|
ظاهرة أطفال الشوارع بالمغرب : نحو فهم سوسيولوجي
المامون حساين
الحوار المتمدن-العدد: 6105 - 2019 / 1 / 5 - 20:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لقد مكنت بعض الدراسات الحديثة على الرغم من كونها جزئية ومحدودة من استخلاص بعض المؤشرات بشأن هذه الفئة من الأطفال، ففي نظر العديد من الباحثين المغاربة أن أسباب هذه الظاهرة هيكلية باعتبارها قضية ناتجة عن العديد من المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع المغربي وخاصة ما يتعلق بالفقر والأمية ومشكلات السكن، البطالة، الهجرة من البادية إلى المدينة، فضلا على العديد من المشكلات الأخرى ذات الارتباط المباشر بالظاهرة كارتفاع معدلات التفكك الأسري والفشل الدراسي، وسوء معاملة الطفل بدنيا ونفسيا، والدفع به إلى ميدان العمل في سن مبكرة للمساهمة في تحمل نفقات الأسرة...ألخ. فوضعية الأطفال في المغرب عموما لا يمكن فصلها عن معظم التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي، والتي مست بالخصوص بنية المجتمع وبنية الأسرة على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل يمكن القول أن الاهتمام بقضايا الطفولة عامة وقضية الأطفال الذين يعيشون في وضعية الشارع يتعلق بفئة مجتمعية متكفل بها، ننفرد نحن الكبار الراشدون بتدبير شؤونها وتقرير مصيرها عبر الانفراد بصياغة وتحديد واختيار القيم الاجتماعية الضابطة لتنشئتها الاجتماعية وكذا القواعد القانونية المنظمة لأوضاعها والمؤسسات التي تشكل فضاءات لتربيتها. إن تناول وضعية أطفال الوضعيات الصعبة( أطفال الشوارع، الأحداث الجانحين، والقاصرات خادمات البيوت)، لا يمكن أن يتم بعيدا عن خطة العمل الوطنية للطفولة (2006-2015) " مغرب جدير بأطفاله" المستنبطة عن إعلان الأمم المتحدة "عالم جدير بأطفاله" الذي تم اتخاذه كشعار للألفية الثالثة. في هذا السياق، وتبعا لتوصيات التقرير الثاني لتقييم الخطة الوطنية للطفولة المقدم خلال المؤتمر الوطني الثاني عشر حول حقوق الطفل (مراكش 2008)، وفي إطار المخطط الاستراتيجي (2008-2012) لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن قامت هذه الأخيرة في عهد الحكومة السابقة بدراسة ميدانية حول ظاهرة الأطفال في وضعية الشارع بمدينة الدار البيضاء بهدف مساعدة المصالح المتدخلة في المجال عبر توفير المعطيات الدقيقة على إنجاز تدخلاتهم بما يستجيب للحاجيات الحقيقية للأطفال في وضعية الشارع وفق مقاربة تشاركية مع جميع الفاعلين المحليين على مستوى مدينة الدار البيضاء. وكان الهدف من هذه الدراسة الميدانية حول ظاهرة الأطفال في وضعية الشارع بالدار البيضاء هو تحديد حجم الظاهرة وتحديد العوامل السوسيو اقتصادية الأسرية والثقافية للظاهرة، وتحديد فئات الأطفال المعرضين أكثر لمخاطر هذه الوضعية والتعرف على الأحوال الصحية والنفسية ونمط عيش هؤلاء الأطفال بالشارع، والوقوف على أنواع المخدرات التي يتعاطاها هؤلاء الأطفال وتحديد أشكال العنف المادي والمعنوي الذي يلحق بهؤلاء الأطفال أو يصدر عنهم، كما أن هذه الدارسة ستمكن نتائجها من وضع تصورات أدق لتقديم مختلف الإجابات وضمان نجاعة أكثر على المستوى الوقائي وكذا على مستوى الرعاية الاجتماعية لهذه الفئة من الأطفال في وضعية الشارع. وعلى مستوى نتائج هذه الدراسة الميدانية التي تم تقديم نتائجها الأولية من طرف نزهة الصقلي الوزيرة السابقة لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن بالدار البيضاء (نونبر 2011).