|
متى يحمل محمد حقيبته ويرحل؟!
احمد القاضي
الحوار المتمدن-العدد: 6097 - 2018 / 12 / 28 - 19:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إهداء إلى ذكرى الكاتب الأمازيغي كاتب ياسين
في مثل عامنا هذا قبل مائة سنة، سقطت الخلافة االعثمانية فعليآ...وبقيت جثتها في الثلاجة لست سنوات، إلى أن إستخرج مصطفى كمال أتاتورك شهادة وفاتها، في العام 1924 م ودفنها معلنآ، أن تركيا جمهورية علمانية ديمقراطية.....ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 1918م، د دخلت القوات الفرنسية والبريطانية، عاصمة الخلافة الإسلامية المهزومة (إسطنبول) وتقاسمتاها....وقبل هذا الحدث التاريخي، إحتلت القوات البريطانية، في العام 1917م العرآق وفلسطين، وفي العام الذي يليه إحتلت سوريا... وكان شريف مكة الحسين بن علي، حليف بريطانيا ضد العثمانيين، قد تمكن بالمقاتلين من رجال ما سمي بالثورة العربية الكبرى، من إنزال الهزيمة بالحاميات التركية في مكة والمدينة والطائف، سنة 1916 م وإنهاء الإحتلال التركي للحجاز....فهذه الهزائم المتلاحقة للعثمانيين، وما أفضت إليه في نهاية المطاف، من سقوط عاصمة الخلافة، ما كانت لتتحقق بذلك اليسر، لو لا الدور المحوري لمقاتلي ما يسمى بالثورة العربية الكبرى، بقيادة الشريف حسين، الذي نصّبه الإنجليز حاكمآ على الحجاز، بعد تحريرها من الأتراك، وظل في الوقت ذاته، ينتظر أن يتوج بعد نهاية الحرب، خليفة على العرب بعون الإنجليز، حسبما كان يمني نفسه، بعد أن أدمن على الوعود المعسولة، المبثوثة في رسائل المندوب السامي البريطاني في مصر السير هنري مكماهون إليه، حيث كان يخاطبه فيها بخليفة المسلمين، وسليل الدوحة النبوية الشريفة.
رجل أوربا المريض
كان السقوط مصيرآ حتميآ، لإمبراطورية عرفت في القاموس السياسي الأوربي، منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر بـــ(رجل أوربا المريض)...بعد أن هيمنت ستمائة سنة، على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وثلث أوربا الشرقية، دون أن تساهم بشئ في مسيرة الحضارة الإنسانية، ولعل مأثرتها الوحيدة هي تعريف الأوربيين بالقهوة، التي جاءتها من الحبشة عبر اليمن...فدولة الخلافة العثمانية قد قامت على أنقاض الخلافة العباسية، في وقت كان فيه الغرب يتأهب لدخول عصر نهضته الفكرية والعلمية والفنية، التي جعلته عبر كشوفاته وإختراعاته في مقدمة شعوب الكرة الأرضية، ومكّنته من إفتتاح العصر الصناعي، ثم إرتياد الفضاء والهبوط على سطح القمر، في ذروة من ذرى تقدمه المتصاعد دون توقف.....وهكذا بينما كانت أوربا تنفض عن نفسها غبار العصورالمظلمة، كان المسلمون يلجون حقبة جديدة من الظلمة والحلكة، بقيام دولة الخلافة العثمانية، التي أسسها عثمان بن أرطغرل في سنة 1299 م، لتكون بغزواتها وغلمانها سباياها، نسخة كربونية من الدولة التي أرساها محمد، وسار عليها خلفاؤه الأربعة، ثم خلفاء الدولة الأموية والعباسية... حتى إن دولة الخلافة العثمانية، ليس لديها في إرثها ما تفخر به، سوى غزواتها الجهادية في أوربا شمالآ، إذ إحتلت القسطنطينة عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، وكذلك الدول البلقانية: اليونان ووبلغاريا والبوسنة وصربيا ووالبانيا وكرواتيا وكوسوفو ومقدونيا والجبل الأسود وأجزاء واسعة من رومانيا، ثم توسعت في إتجاه شمال البلقان، حتى حاصرت فينا عاصمة النمسا، التي إستعصت عليها...ويعد المسلمون كل ذلك- وخاصة الحالمون بعودة دولة الخلافة العثمانية- مأثرة جهادية كبرى وفتحآ عظيمآ للإسلام ...ولما لا وقد إرتبط الإسلام منذ ظهوره، بالغزوات وإستباحة حرمات الشعوب الأخرى لإستعبادها ونهب خيراتها.
