رامى جلال
الحوار المتمدن-العدد: 1522 - 2006 / 4 / 16 - 11:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مر رجلاً ذات يوم على أحد القبور فوجد الكلمات الآتية منقوشة عليه: "هنا يرقد الصحابى الجليل حجر بن عدى الذي قتله الصحابى الجليل معاوية بن أبى سفيان لأنه رفض أن يسب الصحابى الجليل على بن أبى طالب".. وطبعاً كلهم رضى الله عنهم, القاتل والمقتول.. وهذه الإزدواجية لم تقتصر فقط على القدماء بل هى متفشية فينا الآن..
إذا ركبت حضرتك ميكروباصاً, ستستمع في البداية إلى ألفاظاً نابية يتبادلها السائق مع أحد الرُكاب أو مع العاملين بالموقف, على حسب, وهى من ضروريات القيادة.. بعد "الإقلاع" سيدس السائق في الكاسيت شريطاً, لشخص مغمور في الغالب, يتحدث فيه بصوت عال عن مواضيع مثل عذاب القبر والثعبان الأقرع والثعبان أبو ضفيرة, والويل لمن هو ذاهب إلى إمتحان أو لمقابلة هامة, لأنه سينسى إسمه بالتاكيد.. وبعد فترة ستكتشف سيادتك أن القبر ما هو إلا هذا الميكروباص نفسه وأن السائق هو ملاك الموت الذي سيعذبك بشتى الوسائل والطرق, سيسرق أجرتك ويزعج حضرتك وربما لا يوصلك إلى مشوارك.. فهو كما تعلم يخشى عذاب القبر فيتقى الله!.. لعمر عبد الكافي (مفتى الإرهاب) سلسلة شرائط بعنوان "الدار الأخرة" يتحدث فيها الرجل عن عذاب القبر أيضاً ويقول أن القبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.. ويسرد لنا الرجل الأسباب التى تجعل الشخص يتعرض لعذاب القبر ومنها الكذب, وبعد محاضرة طويلة لم يتحرج الرجل في أن يسرد لنا الأدلة الشرعية على أن كذب الرجل على زوجته حلالاً وليس حراماً!!..
للشيعة أسانيد شرعية قوية تجعلهم يمارسون زواج المتعة.. وفي الخليج يشنع الوهابيون السُنة عليهم ويصفونهم بالفجر والفسق وإشاعة الفاحشة وممارسة الدعارة الشرعية.. ولكن مالا يعرفه الكثيرون أن هؤلاء الوهابيين أنفسهم يستندون إلى الشريعة- أيضاً- لممارسة زواج المسيار, وهو من أنواع الزواج المنتشرة جداً هناك ويعرفه كل من سافر إلى هذه البلدان.. وهو زواج سرى لا يشترط الإنفاق ولا المبيت.. وهو لا يختلف في شئ عن زواج المتعة غير أن الأخير يكون الإنفصال فيه بعد فترة محددة سلفاً وبرضا الطرفين أما في زواج المسيار فإن الإنفصال يكون بقرار من الرجل فقط!!!..
على الأرصفة تنتشر كتب لها عناوين غريبة مثل: "ماذا خسر العالم بنزول الكتاب المقدس" و"حقيقة الكتاب المقدس" و"الإختلافات بالكتاب المقدس".. وكلها كتب تتناول عقائد الآخرين بشكل بعيد تماماً عن الموضوعية والعلمية, وهذة ليست المشكلة- فنحن معتادون على ذلك- ولكن المشكلة الأصلية هى أننا نجرؤ بعد كل هذا على مطالبة الآخرين بإحترام الدين الإسلامى وكأن إحترام الآخرين لنا فرض عين بغض النظر عن موقفنا نحن منهم..
منذ أكثر من نصف قرن ونحن نملأ الدنيا ضجيجاً وصراخاً ونطالب بدولة مستقلة للفلسطينين بينما لا يجرؤ أحدنا على الحديث عن أحقية أكراد العراق في الدولة التى يطالبون بها من سنوات, وكأن ذلك رجساً من عمل الشيطان, مع أنه لا فرق لعربى على أعجمى إلا بالتقوى!..
