مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)
الحوار المتمدن-العدد: 1523 - 2006 / 4 / 17 - 09:54
المحور:
القضية الكردية
رغم أن هنالك دزينة من الأحزاب الكردية, التي تتقاسم الشارع الكردي في غربي كردستان, ويدور في فلكها عدد من منظمات حقوق الإنسان, وبعض التجمعات الأخرى, فهي جملة وتفصيلاً غير مؤثرة بخطابها السياسي والحقوقي والثقافي والمطلبي على الشارع, وغير قادرة لجملة أمور لم تعد خافية على أحد على تمثيل هموم الشارع وتضميد جروحه النازفة ( الأمانة والواقع يقتضيان استثناء حزبين أو ثلاثة ).
لا يمكننا إغفال أن الأحزاب الكردية تعيش أزمة تاريخية شاملة نتيجة لإخفاقها في تقديم الحلول الواضحة اللاضبابية لمعالجة النكوص السياسي والثقافي و حالة الفوات المتفاقمة كردياً, وهي تتجه بخطى حثيثة إلى تكريس ثقافة الأبوية الحزبية والفردانية الحزبية, التي من شأنها عدم إفساح المجال السياسي الداخلي للحزب لأفكار حيوية وغير متقادمة, فبدلاً من الصعود إلى منصة الطموح الشعبي والجماهيري, والتعبير الأمين عن الحراك المجتمعي المتنامي في السنتين الأخيرتين تعمد هذه التنظيمات إلى تكسير هياكل المجتمع الكردي عبر تقسيمه عامودياً وأفقياً لمقتضيات العمل الحزبي والاختلافات الحزبية الواهية, وتعادي هبوب رياح المجتمع المدني عبر سلوكها التعليبي في احتكار هذا الفضاء الجديد بصناعة منظمات وتجمعات تدين بالولاء لبابا الحزب المفدى وروحه القدس, ومن شأن ذلك نقل المجتمع الكردي إلى خراب شامل وفرملة دورته الدموية وتهميشه أكثر, وبدلاً من خلق وعي سياسي جديد وأبجدية سياسية جديدة تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات على الخارطة السياسية المحلية والإقليمية والعالمية وإزالة الأسوار المتعفنة التي تطوق الديناميكية السياسية والثقافية المفترضة الذي من شأنه خلق نوع من التفاعل الفكري والسياسي بين الحزب والحزب.. والشارع والشارع.. والشارع والحزب.. يبدو أن السياسة الأوحد هي التلاعب بالشارع واعتماد العقل التنميطي والتلقيني في التعامل مع الشارع الذي غادر فانوسه السحري, وكذلك اعتماد سياسة احتواء الشارع الكردي وتجريده من فعل الإمكان.
وفاقاً لذلك لاحظنا في الفترة القليلة الماضية أنّ الهوة بين الأحزاب والمجتمع الكردي بدأت تتسع, فحيث يحضر الحزب الكردي يغيب الشعب الكردي.. والعكس بالعكس, والشاهدان الأبلغ دلالة على ذلك ما حدث في ليلة نوروز, واعتصام الطلبة الكرد أمام السفارة التركية في دمشق احتجاجاً على دموية العسكريتاريا التركية في شمالي كردستان. حيث تواجد الشعب الكردي فيما سجل الحزب الكردي غياباً ملفتاً يبدو أنه يدخر طاقاته الجبارة لأيام أخرى, ولكي تبرر غيابها في دفتر تفقد الاعتصام قام بقمع الطلبة قبل قوات حفظ النظام والأمن عبر حجج عابرة ومضحكة مثل : الظروف لا تسمح ووضع سورية خطير ولا يحتمل.. إلخ هذه الأسطوانة المهترئة والبالية والسقيمة, ولكنها سرعان ما تكثف وجودها الأبوي الراعي عبر بيانات تلي كل حدث فوت أن ينتهي وتندد وتشجب وتستنكر وليس من أمرها غير ذلك.
منذ 12 آذار الكردي, والشعب الكردي يمشي في الطريق بينما أحزابه تمشي على الرصيف, لئلا ترتطم بقوات حفظ النظام وأجهزة الأمن.
منذ 12 آذار الكردي والشعب الكردي يدوبل الأحزاب سياسيا واجتماعيا وثقافيا, وعلى مستوى الوعي والتضامن والحس العام المشترك الكردي.
منذ 12 آذار الكردي لا مبرر لوجود هذه الأحزاب المصابة بفيروسات الخوف, التي تحولت في كثير من الحالات إلى عصا إضافية مفروضة على الرأس الكردي, وتفجه حين الضرورة.
