|
مفهوم الدولة العلمانية
صبحي مبارك مال الله
الحوار المتمدن-العدد: 6095 - 2018 / 12 / 26 - 07:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مفهوم الدولة العلمانية تثار بين فترة وأخرى مناقشات وجدل في الأوساط الثقافية وبين عامة االناس حول الكثير من المصطلحات الفكرية والسياسية والإقتصادية، مما يحدث إلتباس في تناول المفاهيم والتعبير عنها، ولهذا تبرز مواقف خاطئة أو متطابقة حسب المرحلة التأريخية التي يمر بها أي بلد من البلدان التي تبحث عن طريق التنمية والتقدم والبناء مع تحديد طبيعة النظام الذي تريد إتباعه حسب مجموعة الأفكار الفلسفية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية ومنها الأفكار الثورية. وبما أن شعوب العالم مرت بمراحل تأريخية متعددة ومختلفة حسب التشكيلة الاجتماعية -الاقتصادية والسياسية ، فقد تكدست خبرات وثقافات في تأريخ كل شعب عانى من الإضطهاد وإستغلال الإنسان لأخيه الإنسان حيث دفعت شعوب العالم ثمناً باهضاً ودماء كثيرة من أجل الحريات والتحرر وإطلاق الوعي وحرية التفكير والعدالة الإجتماعية. كما إن آلاف الحروب التي وقعت على كوكبنا الجميل الأرض، والتي تطورت من خلالها الأسلحة ومنها أسلحة الدمار الشامل، كان منبعها الصراع الاقتصادي والسياسي والإستيلاء عل أرض ومياه الغير، بين الأمم، معتمدة على آديولوجيات وطبيعة وشكل النظام. مفهوم الدولة العلمانية :-التعريف العام للعلمانية هو الفصل بين الدين والدولة أي تعترف بالدين ولكنها لاتعتمد عليه في تشريع القوانين . اللائكية :-وهي العلمانية الفرنسية التي تعتبر الدين إختيار شخصي ولادين للدولة، الأعياد والمناسبات الدينية غير معترف بها كما لاتفرض التقاليد الدينية ومتطلبات المناسبات عل المجتمع. كما ترى بأن فتح المحلات والمقاهي والمطاعم ليس من إختصاص الدولة، والإرث متساوي بين الرجل والمرأة . اللائكية تتميز عن العلمانية بانها في حالة مواجهة وصراع بين قوى مختلفة :سياسية ، إجتماعية ، ثقافية ودينية وتصل إلى حالة السيطرة على مؤسسة الدولة بهدف تصبح الدولة الحكم النهائي في تسيير مختلف المؤسسات بما فيه الدينية. مفهوم الدولة العلمانية ينتمي إلى نخبة من المفاهيم الإنسانية الحديثة التي تتغلغل جذورها في إعماق الفكر الإنساني العالمي، لاسيما العربي المتنور ولايرتبط هذا المفهوم بنظام محدد رأسمالي أو أشتراكي يميني أو يساري. تنقسم العلمانية إلى قسمين :- 1- العلمانية المرنة :وهي الدولة التي تنازلت فيها المؤسسة الدينية عن سلطاتها الكلية أو الجزئية وفق منطق التوافق وإعادة توزيع السُلط . 2- العلمانية الصلبة :-هي الدولة التي لم تتنازل فيها المؤسسة الدينية والسلطة الإقطاعية عن سلطتها، إلا بالقوة وفق صراع تناحري مع الطبقة البرجوازية الصاعدة والتقدمية حينذاك. العلمانية الصلبة لاتسمح للدين بالتدخل في مجال الشؤون العامة. وحسب التجارب التأريخية فُرضت علمانيات من فوق وهي تختلف من بلد إلى آخر مثل البريطانية، الأسبانية، التركية، الهندية، المكسيكية، اليابانية، الروسية ولكن المبادئ نفسها . مبادئ العلمانية : في حالة فصل الدين عن الدولة وفصل الدين عن السياسة، فهناك مبادئ يجب أن تُعتمد وهي 1- ضمان حرية المعتقد وممارسته علنياً، وكذلك القدرة على تغيير المعتقد بدون تجريم قانوني 2- مواطنة