|
الثقافة المهترئة وغياب السياسة
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1521 - 2006 / 4 / 15 - 12:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
عود على بدء.. ـ1ـ كثيرة هي إفرازات الاستبداد المزمن ونتائجه الكارثية على المجتمع والدولة والفرد وهذا ما يهمنا هنا الفرد عندما يتحول إلى أمعة هكذا بكل وضوح وصراحة!! لم يعد مهما هل الذنب ذنب الفرد أم ذنب هذا الاستبداد ؟ لم يعد مهما وأنت ترى نفسك محاطا بأسوار وأنت داخلها في [ دائرة الطباشير القوزاقية ] في مشهد بريختي لايضاهى، واللعبة البريختية في أسها التراجيدي هو غياب المرجع / الأصل في ضياع المسمى وضياع الاسم أصلا بعيدا عن دلالاته وتهويماته وأحلامه وكل ما يشده لهذا العالم لم تعد القضية في الطفل بل القضية في قبول الدائرة المرسومة أيضا بفعل ترهل الزمن القحط، القضية في الدائرة نفسها في الجاهزية المعرفية والقيمية التي رسمت هذه الدائرة / كلعبة من جهنم. الطفل الآن بلا خيار لأنه داخل الدائرة وهنالك من سيختاره أو يمزقه داخل هذه الدائرة. معذرة من برتولد بريخت على هذا التشبيه السطحي والساذج في إسقاط لما نحن فيه: بلا خيارات داخل دائرة الاستبداد وفقا لمعاييره وثقافته المنحطة والتي لا تعتمد مرجعا سوى / مرجعية المستبد والذي في وطننا السوري هو مادون الثقافة المكتوبة من عصر شفاهي الانحطاط سمته الأساسية، عندما غابت الدولة عن المنطقة التي كانت تسمى إسلامية أو بقايا الدولة الإسلامية ودخلت في دوامة الانحطاط غابت الثقافة المكتوبة والمؤسسة على الشفافية والعلنية واللاخوف من سلطة جاهلة أصلا في انعزالية تقارب حد القبر لا أكثر ولا أقل !! دخل الفرد في ملكوت الغيب الساذج وفق أدواته الحضارية البسيطة، كما أن الخوف وليد القمع المزمن. كلما انحطت حضارة كلما كثر فيها الاستبطان والتبطين في المعنى، ويصبح الواقع المر طية غير مرئية في ضجيج البلاغة المنقطعة عن التأسيس. منذ ذلك الزمن ونحن من سيء إلى أسوأ حتى جاء الغرب بحمولته ومشروعه التحضيري / استعماري بامتياز ولكنه تحضيري بكل ماتعني الكلمة من معنى. وأصبحنا أمام التاريخ ولم ندخله بعد كشعب سوري. فالاستبطان يخلق فردا مصابا بالفصام / التربص والميل العدواني تجاه الآخر والآن ـ الخارج ـ ودوما الخارج له اسم تارة كان فرنسا وتارة روسيا وتارة السوفييت والآن أمريكا. ولكن الفرد الفصامي أبدا لا ينظر مطلقا للسبب الحقيقي لتخلفه وعدوانيته لأنه ممنوع من النظر إليه بفعل الاستبداد والاستبطان المزمن للقمع. في تعقيدات النص التأويلي لقراءة الفرد بوصفه منتجا استبداديا بامتياز نجد أنفسنا من جديد داخل الدائرة البريختية اللعينة كأطفال بلا خيارات !! ننتظر الذين خارج هذه الدائرة وماهي خياراتهم؟
ـ2ـ لدينا الآن طرفان في سوريا / والدتان: الأولى الاستبداد ولديه القرار القيمي واضح سيأخذ كل من هو داخل الدائرة حتى لو مزقه شر تمزيق / التهديد باستقرار لبنان والمنطقة في حال تضرر الاستبداد وكلنا يتذكر صدام حسين وهذا العجيب في الأمر. والغرب يمثل بمشروعه الأم الأصلية لهذه الحضارة / الآن / وبلا منازع. وإنها المفارقة الصدمة التي لم يستطع العقل الذي رباه الاستبداد أن يعترف بالوقائع !! فجاء المواطن العراقي: طائفيا وعشائريا وسلفيا هذه إفرازات الاستبداد ومثالا سريعا ومختصرا: الآن لو تركنا كل قسم من أقسام العراق الثلاثة باتفاق فيدرالي كما يدعون لوجدنا أن القسم الجنوبي ستتحول ميليشياته إلى قوى متطاحنة، والقسم الشمالي سيتحارب الحزبان الكرديان على اقتسام المغانم أما القسم الأوسط فالعياذ بالله حدث ولا حرج. والسبب الجاهز لدينا أن الغرب هو السبب وأمريكا بشكل خاص !! وأعتقد أن كل ما فعلته أمريكا في بحثها عن مصالحها الاستراتيجية: أرتنا صورتنا بوضوح كما نحن وكما ربانا الاستبداد المزمن منذ أيام الخلافة العثمانية. فالاستبداد يخلق القادة العظام والأنبياء والملهمين وكل أنواع القادة التاريخيين ! لاحظوا اللوحة العراقية الآن. ونشكر أمريكا ليس لأنها حررت العراقيين من صدام فحسب بل لأنها كانت مرآتنا التي رأينا فيها أنفسنا هكذا / أفراد أنبياء وقادة عظام..! الطفل السوري: ينظر حوله ببلاهة فلا مخرج له خارج هذه الدائرة لهذا لايجد سوى أن يلعب مع نفسه لعبته الجهنمية ذاتها في عدائه لنفسه. وربما إذا طال إنتظاره: سيأكل لحمه وها نحن عذرا في المعارضة السورية نأكل لحم بعضنا بلغة هي أقرب لقبر الآدمي حيا.