وإزدواجيتنا نمت وترعرعت وشملت كافة المجالات.. في مباريات كرة القدم, عندنا, وفور إحراز أحد لاعبينا هدفاً تجده يسجد ويُقبل أرض الملعب ويتمتم بكلمات غير مسموعة لنا.. ولا نعرف ماذا يقول, هل يتلو "دعاء بعد الإحراز"؟ أم أن هذا التصرف بمثابة إعلان غير مدفوع الأجر عن أن اللاعب يتقى الله؟ الغريب أن معظم من يقومون بهذا التصرف توجد على تصرفاتهم الشخصية ألف علامة إستفهام, ولكن يبدو أن كلهم مؤمنون, في التليفزيون.. عندنا فقط تجد مطربين يغنون للوطن والفداء والتضحية ثم تكتشف أنهم متهربين من التجنيد, فتفهم في النهاية أنهم لا يغنون لك بل عليك.. وعندنا أيضاً تجد ممثلاً يدعى التقوى والورع بينما هو غارق في الليالى الحمراء للزواج العرفى, على أساس أن "ساعة لقلبك وساعة لربك".. في بلادنا تجد "فنانة" تصاب بلوثة مفاجئة وترتدى الحجاب وتدعى التوبة, ولكن المشكلة هى أننا, ومع علمنا أن الفن نفسه ليس فيه ما يعيب, لا نعرف عن أى شئ تابت, ولكن يبدو أن من تقول ذلك لا تفهم أنها تسئ إلى نفسها وليس للفن.. ما يغيظ هى أن تعود هذه الفنانة للتمثيل وتقول, بكل بجاحة: "الحمد لله, أنا مبسوطة كده.. أنا مرتاحة كده".. ولكن سيادتها لا تفهم إننا غير مبسوطين وغير مرتاحين وغير راغبين في رؤيتها أصلاً.. فكان أولى بهذه "التائبة" أن تبتعد عن الأضواء وتتفرغ لنشاطها الجديد, ولكنها- ولدواعى الإزدواجية- تريد أن تمسك العصا من المنتصف.. وبمناسبة الحجاب, فإذا تأملت معظم المحجبات عندنا- واللاتى يؤمن أن تغطية الشعر هو طريقهن للجنة- تجدهن أصبحن سافرات أكثر من غيرهن, فالمكياج الثقيل والطرحة المودرن "أم ترتر" والملابس الضيقة, تشترك فيها معظم المحجبات.. أما إذا أردت أن تختبر الإزدواجية بنفسك فأسأل إحدى المحجبات عن "آية الحجاب".. وفي إنتظار النتيجة..
داعية راحل شهير أفتى منذ سنوات أن العلاج من المرض حرام على إطلاقه ويُعد تدخلاً في إرادة المولى- عز وجل- وأن الإنسان يجب أن يفرح بالمرض لأنه سيقربه من الحبيب!! والغريب أنه بعد عدة سنوات من هذه الفتوى إحتاج هذا الداعية إلى عملية جراحية لإنقاذ حياته, فسافر إلى أوروبا (ديار الكفر!) لكى ينقذ نفسه, مفضلاً ذلك عن الإقتراب من الحبيب!!!..
يقول الشاعر: "ليس الحبيب الذي يأتيك مؤتزراً/ مثلَ الحبيب الذي يأتيك عرياناً".. وهذا البيت يقتضى به نظام التعليم الجامعى عندنا إذ يتم التعامل مع الطالب الذي يحصل على تقدير "مقبول" على أنه كلب أجرب لا يجب التعامل معه أو الإقتراب منه, لأنه ببساطة لا يستحق الحياة, فلا يُسمح له بإجراء أية دراسات تكميلية.. يحدث هذا فيما يتم السماح لمن حصل على 50% في الثانوية العامة أن يلتحق بأى كلية يشاء من طب وهندسة وغيرها في إحدى الجامعات الخاصة إذا إمتلك المال اللازم لذلك, على أساس أن "الحبيب الذي يأتيك مكتنزاً/ غير الحبيب الذي يأتيك فلساناً"!!. فيبدو أن الإزدواجية لا تقتصر على الأفراد فقط وإنما تمتد أيضاً إلى المؤسسات..
إذا فحصت سيادتك محتويات القرص الصلب لكمبيوتر أحد شبابنا, فغالباً ستجد مجلداً بعنوان "إسلاميات" يحتوى على القرآن الكريم بعدة أصوات, وخطب ودروس, وما إلى ذلك.. ولكن الغريب إنك ستجد, وبجانب "الإسلاميات", مجلداً أخر- مخفى عن العيون- يحتوى على ما تيسر من الأفلام والصور الجنسية, وما إلى ذلك.. فيبدو أن البعض لا يتحقق لهم الإتزان النفسى إلا حين يجمعون بين النقيضين, ويستمتعون بالشئ وضده عملاً بقول الشاعر: "الضد يُظهر حسنة الضد".. وهذة الإزدواجية ستودى بنا في النهاية إلى النزول من قطار التقدم العالمى, إذ لم نكن قد نزلنا بعد.. فالهوة شاسعة بين التحضر والتصحر..
#رامى_جلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