كاملة، مساواة، حرية وفق المعايير الديمقراطية 3-تربية مجتمعية، التسامح، قبول الآخر، إحترام المعتقدات الدينية والإنسانية4- المساواة بين الجنسين في الحقوق 5- الفصل بين المجال العام وهو المجتمع والمجال الخاص عل المستوى الشخصي 6- تعليم عمومي ومناهج علمية، عرض تأريخ الأديان والقيم ضمن مناهج علمية بعيدة عن الشحن الآيدولوجي والطائفي. مميزات العلمانية :-1- العلمانية تعمل بالتخلص من جميع الأوامر الحكومية التي تلزم بها الأفراد مثل الإجبار عل إعتناق دين معين 2- العلمانية لاتجبر المواطنين والمجتمع بالإلتزام بالعادات والتقاليد 3- العلمانية لاتتدخل في الشؤون الشخصية 4- ضمان الحريات 5- العلمانية مرنة قابلة للتطور والتكيف 6- العلمانية لاتعارض الدين ولاتتدخل في شؤونه 7- العلمانية تؤمن في كل شيئ محسوس وملموس ولاتعترف بالغيبيات 8- العلمانية تنظر من ناحية عقلية فقط إلى الأمور الاقتصادية والسياسية والدينية فهي تجردها من القداسة. 9- توجيه الأفراد نحو الأهتمام بالحياة الدنيا والمستقبل وعدم توجيهم نحو الحياة الآخرة. الأسس :-تستند العلمانية إلى 1- المواطنة والإنتماء للبيئة 2- التشريع في الدولة يعتمد الدستور والمصلحة العامة، حقوق الإنسان، الأسس التربوية للأولاد تربية دنيوية، الأحكام إنسانية لادينية. تأريخ العلمانية :- العلمانية الحديثة إنبثقت في عصر التنوير في البلاد الأوربية، وكان عصر التنوير (يُعرف باسم عصر الأنوار وهي حركة سياسية وإجتماعية وثقافية وفلسفية واسعة وتطورت بشكل ملحوظ خلال القرن الثامن عشر في أوربا، نشأت في إنجلترا ولكن التطور الحقيقي في فرنسا وتحول مفهوم التنوير ليشمل بشكل عام أي شكل من أشكال الفكر الذي يزيد تنوير العقول وإبعادها عن الظلام والجهل والخرافة، مستفيداً من نقد العقل ومساهمة للعلوم) موسوعة ويكيبيديا. كان دور المفكرين الأوربيين دور واضح في نشرها أي العلمانية مثل توماس وفولتير وجيفرسون، ومرت العلمانية بفصل الدين عن السياسة وهذا نتج عن ما تعرض له الفقراء والمظلومين إلى ظلم وإضطهاد القساوسة، الذين عملوا على الإستيلاء على الأراضي والأموال باسم الدين حدث هذا في أوربا فكان الدين وسيلة لتحقيق مصالحهم. وبرزت سيطرة الدين ورجاله في العصور الوسطى في زمن التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الإقطاعية حيث كان الفلاحون النقيض والضحيّة . الفرق بين الدولة المدنية والعلمانية :- الدولة العلمانية مرجعيتها العلم والماديات والديمقراطية حيث الديمقراطية نابعة من العلم الإنساني حيث توصل أليها الفلاسفة الأغريق وقام بتطويرها العلماء والمفكرين عبرالتأريخ بعيدة عن المعتقدات الدينية سواء كان عرفياً غير مكتوب أو قانون مكتوب . أما الدولة المدنية فهي من التمدن -التحضر والتطور والدولة مكونة من مؤسسات المجتمع المدني بسلطاتها الثلاث (التشريعية ، التنفيذية ، القضائية ) كما إن الإعتبار مهم للمواطنة حيث يطبق القانون عل جميع المواطنين بدون تفريق عرقي أو ديني والجميع متساوون أمام القانون . أبرز ماحققه مفهوم العلمانية :- 1-إنهاء الصراعات والإضطهاد الطائفي والحروب الدينية حسب مبدأ فصل الدين عن الدولة . 