ـ3ـ في سوريا السلطة تجد نفسها الوحيدة ولا تريد ان يشاركها أحد في مصير سوريا، والمعارضة كل فرد فيها يرى نفسه إما إلها أو أقل بقليل. وكل فرد فيها يتحرك بوصفه مشروع منقذ تاريخي ومقدس أيضا. وكل تيار تيارات وكل طية هي طائفة ودين وعشيرة ونفاج وبالنهاية وفق منطق ميزان القوى: هراء. اليسار يرى نفسه مشروع سلطة بديلة واليمين لم نجده بعد، والقوى الدينية لازالت لم تقطع تماما مع تاريخها. ولازالت مقتنعة أن الدين هو معيار الحكم في السياسة. والمستندين على أمريكا لايملكون حتى وجهة نظر تماما حالهم كحال أصحاب النزعة الوطنية المتشددة تحت عباءة السلطة. والفرد الخارج عن القانون الاستبدادي هذا في ممارسة السياسة يجد نفسه أقرب للخائن لماذا لأن الاستبداد هو إنضواء بلا أسئلة، عليك أن تنضوي رغم كل هذا الهزال وإلا الويل لك والثبور. إما أن تنضوي تحت جناح السلطة أو تحت جناح / رجل وهم كثر ماشاء الله في سوريا يعتبر نفسه الرمز المعارض المنقذ وربما في سره يعتقد أنه نبي البلاد المخلص ولا أحدا غيره له حق في المشاركة ولو برأي. تحتك بالجميع تحاور علك تجد متنفسا واحدا يجعلك بمنأى عن الحسابات الضيقة للفكر المعياري الذي خلقة تراكم الاستبداد: محال يجب أن تنضوي وإلا هنالك الكثير ممن يلبسونك طرابيشهم العثمانية ويجعلونك مثلهم تحت رحمة الانضواء.
ـ4ـ الدكتور عارف دليلة لطخة عار في جبين سوريا بكل دلالاتها والكل يعرف لماذا حوكم بعشر سنوات بخلاف غيره من المعارضين مما عرف بربيع دمشق !! الكل يعرف لأنه رمزا للرأي الحر / بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه / ولأنه ينتمي لطائفة صغيرة حتى داخل الطائفة العلوية وتسمى ـ الحيدرية ـ والتي ينتمي إليها أكسم نعيسة وفاتح جاموس وكثير من وجوه المعارضة وكتابها مستقلين وغير مستقلين كنضال نعيسة والدكتور أكرم شلغين..وغيرهم وأعتقد أن هذا السبب الأخير ثمنه خمس سنوات إضافية أتمنى ألا يقضيها الدكتور في السجن. أعتقد أن في كلامي هذا شيء من الهذيان والجنون ولكنني أزعم أنه حقيقي. وأعرف مدى حساسية هذا الموضوع لكنه ليس بعيدا عن تفكير الاستبداد السوري بكل مراكز استخباراته وبحوثه ـ العفو منكم يعني على مراكز بحوثه الشفهية ـ يا أخي عملاء الأمريكان تحبسونهم وربيع دمشق تحبسونه والأخوان مصادرون بموجب المرسوم أو القانون ـ ماشاء الله على دولة القانون ـ 49 بالحكم بالأعدام على أي شخص ينتمي لهذه الجماعة.. أما عارف دليلة فقد دفع أيضا خمس سنوات لأنه ـ علوي وحيدري ـ أليس في هذا جنون؟
ـ5ـ إنها اللوحة السورية المظلمة أين المفر وأنت لاتجد السياسة تجد معاييرا مخبوءة تحت عباءات الاستبداد وثقافته وأنبيائه الكثر والمتكثرين. ممنوع عليك حتى من أقرب أصدقائك أن تمارس السياسة عليك أن تنضوي شخصيا هكذا بصريح العبارة. تحاور رياض الترك تصبح محسوبا عليه تحاور الاتجاه الأمريكي تصبح أمريكيا تحاور الإخوان المسلمين تصبح طائفيا...الخ ما هذا الداء ؟ تحاور ضد من وقفوا ضد إعلان دمشق تصبح طائفيا..ـ علقة ـ الاستبداد له معيار حقيقي واحد إما معي أو ضدي وهذه عقلية ليست عقلية السلطة وحدها بل هي عقلية الفرد قبل السلطة أيضا وإلا ما معنى أن تستمر هذه السلطة في أن تجد دوما من يسوق لها مقولاتها أقصد خطوطها الحمر: راجع ردود المعارضين على ماحدث حول الطاولة المستديرة لمعهد آسبن في باريس وماحصل من ردود على تحالف السيد خدام مع جماعة الأخوان المسلمين !! حتى الرفاق والأصدقاء الأكراد مجرد أن تقول لهم لايوجد خارطة لكردستان سوريا تصبح شوفينيا وعفنا أيضا. قالوا يوجد خارطة يعني يوجد خارطة قولا واحدا لاثاني له. نحن شركاء أبدا نحن فرقاء لا مجال !