الحرملك
ولعل ما يميز الحركة الإستعمارية الإسلامية، التي بدأت في القرن السابع الميلادي، وإنتهت بسقوط دولة الخلافة العثمانية، عن بقية الحركات الإستعمارية التي شهدتها البشرية منذ فجر التاريخ، هو أنها كانت تضع تحت حيازتها جميع نساء البلدان المغلوبة، وتأخذ منهن ما تشاء، وخاصة الشابات الجميلات كسبايا...وتحدثنا أمهات كتب التاريخ الإسلامية، كيف جمع محمد الآلآف من سبايا أوطاس تحت إمرته، وأخذ ينتقي منهن أولآ، أجمل الجميلات كهدايا لكبار القادة والمقربين له من أقاربه، وذلك قبل تقسيمهن على عصاباته...كما تحدثنا أيضآ، كيف تم جلب الآلآف من السبايا الفارسيات والعراقيات والقبطيات والسريانيات من الشام، إلى أسواق النخاسة في يثرب ومكة والطائف وغيرها، في زمن عمر بن الخطاب...وكيف تم جلب الآلآف من النساء الشابات البربريات والأسبانيات [الأندلسيات في المصطلح العربي] إلى دمشق في العهد الأموي...وواصلت دولة الخلافة العثمانية، أمر حيازة نساء البلدان المغلوبة، وجلبهن إلى أسواق النخاسة في عاصمة الخلافة.....وكانت النساء المسبيات المجلوبات، إلى عاصمة آل عثمان أوربيات من دول البلقان وغيرها... فمن الثابت تاريخيآ، أن أوربا لم تعرف هذا النوع من الدعارة، التي هي في عرف الإسلام دعارة مقدسة... فسفن بريطانيا التي كانت تحتل 90% من دول العالم، منذ منتصف القرن التاسع عشر لم تحمل السبايا إلى بريطانيا... والدعارة المقدسة التي كانت أهم وجه من وجوه الإسلام منذ قيامه، توجد جذوره في صميم القرآن والسنة...فعلى صعيد السنة العملية، فإن أحب شئ إلى مؤسس الإسلام محمد، كان نكاح الإماء اللآتي، يختطفهن في غزواته...وعلى صعيد القرآن فقد أباح محمد لرجاله، إقتناء النساء كعبدات وإغتصابهن، وذلك في اربع عشرة آيه، فعلى سبيل المثال يقول في (سورة الأحزاب)::{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} أيّ أحل الله لك نكاح الإماء اللآتي أنعم الله لك بهن وأعطاك، فالواضح من النص، أنهن عطية ربانية، وهذا ليس له من تفسير أو وصف غير أنه (دعارة ربانية مقدسة)....وقد كانت الدعارة المقدسة في الإسلام، ليست من أقدس المقدسات وحسب، بل وكانت ترمز إلى القوة والنصر...فكلما كثر عدد السبايا وإمتلأت يثرب بهن، كلما كان ذلك دليلآ على كثرة الغزوات والإنتصارات ..فهذا الإرث المحمدي كان بالضرورة، ركيزة دولة الخلافة العثمانية، التي أحيت عصور الهمجية في الألفية الثانية، بالحروب الدينية وسبي النساء وإسترقاقهن لإنتهاكهن جنسيآ، في وقت كانت فيه أوربا تغادر عصورها المظلمة، وبدأت صحوتها العلمية والفكرية، كما أسلفنا... ولذا فإن الحرملك في قصر توبكابي، كان من أقدس مقدسات دولة الخلافة العثمانية، ورمز عزتها وفخرها، والمحروس بعصبة من الخصيان حراسة صارمة، تبعد عنه الغرباء والمتطفلين...وكان الحرملك الذي هو مسكن الخليفة العثماني، وزوجاته والمئات من الإماء اللآتي تم سبيهن من دول أوربا الشرقية خلال الفتوحات العثمانية، هو الأكبر والأشهر ويضم أجمل الجميلات، فقد كانت هناك حرملكات مماثلة في قصور القادة والباشوات والاثرياء....ولعل من غرائب الموافقات أن النداء، الذي أطلقه محمد لأصحابه عشية غزوة تبوك وهو::[أغزوا تبوك لتغنموا بنات الأصفر] قد طبقه العثمانيون خير تطبيق، بتوجيه غزواتهم شمالآ نحو أوربا، بلاد بنات الأصفر [الشقراوات] اللآتي برع العثمانيون في إصطيادهن، في جميع الأوقات... وليتهم برعوا في علوم أو فنون او فكر، بل عادوا العلم والفكر، ومارسوا تخريب مقتنيات الحضارة البيزنطية، كما خرّب أسلافهم مقتنيات ايوان كسرى، وحرقوا مكتبات الفرس ومكتبة الإسكندرية وغير ذلك، فعلى سبيل المثال: إستباح العثمانيون القسطنطينة وحوّلوا إسمها إلى {إسلامبول}وكذلك حوّلوا كاتدرائيتها (هاجي صوفيا) المعروفة عند المسلمين بــــ{أيا صوفيا}إلى مسجد، وهي آية فريدة في فن المعمار البيزنطي، ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا مسح صور المسيح والقديسين من الجدران، وكتابة آيات قرآنية مكانها، الأمر الذي أدى إلى تشويه الجدران. نعود إلى الحرملك السلطاني بقصر توبكابي، الذي ظلت أسراره وراء أسوار عالية وحرّاس أشداء، إلى أن قام المستشرقون بتسليط الأضواء، على ما يجري بين جدرانه، بعد أن ألهب فضولهم وخيالهم، ما تناهى إلى أسماعهم عن الدعارة المقدسة في الحرملك، حيث يحتجز المئات من السبايا الحسناوات، لإغراض الجنس والمتعة....فقد توجهت قوافل من المستشرقين، منذ منتصف القرن التاسع عشر، إلى تركيا ومصر لدراسة هذه الظاهرة، البعيدة عن القيم المسيحية... رأى المستشرقون في ذلك القفص الذهبي، وهو الإسم الذي أطلقوه على الحرملك، رمزآ إسلاميآ يجسد البربرية والوحشية والشهوانية، ولا يسر الخاطر......أما الإماء السجينات في الحرملك، فإن صورتهن قد تراءت في مخيلة المستشرقين، إناثآ نحيلات مترفات عاريات جاهزات على الدوام لمارسسة الجنس، ومتزينات بزينة شرقية مبتذلة تجذب الإنتباه ببهرجتها، حسبما ورد في البحث الأكاديمي لميغان ماكدانيال.....ومن الأهمية بمكان معرفة أن الذين إخترقوا أستار الحرملك، المحروس بالخصيان الأشداء، ودخلوه من أوسع أبوابه وفشوا أسراره، وقدموا صورآ عن عالم المنتهكات جنسيآ، وحياتهن الرتيبة البليدة المتمحوروة كلها حول الجنس، ولا شئ غير الجنس، هن المستشرقات حصريآ، وذلك لأنه بطبيعة الحال لم يكن من المسموح به للرجال، مجرد الإقتراب من الحرملك والتطفل عليه...فقد جاء في معية المستشرقين، الذين وفدوا الى تركيا منذ منتصف القرن التاسع عشر، مستشرقات منهن الكاتبات ومنهن الفنانات اللآتي برعن في الرسم وتحديدآ في فن البورتريه. وهناك إصدرات غربية عديدة، منها الأكاديمية وغير الأكاديمية، تناولت بالدراسة الدور الكبير للمستشرقات، في تسليط الأضواء على الدعارة المقدسة في الحرملك، وما يدور في أجوائه، بالرسومات والإسكتشات والكتابات...