانون طوارئها ــ والتي تعتبر الموقوفين مجرد حالات شاذة لمواطنين مرتبطين ومتعاملين مع الغرب وأميركا خاصة! ، بل ومحرضين على الوطن ( يقصدون النظام طبعا ) ، نعم ...تزداد الإستدعاءات الأمنية ، ويكثر الممنوعين من السفر، بل حتى من الحصول على وثيقة للسفر، كما تمتليء السجون وتعمر بنازليها من أصحاب الرأي المغاير للنظام، وهذا بحد ذاته انتهاك لإرادة السلطة وخروج عن مقررات دوائرها وخطوطها الحمراء، التي لا يلتزم بها هؤلاء المواطنين !! إن كانت السلطة واثقة من محبة المواطنين لها، وأن هؤلاء مجرد حفنة كما تقول عنهم، أو أن لا معارضة عندنا، ولا يسمع بها احد!! ، من أين جاء هؤلاء إذن؟؟، ولماذا تخشاهم وهم حفنة شاذة؟. وهل تخشى سلطة بطولها وعرضها من مجموعات صغيرة لاتملك من سلاح سوى الكلمة ، أو اجتماع من خمسة أشخاص أو ستة! ، لماذا يمنع المواطنون من التجمع لأكثر من ثلاثة أشخاص؟، وهل يمكن لثلاثة أو ألف أن يغيروا نظام حكم ما؟؟. لماذا يستخدم النظام هذا الأسلوب، مع علمه أن هذه الوسائل لم تعد ممكنة في زمن التحولات، وزمن التغيرات في المنطقة، وجميعها تسير بغير صالحه، وجلها عربيا وغير عربي تسير في مراحل تجاوزته، وأصبح النظام الوحيد العاجز والموجود من خلال تنوع فروعه الأمنية وتكريس هيمنتها على حياة المواطنين، وليس كما يدعي من خلال محبة المواطنين وولائهم له، فقط أقترح على هذا النظام مجرد اقتراح صغير للتجريب، أن يعطي الأمان صدقا وعملا للجنة محايدة، كي تقوم بطرح بعض الأسئلة على من يصرخوا بأعلى صوتهم بالروح والدم، وتؤكد لهم أن لا خوف عليهم ولن يطالهم مكروه ــ رغم أن سياسة الخوف مزروعة ومتعوب عليها لسنين خلت ثقافيا ــ وسترى بالعين المجردة مقدار التفاني والحب العظيم الذي يكنه أبناء سورية للنظام!!!، لكن النظام مع هذا مستمر ومعتمد على وسائله ومستعد للتضحية حتى بالوطن..... ليـــبـــقـــــــى! . المشكلة هنا ليست في فهم النظام ، لكن في فهم بعض أقطاب معارضته التي تدعي أنها معارضة له، ومع هذا تلتقي في طروحاتها معه، وتدافع عن بقائه!!، أعزو هذا لانعدام مراجعة الذات، والبرامج السياسية التي عفا عليها الزمن وغدت ( كادوك ) ــ على رأي المرحوم أبو عمارــ ويعني بها أنها لم تعد صالحة للاستعمال... وخاصة عندما تعتبر أن هذا النظام نظاماً وطنياً ــ حسب رؤيتها طبعا ورؤية النظام ــ ويكفي للمعارض أو النظام أن يدعي أو يطرح أنه معاد لأميركا وللغرب كي يصبح وطنياً!!، وكأن هذه المعاداة هي المعيار والمقياس للوطنية، لست بعرض الدفاع عن الغرب أو أمريكا، إطلاقاً... بل كوني لا أعتبر المعاداة وحدها أو ادعائها هو المقياس للوطنية...أن أنتقد مواقف وسياسات أميركا من الشعب الفلسطيني وقضيته، وموازينها الخاطئة في الشرق الأوسط وتحالفها ودفاعها الدؤوب عن إسرائيل،أو سياستها المغلوطة في العراق، هذا أمر من بديهيات العمل السياسي الوطني، وكذلك مواقف بعض الدول الغربية، فالسياسة بحد ذاتها هي عبارة عن مصالح ..ومعظمها وأكثرها أهمية وتأثيراً هي المصالح الاقتصادية للدول وشركاتها وأسواقها، وموادها الأولية الضرورية ، والأيدي العاملة ...الخ، لكن كيف يمكن أن نبحث عن تقاطع هذه المصالح ، خاصة عندما ننتمي لدول العالم الثالث وما قبل الحداثية ، وما قبل متطورة ، وما لم تصل بعد لأبسط قواعد وثقافة الديمقراطية.. كما تعتبر مجرد دول أسواق للاستهلاك وليس للانتاج...هنا تختلط الأمور في أذهان بعض الأحزاب والأطراف المعارضة، حين تفتقر للنقد الذاتي وإعادة الاعتبار لسياستها من خلال دراستها لتجاربها، وتحليلها لأسباب فشلها في إستقطاب المواطنين لصفوفها، وكلها يعزي هذا للنظام القمعي.. بالتأكيد إنه أحد أهم هذه الأسباب، لكنه ليس كلها وليس أكبرها..(.عندما يفقد أحدهم قطعة نقود، عليه أن يبحث جيدا عنها في بيته أو حقيبته، وأماكن تواجده ..قبل أن يتهم الآخر بسرقتها). في وطني السوري، المعارضة والنظام يتشابهان في منطقهم الوطني من مفهوم الوطنية ويلتقيان غالبا ، لهذا تجد هذا الخلط وهذا الهذيان الوطني الزائف ، ولا عجب أن تجد قدم أحدهم اليوم مع النظام، وغداً ضده!!