ـ 6ـ ومع ذلك المشروع الغربي بكل حمولاته هو من يحمي الممارسة السياسية ومنه نتعلم وسنبقى نتعلم منه حتى نستطيع فعلا أن ندخل التاريخ وبعدها أجيالنا اللاحقة تبدع تماما كما هي سنة الكون. وأتحدث عن المشروع الغربي بوصفه حاملا للحضارة المعاصرة وليس بوصفه وجهها الأمريكي أو الفرنسي. فلا أمل لنا بغير هذا الحوار مع الغرب المفتوح على مصراعيه وبلا رقابات ولا ضوابط وفي تبادل مصلحي قدر الإمكان وعبره حوارا حقيقيا مع بعضنا. لأنه الأم الحقيقية للحضارة التي نعيش فيها وعلينا دخولها. وليس أمريكا كما يفهم بعض أصحاب الدفاع عن [ الوطن أقصد وطن الاستبداد ].. مجلة قاسيون نموذجا ووثيقة البلازا أيضا والتوضيح الأخير للجنة القيادية في إعلان دمشق. أو كما يفهمها بعض الواهمين من أن أمريكا هي الوطن وهي من سوف تحملهم إلى سدة الحكم لأنهم وجه آخر للاستبداد. أين المفر..؟ لا مفر هذا وطننا كما هو وطنهم. وكما يحق لهم ممارسة سياسة الشطب وتلبيس الطرابيش يحق لنا المحاولة دوما كي نمارس السياسة حتى دون أن ننضوي تحت يافطة ما، لأن الإنضواء في هذه التشكيلة من الأطر الاستبدادية تحت مسميات شتى لاستبداد واحد هو رسم لحدود الفرد، الفرد الذي نحن بحاجة إليه إلى فرديته كي تتحرر وتنضوي حرية وبحرية ولمؤسسات تؤمن بالحرية أولا كقيمة معرفية وأخلاقية وقيمية والأهم: مصلحية. كيف تتحول ممارسة الحرية حرية رأي ومعتقد وتنظيم إلى مصلحة للجميع أعتقد أنه من الأسئلة المهمة في الواقع السوري والعربي أيضا ؟
غسان المفلح
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسة الإسرائيلية لازالت الوجه اللاأخلاقي للسياسة الأمريكي
...
-
طريق دمشق عبر باريس
-
دمشق تخون الماغوط
-
المد الديني والمد الإرهابي في سوريا
-
كسر احتكار السلطة
-
الديمقراطية بوصفها نموذجا استبداديا
-
الوضع السوري المعارضة والمجتمع
-
الممارسة السياسية والكتابة السياسية
-
صباح الخير للمناضلين سوريا لغير المناضلين أيضا
-
المشهد الشرق أوسطي
-
نوروز لكل السوريين مثل عيد الأم
-
إلى يوسف عبدلكي رفيقا وصديقا وأشياء أخرى ..
-
وقفة خاصة مع السيد عبد الحليم خدام
-
ملالي طهران والدور المذعور
-
المرأة تكتب عن المرأة لكن الرجل دوما يكتب للمرأة
-
في كلمة السيد الرئيس بشار الأسد ثمة أسئلة كثيرة
-
إلى مؤتمر الأحزاب العربية المنعقد في دمشق غدا
-
النظام السوري يزيد من عدد الممنوعين من السفر
-
فوز حماس ..نقطة نظام
-
الجولان ينتظر
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|