أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عامر صالح - المنهج الدراسي في العراق وصناعة الكراهية















المزيد.....

المنهج الدراسي في العراق وصناعة الكراهية


عامر صالح
(Amer Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 6090 - 2018 / 12 / 21 - 23:58
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


عامر صالح

قطاع التربية والتعليم في العراق كغيره من القطاعات الاجتماعية يعاني من التدهور المستمر والتخلف في الأداء وكذلك من تفشي الفساد الاداري والمالي والعجز في في تحقيق المعايير الكمية والكيفية ليست فقط استنادا الى المعايير الدولية بل استنادا الى ما حققه العراق في عقود سابقة, والتي بلغت في بعض منها الى الاقتراب الكامل من محو الأمية وتحقيق ألزامية التعليم ومحاولات التطوير المستمر للمناهج الدراسي, ولكن عبثية النظام السابق وأنشغاله بالحروب الخارجية والداخلية أدت الى ما أدت أليه من استنزاف للموارد البشرية والمادية ووضع البلاد تحت رهينة المجتمع الدولي الذي تقوده امريكا وتفرض اجندتها عليه, وكان العراق ضحية من ضحايا الصفقات والمصالح الدولية التي لم يستطيع النظام السابق من تجاوزها بفعل عنجهيته الهمجية المتخلفة ومحدودية ذكائه.

واليوم العراق وبعد مرور خمسة عشر على الاحتلال الامريكي واسقاط النظام الدكتاتوري السابق وتسليم مقاليد الحكم للقوى الاسلاموية والاثنية يعاني النظام التعليمي والتربوي من تفشي الفساد وغياب الرقابة وتدهور كبير فيه وارتفاع نسبة الامية الى مستويات كارثية, وبعد ان صنفته اليونسكو في عقود سابقة ضمن نظم التعليم المتطورة في الأداء الكمي والكيفي, عادت لتصنفه اليوم من ضمن البلدان التي تعاني ارتفاعا في نسب الامية يتجاوز 47% للفئة العمرية بين 6 ـ 55 عاما.

وفي مسار خطير على مستوى محتوى المناهج الدراسية سواء الاجتماعية منها أم الطبيعية تعاني مفردات المنهج من الارتجال في الصياغة وعدم ملائمتها لقدرات الطلبة في المراحل الدراسية المختلفة وخاصة المرحلة الابتدائية والمتوسطة, ففي مجال مادة الرياضيات هناك غموض وتشدد وارتباك بواجهات تربوية غير معروفة وغامضة لا تستجيب لمستلزمات النمو العقلي والمعرفي المتدرج لمدارك الاطفال كانت محصلته هو العزوف عن التعليم وترك مقاعد الدراسة والرسوب المتكرر والانظمام الى جيش الأميين المتزايد دون انقطاع, ولحد الآن لا تعرف دوافع ذلك ومن هي الجهات التي تقف وراء ذلك وماهي الخبرات العالمية التي تم الاستناد أليها في بناء المنهج المذكور.

على مستوى المواد الاجتماعية, وعلى سبيل المثال في كتابي التربية الاسلامية للصف الاول الابتدائي والخامس الاعدادي عبارات لا تليق بالعراق كونه شعب متعدد الاديان والمذاهب والثقافات, ولا تليق بقيم التسامح والعيش المشترك, ومنها ما يحرض ضمنا على المسيحين باعتبارهم قوم او ديانة ضالة " حسب ما ورد ", أو التحريض على النساء غير المحجبات بعبارات: "حجابي فريضة واني الصحيحة وغيري المريضة", انها دعوة ضمنية للأساءة الى التنوع العراقي في ثقافته ودياناته, بل هي خطوة مبيتة لتصفية الآخر والانتقام منه. كما وردت في امكنة اخرى من العلوم الاجتماعية مما يؤدي الى تفكيك النسيج الاجتماعي وتعزيز ثقافة الريبة والشكوك في التعاملات اليومية بين الكبار والصغار بديلا عن الثقة المتبادلة والتنشئة الاجتماعية السوية بين الكبار والصغار خارج دائرة المنزل.