2-إنهاء الخلافات الصدامية بين البروتنستانية والكاثولكية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا. 3-إلغاء شرعية الفتاوي الدينية :التي تستهدف حياة عالم أو مفكر أو تمنع صدور كتاب، أو حركة فكرية. كما نجد في تأريخ الكنيسة والعالم العربي الكثير من الفتاوي الدينية والسياسية المضرّجة بالدم والقمع والتي لعبت دوراً رجعياً في مسار تطور المجتمعات. 4-ساهمت المدرسة العلمانية في فهم ودراسة التطور العلمي، وتبني المكتشفات والإنجازات العلمية ونظريات العلم الحديث مثل :نظرية النشوء والإرتقاء، والإنفجار الكوني الكبير، الإنفتاح على إستيعاب كل التراث الفكري والإنساني بمختلف تياراته الفلسفية والدينية واللادينية الذي أنجزته البشرية، فمدرسة العلمانية هي مدرسة ثقافة العقل والحرية والحداثة.أما المدرسة العربية الحالية فهي أنجزت أجيالاً ممن تعلموا الخضوع للجلاد وترعرعوا في ثقافة التفسيرات الظلامية للكون والحياة وحافظوا على التخلف العلمي والإجتماعي والحضاري. 5- تحول الدين في الدول العلمانية إلى سلطة روحية خالصة لايستطيع السياسي التحكم بها بعد إستبعاد الدين وفصله عن الدولة والسياسة. السؤال من هم مناهضي العلمانية؟ الجواب هم الظلاميون، الطغاة العرب الذين يتدخلون في شؤون الدين، ويستخدمون الفقيه مطية للسيطرة عل أدمغة أبناء شعوبهم وممارسة دكتاتورياتهم، من خلال إعتبار العلمانية، مفهوم إستعماري وكونه أنطلق من الغرب. كما ينشرون ثقافة التجهيل وتعتيم الوعي وتضليل الناس بالكلام ظاهره حول الدين وباطنه تحريم وإبطال الثقافة التقدمية وتكفير كل من ينطلق من التفكير العلمي والواقعي المحسوس حيث لعب وعاظ السلاطين والجيش الجرار من الخاملين والعاطلين لخدمة مجتمع ديني متخلف.كما هناك خطأ في فهم العلمانية من قبل الظلاميين الذين يعتبرون العلمانية تدعو للإلحاد في حين لاتوجد علاقة بين الإلحاد والعلمانية وكثير من العلمانيين مؤمنين على المستوى الشخصي. لهذا يتطلب من الجميع إستيعاب المفاهيم بصورة موضوعية وعلمية .
#صبحي_مبارك_مال_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة المدنية الديمقراطية ومنطلقات بنائها الحلقة الثانية
-
الدولة المدنية الديمقراطية ومنطلقات بنائها الحلقة الأولى
-
إستعصاء تبني مشروع الإصلاح والتغيير !
-
ليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة
-
نتائج الإنتخابات هل غيّرت موازين القوى ؟
-
من المسؤول عن الإغتيالات والخطف والإعتقالات ؟!
-
العراق إلى أين ؟!
-
إنتخابات رئاسة مجلس النواب ...إختراقات دستورية وتأكيد على ال
...
-
البصرة المنكوبة من يتحمل مسؤولية موتها البطيئ ؟!
-
دور المعارضة السياسية في النُظم الديمقراطية. الحلقة (3)
-
دور المعارضة السياسية في النُظم الديمقراطية. الحلقة (2)
-
دور المعارضة السياسية في النُظم الديمقراطية (الحلقة 1)
-
ماذا بعد إعلان نتائج الفرز والعد اليدوي ؟
-
النظام السياسي وحركة التظاهرات والإحتجاجات !
-
كفى مماطلة وتسويف مع مطالب الشعب ..كفى خُداعاً
-
ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ودروسها التأريخية!
-
الجلسة الأخيرة لمجلس النواب العراقي –ماذا حدث في العملية الإ
...
-
أزمة المياه بين العراق وتركيا وتداعياتها الخطيرة !
-
الكتلة الأكبر والتحالفات والإنشطار الذهني السياسي!!
-
المشهد السياسي العراقي بعد الإنتخابات ونتائجها الحلقة (4)
المزيد.....
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|