، لأن الجميع ما زال يرزح تحت طائلة هذا التراث المفهومي صاحب البعد القومجي أو اليساري المتشنج، والذي يربط الولاء للوطن بالولاء للنظام، أو أن النظام المعادي للاستعمار والامبريالية والرأسمالية ، هو نظام وطني.. ويكفي أن يدعي أنه عروبي وإسلامي ..حتى نلتقي معه وعنده، ويجد البعض أنفسهم عن وعي أو عدم وعي ، إلى جانب النظام!. السؤال الذي يطرح نفسه على أصدقائي من اليسار ومن القومجيين...لماذا يتوجهون عند خروجهم بحثاً عن الحرية، وهرباً من القمع، أو عندما يرغبون بإتمام دراساتهم العلمية، إلى الدول الغربية ، كفرنسا وانكلترا أو ألمانيا وهولندا، وأغلبهم نحو أميركا؟؟! وكي تتناسب طروحاتهم ومواقفهم مع بعضها ممارسة وعملاً ..لماذا لم يتوجهوا لكوبا مثلاً، بإعتبارها دولة إشتراكية؟!، أو لكوريا الشمالية؟!.أو لإحدى الدول العربية حاملة تراث القومية والعروبة والوحدة...كليبيا مثلاً أو مصر مهبط الناصرية؟! وللتذكير فقط...عندما فر بعثيوا الثامن من آذار إلى العراق ( عهد صدام حسين)، هرب معظمهم بحجة الدراسة خوفاً من بطش ومراقبة صدام رفيقهم العزيز! ، وحاميهم ومثلهم الذي انقلبوا عليه اليوم، ليرتدوا ثوب النظام السوري ، باعتبارهم أبناء البعث الميامين!، واتخذوا من الدول الغربية موطناً جديدا لهم!، لكنهم مع هذا يلعنون فرنسا وسياستها! ومعظمهم يحمل جوازات سفرها! ، كيف تتناسب وطنيتهم وانتمائهم الفكري القومي لما يمارسونه على أرض الواقع؟! لماذا عندما يتحدثون عن حقوق الإنسان وحريات الفرد والمجتمع ومؤسساته النموذجية، تتوجه أنظارهم نحو فرنسا والدول الاسكندنافية وأميركا أيضا؟ ألا يجدون بهذا ضيراً أو تناقضا بحد ذاته؟. التناقض القائم، تناقضاً مرضياً يحتاج لإعادة قراءة للفشل والتاريخ والبرامج السياسية، ورؤية الكون من خلال معطياته الجديدة، وقواه الجديدة بشكل واقعي، مع قياس لموازين القوى العربية وموقعها بين القوى العالمية، وخاصة قراءة الأنظمة العربية من خلال مسيرتها الكارثية علينا كشعوب، وعلى أرضنا وتقدمنا وأسباب تخلفنا من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية......
فلورنس غزلان
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رؤيا
-
لجنة للتنسيق، أم لجنة للتفريق؟
-
صرختي الأخيرة للمعارضة السورية
-
هنيئاً للمرأة المغربية فرحتها..بحلم يتحقق، إلى متى تظل المرأ
...
-
أين تخطيء المعارضة السورية، وكيف يمكن تلافي الخطأ؟
-
!!من الآن فصاعداً، سيكون يوم القمة العربية يوم عاشوراء
-
شتان بين طلابنا وطلابهم، من يتحمل خطأ الفرق؟
-
نداء تضامني مع المرأة السورية، في نضالها لتغيير قانون الأحوا
...
-
نص الكلمة التي ألقيتها في لقاء المعارضة السورية برعاية معهد
...
-
أمراض الوطن في جسدي
-
تحت سقف المعارضة، ألوان لمعارضات!
-
الطفولة العربية، واقع مجحف ومستقبل مجهول!
-
ملك الموت يعلن استقالته
-
أزمة النظام السوري المركبة
-
اعتقالات ...تستقبل انعقاد ..المؤتمرات للأحزاب العربية التضام
...
-
لماذا لم تستطع المرأة العربية حتى اليوم أن تأخذ دورها في موق
...
-
تدفقي
-
كيف نرى العولمة؟ أين نحن من العولمة؟ وكيف نواجهها؟
-
البحث في المناقب بين زيادة الرواتب وكثرة المصائب
-
الدين لله .....لكن العراق لكم
المزيد.....
-
الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس
...
-
الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو
...
-
غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني
...
-
انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
-
خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
-
عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ
...
-
روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا
...
-
عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
-
مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات
...
-
السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية!
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|