فمن أحدث تلك الدراسات على سبيل المثال:البحث الذي أعدته للتخرج في جامعة فلوريدا ميغان ماكدانيال بقسم الفنون والعلوم سنة 2014 م، بعنوان:[إعادة عرض الحريم: المستشرقات الفنانات والامبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر]....ومن المستشرقات الفنانات اللآتي رسمن بورتريهات لإماء الحرملك السلطاني::: البريطانية ماري أديلاد ووكرو، والفرنسية هنريت براون، والدنماركية إليزبيث جيركو بومان، والأمريكية إيلا فيريس بل، والأمريكية إيف تود، حسب المرجع السابق....وكان بين المستشرقات من هن كاتبات وفي نفس الوقت فنانات، وقد قمن بتوثيق مشاهداتهن في الحرملك العثماني، بالكتابات والرسومات معآ ومنهن:: البريطانية ليدي ماري ورتلي مونتاغيو، والبريطانية مارقريت موراي كوكسلي، والفرنسية صوفي جنجمبر أندرسون وغيرهن....أما المستشرقون الرجال، الذين لم يكن بوسعهم مجرد الإقتراب من الحرملك، الذي كان كما أسلفنا محروسآ بخصيان أشداء، فقد كانوا عيالآ على المستشرقات، وإعتمدوا على مروياتهن ورسوماتهن وإسكتشاتهن وكتاباتهن عن سبايا الحرملك، مصدرآ لإعمالهم عن الدعارة المقدسة في بلاط الخليفة العثماني.....وظل الحرملك ممنوعآ على المستشرقين الرجال، حتى رحيل آخر خليفة عثماني، ولكن بعد اثنتي عشرة سنة، من إعلان قيام الجمهورية التركية العلمانية، وتحديدآ في العام 1936 م، تم التصريح لأحد أشهر المستشرقين لدخوله، وقد دخله بالطبع وهو خاو، بعد تحرير السبايا البغايا الحبيسات في الحرملك....وذلك المستشرق هو العالم البريطاني في الإستشراق نورمان موسلي بنزر، الذي تفيد المراجع الغربية إنه قضى في الحرملك ساعات طويلة، وفحصه شبرآ شبرآ، الأرضية والجدران والغرف وأخذ مقاساتها ووقف عند الأثاثات والديكورات وما إلى ذلك، وأعد بعد ذلك كتابه المرجعي [الحريم]....فقد شدّ الحرملك إنتباه أوربا ومثقفيها وخاصة مستشرقيها، وقدم لهم الدليل المادي، على الإنحطاط الأخلاقي والإجتماعي في الإسلام.....وكان الخليفة العثماني يتمرغ في هذا الإنحطاط ، فغرفة نومه كانت في وسط الحرملك تمامآ،...ومن قواعد الحرملك أن الخليفة كان يدخله، وهو يلبس قبقابآ خشبيآ يصدر صوتآ ينبه السبايا، بقدومه ليصمتن ويقطعن أي حديث، ولتلتزم كل واحدة بغرفتها....وكانت المفارقة أنه حين كان المستشرقون والمستشرقات يتدفقون إلى تركيا، لمشاهدة {الحرملك} قدس أقداس الخلافة الإسلامية، كانت الدول تبعث أبناءها، إلى بريطانيا وفرنسا لينهلوا من العلوم الحديثة، ويتعرفوا على منجزات العصر الصناعي ...وهكذا جسدت تركيا العثمانية الإنحطاط الإسلامي، ولم تنتج غير التخلف، وعجزت عن أن تواكب العصر الصناعي، الذي إبتدرته بريطانيا في أواخر القرن الثامن عشر، فكان من منطق الأشياء أن تضعف وتتآكل وتسقط في نهاية المطاف
الثورات على العثمانيين
فقبل سقوط دولة الخلافة العثمانية، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، كانت قد تضعضت وتآكلت أطرافها، فقد احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830 م، واعلنت الحماية على تونس في العام 1881 م، وإحتلت إيطاليا ليبيا سنة 1911 م، وإحتلت بريطانيا العظمى مصر في العام 1882 م،. ولكنها ظلت شكليآ جزءا من امبراطوية الخلافة العثمانية، وفكت ارتباطها بها رسميآ في العام 1914 م، وإستقلت اليمن عن الدولة العثمانية في العام 1911 م ، وأصبحت إمارة الكويت محمية بريطانية في العام 1899 م....وفي الجزء الأوربي من الإمبراطورية العثمانية التركية، الذي كان يشمل معظم أقطار أوربا الشرقية، ، إندلعت ثورات عارمة ضد المستعمر العثماني، بدأت باليونان في مستهل عشرينيات القرن التاسع عشر، وإنتقلت بعد سنوات إلى الصرب وبلغاريا ورومانيا وغيرها، وإنتهت بإستقلال بعضها ونيل البعض الآخر حكمآ ذاتيآ مؤقتآ أفضى إلى الإستقلال في ما بعد....وكانت اليونان التي خاض شعبها حربآ ضروسآ ضد الإتراك، من العام 1821 إلى العام 1830 م، هي أول دولة أوربية تنتزع استقلالها من المحتل العثماني، لتصبح هي الروح الملهمة، التي أيقظت شعوب أوربا الشرقية، لتقتلع الإستعمار العثماني الإسلامي، كما إقتلع الأسبان الاستعمار العربي الإسلامي. وإذا كانت اليونان أول دولة أوربية، ثارت على الأتراك العثمانيين وإنتزعت إستقلالها، فإن الدولة السعودية الأولى، التي أسسها أمير الدرعية محمد بن سعود في العام 1744 م، قد سبقت اليونان بأكثر من سبعين سنة، في إنتزاع إستقلالها من دولة الخلافة العثمانية الإسلامية....وكانت أول دولة وطنية مستقلة، تشكلت نواتها بأقليم نجد، وسرعان ما تمددت وتوسعت، لتجمع نجد والحجاز وعسير والإحساء، وبلغت حدودها الشمالية أطراف حدود جنوب الشام...لم تعمر الدولة السعودية الأولى، سوى أربع وسبعين سنة، وسقطت سنة 1818 م على يد إبراهيم باشا، نجل خديوي مصر محمد علي باشا، الذي اوعز إليه الخليفة العثماني، بالقضاء على دولة آل سعود...بعد ست سنوات من سقوط الدولة السعودية الأولى، وتحديدآ في العام 1824 م قامت الدولة السعودية الثانية، التي كانت محدودة الحجم وإقتصرت على إقليم نجد، وسقطت بعد سبع وستين سنة، أيّ في العام 1891 م، تحت ضربات آل الرشيد حلفاء الأتراك العثمانيين، والبيت المنافس لآل سعود في زعامة نجد....لجأ آل سعود للكويت ، وبعد مضي عشر سنوات على سقوط الدولة السعودية الثانية، إنطلق نجل آخر أمرائها، وهو عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في العام 1902 م، من إمارة الكويت نحو الرياض وهو في الخامسة والعشرين، على رأس مجموعة صغيرة من الرجال، لإستعادة ملك آبائه وأجداده من آل الرشيد...