|
الراهن العربي الإسلامي بين التنوير و الظلامية
احمد زكرد
الحوار المتمدن-العدد: 6093 - 2018 / 12 / 24 - 23:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا ريب أن التصورات الإبستمولوجيا حول التنوير تعد ركيزة الحضور المدني الحضاري على وجه الإطلاق، و البرهان على ذلك ؛ المقاربة بين التنوير داخل الإبستيمي الغربي و داخل الشعوب العربية ،عندها ندرك الهوة السحيقة التي تفصل بين التصورين . حيث يمتثل السؤال التنويري للتاريخية الفاعلة للغرب في حين يرتهن السؤال التنويري العربي للوهن الذي يأخذ بتلابيب وجوده . فإما مكررا للأسئلة الكلاسيكية أو ينقل المعارف الغربية نقل الدارس المقلد دون نقل الفاعل الناظر الناقد .لهذا فالراهن العربي يبين عن انتكاسة إنسانية مردها إلى فقدان التأسيس الفكري والمعرفي . فالفكر العربي الإسلامي في حاضرنا الراهن يفتح لنا نافذة لمعرفة تشكلاته في الماضي ، لكن كيف تتأتى لنا معرفة هذا الماضي السحيق الذي يفصلنا عنه سمك عميق من الزمن ؟وخصوصا أن الموروث يكتسي صبغة مقدسة ؛ أو قد نقول أننا ضمن ورطة تاريخية للمقدس ، ولقد أشار إليها ( محمد اركون ) عندما اعتبر أن مقاربة الظاهرة التراثية يساهم في تأسيسها جدل عقلاني حول الذات والتراث ؛ لأن هذا التاريخ يستوعب الذات العربية الإسلامية بقوة سلطة الماضي ( المقدس ) ، فكيف نتحدث عن تنوير عربي إسلامي ؟ لا مناص أن أروبا هي أكبر نموذج معياري حضاري في التاريخ ، فالكثير مما حققته أروبا يجعل الفرق بيننا وبينها سنوات ضوئية . فأروبا ( الغرب ) حققت المعادلة الشبه المستحيلة ؛ ألا وهي السماح للمؤمنين التقليدين ، والمؤمنين العقلانيين ، و اللاأدريين و الملاحدة ... بأن يتعايشوا في نفس المجتمع جنبا إلى جنب من دون أن يعتدي أحد على أحد آخر ؛ أمنوا بأن الحرية لا تقف عن حدود التقاليد و العادات والمقدس وإنما تقف عند حدود انسانية الإنسان . هذا لم يأتي من فراغ إنما كان نتاج معارك حامية الوطيس خاضتها هذه التيارات بعضها ضد بعض ... إلى أن انتصر العقل وتجرأ على إحداث تلك القطيعة الابستمولوجية التي لم تجرؤ عليها أي حضارة بشرية حتى الآن . فمثقفو الغرب كانوا صرحاء مع ذواتهم وأعلنوا القطيعة مع الماضي ( مع الرؤية التقليدية للعالم ) وتكلل ذلك في الثورة الفرنسية التي أتت بنظرة جديدة لإنسان الحداثة والتنوير . لهذا السبب أصبح الغرب هم معيار التقدم ، وهذا ما طرح في النهضة العربية في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرون ، ألا و هو لماذا تقدم الغرب و تأخر العرب ؟ لأننا وببساطة استوردنا المفاهيم ولم نستورد الأسس الفلسفية والتاريخية التي كانت سبب في نحت تلك المفاهيم؛ لأن ما وصل إليه الغرب كان حصيلة اشتغال الذات على ذاتها ؛ أي مصارعة الذات لذاتها على شكل جدلي خلاق : وهذا هو أعظم انواع التحرر . لهذا السبب أي محاولة عربية لتقليد الغرب ما هو إلا نوع من العبث ، لأنه فقط اجترار و تبني ايديولوجيات جاهزة كانت نتاج مجال تداولي مختلف تماما عن المجال التداولي العربي الإسلامي . ودائما هذه التجارب تبوء بالفشل الذريع . ومرد هذا الوضع إلى شح اهتمام المثقفين العرب بتاريخهم الإسلامي ، وذلك يرجع إلى فوضى العقل في الفضاء العربي ، وعامل هذه الفوضى لا ريب مصدر هو غياب مفهوم الإنسان داخل التاريخ ؛ لا باعتباره فاعلا بل فقط مفعول به في التاريخ . لقد ظل الإنسان ولمدة طويلة من الزمن يعتقد في وجود قوى غيبية هي التي تتحكم في مساره الفردي و الجماعي، حيث لا تمثل إنجازاته كيفما كانت سوى تنفيذ لمخططات