أبوية الحزب الكردي خلقت حالة من الامتعاض في الشارع الكردي, وجعلت هذا الشارع لا يطيق قراءة بياناتهم, ولا جرائدهم, ولا المشاركة في مناسباتهم. أي أن هنالك قطيعة بصورة من الصور بدأت تتفاقم وتتضح معالمها أكثر فأكثر. الامتعاض سالف الذكر يتجسد اليوم وأكثر من أي وقت مضى في إدارة شرائح واسعة من الكرد ظهورهم للشأن العام السوري والكردي رغم أن أفواه هذا الشعب في ثدي السياسة, ولا تخلو مجالسهم من التطرق إلى السياسة, بل تغلب السياسة على أيما موضوع آخر.
هنالك اهتمام بالشأن العام في الإطار الفردي, وليس الجمعي, وحتى في الإطار الفردي فهي حالات محدودة ولا تلبي الطموح, وهي ردة فعل متوقعة على التقوقع الحزبي الذي لم ينخرط بفعالية ووضوح في الوسط المجتمعي, فخلق بالضرورة هذه القطيعة التي تتسع مداراتها حدثاً.. حدثاً.
فعلى سبيل المثال إذا ما انخرطت في إطار حراكي ما ستصطدم بمطالبات الكثيرين لك بالانسحاب من ذلك الإطار, ويشجعونك على العمل الفردي بعيداً عن الجماعية لحجج تبدو لهم واضحة ولا تحتاج إلى كثير من العناء لاكتشاف صدقيتها, فتكلس الحياة الحزبية, والتكلس اللاحق الذي ألمّ بالمنظمات الحقوقية التي تتواجد على الشبكة العنكبوتية فقط هي براهين وأدلة قاطعة برأيهم على مدى تهافت تلكم التنظيمات, وهم محقون في رؤاهم تلك, ولا يبالغون, ولكن هل بإمكان الكردي وهو المضطهد المزمن والخاسر المزمن والمنحسر المزمن عن الخرائط جميعها أن يدير عقله وظهره للشأن العام ويبحث عن خلاص فردي يبدو مستبعداً جداً.
البديل برأيي يتمثل في خلق إطارات ذات استقلالية تعبر عن أوجه الحراك المجتمعي بعيداً عن العقل الوصائي الحزبي, فالمستقلون الكرد منخرطون في مقاربة هموم الشارع أكثر من الأحزاب, ووحدها تلك المشاريع المستقلة يمكنها إعادة بعض البريق إلى الشارع, وخلق جسور جديدة تسهم في نسف اللامبالاة الشعبية, وإعادة الشعب الكردي إلى السياسة والثقافة ومعرفة نفسه أما دوام الحالة على ماهي عليه الآن فلن يفلح إلا في هجرات مليونية من جميع الحلبات.
أنا دائم المراهنة على مؤسسات مستقلة غير حزبية وغير حكومية, ولا تتقاضى لا من الأحزاب ولا الحكومة أيما تمويل يذكر لئلا يصادروا مصداقيتها وفعاليتها. آليات حراكها وبرامجها الواضحة كفيلة بالتفاف الشارع من حولها والبرِّ بها, ويمكن لهذه المؤسسات المستقلة أن تنأى بنفسها عن أن تكون رديفاً لأي حزب, فالعقل الحزبي الكردي هو عقل ترويضي وتدخلي ومصادر للاختلاف, ولا يحبذ المشاريع المستقلة التي لا تأتمر بأمرها, ولا يفسح في المجال لها, وليس أمام أي مشروع كردي مستقل سوى أن يقدم فروض الطاعة والولاء, ويعتمد مبدأ الشورى.. أي يستشير الحزب الكردي قبل الانطلاق باعتباره المرجعية الفقهية السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية, ولن يبخل الحزب الكردي بإسداء النصح الصادق المتمثل بعروض مغرية من مثل تقديم أماكن الاجتماع والتمويل اللازم والنفقات .. إلخ, والذي من شأنه تحويل أي مشروع مستقل إلى مجرد خلية حزبية فمن دون بركات الحزب الكردي لا يمكنك الخروج في تظاهرة, ولا يمكنك إقامة أمسية شعرية.
لكي تنشط في الساحة الكردية لا بد من مسح جوخ الأحزاب الكردية العديدة سواء أكان أعضاء هذا الحزب عشرات الألوف أم بضع أشخاص.