وتمكن عبد العزيز ورجاله، من التسلل إلى الرياض، والإنقضاض على قصر المصمك او {المسمك} الحصين بأسواره، والسيطرة عليه بضربة خاطفة جريئة وسريعة.....وبعد أن أعلن إبن سعود نفسه أميرآ على نجد، خاض سلسلة معارك إستغرقت أكثر من عشرين عامآ، لتوحيد البلد المفكك في دولة ذات سلطة مركزية، وكان أكبر إنتصاراته في حروبه تلك، هو القضاء على مملكة الحجاز، بالإستيلاء على عاصمتها مكة في أواخر العام 1925 م، حيث فر ملكها الحسين بن علي، إلى العقبة ومنها إلى قبرص...وفي يناير 1926 أعلن عبد العزيز نفسه ملكآ على الحجاز، وفي العام الذي يليه أضاف (نجد) إلى التسمية لتصبح:{مملكة الحجاز ونجد} وبعد ست سنوات، أي في العام 1932 م، أطلق على مملكته إسمآ جامعآ لجميع أقاليمها، وهو:[المملكة العربية السعودية] وقد ألمح مستشاره غير الرسمي جون فليبي، إنه هو من إقترح عليه هذا الإسم. وثمة سؤال يعّن هنا: هل كانت الدولة السعودية الثالثة، صنيعة إرث أسلاف محمد بن سعود المتمرسين في السياسة والحرب، أم صنيعة بريطانية كما زعم ويزعم اليساريون والقوميون العرب من ناصريين وبعثيين، وكذلك الأخوان المسلمون الذين قلبوا للسعودية ظهر المجن بعد ما يسمى بالربيع العربي.....والحق يقال ليس من شئ، يدعم هذا الزعم بدليل مادي....فبريطانيا كما هو معروف، تحالفت مع القوميين العرب الأوائل، بزعامة شريف مكة الحسين بن علي، الذين كانوا يطمحون إلى أن تساعدهم بريطانيا، في إقامة خلافة عربية أو مملكة عربية تجمع العرب، بعد هزيمة تركيا العثمانية في الحرب....وشكّل فيصل إبن شريف مكة حسين بن علي، ما سمي بجيش الثورة العربية الكبرى، وهو جيش شبه نظامي، كان تحت إشراف المستعرب البريطاني توماس إدوارد لورنس، الملقب بــ(لورنس العرب) الذي كان ضابطآ بالمخابرات البريطانية، ويتلقى التوجيهات اللازمة بالعمليات الحربية، من القيادة العسكرية البريطانية الأقليمية بالقاهرة...وقد تمكّن جيش الثورة العربية الكبرى، من إنزال الهزائم بالحاميات العثمانية، في الحجاز وفلسطين والأردن وسوريا، بعون لوجيستي مباشرمن القيادة العسكرية البريطانية في القاهرة، تضمن إمدادات السلاح والغذاء ...وقد كافأت بريطانيا القوميين العرب الأوائل، بتنصيب شريف مكة حسين بن علي ملكآ على الحجاز، دون أن تحقق لهم حلمهم بأن يكون خليفة أو ملكآ على الشعوب المسماة بالعربية. أما في ما يتعلق بعلاقة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ببريطانيا، فإن العديد من الوثائق ومنها كتاب جون فيلبي {بعثة إلى نجد} تشير إلى أنه لم تكن ثمة أي إتصال، بين الملك عبد العزيز وبريطانيا قبل العام 1911 م....ففي هذا العام إلتقى صدفة بالمعتمد البريطاني في الكويت، الكابتن وليام هنري إرفاين شكسبير، الذي كان في رحلة صحرواية، وأبدى له نيته في تحرير الإحساء والقطيف من الإحتلال التركي، وسأله عما إذا كانت بريطانيا ستهب لنجدته، إذا هاجمه العثمانيون من جهة البحر، ولكن شكسبير خيب ظنه بقوله أن بريطانيا ليست على إستعداد في الوقت الحالي للدخول في حروب...ولم تشعر بريطانيا بخطر الملك عبد العزيز، إلا بعد أن قام بتحرير الإحساء والقطيف، بطرد الحامية التركية منها، دون حاجة إلى بريطانيا...يقول جون فيلبي في كتابه آنف الذكر صفحة (الملحق الأول) ::[وكان إبن سعود كما حددته تلك السياسة، خارج حدود إهتمامنا بالرغم من أهميته المتزايدة، ولم يول أهمية خاصة في تقاريرنا الرسمية قبل سنة 1911م]... وكان ثمرة هذا التقييم البريطاني الجديد لأهمية إبن سعود، هي توقيع إتفاقية دارين معه سنة 1915م ، التي من أهم بنودها:: إعتراف بريطانيا بسلطة آل سعود على نجد والإحساء والقطيف، مقابل أن يتعهد إبن سعود، بعدم ضم الكويت وقطر والمشيخات السبع والحجاز، حيث شريف مكة الحسين بن علي، إلا أن إبن سعود رفض الإلتزام بعدم ضم الحجاز... وهناك عامل آخر دفع بريطانيا لتوثيق العلاقات مع إبن سعود، بعد ثلاث عشرة سنة من عدم الإكتراث به، وهو إندلاع الحرب العالمية الأولى في سنة 1914، ورغبة بريطانيا في أن يقضي إبن سعود، على ما تبقى لآل الرشيد حلفاء تركيا، من وجود في مدينة حائل، التي سقطت في يد الملك عبد العزيز سنة 1921م....ومنذ توقيع إتفاقية دارين وضعت بريطانيا إبن سعود في مركز إهتمامها، فأرسلت إليه في العام 1917 م جون فيلبي ممثلآ لها في الرياض...وهو مستشرق تخرج في كلية الدراسات الشرقية بجامعة كمبيردج، يجيد عدة لغات شرقية منها الهندية والعربية، وإستقطبه جهاز المخابرات البريطاني، ليعمل في خدمة السياسة البريطانية في الشرق...والمثير أن كيماءه تلاقت مع كيمياء عبد العزيز بن سعود، لتتحول العلاقة بينهما إلى صداقة، اكثر من كونها علاقة عمل....وسمى نفسه بالحاج عبدالله، واستقر بالمملكة السعودية بعد إستقالته من خدمة الحكومة البريطانية، وعمل مستشارآ غير رسمي للملك، إلى جانب ممارسته لأعمال تجارية، درت إليه أموالآ وفيرة...وأكثر من ذلك إعتنق الإسلام، وإشترى سبية من سوق الرقيق بالطائف، وعتقها وتزوجها وأنجب منها...والمفارقة المثيرة للعجب انه كان إشتراكيآ منذ أن كان طالبآ جامعيآ،وكان دائم الخلاف مع رؤسائه في لندن، حتى أن صحيفة {القاردين} البريطانية وصفته في عددها الصادر بتاريخ الأول من نوفمبر 2015[إنه كان شوكة في خاصرة السياسة البريطانية]...إعترض على تنصيب فيصل بن الحسين ملكآ على العرآق، وكتب الى رؤسائه، بأن جميع عشائر العرآق، تعارض ذلك...