أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كريم عزيزي - لماذا (كل) حكامنا ليسوا وطنيين؟















المزيد.....

لماذا (كل) حكامنا ليسوا وطنيين؟


كريم عزيزي

الحوار المتمدن-العدد: 6096 - 2018 / 12 / 27 - 23:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العامي يعيش بما ورث ويواصل حياته حتى الممات دون التساؤل عن موروثه، حتى وإن غضب و "ثار" يوما فإن غضبه يبقى "بطنيا" أي بطنه يحركه كما البهائم التي لو أُشبعت ما تحركت.

حاول تخيل تجربة يكون فيها أسد شبعانا 24/24 و 7/7 و 12/12 وضع بجانبه قطيع غزلان: هل سيهاجم؟ أم أنه سيلعب معها... "التنيس"؟ تخيل الآن أن شعبك عاش "شبعانا"، هل سيفكر فيما يدور حوله؟ أظن أن الجواب هو قطعا لا.

لطالما تساءلت عن غباء الحكام في بلداننا، لو كنت منهم كنت سأحكم أبدا وسيرفعني شعبي على الأعناق لأني كنت سأُشبعه لأتجنّب سخطه، كنت سأُجهله بنفس المنظومة القائمة أي العروبة والإسلام بطريقة أضمن بها بقائي في الحكم لكن أضمن له بها الحد الأدنى من الكرامة، و "كرامة" شعوبنا المُجهَّلة المُستلَبة حجرها الأساس أن تَشبع؛ ولكي تَشبع كنت سأسمح بالحد الأدنى من الحداثة بطريقة جهنمية ميكافيلية تضمن حدا أدنى من تطور المجتمع واقتصاد البلد، أكيد أني كنت سأكون عميلا لقطر والسعودية والإمارات وتركيا وفرنسا وأمريكا لكن مع حفظ الحد الأدنى من الكرامة والسيادة الوطنية، كنت سأكون لصا انتهازيا قذرا لكني كنت سأبقي على حد أدنى من الوطنية، كنت سأضمن أن يقال عني بعد رحيلي عن هذا العالم ويوم يستيقظ شعبي: "نعم كان لصا لكنه ضمن لشعبه الحد الأدنى من الحياة الكريمة"، كنت سأكون كذلك الأب السكير تاجر المخدرات الذي سيجد له أبناؤه بعد وفاته بعض الخصال التي تُبقي ذكراه في نفوسهم، "أبي كان مجرما، أبي كان يضرب أمي كلما سكر وكان يعنفنا لكنه بالرغم من كل مساوئه أحبنا!": لنقل مثلا أنه... كان لا يغيب عن أعياد ميلادنا، أو أنه لم يخن أمي يوما وهو دليل على حبه لها برغم معاملته القاسية لها، لنقل أنه لم يميز بين أبنائه وبناته وكان يعامل الجميع نفس المعاملة حتى في أسوئها، لنقل أنه فعل المستحيل ليبعدنا عن تجارة المخدرات التي من المفروض "ماركة عائلية مسجلة" و "وراثة" وذلك دليل على حبه لنا...

في العصر الحديث "شذّ" بورقيبة عن بقية حكام بلداننا. ومن أهم نتائج ذلك، الفرق الذي يُرى اليوم في العقلية التونسية التي تختلف بعض الشيء عن غيرها. هذا الاختلاف يشمل فقط الإسلام وكيفية التعاطي معه، فمثلا انتهينا منذ عقود من بعض مآسيه كتعدد الزوجات والبيدوفيليا واليوم وصلت الأمور حد المطالبة بالمساواة في الميراث بين المرأة والرجل والسماح للمسلمة بحقها في اختيار زوجها مهما كان دينه؛ هذا وغيره إيجابيات كبيرة جدا ولا مجال للمقارنة -للأسف- مع موريتانيا وليبيا والجزائر والمغرب:

في هذه النقطة أستطيع تشبيه بورقيبة بالمثال الذي قيل سابقا أي الحاكم اللص الذي سمح بالحد الأدنى من الحداثة الذي نتج عنه الحد الأدنى من الكرامة لشعبه، وأقول "الحد الأدنى من الحداثة" لأن كل الشعوب ترانا قطعنا أشواطا كبيرة على طريق تحديث الإسلام ونظرتها تلك تنطلق من مقارنة واقعها المزري بواقع آخر أحسن منها لكنه -عندنا- يبقى مزريا هو أيضا. لا يجب أن ننخدع بهذه المقارنات والعاقل من يقارن نفسه بمن هو أحسن منه لا بمن هو أسوأ؛ المقارنة جعلت كثيرا من التونسيين يتكبرون على غيرهم من المسلمين ويظنون أنهم "جابوا الصيد من ذيله"، بل واستغل ذلك الإسلاميون ليقفوا أمام أي تحديث جديد موهمين الناس البسطاء بأن أي تحديث جديد سيقضي على الدين بالكلية لأن بورقيبة فعل ما لن يستطيع فعله المشارقة حتى بعد قرون من الآن.

