|
كلمة في مراسيم تأبين الرفيق جبار مصطفى (جلال محمد) في 4 كانون الثاني 2019، السليمانية – العراق
نادية محمود
الحوار المتمدن-العدد: 6106 - 2019 / 1 / 6 - 23:03
المحور:
سيرة ذاتية
الحضور الاعزاء احييكم بحرارة واشكر لكم حضوركم ومشاركتكم لنا في مراسيم تأبين رفيقنا جبار مصطفى. واتقدم بالتعازي لكم ايضا اصدقاءه ورفاقه، من عرفتوه وعملتوا معه في مراحل مختلفة من حياته، اتقدم بالتعازيي لعائلته واشكر لهم حضورهم معنا هذا اليوم. رحيل الرفيق العزيز جبار مصطفى، خسارة كبيرة لاسرته، لرفاقه في الحزب الشيوعي العمالي في كردستان، وهو خسارة كبيرة لنا نحن في الحزب الشيوعي العمالي العراقي. لن ابالغ، ان قلت لكم، ان الرفيق جبار مصطفى كان بالنسبة لنا نحن في وسط وجنوب العراق اثرا ودورا وتأثيرا، قد يزيد اضعافا مضاعفة عن ما كان له دور هنا في كردستان على اهميته ومكانته. ان كان لديكم هنا في كردستان عدد من الشيوعيين، صغير او كبير، ممن يحملون سمات وخصائص واخلاق واخلاص الرفيق جلال، نحن في جنوب العراق، كان جبار مصطفى بالنسبة لنا، واسمحوا لي ان استخدم هذه العبارة، "عملة نادرة"، بكل معنى الكلمة. مثله يعدون على اصابع اليد. ان شيوعية وانسانية ومدنية الرفيق جبار، هي ما شدتنا اليه وما تعلمناه منه، وما اكسبته مكانة عظيمة بيننا،نحن شيوعيو وسط وجنوب العراق.لقد كان متدفقا ومعطاءا وبدون تعب، منح عقله وقلبه وحياته للدفع بقضية نضالنا في وسط وجنوب العراق. اشتغل معنا وعن قرب، منظمات صغيرة قبل تأسيس الحزب الشيوعي العمالي العراقي، وخلال حياة الحزب، وحتى مع تركيز ميدان عمله الشيوعي في كردستان ومع الحزب الشيوعي العمالي في كردستان، الا انه بقي معنا، وبقي يعمل معنا. لقد عبر عدد من رفاقنا، ليس في الحزب فقط، بل وحتى اولئك الذين غادروا الحزب عبروا عن حزنهم وشعورهم بالخسارة الكبيرة لفقدانه. لقد عمل معنا، منظمات وافراد، على توضيح المنهج الماركسي في التحليل السياسي الطبقي وفي صياغة المواقف السياسية الشيوعية، وفي نوعية العمل السياسي الاجتماعي الطبقي، نحن الذين كنا، في نهاية الثمانينات واوائل التسعينات لازلنا نعتبر ان الشيوعية هي مسالة اسقاط النظام، واقامة نظام ديمقراطي. لقد شرح ووضح وكتب وترجم، وسافر، والتقى واجتمع، ونقد، وسجن، ماذا تعني الشيوعية، وماذا يعني ان تكون شيوعيا، في وضع كانت تتعرض فيه هذه الحركة الى اسوأ هجمة. اسمحوا لي ان امر وبشكل سريع على بعض المحطات التي مررنا بها مع الرفيق جبار. في حرب الخليج عام 1991، وبينما كانت حملة الولايات المتحدة ومعها قرارات مجلس الامن، للهجوم على العراق في اوجها، كنا نحن الشيوعيين في جنوب العراق، نؤيد حرب الخليج، ونعتبرها عملا رادعا لنظام صدام حسين، كان الرفيق جبار، يشرح ويوضح حقيقة ان ما يجري هو ليس لردع دولة محتلة، بل لتثبيت اوتاد النظام العالمي الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. بينما كنا نحن شيوعيو وسط وجنوب العراق بان الشيوعية تدور حول اسقاط النظام الديكتاتوري، واقامة نظام ديمقراطي، كان يوضح لنا، هو والرفيق ريبوار احمد، ورفاق اخرين، بان الشيوعية هي شيء اخر. الشيوعية تعني حكم الطبقة العاملة، وانهاء النظام الرأسمالي والغاء نظام العمل المأجور. لقد كانت تلك الاوقات والايام التي نقضيها في اجتماعات متواصلة، في كركوك والناصرية وبغداد، في اوائل التسعينات، دورا كبيرا في اعادة نظرنا لموضوعة الشيوعية كما فهمناها، وكما قيلت لنا، نحن في اوائل العشرينات من اعمارنا، مع ماكان يشرحه