أبدى عدم إرتياحه لوعد بلفور، وكتب [أن العرب لا يعترفون بسامية يهود وسط أوربا وشرقها، وإن تهجيرهم إلى فلسطين سيدمر النسيج الإجتماعي في ذلك البلد] ولذا فإن المنظمة الصهيونية العالمية، برئاسة وايزمان نظرت إليه بعين الريبة...وعندما إندلعت الحرب العالمية الثانية، إعتقلته السلطات البريطانية بينما كان في زيارة للهند، وأرسلته مخفورآ إلى بريطانيا، بدعوى تأييده لألمانيا النازية...ومن الطريف أنه لشدة نقده للسياسات البريطانية، ظن الملك عبد العزيز ذات مرة، أنه أصيب بمس من الجنون، وأبلغ السلطات البريطانية لتعتني به....ولما كان العصا من العصية، فإن إبنه كيم جون فيلبي، كان ضمن ما عرف تاريخيآ بحلقة كمبريدج، وكانت حلقة تضم كيم وأثنين آخرين بجامعة كمبرديج، حيث إعتنقوا الإشتراكية وخدموا بالمخابرات البريطانية ، وتجسسوا لصالح جهاز المخابرات السوفيتي، وقد فر كيم جون فيلبي إلى الاتحاد السوفيتي سنة 1963 م....ولعل هذه اللوحة تعطينا الملامح الحقيقية لفيلبي وابنه، بعيدآ عن أساطير القوميين والعثمانيين والأخوان المسلمين.
إختراع فكرة القومية العربية
نخلص من كل ذلك، إلى مفارقة بين ثورة عبد العزيز بن سعود، وما يسمى بالثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين....ففي الوقت الذي كانت فيه ثورة آل سعود، ضد دولة الخلافة العثمانية، ثورة للتحرر من ربقتها، ولإقامة دولة وطنية مستقلة في الجزيرة العربية، حيث أن الملك عبد العزيز فطن إلى معنى الدولة الوطنية وحدودها، فإن ما سمي بالثورة العربية الكبرى بقيادة شريف مكة الحسين بن علي ضد دولة الخلافة العثمانية، كان وراءها نخب من أحفاد الشعوب المغلوبة، ضحايا الغزوات الإسلامية الجائرة، التي إستباحت أجدادهم في سوريا والعرآق ولبنان وفلسطين، بقيادة أكابر عصابات السراقين [وهو الاسم الذي عرفوا به عند الروم آنذاك] خالد بن الوليد، وأبي عبيدة عامر بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة....وقد إختارت تلك النخب التماهي، في هوية الغزاة التاريخيين لأوطانها، وإخترعت شيئآ إسمه (القومية العربية) متأثرة بالحركات القومية الأوربية، وخاصة الحركة القومية الإيطالية، وعجزت عن أن تكون كالأسبان، الذين طردوا الغزاة العرب، بعد أكثر من ثمانمائة سنة من الإحتلال، وإستعادوا هوية وطنهم الأسبانية.... وعوضآ عن أن تعمل تلك النخب، على إلتقاط فرصة إحتضار الإمبراطورية العثمانية (رجل أوربا المريض) لبعث الهوية السريانية والفينيقية والكنعانية والآشورية وغيرها، وإيقاظ شعوب بلدانها لتبحث عن جذورها، وهوياتها التي طمست، ولغاتها التي محيت على إمتداد ثلاثة عشر قرنآ، راحت تزعم في تنظيرات فجة، بأن الشعوب التي تعيش في المنطقة الواقعة من المغرب إلى العرآق، هي أمة واحدة تجمعها رابطة الإنتماء للعروبة... ولكن كيف أصبحت الشعوب المغلوبة، التي وقعت تحت نير الفتوحات العربية الاسلامية في القرن السابع الميلادي عربآ؟!...في تنظير سطيح يحاول المسيحي اللبناني جورج أنطونيوس، تحديد من تشملهم لفظة (عرب) في كتابه::[يقظة العرب: تاريخ حركة العرب القومية] الذي صدر بالفرنسية في باريس سنة 1905 م، وترجم إلى العربية في ما بعد، وهو الكتاب المرجعي الأول والأهم، في ما يسمى بالقومية العربية، ويقول إن لفظة العرب كانت قبل ظهور الإسلام، تعني سكان الجزيرة العربية الرحّل إثنوغرافيآ، ولكن بعد ظهور الإسلام وفتوحاته، أخذ ذلك المعنى مجالآ أوسع، لعاملين: الأول: هو إنتشار الإسلام وتغييره لحياة الملايين التي إعتنقتها: والثاني: هو التعريب اللغوي حيث أن أهل البلاد المفتوحة، إكتسبوا اللغة العربية التي حلت محل لغاتهم الاصلية....وينتهي إلى القول:[وقد تغير مضمون كلمة "عربي" تبعآ لذلك، فلم تعد تقتصر دلالتها على أفراد القبائل الرحل، الذين كانوا هم سكان شبه الجزيرة العربية، بل أصبحت مع الزمن تدل على "المواطنين،" في هذا العالم العربي المتسع الأرجاء] أ هــ ومن الحقائق الصادمة أن البذور الأولى لدعوة القومية العربية بذرها المسيحيون اللبنانيون {أهل الذمة} وحسب المرجع الآنف الذكر، فإن أول من بثا هذه الفكرة، من خلال الجمعيات الأدبية والعلمية، هما المسيحيان ناصيف اليازجي وبطرس البستاني، وحين ظهر بعد ذلك أول تنظيم سري للقوميين العرب، كان كل أعضائه من المسيحيين، قبل أن ينضم اليه لاحقآ مسلمون...وهكذا فإذا كان الجيل الأول من القوميين العرب، قد إخترع فكرة القومية العربية، زاعمآ أنها هوية الشعوب من مراكش إلى بغداد، ومن سوريا إلى اليمن، ثم أشعل ما سمي بالثورة العربية الكبرى، ضد تركيا العثمانية بالتحالف مع بريطانيا"، لإقامة خلافة جديدة تشمل كل هذه الرقعة المذكورة، فإن القوميين العرب الجدد بعد الحرب العالمية الثانية، وصلوا إلى السلطة في مصر وسوريا والعرآق وليبيا، عبر إنقلابات عسكرية...وتحققت في أجواء الخطابات الشعبوية الديماغوجية، وحدة بين مصر وسوريا، سرعان ما إنهارت بعد ثلاث سنوات ونيف، لتنهار معها إلى الأبد، أوهام توحيد شعوب لم يجمعها، غير العيش تحت نير الخلافة الإسلامية بعصورها الثلاثة...ان أحفاد الأمم المغلوبة، تماهوا في هوية الغازي العربي، واخترعوا القومية العربية تعويضآ، لمشاعر النقص تجاه الغازي الغالب، التي عبر عنها إبن خلدون بنظريته، عن ولع المغلوب بتقليد الغالب، وهي أول نظرية في سيكولوجية الأمم المغلوبة إذ قال في "مقدمته"::[انها مولعة بالإقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله، لان النفس أبدآ تعتقد الكمال فيمن غلبها]....فولع القوميون بغالبيهم، جعلهم يتجاهلون، هوياتهم الأصلية: السريانية والفينيقة والآشورية والكنعانية والبربرية والمصرية، التي صنعت الحضارات في الهلال الخصيب ووادي النيل وشمال أفريقيا، قبل ميلاد نبي الغزوات محمد بألآف السنين.