وقد يفسر لنا ذلك سهولة تجنيد الشباب التونسي للـ "جهاد" في سوريا والعراق؛ فتونس بلد الزندقة بامتياز بل حالها أتعس حتى من أمريكا الكافرة والتي فيها أناس كثيرون يعرفون الله أحسن من التوانسة، وكأن ذلك الشباب "المجاهد" بذهابه لسوريا سيُكفّر عن كفر وزندقة أهله الذين لم يبق عندهم من الإسلام إلا الاسم و ((يشفع "الشهيد" في سبعين من أهل بيته)) وفق الحديث المحمدي المعروف.

إذن في الجانب الإسلامي نستطيع القول أن بورقيبة "كفى ووفى" و "عليه رحمة الله والملائكة والناس أجمعين"، لكن ماذا عن الجانب العربي/ العروبي؟

بورقيبة الذي يصفه الكثيرون بـ "التغريبي" كان نتيجة الواقع الذي عاش فيه، حيث تربّى على العروبة والإسلام ككل التونسيين والتعليم في الصغر كالنقش على الحجر كما يقال، ويصعب الإفلات مما يتربّى عليه المرء وإن حصل ذلك فيكون حالات نادرة عادة ما تكون هي المُحرِّكة للتاريخ ومنها الفلاسفة والقادة الذين غيّروا وعي شعوبهم فثارت ضد السائد وحققت تطورها وتقدمها.

بورقيبة يصعب تصنيفه بأنه من هؤلاء الذين غيّروا تاريخ شعوبهم وصحّحوا مساره، كما يستحيل أن يوصف بـ "الثوري" لأن الثورة الحقيقية تُغيّر أصول السائد وليس تُحسن فيه وتُصلحه، والسائد زمن بورقيبة كان العروبة والإسلام وهو اكتفى بالجانب الإسلامي فقط. سؤال هام هنا: هل حقا كان يعتقد أننا عرب؟

في زمنه فعل بورقيبة "الأعاجيب" مع الإسلام، ولنتذكر حادثة الصوم مثلا، وكانت سلطته "مطلقة" لكنه لم يقترب من مسألة الهوية لا من قريب ولا من بعيد، كان يستطيع القبول بإحياء الأمازيغية كثقافة فقط ولنقل حتى من منظور كوني إنساني! أي ثقافة إنسانية ولغة مهددة بالانقراض الكلي في بلده! لكنه لم يفعل بل اضطهد القلة التي بقت ناطقة بالأمازيغية وهمّشها تهميشا كليا وجوّعها وحرم مناطقها الريفية والجبلية من أبسط مقومات الحياة ليُجبرها على النزوح إلى المدن أين كان كل شيء مُعرَّبا وسيتبع ذلك -بالطبع وبالتأكيد- القضاء على لغتهم المحتقرة في المدن والتي مُنع التكلم بها بالقوة وبالثقافة السائدة. سياسية بورقيبة هذه يمكن أن نراها اليوم مع كل المناطق الناطقة بالأمازيغية في شمالنا الإفريقي، وهي سياسة عنصرية فاشية تنطلق من معاداة "الشلوح" والتي يدّعي الماركسيون العروبيون أنها تدخل في سياسات البرجوازيات الحاكمة أي صراع طبقي وليست صراعا واضطهادا هوياتيا.

في الثقافة السائدة عندنا إلى اليوم نقول "شلح" على الصعلوك والمجرم والسارق وعديم الأخلاق، و "الشلحة" يقصد بها عند البعض القليل جدا ممن سمعوا بـ "وجود أمازيغ في تونس" عن "لهجة" البعض من "البربر" الموجودين اليوم في بعض المناطق في الجنوب وغيره، أي عندنا 0,0000000 من "البربر" الذين "لم ينقرضوا ولا يزالون يتكلمون بلغتهم القديمة" والبقية أي 99,9999999 "عرب أقحاح" جاؤوا من الجزيرة العربية!