لنا الرفيق الذي فهم واستوعب ماذا تعني الشيوعية العمالية. لقد لعب دورا في غاية الاهمية ليعيدنا الى طريق ماركس، والبيان الشيوعي. لقد تجشم عناء السفر في عام 1991 و ما تلاها، والتعرض للخطر، ليلتقي بمنظمات شيوعية صغيرة في الناصرية وكركوك وبغداد، ليجلس معنا ساعات وساعات، ليشرح ويوضح ويستمع ويجيب على الاسئلة التي تعتمل في صدورنا. بل كان حتى في ايام سجنه في ابو غريب في ثمانينات القرن الماضي سعى الى ايصال الشيوعية الى الناطقين بالعربية ممن كانوا معه في السجن. وبعد اطلاق سراحه، ذهب يبحث عنهم ليلتقيهم مرة اخرى في جنوب ووسط العراق. في عام 1992 وعندما وجهت اول ضربة امنية الى عصبة تحرير الطبقة العاملة من قبل النظام البعثي، واعتقل ستة من اعضائنا، نساءا ورجالا، فتح بيته مع رفيقته شيرين وحوله الى مقر ومسكن لنا، نحن الذين هربنا من بطش النظام والاعتقالات من وسط العراق. لم يمنحنا الامن والطمأنينة فقط في بيته، بل وبدأ في نفس الوقت بشرح المزيد والمزيد من مسائل الشيوعية العمالية مشاركا افكاره ومعرفته. استضافنا في بيته لشهور في اوائل التسعينات، عدد من الرفاق، نساء ورجالا، بفترات مختلفة، ولاماد متباينة. رغم ايام الحصار الاقتصادي، والطعام القليل، لكنه قبل ان نتقاسم معه طاولة طعامه، وبيته. لم يضق بنا يوما، بل استضافنا بقلب وبمحبة كبيرين. اثناء تواجدنا في بيته، كان فرصة عظيمة ورائعة لنا للتعلم، للتعرف على نمط جديد من الحياة لم نألفه كثيرا بالجنوب: كيفية التعامل مع المرأة، احترام الزوجة، التعامل الراقي مع الاطفال، و احترام الاخرين. في عام 1993 ، وكما اوضح الرفيق سمير عادل سكرتير الحزب في كلمته بموت الرفيق جبار، لم ينتاب جبار الخوف من ان يلتقي رفاقا كانو خرجوا من من معتقلات الامن العامة في بغداد، وطلبوا اللقاء به في كركوك.لم يتردد ، ولم يخشى ان يكون قد نصب له كمين، وهو الذي كان معتقلا لعدة سنوات، لكن لشجاعته وايثاره، التقى بهم، استمع اليهم، احتوى كل هواجسهم ومخاوفهم وشكوكهم لقد قدم لهم دعما معنويا عظيما، واضاف اليهم خبرة نضالية جديدة لمواصلة عملهم السياسي. بعد عام 2003، عاد من جديد الى العراق، مغادرا من استراليا الى بغداد. لقد كان على صلة وثيقة باناس لم نكن نعرفهم، فعمل على ان يكون جسرا لايصال وتعريف بعضنا ببعض. فرفاق عرفهم من السجن، مع خروجه منه، قام بتعريف الشيوعيين بعضهم على بعض. تشهد كركوك والناصرية والبصرة، اعماله ونشاطاته و مهمته بتقوية الشيوعية العمالية في العراق. ، لقد ساهمت زيارته بعد سقوط النظام، في تأسيس لجنة تنظيم البصرة للحزب الشيوعي العمالي العراق التي بدأت بتوزيع ادبيات الحزب وصحافته وتأسيس المنظمات الجماهيرية للعمال والمشردين والعاطلين عن العمل والشباب وكسب عشرات الاعضاء الى صفوف الحزب. لقد ترجم عشرات الابحاث وكان اخرها، كتاب الاقتصاد في البلدان الرأسمالية التابعة الى العربية والتي وصلت نسخه في اواخر عام 2017 لتصل الى رفاقنا واصدقاءنا. وانا على اطلاع انه كان يهيأ لترجمات اخرى جديدة، حين داهمه المرض، ولم يترك له مجالا للعمل. لقد كانت مساعيه بترجمة الادبيات الشيوعية والعمالية الى اللغة العربية والكردية ونشرها بين العمال والشباب الشيوعيين ايضاً من بين الجوانب المشرقة لحياته صوب تقوية الوعي الطبقي والشيوعية لقد كان مرجعا ومستشارا حتى بشكل فردي لنا، نحن اعضاء الحزب الشيوعي العمالي العراقي، فحين يحتاج اي منا، لان يسمع رأيا سديدا، وتحليلا صائبا، او استشارته بخصوص بعض الكتابات، واعطاء