فتحي علي رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 6097 - 2018 / 12 / 28 - 00:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المفيد أن يعرف المتتبعين للشأن السياسي العام والخاص في سوريا
أولا :أن كل من يتصور أن لديه حلاً جاهزاً أونهائياً أو ناجزاً أو صحيحا ,لكثير من المسائل التي عانت وماتزال تعاني البشرية منها ( ومن أبرزتلك المسائل مايتعلق بحل المسألة الكردية في سوريا ـ كمسألة راهنة ) بمعزل عن المسألة الشرقية وما تفرع عنها مثل مسألة القوميات وأبرزها القوميتان العربية والكردية والقضية الفلسطينية .فهو واهم . فنذكر بأن آلاف المفكرين والباحثين والسياسيين الكبار اشتغل ومايزال يشتغل على هذه المسائل وإيجاد حلول لها دون أن يتوصلوا لحلول لها ـ )ولن يتوصلوا خلال فترة متوسطة( ـ . ليس لعدم القدرةعلى وضع تصورات لحلول صحيحة بل لأن تدخل إرادات قوى عديدة تجعل من الحل أو الحلول الصحيحة بعيدة المنال .لذلك فإن مانقدمه هنا لايتعدى كونه محاولة صغيرة في بحر المحاولات والمساعي الكثيرة التي بذلت لتفهم هذه المسائل وفي البحث عن أو تقديم حلول لها .
ثانيا :يتطلب البحث عن حلول صحيحة لأية مسألة ( خاصة الراهنة )البدء بدراسة جذورها التاريخية والفكرية والسياسية والاقتصادية .ومن ثم معرفة القوى الفاعلة والظروف المحيطة بها ومالحق بها من تغيرات .
ثالثا :انطلاقا من هذا الفهم من المفيد أن نذكرأن المسائل المذكورة آنفا نشأت أو ظهرت بعد ظهورالثورتين البرجوازية والبروليتارية .فبعد توسع الرأسمالية في أوربا مع بداية القرن التاسع عشر وميلها للتوسع شرقاً اصطدمت بامبراطوريات قديمة مثل الروسية والنمساوية والعثمانية وشعوب ماتزال تعيش في عصور (ماقبل الرأسمالية )في حال من التخلف وسيطرة الإقطاع ورجال الدين .ومن ثم بسبب تصدي الحركات والقوى المعادية للأمبريالية بعد الثورة البلشفية ظهرت الحركات القومية .
رابعا : بعد مؤتمري لندن عامي 1812 و1840 اتخذت القوى الاستعمارية الكبيرة خاصة البريطانية قراراً يقضي بالاجهازعلى تلك الأمبراطوريات القديمة .وبالتالي في كيفية وطريقة الحلول محلها .حيث كان لرأي وزارة المستعمرات البريطانية الدور الحاسم في اتخاذ القرارات وهكذا ظهرت القوميات السلافية واليونانية والأرمنية والرومانية والتركية والعربية والكردية .كمسعى أمبريالي توسعي لإنهاء الدولة العثمانية .
خامسا :إذا كان العرب يتصورون أنهم كانوا أول ضحايا تلك المؤتمرات والمخططات والاتفاقيات (خاصة اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ) حيث جرى الاتفاق فيها على تقسيم بلدانهم إلى عدة دويلات ,فإن مصاب أخوانهم الأكراد كان أعظم .حيث تم فصلهم عن بعضهم في عدة دول ( أهمها ,تركيا ,العراق ,سوريا ,إيران ,وإرمينيا ). وإذا كان قد تشكل للعرب دويلات ناطقة بالعربية واكتسب العرب حقوقا سياسية وثقافية ولغوية ,, فإن الكرد حرموا من أبسط تلك الحقوق .مما جعل الأوضاع متفجرة بينهم وبين أخوانهم العرب والأتراك والإيرانيين .وهذا ماكان سببا في نشوب حروب ونزاعات عديدة بينهم .
خامسا : سأقفزعما أصاب الاكراد من كوارث خلال المئة عام الماضية في تلك الدول نتيجة لتلك النزاعات (فهذا بحث طويل ومؤلم ) وسأركز فقط وبعجالة على ما أصابهم فقط في سوريا خلال السنوات السبعين الماضية ـ وبخاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من سوريا حيث ظهرت إمكانية تفجر الأوضاع مجددا .فنذكر بأن الحزب الشيوعي السوري تبنى منذ بداية استقلال سوريا عن طريق خالد بكداش (الكردي كزعيم للحزب ) استنادا لماطرحته الأممية الرابعة ( الكومنترن ) من حلول للمسألة القومية عامة والكردية خاصة ( من خلال تكييف مبدأ حق تقرير المصيربما يجنب الجميع الصراع مع غيرهم من الشعوب )من خلال عملهم على الحصول حقوق متساوية مع أخوانهم في تلك الدول دون تمييز وفي أحسن الأحوال لأن يحصلوا في سوريا على حقوق إدارية أو ثقافية تمكنهم من إقامة المدارس والنوادي الثقافية والتكلم بلغتهم ولإحياء ثقافتهم .ومن هنا استطاع الحزب الشيوعي السوري كسب ولاء غالبية المثقفين الأكراد,وغالبية مثقفي الأقليات القومية والدينية والطائفية الأخرى ( المسيحيين والأشوريين والأرمن والدروز والعلويين والاسماعلين )ليناضلوا جميعا في سبيل إقامة دولة ديمقراطية علمانية يحصل فيها أبناء جميع تلك الأقليات على حقوق متساوية . وبما أن مثل هذا الطرح لم يعجب الإدارات الأمريكية المتعاقبة كونه من جهة يشكل خطرا على مستقبل إسرائيل كونها تقوم من جهة,على فكرة عنصرية معادية للديمقراطية ومن جهة ثانية كونه يخلق ظروفا تمكن سوريا من الاستقرار وبالتالي من إحراز التقدم في جميع المجالات الأخرى مما قد يشكل نموذجا قابلا للإحتذاء به للتعايش في ـ والانتقال منها إلى ـ البلدان العربية الأخرى .من هنا كان لابد من تسليم الحكم (لأقلية معينة ) بالظاهر ,للعلويين في سوريا وللسنة في العراق وللمسيحيين في لبنان ,بما يجعل العلاقات الأخوية بين الأقليات متوترة دوما ويجعل الوضع متفجرا في المنطقة وبما يتيح لها التدخل .