هذه الدراسة كشفت على أن الدار البيضاء تحتضن 294 طفلا في وضعية الشارع، أي 38% من مجموع الأشخاص في وضعية الشارع، وان 89% من هؤلاء الأطفال هم ذكور، و 11% إناث. ضمنهم حالتان في سن 15 و 17 سنة من طفلات كأمهات عازبات لخمسة أطفال (أطفال أطفال الشوارع) مما يؤشر على أن هذه الظاهرة رغم المجهودات المبذولة لمحاربتها أصبحت تأخذ أشكالا جديدة ببلادنا ولها عواقب وتأثيرات خطيرة على المجمتع المغربي. وبخصوص الملامح الديمغرافية لهؤلاء الأطفال كشفت الدراسة أن 84% من الفئة العمرية الأكبر من 15 سنة، و 14% هم ما بين 10 و 15 سنة. فيما يمثل الأطفال الأقل من 10 سنوات 2%. وعلى مستوى "مهن" هؤلاء الأطفال أفادت نتائج هذه الدراسة أن اغلب هؤلاء الأطفال بنسبة (56%) يتعاطون للتسول، فيما الباقون يقومون بالعمل في تنظيف زجاج السيارات، بيع السجائر، بيع الخضر، ضمنهم نسبة لا تتجاوز 1% يتعاطون للسرقة والدعارة. وبخصوص أسباب تواجد هؤلاء الأطفال بالشارع أظهرت النتائج أنها متعددة ومن أهمها، السكن غير اللائق، والتفكك الأسري، وانحلال منظومة القيم (98%) وعدم التمدرس أو التمدرس المحدود (37%). أما ما يتعلق بانتظارات هؤلاء الأطفال في وضعية الشارع بالدار البيضاء كشفت الدراسة أن (94%) منهم غير راضين عن وضعيتهم و (93%) يرحبون بفكرة العودة إلى أسرهم وذويهم، و 41% من الأطفال يطمحون إلي ولوج مؤسسة استقبال، بينما أكدا أكثر من 50% من هؤلاء الأطفال عن رغبتهم في الاندماج بمنظومة التأهيل والتكوين المهني. وتجدر الإشارة أن هذه الدراسة أشرف عليها فريق من الخبراء من باحثين اجتماعين، إحصائيين وجمعويين لهم تجربة كبيرة في التعامل مع هؤلاء الأطفال وتمت بتعاون مع مختلف الفاعلين المحليين المعنيين (المندوبية السامية للتخطيط بالبيضاء، مصالح الأمن الوطني، مصالح ولاية وعمالات الدار البيضاء والنسيج الجمعوي المهتم بمجال حماية الطفولة في وضعية صعبة).وقد تم اعتماد هذه الدراسة في مقاربتها المنهجية على عدة مراحل، منها إعداد الإطار المفاهيمي للدراسة حيث تم تحديد طفل الشارع بتعاون مع الشركاء المحليين وتم الاتفاق على أن المقصود بالطفل في وضعية الشارع بالنسبة للدراسة هو: " كل طفل ذكر أو أنثى عمره أقل من 18 سنة، يعيش بالشارع بشكل مستمر ليلا ونهارا وفاقدا للرعاية الأسرية أو لرعاية أحد أفرادها، ويتخذ من الشارع فضاء لممارسة مجمل أنشطته اليومية". أما مرحلة جمع المعطيات الميدانية تمثلت في عدة أدوات أساسية وملائمة للدراسة منها إحصاء الأطفال في وضعية الشارع بمدينة الدار البيضاء عبر وضع خرائط تحدد أماكن وجيوب تواجد الأطفال وتنظيم