الملاحظات على ابحاث مكتوبة، لم يبخل على اي احد، بمراجعة نصوصه وابداء الاراء، وبقلب محب، وبروح رفاقية وباعلى درجات الاحترام والتقدير. بكلمة واحدة، كان للرفيق جبار مصطفى، دورا خاصا ولا ينسى، لجيلنا، في تبلور الشيوعية العمالية في وسط وجنوب العراق. على الصعيد الشخصي، كنت اكتب كراسا عن التجربة المجالسية، وطلبت منه مقابلة ليتحدث عن تجربة المجالس في كردستان العراق، وهو على فراش المرض اجاب على اسئلتي، وقد وعدني، انه حين تتحسن صحته سيقوم بمساعدتي اكثر في اي موضوع قد احتاج اليه. لقد دعوته في صيف 2017 للمجيء الى بغداد، ليتحدث لرفاقنا عن الكتاب الذي اصدره للتو، وكنت واثقة، انه سيمنح الحضور علما ومعرفة جديدة، وقد عبر عن حماسه ورغبته، الا ان كثرة مشاغله في كردستان منعته من الحضور. ووعد انه في المرة القادمة سيضع ذلك على اجندته. لم تسعفه صحته، ولا جسده لتحقيق الوعد، حيث انهى المرض حياته. لقد كتب رفاق في الحزب، واخرون خارجه، عن مكانته وبدون سابق اتفاق، الا ان كل كتاباتهم اتفقت اولا وقبل كل شيء على التعامل الانساني الراقي و رفيع المستوى، وعلى مقدار ما تعلموا منه. لقد كان يؤكد في نضالنا على مدينة البصرة ومكانتها الحيوية والمهمة في العراق بسبب صناعيتها وتاريخها العمالي والنضالي، تحدث عن مكانة عمال النفط والموانئ ودورهم في تقرير المصير السياسي للعراق، وعن اليات وسبل التصدي للاحتلال. لقد سخر الرفيق جبار مصطفى حياته لتأسيس حزب شيوعي موحد للطبقة العاملة في العراق، وبعد تأسيسه، ناضل من اجل ان يكون هنالك حزبا مدافعا عن مصالحها، حزبا يجيب على كل المعضلات والقضايا في المجتمع، من وجهة نظر طبقية مدافعة ومن وجهة نظر المصالح الطبقية للعمال والكادحين. لم يكن هنالك لديه اي تشوش في تحليل القضايا والمواقف التي اتخذها عن مصالح هذه الطبقة. لقد كان قائدا لنا جميعا نحن في وسط وجنوب العراق. اذا كانت هنالك اية طريقة نعبر فيها عن اخلاصنا ووفائنا للرفيق جلال محمد، وهو الجدير بالوفاء، فهي ادامة طريق الننضال واستكمال رفع الراية، التي حملها، والتي تركها دون ارادة منه. 4-1-2019
#نادية_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عمالة رخيصة وعمال بلا حقوق – قطاع الكهرباء نموذجا!
-
بحث حول حركة السترات الصفراء (في ندوة عامة عقدت في بغداد)
-
-الاقتصاد السياسي- للميلشيات في العراق
-
الرأسمالية لا تملك حلا لمطالب الستر الصفراء لا في فرنسا ولا
...
-
عالم واحد ونضال واحد: فرنسا، ايران والعراق!
-
بضعة كلمات بمناسبة اليوم العالمي للعنف ضد النساء
-
-سكن- النواب أو-معيشة- العاملين بعقود في قطاع الكهرباء؟
-
سائرون يطالب ب-عفو عام-عن متظاهري البصرة! العفو عن ماذا؟ وعن
...
-
قتل المثليين في العراق- ودوران الارض حول الشمس!
-
الثقافة السائدة لم تعد ثقافة الطبقة السائدة في العراق!
-
بعد ديمقراطية -شلّه واعبر- المحاصصة الطائفية تترسخ!
-
الافقار والاسلمة: ركنا -دولة- الاسلام السياسي في العراق!
-
القمع ليس جوابا!
-
كي لا ننسى - دروس من انتفاضة البصرة-
-
لا تحرفوا القضية: مطالب ثورة البصرة.. ماء وكهرباء وفرصة عمل
-
على مذبح ثلاثية الحصة- الطائفة- الفساد، تنتفض البصرة!
-
مالذي تغيّر في احتجاجات صيف 2018 عن تظاهرات صيف 2015؟
-
التظاهرات والتنظيم!
-
حول التنظيم العمالي- البطالة، العمالة الهشة (المؤقتة، غير ال
...
-
حول التنظيم العمالي- اوضاع الطبقة العاملة في العراق واثارها
...
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|