سادسا :قد يبدوا غريبا وغير منطقي أن تدعم الإدارة الأمريكية حزبا مثل حزب العمال الديمقراطي الكردي مع أنه تبنى الماركسية اللينينة بقيادة عبد الله أوجلان (1) .وأن تجعل الحكومة السورية تقوم باستقباله في سوريا بعد أن فر من تركيا عام 1984 . حيث أقام في أول اوتستراد حي المزة بدمشق بحماية المخابرات السورية , وقدمت له العون وفتح مراكزتدريب للمقاتلين الأكراد في لبنان وسوريا ( ضمن معسكرات القيادة العامة ).
لكن من يعرف أن غالبية المثقفين الأكراد خاصة اللذين من محافظة الحسكة كانوا موالين للحزب الشيوعي السوري .يعرف أنه لايفل الماركسي اللينيني الشيوعي إلا من هو أشد منه تطرفا وتشددا في الماركسية اللينينة والأكثرتبنيا للفكر القومي الكردي ,بما يؤدي في النتيجة إلى كسب جماهير الحزب الشيوعي الأكراد في الجزيرة والمناطق الكردية المحاذية لتركيا من جهة ,وبما يؤدي إلى توتير الأوضاع بينهم وبين أخوانهم العرب بمايصب في خدمة الحكومة السورية (للتحكم بالجميع وللقضاء على نفوذ الحزب السيوعي وتقوية نفوذ المخابرات وحزب البعث ) حيث راح حزب ال " بي كي كي "من خلال العميد "محمد منصورة " مديرالأمن السياسي في القامشلي يلعب دورا قذرا في البطش بالشيوعيين وقطع آذان بعضهم وقتل كل من لايخضع من الأحزاب الكردية الأخرى لقرارات ومواقف الحزب .وليستخدم من ناحية ثانية من قبل الحكومة السورية وأمريكا لتخويف الحكومة التركية باستخدام المقاتلين الأكراد كورقة ضغط رابحة لتركيع تركيا إن خرجت عن الطاعة ,كون الأكراد فيها يشكلون لها مشكلة كبيرة .لكن تركيا عام 1998 حسمت الوضع فحركت قواتها على طول الجبهة الشمالية لسوريا مما أرغم الحكومة السورية عام 1999على التخلي عن الحزب وعبدالله اوجلان حيث قامت المخابرات المركزية بتعاون مع مخابرات دول عديدة بتسليمه للحكومة التركية .
سابعا :وعلى إثرتقلص نفوذ الفكر الماركسي تقلص دور الحزب (بي كي كي ) ليظهر بدلا منه حزبا آخرتبنى الديمقراطية , وأطلق على نفسه حزب الاتحاد الديمقركي الكردي(بي ي ديه ) بزعامة "صالح مسلم ".والذي كان وظل على تعاون وثيق وتنسيق دائمين مع كل من المخابرات والحكومة السورية بعد الثورة السورية عام 2011 ( حيث ظل مطار القامشلي والمخابرات والقوات العسكرية السورية التابعة للنظام تعمل بصمت في محافظة الحسكة حتى بعد دخول داعش وحتى بعد دخول القوات الأمريكية وحتى اليوم) من جهة .ومن جهة أخرى راح ينسق مع المخابرات والحكومة الأمريكية بما يمكنها من تخريب تحالف الأكراد مع أخوانهم السوريين الكرد والعرب الثائرين ضد النظام مما فتح المجال لأمريكا بحجة محاربة داعش وتقديم الدعم لحقوق الأكراد القومية إقامة القواعدالعسكرية والمطارات . وبعد أن ضمنت أمريكا عن طريق روسيا والنظام ـ بعد أن حجمت المعارضة وتأكدت من أن النظام لن يسقط بل سيبقى وأمن إسرائيل سيكون محميا . لم يعد لوجود قواتها معنى أو فائدة ,فكان لابد من الانسحاب بمايترك المجال لكل ـ من النظام للعودة إلى ـ واستعادة مواقعه في ـ المحافظة من جهة . وبما يمكن الأكراد في "البي ية ديه " من جهة أخرى تقاسم النفوذ مع النظام وروسيا (في المحافظة الغنية بالنفط والقطن والحبوب من جديد) أو في الحصول على ما يمكنهم الحصول عليه من فتات لقاء الخدمات التي قدموها .وبما يجعل حلفائها الأتراك من الجهة الثالثة يؤمنون حدودهم الجنوبية مع أكراد سوريا والعراق على الناعم ( دون احتكاكات ) .
فتحي علي رشيد 25/ 12/ 2018
(1) كما دعمت الصهيونية من قبل التروتسكيين والسي أي أيه الحركات الماوية في جميع أنحاء العالم لتفتتيت الحركة الثورية.
#فتحي_علي_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