هذه الأحزاب الجميلة اليوم مسئولة عن انسحاب الكرد من الاهتمام بالشأن العام لا بل معاداته لأنهم يدركون أن مجرد اشتغالهم في ذلك المضمار سيكون بمثابة إعلان حرب على المجال الحيوي المفترض للحزب, ولا أحد يريد أن ( يعلق ) في حالة عداء مع الحزب الكردي الحاكم في مجالات لا تحصى رغم أنه لم يقدم الحد الأدنى الضروري والواجب للنهوض والارتقاء بالحالة الكردية المستعصية, لأنه سيلجأ بأعصاب باردة إلى شن حملة تشهير ليس أقلها ربطه بالجهات الأمنية السورية, أو محاولة تصفيته اجتماعياً, والمثال على ذلك ما حدث معي قبل فترة حين ناقشنا إعلان دمشق في جلسة حوارية نقاشية وأصيب أحد الأشخاص نتيجة لظروفه الصحية المتدهورة سابقاً بذبحة صدرية, ولا علاقة لحالته بأجواء النقاش التي كانت, وأسعف إلى المشفى وأستغل أحد الأحزاب الكردية الحدث وربط وضعه الصحي بأطروحاتي الانتقادية للإعلان في تلكم الجلسة, وتم نشر ذلك بين الناس على نطاق واسع والهدف هو تصفيتي ( كمثقف كردي مستقل لا يهمه سوى قول الحقيقة ) عبر استغلال وضع المجتمع العشائري وإزالتي وقمعي بالتالي عبر وضعي على سندان العرف الاجتماعي المتمثل في عقلية الثأر القبلية والعشائرية, وهذا مثال بسيط من أمثلة كثيرة أخرى لا تحصى على العقل الحزبي غير المتقبل لنشوء أفكار حيوية ومستقلة في الجوار وخارج خيمة الحزبية.
المثال العياني الآخر على عدم قبول الحزب الكردي لنمو حراك مستقل كردي في الجوار الحزبي تعليق حاجي سليمان ممثل الحزب اليساري الكردي في أوروبا على خبر تأسيس اللجنة الكردية لحقوق الإنسان التي هي اللجنة الكردية الأولى المستقلة والعلنية عبر برنامج الإعلامي الكردي أجدر شيخو في فضائية روج تي في حيث يرى الحزبي حاجي سليمان أنها خطوة متسرعة, وكان يجب على المؤسسين برأيه عرض برنامجهم على الشارع الكردي واستفتاءه في ذلك قبل الإعلان, وكأن حاجي سليمان ويساره استشارا الشارع الكردي قبل تأسيس الحزب الذي خرج من متوالية الانشقاقات, وليس لديه في غربي كردستان سوى عدد من الأعضاء ولا داعي لتذكيره بأن ليس لديهم في حلب وعفرين وكوباني غير عضو واحد وهو قيادي بدون قاعدة جماهيرية أي أن المسكين ليس بإمكانه إقامة أمسية ثقافية فما بالك بالاعتصام والتظاهر.
الأنانية الحزبية والفوقية الحزبية منعت الأحزاب الكردية من تلبية نداء تيار المستقبل الكردي للاعتصام أمام القنصلية التركية في مدينة حلب فذهب تيار المستقبل مع اللجنة الكردية ليعتصما بمفردهما فيما الأحزاب الأخرى تراقب وهي تدعو عليهما.
البطريركية الحزبية منعت الأحزاب الكردية ( ونستثني تيار المستقبل ) من مساندة الطلبة الكرد في محاولتهم الاعتصام أمام السفارة التركية في دمشق لنكتشف بعد يومين أو ثلاثة أن آزادي ويكيتي ( وهما حزبان كرديان نجلهما ونقدرهما وندعو لهما بالتوفيق دائماً, ولكن تصرفاتهما في الفترة الأخيرة تثير الاستغراب ) يدعوان لاعتصام خاص بهما فالحراك الديمقراطي صار حراكاً حزبياً, وحلبة لعرض الجماهير والعضلات, وسوقاً للمضاربة بالجماهير, فما دام الهدف واحداً لماذا الفرملة المتبادلة وكبح الجماح المتبادل ألا يشتت هكذا فعل إجهاضي الشعب الكردي ويقسمه ويجعله يمتعض من ذكر سيرة الأحزاب, ولا داعي لذكر الاستنكاف السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي, فإعلان دمشق لا يعنيه, وجبهة الخلاص لا تعنيه, واعتصام تيار المستقبل في حلب لا يعنيه, واعتصام الطلبة في دمشق لا يعنيه, وكان لزاما على حزب الاتحاد الديمقراطي أن يشارك في كلا الاعتصامين كونه أكثر الأحزاب الكردية العاملة على الساحة السورية المهتم بشمالي كردستان وتداعيات الأوضاع فيه.
ولكي لا أطيل أكثر من هذا أنصحكم بقراءة كتاب إريك فروم " الخوف من الحرية " ستجدون فيه أسباب أخرى لانسحاب الجماهير من الاهتمام بالشأن العام, فأنا ركزت في كتابتي هذه على العياني التفصيلي فقط.
#مصطفى_اسماعيل (هاشتاغ)
Mustafa_Ismail#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