|
هل المطلوب أن نضحي بالعراق في سبيل إيران؟
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 6106 - 2019 / 1 / 6 - 14:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد نشر مقالي الأخير الموسوم: (مخاطر عدم الوجود العسكري الأمريكي في العراق)(1)، وصلتني تعليقات كثيرة من الأخوة القراء، أغلبها مؤيدة، ما عدا واحد رأى أني أناقض نفسي، فمن جهة أتهم أمريكا بأنها ساهمت في تأسيس تنظيم داعش، وغيره من التنظيمات الإسلامية الإرهابية، وأن أمريكا غضت الطرف، أو حتى أوعزت باحتلال داعش للمناطق العربية السنية، نكاية برئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لرفضه بقاء أي عسكري أمريكي في العراق، وفي هذه الحالة، كيف تصح دعوة الحكومة العراقية إلى عدم معاداة أمريكا وحتى محاربتها؟
لقد كتبتُ العديد من المقالات حول تعقيدات علاقة العراق مع الدولتين المتخاصمتين، أمريكا وإيران. فأمريكا دولة عظمى، لها الفضل في تحرير العراق من أسوأ نظام دكتاتوري فاشي عرفه العالم على مر التاريخ، إذ لم يكن بإمكان الشعب العراقي تحرير نفسه بنفسه من ذلك النظام الجائر دون تدخل المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى. ومعظم دول العالم تسعى اليوم لإقامة علاقة ودية مع أمريكا للاستفادة من إمكانياتها الاقتصادية وغيرها. وفي نفس الوقت، دعوتُ إلى علاقة حميدة بين العراق وإيران لأن هناك روابط تاريخية ودينية وجغرافية بين البلدين لا فكاك منها. وعلاقة العراق الودية مع هاتين الدولتين (أمريكا وإيران) ممكنة، لو اتبع المسؤولون العراقيون فن الدبلوماسية الحكيمة، لأن نتائج هذه العلاقة الحميدة في صالح الجميع.
أما الذين مازالوا سجناء عهد الحرب الباردة بين المعسكرين، الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربي الرأسمالي بقيادة أمريكا، ولا يرون في أمريكا إلا الشر المطلق، فذلك العهد قد انتهى بعد أن دفع العالم الثالث ثمناً باهظاً، و بالأخص شعبنا العراقي. لذلك فنحن نعيش اليوم في عصر العولمة، حيث المشكلة المحلية هي مشكلة دولية، مثل الإرهاب، والمجاعات، والكوارث الطبيعية، التي لا يمكن حلها إلا بجهود دولية مشتركة، ولا مجال لإتباع سياسة البلطجة البعثية. فالعراق لم يستطع تحرير أراضيه المحتلة من قبل داعش لولا مساعدة التحالف الدولي بقيادة أمريكا، ومن ينكر هذه الحقيقة فهو مكابر ومعاند، وأخذ العزة بالإثم.
والجدير بالذكر أن هناك جهات داخلية وخارجية تعمل على دفع العراق إلى الصِدام المسلح مع أمريكا، والادعاء بأن أمريكا عدوة الشعوب، وبالأخص الشعوب العربية، لذلك يجب معاداتها. فيقوم هؤلاء بتحريض الشعب العراقي والقوى السياسية، ومليشياتها، لمحاربة أمريكا وفق مقولة (شيِّم البدوي وخذ عباته). وفي هذا الخصوص بعث لي أحد الأخوة في العراق، وهو صحفي متميز، تعليقاً، وبعد ترحيبه بمضمون المقال، قال: ((...انا كتبت العديد من المنشورات بنفس المعنى وخاصة بعد الضجة التي اثارها الصداميون، ومن ورائهم من العربان والاردنيين بسبب زيارة ترامب بحجة انتهاك السيادة ليخدعوا الحشد الشعبي، وبعض الفصائل المؤيدة لإيران، ودفعهم لمهاجمة القوات الاميركية، وعند ذاك تجد اميركا مبرراً جاهزاً فتسحق الحشد ومن يقف معه. ظهر ابراهيم الصميدعي وطرح نفس افكاركم، ولكن المحاور الآخر وهو إسلامي رده بعنف، فقال الصميدعي واقسم بان سياسيين سنة ممن تملق للشيعة ولسليماني وحصلوا على مناصب مهمة، لاموني وقالوا حاول أن تدفع وتشجع قادة الحشد على ضرب قاعدة عين الاسد ( وخليها تعلك بيناتهم). طبعا بعض الشيعة ابتلعوا الطعم وراحوا يرددون: معزوفة السيادة. فاستعملت اسلوب المنشورات الملونة وذكرتهم بخيمة صفوان وكيف سلم صدام العراق الى اميركا من دون قيد وشرط ,)) انتهى. نعم، هذا هو الواقع المؤلم من وراء تحريض العراقيين على الصدام مع أمريكا، وذرفهم دموع التماسيح على السيادة الوطنية "المنتهكة" من قبل أمريكا.
أعيد ثانية ما قلته في مقالي السابق، وذلك لأهميته، أن إصرار السيد المالكي عام 2011 ، وبضغوط من إيران، وأنصارها من القوى السياسية العراقية، على رحيل آخر جندي أمريكي من العراق، لا يدعو للثناء، لأن البديل كان سقوط ثلث مساحة العراق بيد داعش، وتدنيس الأرض، وهتك العرض، وما تطلب ذلك من تضحيات جسيمة بالأرواح والأموال لتحريرها. وبذلك فقد خسر المالكي السيادة الوطنية، وخسر المنصب، بل وراح خصومه، وحتى الذين فرضوا عليه رحيل القوات الأمريكية، يحملونه مسؤولية جميع الكوارث التي حلت بالعراق على يد الداعش.