الغالب لا يقبل التساوي مع المغلوب
وأكثر من ذلك فإن الأنظمة التي كانت تتبنى القومية العربية، حاولت في ستينات القرن الماضي، الوصول بدعوتها القومية، إلى قلب الجزيرة العربية والقضاء على الأنظمة الملكية فيها، التي كانت في نظرها أكبر معوق لما تسميه بالوحدة العربية....وما كانت لدعوة القومية العربية، أن تجد أرضآ صالحة للنمو في الجزيرة العربية، لأسباب عديدة في مقدمتها سيكولوجية الفاتحين، القاهرين لشعوب أخرى، حيث لا يقبلون مجرد فكرة التساوي، مع من قهروهم وأخضعوهم، وفرضوا عليهم دينهم قوانينهم وثقافتهم.......والحالة هذه، كيف سيعتبر أهل الجزيرة العربية، الأمم المغلوبة في منطقة الهلال الخصيب وشمال أفريقيا عربآ، وإن تماهوا في الهوية العربية، وهجروا لغاتهم الأصلية كرهآ او طوعآ...وفي هذا السياق نعيد إلى الأذهان، الصراع بين نظام الريئس المصري جمال عبد الناصر، والأنظمة الملكية في بداية الستينات، والتي كان يعمل لإسقاطها، لأنها كانت مصنفة عنده بــ(الرجعية) المعوقة لمشروعه القومي الوحدوي... ففي خضم المعارك الإعلامية والدعائية، بين الأطراف المذكورة، كانت الصحف السعودية تسمي الرئيس المصري بــــ{الفرعون] والمصريين بــ[الفراعنة] وهي لا شك تسمية تعكس، رؤية بدو الجزيرة العربية للأمم المغلوبة، وهي رؤية مستمدة من أقاصيص القرآن.......وفي ذات المنحى، هناك فيديو لسعودي، يعتبر كلامه فيه نموذجآ واضحآ، لسايكلوجية الغازي الغالب، ونظرته للمغلوب، إذ يسمي سكان الهلال الخصيب {عرب شتات الرومان} وسكان شمال أفريقيا بــ[عرب شتات البربر] ويقول صراحة بأنهم ليسوا عربآ، [ونحن أصل العرب الذين تقاس بنا عروبة كل من يدعي العروبة.] إضغط على هذا الرابط لمشاهدة الفيديو:: https://www.youtube.com/watch?v=U8YLWh3uIX0
دعوات العودة إلى الجذور
وسط تلك الغيبوبة التي كانت تعيشها، الأمم المغلوبة، ظهرت بعض الأصوات الشجاعة، في القرن العشرين، لتطرح أسئلة الهوية، وتعلن أن الهوية التي إكتسبوها، بفعل الغزوات الإسلامية، هي هوية قشرية مكتسبة، وليست هوياتهم الأصلية، ومن تلك الأصوات، صوت الدكتور طه حسين في مصر، الذي أشار إلى أن العروبة الإسلام، هوية بقيت على سطح الشخصية المصرية، بينما جوهر هويتها هي الفرعونية .... وفي لبنان إرتفع صوت الشاعر سعيد عقل، مناديآ بإحياء هوية لبنان الفينيقية، وإستخدام العامية اللبنانية، بحروف لاتينية كلغة كتابة....ومع إنتشار الوعي في عصر المعلوماتية، أخذت قطاعات واسعة من الأمم المغلوبة، تدرك جذورها الحقيقية، وتعي أن وعيها كان مزيفآ....ولإول مرة ترتفع أصوات شابة، في مواقع التواصل الإجتماعي، تفخر بهويتها الأصلية، التي طمسها الغزو العربي الإسلامي...وهذه نماذج من تلك الأصوات، على سبيل المثال لا الحصر إضغط على هذا الرابط لمشاهدة الفيديو:: https://www.youtube.com/watch?v=GXF3ALkcTcM وهذا فيديو آخر:: https://www.youtube.com/watch?v=ii4iHwXvX9w وهذا كاهن سوري يعلن: [ﻟﺴﻨﺎ ﻋﺮﺑﺎً ﻳﻜﻔﻲ ﻛﺬﺑﺎ ﻭﺗﺰﻭﻳﺮﺍً ﻭﻣﻤﺎﻟﻘﺔ] إضغط على هذا الرابط لقراءة المقال:: http://www.gazire.com/cms/new/s/23520 ويقظة الوعي بالجذور والأصول، بشمال أفريقيا بدأت في الثلث الأخير من القرن العشرين، حيث شهدت أقطاره، خاصة المغرب والجزائر حركة إحيائية للهوية البربرية، أتت أكلها في العقود التالية...ولعل أول من ألقى بحجر في البركة الراكدة، هو الكاتب والروائي والمسرحي الأمازيغي الراحل كاتب ياسين، الذي عاش في باريس وعمل في صحفها، ثم عاد إلى وطنه الجزائر، وعاش فيها العقدين الأخيرين من عمره، وتعرض لمحاولة إغتيال من قبل الإسلاميين، في العام 1987 نجا منها بأعجوبة، ولشدة إيمانه بقضية الهوية الأمازيغية، سمى ولده الثاني [أمازيغ]....والحجر الذي القاه ذاك الكاتب والروائي والمسرحي، الذي يعد من كبار الكتاب الفرانكفونيين، يتمثل في مسرحية:{يا محمد خذ حقيبتك وارحل} التي أحدثت دويآ هائلآ في أوساط الإسلاميين، وقد إستوحيت عنوان مقالي هذا، من عنوان المسرحية المعنية.....ولدهشتي أنه رغم مرور، أكثر من أربعة عقود، على عرض تلك المسرحية، في جامعة قسنطينة وأماكن اخرى بالجزائر، فإنها ما تزال تثير حنق الإسلاميين، حتى اليوم في كل مكان...فقد وجدت في موقع "قوقل بلس"، تعليقآ على تلك المسرحية بتاريخ 28 فبراير 2015 م، كاتبه مواطن مصري إسمه (السيد المصري) ويقول نص تعليقه::{ محمــــد خذ حقيبتــك وارحــل...