التاريخ الحقيقي نستطيع معرفته إذا ما دققنا في الثقافة المتوارثة والتي يعيش بها العوام بطريقة عفوية، ومما تقدم نستطيع الوقوف على السياسة التعريبية العنصرية التي استهدفت شعبنا، ونستطيع أن نعرف موقف بورقيبة من هويتنا الحقيقية لنجزم أنه كان عروبيا معاديا لأصول شعبه، بل أستطيع القول أن عنصريته تجاوزت بن بلة وبومدين والقذافي! لأننا في تونس كما قلت عُربنا بالكامل وعداء بورقيبة للأمازيغية لم يكن له أي موجب عكس بومدين مثلا الذي كان عنده الملايين يتكلمون الأمازيغية: تشبيه مع الفارق، معاداة السيسي والأزهر في مصر اليوم للمسيحيين يمكن تفسيرها بأعدادهم الكبيرة وبخوفهم منها، لكن لماذا نعادي نحن في بلداننا المسيحيين وهم قلة لا تُذكر؟ إذا ما عاديناهم فذلك سيكون عنصرية أعظم من عنصرية النظام المصري.

عداء بورقيبة للأمازيغية يثبت لنا أيضا رعبه من أن يكتشف التونسيون أصولهم الحقيقية، وهو في ذلك لم يشذّ عن أي قومي عربي، وأستطيع تشبيه هذا الموقف العروبي برعب السلط الإسلامية من الإلحاد لأنها عالمة بأن ملحدا واحدا يستطيع نسف كل خرافاتها مثلما سينسف عروبتها الخرافية شخص واحد خرج من أوهام العروبية واكتشف حقيقة أمازيغية شعبنا وكل شعوب شمالنا الإفريقي.

على بورقيبة "رحمة الله والملائكة والناس أجمعين" إسلاميا، لكن عربيا/ عروبيا "عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"! ومن أراد رأيي الشخصي هنا سأقول أن كل ما فعله بورقيبة يسقط بعدائه لأصولنا الحقيقية وبقبوله بنسبتنا للعرب وبعمله على تأصيل تلك الأكذوبة في وعي شعبنا، كان بورقيبة يستطيع تقديم الكثير للأمازيغية لكنه لم يفعل بل كان يستطيع أن يبقى "محايدا" على الأقل! لكنه لم يفعل بل وعادى واضطهد حقيقة شعبنا مثله مثل كل العروبيين الذين لا يزالون يحكموننا إلى اليوم منذ خروج فرنسا، ستراني متحاملا عليه إذا ما قلت أنه كان من أكبر الخونة الذين حكموا شعبنا وقد يعود ذلك إلى ثقافة الغنيمة التي تعلمها من ثقافته العربية الإسلامية خصوصا وأنه مشكوك في انتسابه لشعبنا أصلا كما كان خير الدين باشا الذي يُطلقون عليه "خير الدين التونسي" وغيرهما الكثير.

وبالرغم من سياسة بورقيبة ومن جاؤوا بعده، بالرغم من الأبارتايد المفروض على أصولنا الحقيقية لغة وثقافة، بالرغم من الجنوسايد العروبي الإسلامي الأوروبي الأمريكي المتواصل على أمازيغية شعوبنا، لا تزال الأمازيغية حية بثقافتها في كل شعوبنا وإن جهلت حقيقتها ونسبتها للعرب، ويستحيل أن يتواصل الظلم الذي تتعرض له منذ القرض السابع إلى اليوم ولن يضيع حق شعوبنا/ أمتنا في الحياة الكريمة على أراضيها وبهويتها الحقيقية، ولكل من يتكلم عن "الوطنية" في شمال افريقيا أترك قاعدة ستعيها شعوبنا عندما ستستيقظ من أوهامها العروبية: وطنية دون أمازيغية = أمريكا دون رأسمالية = اتحاد سوفياتي دون ماركسية = إسلام دون قرآن = معزة تطير.



#كريم_عزيزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن العروبة والإسلام ومثقفي (قل أوحي إليّ) و (أنا ابن فلان ول ...
- الماركسيون والعروبة
- بعض تساؤلات عفوية بخصوص أكذوبة الهوية العربية
- رأسان جديدان يُقطعان في المروك: ما علاقة ذلك بعروبة المغرب؟
- إلى مليكة مزان: ((أمازيغيتي لا أساوم عليها!))
- القول بأمازيغية شمال افريقيا -قول عنصري- عند سدنة هياكل الوه ...
- ماذا لو بقي الأمازيغ مسيحيين؟
- بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا (10)
- بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا (9)
- بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا (8)
- بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا (7)
- رسالة إلى أساتذة التاريخ (الشرفاء)
- بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا (6)
- بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا (5)
- بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا (4)
- بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا (3)
- بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا (2)
- بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا
- الماركسيون والإسلام : نظرة سريعة
- لماذا يتواصل تعثر نهضتنا ؟


المزيد.....




- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...
- مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ ...
- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كريم عزيزي - لماذا (كل) حكامنا ليسوا وطنيين؟