محددة سلفا من قبل الإله أو الآلهة . فالإنسان كما صوره الفيلسوف الروماني’ إبكتيت Epictète‘ ليس سوى ممثل لأدوار، أدوار يخرجها له غيره، ويكتفي هو بتشخيصها و تنفيذها، إنه ليس أكثر من أداة ووسيلة لتنفيذ الإرادة الربانية. " وهذا الحال هو ما يخيم على المخيال العربي الاسلامي . والحق الحق يقال إنه في غياب إرادة الإنسان في صناعة التاريخ ، نرسخ التخلف والرجعية والعبودية ... فكيف إذن نستطيع أن نقترب من هذا المقدس ونفهمه لكي نحقق تحرر الإنسان منه ونصل في نهاية المطاف إلى التأويل العقلاني للدين ؟ في المجال التداولي الأوربي هذا ما فعله المثقفون هناك ، دخلوا في صراع مع الأصوليين وتصوراتهم الغيبة القائمة على الخرافة و المعجزات بشكل أساسي . وقاموا بهدم ذلك ليؤسسوا الحداثة والتنوير التي ارتكزت على العقل وتشترط انفاق الحاضر في امتداده نحو المستقبل وتحرره من وصاية الماضي ( القطيعة مع الماضي ) وهذا ما يرفع من شأن الحاضر ،هكذا تصور العروي التقدم في التاريخ ؛ بأنه خطي تصاعدي يحظى فيه الحاضر بمرتبة الشرف ،( لأن معرفة الحاضر معرفة تلقائية ومباشرة لا تحتاج لأي مجهود في الحصول عليها حسب تصور ريمون أرون ). عندها يصبح للوجود الانساني قيمة لأنه سيغدو حرا ؛ فالحرية هي صميم الوجود الانساني . الانسان هو الكائن الفاعل بإرادته في صناعة تاريخه كما يقول ايمانويل مونني :" التاريخ لا يصنع بدون إرادة الإنسان " . وبهذا فلا ماضي يحدد المستقبل ولا مستقبل يوجه الحاضر ؛ لأن الشي الوحيد الموجود هو هذا العالم الطبيعي المحسوس الذي نراه و نعيش فيه كل يوم . من ثمة فالجنة هي هنا على هذه الأرض وليست في السماء . في نهاية المطاف وجب على الأمة العربية الإسلامية أن تخرج من إحاطة التاريخ ، بأن تحطم أصنام العقل ؛ أي أن تحرر العقل من سلطة التاريخ والتعامل معه ليس كتراث بل كراهنية . وعلينا كعرب التجرؤ على استعمال عقلنا الخاص ، وهذه هي صيحة الأنوار عند كانط : تجرأ على استعمال عقلك الخاص . ومنه فإننا نعتقد أننا لن نلج باب الحداثة والتنوير طالما بقينا عالة على غيرنا أو بقينا نجتر لحظات فشل محاورينا الثقافيين . لذا نحتاج لأرخنة الخطاب الديني الإسلامي حتى نستطيع التحرر من الكثير من التصورات الخاطئة التي نمتلكها عن تراثنا و عقائدنا و مذاهبنا . نحتاج إلى صورة تاريخية وليست تبجيلية وتقديسية التي هيمنة على وعي ملايين المسلمين منذ مئات السنين . لو استطعنا أن نقدم دراسة تاريخية لتراثنا الإسلامي ،لاستطعنا حل الكثير من المشاكل من بينها مشكلة الصراع المذهبي بين السنة والشيعة ، فكل المشاكل كانت ستحل بشكل دقيق وفعال من تلقاء ذاتها بعد أن نكشف جدورها الدقيقة واعماقها التاريخية . أختم بتعبير للفيلسوف والمؤرخ المغربي عبد الله العروي في كتابه ( مفهوم العقل ) : " يجب نقد التيارات السلفية ونزعات التوفيق التلفيقية بمختلف صورها ، والدعوة إلى الانخراط الفكري ، في تاريخ لم نصنعه ،لكننا مطالبون باستيعابه لنتمكن من غرس وبناء الحداثة الفعلية ،بدلا من الاكتفاء بالنسخ المقلد ، الذي يجعلنا معاصرين في الظاهر ، دون ان يتمكن وعينا وعقلنا من إدراك المسافات الكبيرة التي تفصلنا عن الحداثة الفعلية ."
#احمد_زكرد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأثيل المقدس 3: كيف تصنع الأديان؟
-
تأثيل المقدس 2 قضية الغرانيق وسؤال الحقيقة
-
تحرير الأخلاق من هيمنة الدين
-
التأسيس لدين إنساني من منظور كانطي
-
فكرة الدين عند كانط
-
تأثيل المقدس
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|