نعم، السياسة فن الممكن، وتحقيق أكبر قدر من المصالح للشعب، وتجنب الخسائر، وهذا المبدأ ليس مزحة كما يحاول بعض صبيان السياسة التهكم منه في كتاباتهم البكائية والتحريضية الرخيصة. ولعل الحسنة الوحيدة في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم مساوئه الكثيرة، أنه صريح بلا مواربة، فقد رفع شعار (أمريكا أولاً)، وقال بحق، أن رئيس أي دولة لا يتخذ مصلحة بلاده أولاً، فهو خائن لوطنه وشعبه. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا على العراقيين وحدهم أن يضحوا بمصلحة بلادهم في سبيل إيران، ويعرضوا العراق إلى الصدام مع الدولة العظمى؟ وإذا كانت أمريكا سيئة إلى هذا الحد، فهل من واجب العراق الذي لم يتعافى بعد من الحروب الصدامية العبثية، والداعشية الإرهابية، أن يمرغ أنف أمريكا في الوحل ويعطيها درساً في الأخلاق؟ إن الذين يدفعون العراق للصدام مع أمريكا، يريدون تحقيق نبوءة سيدهم صدام حسين حين قال: (إن الذي يحكم العراق من بعده يستلمه أرضاً بلا بشر).
ولذلك، فعندما ندعو إلى علاقة ودية مع أمريكا، وعدم استفزازها، ليس حباً بها، وإنما لتجنب الصدام معها، والاستفادة من إمكانياتها. وهذه ليست انتهازية، أو انبطاح كما يردد البعض من البعثيين وأشباههم. ولنا دروس من التاريخ. إذ نعرف أن النبي محمد عندما انتصر في فتح مكة، قال: "من دخل بيت أبي سفيان فقد آمن". وهذا القول يعتبر أكبر وسام منحه الرسول إلى أبي سفيان. والسؤال هنا، أما كان الرسول يعرف من هو أبو سفيان الذي كان يتآمر عليه لقتله، وإفشال رسالته؟ نعم كان يعرف ذلك جيداً، ولكن الرسول كان سياسياً محنكاً أيضاً، إذ منح أبي سفيان هذه المكافئة، وغيره من المؤلفة قلبوهم، ليتقي شرورهم. ولنفس السبب، نقول يجب كسب أمريكا إلى جانب العراق لتوقي شرورها والاستفادة من إمكانياتها. وأوضح دليل على ما نقول، قارنوا بين كوريا الجنوبية ذات العلاقة الحميمة مع أمريكا، وكوريا الشمالية التي بددت كل ثرواتها على التسلح النووي لأنها في حالة عداء مع أمريكا، وبالنهاية لا بد وأن يحصل لها كما حصل لألمانيا الشرقية.
وما يُفرح أن هناك شريحة واسعة من الشعب العراقي، وخاصة شريحة المثقفين ، بدأوا يدركون هذه الحقائق، وما يخبئه المحرضون للشعب من نوايا خبيثة لدفعه إلى الصدام مع أمريكا. فهم مع مضمون مقالي المشار إليه أعلاه، إذ كتب لي صديق أكاديمي مرموق قائلاً: "في حواري مع گروب من خريجي هندسة البصرة، اكثرهم لا زالوا في العراق، كتبتُ لهم في حوار يتعلق بموضوع مقالك، وكنتُ مندهشاً على اتفاق الاّراء عدا قلة قليلة منهم....لذلك فالعراق لايزال بخير! ). ثم ذكر لي تفاصيل الحوار الجميل الذي لا مجال لإعادته هنا لتلافي الإطالة.
نعم، ليس من مصلحة الشعب ترك المجال لدعاة الباطل، بتضليل الشعب بلبوس الوطنية، ونشر أباطيلهم بثوب الحق، إذ كما ذكّرني صديق بقول رائع للإمام علي: (لو سكت أهل الحق عن الباطل، لاعتقد أهل الباطل أنهم على حق)... لا، لن نسكت عنهم. ــــــــــــــ رابط ذو صلة بالموضوع عبدالخالق حسين: مخاطر عدم الوجود العسكري الأمريكي في العراق http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=623437
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مخاطر عدم الوجود العسكري الأمريكي في العراق
-
لا، لم يحن الوقت بعد لذبح البقرة السعودية!
-
المطلوب من السيد عادل عبد المهدي تلبية مطاليب الشعب لا الأحز
...
-
ماهي مبررات ترشيح الاستاذ الدكتور محمد الربيعي لوزارة التعلي
...
-
مرحى لسروة عبدالواحد رئيسة لجمهورية العراق
-
حول لصوص الكلمة مرة أخرى
-
لأهل البيت ربٌ يحميهم
-
الأزمة الأخلاقية هي أم الأزمات في العراق
-
البصرة المنكوبة بالعطش والقتل بالرصاص
-
هل يمكن للحكومة العراقية التخلص من (تهمة) المحاصصة؟
-
لماذا العراق أولاً؟
-
التظاهرات التخريبية دائماً تبدأ بمطالب مشروعة!
-
ومتى كان العراق مستقراً؟
-
منجزات ثورة 14 تموز 1958*
-
العراقيون ضحية مثالياتهم
-
ذكاء العراقيين المدمر
-
حول تحالف الشيوعي العراقي مع التيار الصدري الإسلامي
-
حول قرار البرلمان لمعالجة تهمة تزوير الانتخابات
-
المقاطعون انتصروا على أنفسهم!!
-
في وداع المناضل عادل المراد
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|