استمارة موجهة للأطفال بالميدان متضمنة عدة محاور ارتباطا بأهداف البحث وإشكاليته إضافة إلى مقابلة معمقة مع الأطفال بغاية رسم مسار حياتهم، وتنظيم مجموعتين بؤريتين تهم التطلعات المستقبلية لفئة مدمجة من الأطفال وأخرى ما تزال بالشارع. تبعا إذن لهذه النتائج الأولية لهذه الدراسة الميدانية للأطفال في وضعية الشارع بمدينة الدار البيضاء، ومهما كانت أسباب وعوامل هذه الظاهرة، فإن معالجتها تتطلب إضافة إلي تظافر جهود الجميع من هيئات ومؤسسات رسمية وخاصة ضرورة دراسة الظاهرة من الناحية السيكوسولوجية من اجل الوقوف على منابع الخلل ثم من أجل رسم سياسات واستراتيجيات ذات بعد شمولي وليس التعاطي معها مرحليا أو مناسباتيا. هذه السياسات العامة طويلة أو متوسطة المدى تعالج الاختلالات المجتمعية التي تساعد على إفراز ظاهرة أطفال الشوارع، علاج الخلل الحالي، في السياسات التنموية بما يحقق قدرا أكبر من عدالة التوزيع والمساواة بين أطراف المجتمع، ويضمن حماية حقيقية للأسرة المعوزة و الفقيرة ويقضي على الفجوة بين العالم الحضري والقروي وإصلاح وتفعيل المنظومة التعليمية وضرورة وقف التسرب المدرسي،بالإضافة إلي وجود سياسة اجتماعية متكاملة للطفل المغربي، كما يجب أن تقوم تلك السياسة على أساس أن الطفل غير المتكيف اجتماعيا هو ضحية للظروف وليس مخطئا، ولذلك يجب أن يعامل باحترام وعطف بهدف إعادة إدماجه في المجتمع. وخلاصة القول أنه لابد من فهم وإدراك الظاهرة انطلاقا من فضاء أوسع وأعم.فإذا كانت هذه الدراسة الميدانية قد اقتصرت على أطفال شوارع مدينة الدار البيضاء، مطبوعة ببعض الخصائص المحلية (تعليم، ثقافة حضرية، اقتصادية، حضور مهم للعنصر النسوي...)، إلا أنها مكنت من الحصول على مجموعة من المعطيات الجوهرية التي أصبحت بمثابة أرضية يمكن الاعتماد عليها لرصد الظاهرة. فإن دراسات ميدانية بمدن أخرى كالرباط وفاس ومراكش وأكادير...يعد ضرورة معرفية لمقاربة الظاهرة من مختلف زواياها انطلاقا من مقاربة شمولية تستند إلي سياسة اجتماعية متكاملة وفق مشروع مجتمعي واضح المعالم والأهداف
#المامون_حساين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفضاء التربوي لجمعية النجد منارة للعلم والتربية
-
الجديدة كمدينة اسمنتية
-
لماذا يكرهوننا؟
-
بكم ستبيع صوتك؟
-
الدرس الفلسفي في حاجة لعدة بيداغوجية متجددة
-
القراءة كخبز يومي
-
المرأة من يبنغي أن يقرر في الاجهاض
-
تدريس الفلسفة بالمغرب: آفاق وتحديات المهنة (حوار صحافي مع ال
...
-
من يشتري البكالوريا ؟
-
جميعة قدماء بئر انزران تنظم الايام التواصلية
-
في رحيل السوسيولوجي محمد جسوس
-
رابطة جنيف لحقوق الانسان تنظم مناظرة وطنية لنوادي المناظرات
-
ندوة تحسيسية حول المخدرات والتدخين
-
الانتفاضات الورقية للنقابات
-
تخليد الذكرى بالثانوية التأهيلية بئر أنزران
-
لا وصاية لكم على عقولنا
-
هل أصبحنا عنصريين؟
-
نحو تعريف لعلم الاجتماع
-
المدرسة كفضاء للتربية الديمقراطية
-
الدارجة مجددا؟؟
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|