هكذا خاطب الكاتب الأمازيغي البربري كاتب ياسين، العرب في الجزائر بهذا القول الذي يظهر، حقد البرابرة الأسود على العرب المسلمين...! أقليات تتوعد الأغلبية بالطرد، سلاحهم الاستنجاد بحلفائهم من أعداء الأمة، لحمايتهم وقطع الحجارة التي يزعمون بها، أنهم أصحاب الأرض.. ؟؟ اليوم نحن سواء، فلا فينيقي ولا اشوري ولا سرياني ولا ارامي ولا بربري ولا كردي، يناصبنا العداء له حق مقدم على حقنا...ألا تبا لهم ولحجارتهم، الأرض لمن رواها بدمه، من أجل شريعة السماء ونور التوحيد....اليوم لن يتجرأ أحد على أن يأمر محمدا، بأن يأخذ حقيبته ويرحل. فلا فينيقي ولا اشوري ولا سرياني ولا ارامي ولا بربري ولا كردي، له حق في الأرض أكثر منا ...نحن المسلمون أو الطوفان....وتذكروا يوم كنا اخوة في الانسانية، من الذي غدر وخان...!!} الــرابــــــــــــــط:: https://plus.google.com/+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%89/posts/G1jZ65gguG3 فإذا كان هذا الإسلامي المصري، يكتب بكل هذا الحقد ضد كاتب ياسين، بعد أكثر من أربعين سنة من عرض مسرحيته [يا محمد خذ حقيبتك وارحل] فكيف كان الحال أيام حياته، التي نجا فيها من محاولة إغتيال....فقد جوبهت مسرحيته بحملة معادية، من الإسلاميين منذ أول يوم عرضها، إذ تم تأويل الحقيبة بـــ(الإسلام) الذي ينبغي على محمد، أن يحمله ويعود بها من حيث أتى....ويتعين أن لا ننسى أن بعض محبيه، حاولوا حمايته، وإبعاد الخطر عنه، بالقول أن المسرحية موجهة، إلى الجزائريين المقيمين في فرنسا، كي يعودوا الى وطنهم للمشاركة في البناء ...وهو كلام لا يدخل العقل، لأن كاتب ياسين نفسه كان مهاجرآ ألى فرنسا، ولا شك أنه يعرف جيدآ ظروف المهاجرين، والأسباب التي دعت إلى هجرتهم.....ولقد وقف كاتب ياسين ضد خطة التعريب، في الجزائر، وتنسب اليه هذه المقولة:{ اذا كنا عربا فلماذا يتم تعريبنا و اذا كنا غير عرب فما فائدة تعريبنا}...كما تنسب إليه مقولة::| لقد قضينا على وهم الجزائر الفرنسية، وبات علينا القضاء على وهم أخطر، وهو الجزائر العربية الإسلاميّة||.....وهكذا إنداحت البركة الراكدة، التي حركها كاتب ياسين، وخرجت قضية هوية أقطار شمال أفريقيا من قمقمها...ففي أوائل العام 1980 م، شهدت مدينة تيزي وزو والجزائر العاصمة، مصادمات عنيفة بين الأمازيغ ورجال الشرطة، سميت بالربيع الأمازيغي، إثر منع السلطات الحكومية، قيام ندوة ثقافية عن الشعر الأمازيغي القديم....وكان ذاك أول حراك من نوعه للبربر بعد الإستقلال، وحاول الرئيس الأسبق شاذلي بن جديد، قمعه بشدة معلنا في خطاب رسمي، أن (الجزائر عربية مسلمة) وقد سبقه إلى هذا التعريف المدلس لهوية الجزائر الحقيقية، الشيخ الجزائري عبد الحميد بن باديس، بقصيدته إبان الكفاح ضد الاحتلال الفرنسي، والتي مطلعها: شعب الجزائر مسلم [] وإلى العروبة ينتسب وكأن تاريخ الجزائر لا يتجاوز عمره ألفآ وثلاثمائة سنة، ويبدأ من الغزو العربي الإسلامي لها في القرن السابع الميلادي. وتواصل الحراك الأمازيغي، من أجل أن تكون للغة الأمازيغية، مكانتها كلغة وطنية رسمية، حيث شهدت منطقة القبائل في اوائل التسعينات، إنتفاضة جرت فيها مصادمات عنيفة، بين شباب البربر والدرك الوطني الجزائري، أفضت إلى مقتل العشرات من المنتفضين،.ولكن سرعان ما حدثت إنفراجة، بوصول اليمين زروال إلى سدة السلطة، إذ سمح بتكوين {المحافظة السامية للأمازيغية} في العام 1995 م، وهي أكاديمية حكومية لرعاية اللغة الامازيغية ونشرها...ويبدو أن هذه الخطوة لم تشبع، أهداف الناشطين الأمازيغيين، فإندلعت المظاهرات والمصادمات مرة أخرى، في منطقة القبائل في العام 2002 م، وعلى إثرها أصدر الرئيس بوتفليقة، قرارآ بإعتبار الامازيغية لغة وطنية....وتتابعت بعد ذلك خطوات مهمة، مثل إفتتاح أول قناة تلفزيونية، ناطقة بالأمازيغية في العام 2009 م، ووصلت ذروتها بإعلان البرلمان الجزائري في أوائل فبراير 2016 م، قرارآ تاريخيآ بإعتبار الأمازيغية [لغة وطنية جزائرية رسمية] دون أن ينال ذلك، من مركز اللغة العربية كلغة للدولة....و الحراك الأمازيغي الذي سمي بــــ{الربيع الأمازيغي} بالجزائر، أرسل شعاعه نحو المغرب ...ففي أوائل التسعينات من القرن الماضي، بدأ أمازيغ المغرب حراكهم الإجتماعي، من أجل الضغط على السلطات، لتعترف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية، ولكن الحراك جوبه بالقمع، حتى أن ملك المغرب إنبرى للرد عليه، في خطاب له في البرلمان قائلآ:[ ن اللغة العربية من المقدّسات التي لا يجوز المساس بها] لكن ملك المغرب، قد أفاق فجأة في أوائل الألفية الثالثة، ربما إستشعارآ بخطر إنتقال سيناريو الربيع الأمازيغي الجزائري إلى المغرب....ففي خلال العام 2001 م، ألقى الملك خطابآ في مدينة أغادير، تضمن إشارات إيجابية عن اللغة الأمازيغية، وتأكيدآ بأن رعايتها مسؤولية الجميع....وفي العام الذي يليه، أصدرت السلطات المغربية مرسومآ بــ{إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية}...ثم توالت الإنتصارات بصدور قرار، في العام 2003 م، بتضمين الأمازيغية في مناهج التعليم، ثم بإنطلاقة قناة تلفزيونية، باللغة الأمازيغية في العام 2010 م....وقد توجت كل تلك الخطوات، بصدور قرار من البرلمان المغربي، في يوليو من العام 2011 م، يعترف باللغة الأمازيغية لغة وطنية رسمية، وتم إدراج ذلك في الدستور المغربي، في فصله الخامس حيث جاء::{ تظل العربية، اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا، لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مُـشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء. يحدِّد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكّن من القيام مُستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية}...ولعل من المفارقة ، ان المغرب قد سبقت الجزائر بأربع سنوات، في الإعتراف بالأمازيغية لغة رسمية، بالرغم من أن الحراك الأمازيغي في المغرب، حدث تحت تأثير الحراك الأمازيغي الجزائري....وهذه الإنجازات التي حققها البربر في الجزائر والمغرب، لم يتمكن البربر في تونس وليبيا تحقيق شئ منها....فكما أسلفنا فإن البربر في ليبيا ظلوا مقموعين طوال أربعين سنة، هي سنوات حكم القذافي، الذي زعم في إحدى خطبه الطويلة، أن البربر عرب جاؤوا من اليمن، لشمال أفريقيا في عصور سحقية، وان لغتهم الحالية هى لغة عربية قديمة إندثرت في الجزيرة العربية، وسخر من إحدى الفرضيات، التي تقول أنهم نزحوا من أوربا، وقال:إذا كانت أصولهم من أوربا، فلماذا لا يذهبون للعيش في سويسرا...... ولترويج أطروحته هذه، قام بتسخيرأساتذة جامعيين، ليكتبوا في هذا المنحى، ومن أبرزهم الدكتور الراحل علي فهمي خشيم، صاحب كتاب:((سفر العرب الأمازيغ))....أما في تونس فيبدو أن سياسات الريئس المستنير بورقيبة، المضادة للتوجهات العروبية والإسلامية، قد أضعفت همة النخب الأمازيغية في النهوض من أجل الهوية....ويتعين أن لا يغيب عن بالنا، أن ليبيا وتونس تشهدان حراكآ أمازيغيآ، منذ سقوط نظامي بن علي والقذافي، ولكن لم يقو عوده.....وكل هذا الذي تحقق على أهميته التاريخية، خطوة صغيرة أمام التحديات الكثيرة، في طريق الأمازيغ لإستعادة الهوية الأمازيغية لشمال أفريقيا، التي سادت لآلآف السنين، ثم بادت تحت كلكل الغزو العربي الإسلامي. وهكذا بعد عقود من سقوط دولة الخلافة العثمانية، وبعد ثلاثة عشر قرنآ من الغيبوبة، بدأت أجيال جديدة من الأمم المغلوبة، بالهلال الخصيب وشمال أفريقيا، في إستعادة وعيها بهويتها الأصلية...وشتان ما بين الجيل الذي يملأ مواقع التواصل الإجتماعي، بالكتابات والفيديوهات، التي تفاخر بهويته الحقيقية، وبين جيل اليازجي وبطرس البستاني وجورج انطونيوس، الذين إخترعوا فكرة القومية العربية، وزعموا أن الشعوب من مراكش إلى بغداد عرب، لمجرد أنه تم تعريبهم وأسلمتهم، على يد بدو الجزيرة العربية الغازين.
#احمد_القاضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرفيق كلاشنكوف يطلب الغفران من الكنيسة
-
لتغنموا بنات الأصفر....الحلقة التاسعة
-
لتغنموا بنات الأصفر....الحلقة الثامنة
-
لتغنموا بنات الأصفر....الحلقة السابعة
-
لتغنموا بنات الأصفر....الحلقة السادسة
-
لتغنموا بنات الأصفر....الحلقة الخامسة
-
لتغنموا بنات الأصفر....الحلقة الرابعة
-
لتغنموا بنات الأصفر.......الحلقة الثالثة
-
لتغنموا بنات الأصفر.....الحلقة الثانية
-
لتغنموا بنات الأصفر.....الحلقة الأولى
-
الآذآن تلويث ضجيجي للبيئة
-
سيد قطب...سايكولوجية الإنسان المهزوم
-
هل أسكرت خديجة أباها لتتزوج من محمد؟
-
مصر...هي لمن غلب
-
في دحض مزاعم علمية القرآن...الحلقة الخامسة
-
في دحض مزاعم علمية القرآن...الحلقة الرابعة
-
في دحض علمية القرآن....الحلقة الثالثة
-
فيلم -سذاجة المسلمين-....الهزل في مكان الجد
-
في دحض مزاعم علمية القرآن...الحلقة الثانية
-
في دحض مزاعم علمية القرآن...الحلقة الاولى
المزيد.....
-
قوات جيش الاحتلال تقتحم مدينة سلفيت في الضفة الغربية
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|