ويلعب هنا الخطاب الديني المتطرف بشقيه التكفيري والسياسي دورا خطيرا في زرع الكراهية والعنف بين شرائح المجتمع, سواء من ذات الدين الواحد عبر إشاعة الفرقة بين طوائفه ومذاهبه المتنوعة, وكذلك بين المجتمع المتعدد الديانات عبر فرض أجندة دينية وسياسية ـ دينية وحيدة الرؤى, مما يحرم الآخرين من حق التمتع بممارسة حقوقهم الدينية وحريتهم في المعتقد, و يخلق بيئة مواتية للعنف والعنف المضاد تراق فيه دماء الملايين من مختلف الأديان والمذاهب والطوائف المختلفة. وبما أن الكراهية والعنف منبوذ ومدان في كل القيم والأديان السماوية وغير السماوية فأن اللجوء إلى تأويلات متشددة ومتحيزة ومزاجية بل ومصلحيه للنص المقدس وللأحداث التاريخية والافتراضات العبثية لنيات الآخرين المغايرين في الدين أو المذهب واستحضار الجانب المؤلم والمشكل في التاريخ, ويجري هذا متزامنا مع الفتاوى التي تصدر يوميا في الخفاء والعلن من دعاة الدين لأيقاظ وإلهاب روح الكراهية والتحريض والعنف بين الناس وضرب وحدتهم الوطنية في الصميم, وهكذا يتحول العنف من قيمة منبوذة في الدين والسياسة إلى واجب ديني " الهي " وسياسي له الأولوية في عقول المتطرفين على بناء الوطن ونهضته, وهنا يتكالب الاسلامويين والمتطرفيين لتجسيد ثقافة الكراهية وتجذيرها في المناهج الدراسية.


ومن منطلق شمولية المنهج لأغلب جوانب الحياة, فأن الدول الديمقراطية تسعى بكل جهودها لتطوير المناهج في مختلف المجالات, والتركيز على فكرة بناء المواطن الصالح من خلال توعيته بفكرة المواطنة, من خلال تعريف الدارس المواطن بالمفاهيم الأساسية للمواطنة وخصائصها, مثل : مفهوم الوطن, والحكومة, والنظام السياسي, والمجتمع ومؤسساته المدنية, ومفهوم الديمقراطية الحق, والمشاركة السياسية وأهميتها, والمسؤولية الاجتماعية ومظاهرها, وضرورة الاحتماء بالقانون, واحترام الدستور, وضرورة الوعي بالحقوق والواجبات اتجاه الدولة والمجتمع, وغيرها من المفاهيم المعاصرة للمواطنة الصالحة وأسسها.وبالضد من ذلك فأن الحكومات القمعية والاستحواذية والطائفية والعرقية تسعى لتشويه فكرة المواطن والمواطنة, من خلال غرس قيم الولاء للحزب الحاكم, أو الولاء للطائفة أو للدين أو للقومية دون الوطن الذي يجمع كل هذه المكونات في بوتقة واحدة, فالوطن هو الحامي والحارس الأمين لكل هذه المكونات عبر تعزيز ثقافة التسامح والولاء للقانون وللدولة صاحبة الشأن في المجتمعات الديمقراطية, دون العبث بجغرافية وسياسة واثنية وأديان الوطن الكبير. وتشمل فكرة المواطنة من خلال المنهج الدراسي الحديث الأبعاد الآتية :

1ـ البعد المعرفي ـ الثقافي : حيث تمثل المعرفة عنصرا أساسيا وجوهريا في نوعية المواطن الذي تسعى إلى بناءه مؤسسات المجتمع السليم والمعافى, وهذا لا يعني أن المواطن الأمي ليس مواطنا يتحمل مسؤولياته ويدين بالولاء للوطن, ولكن المعرفة والثقافة والتعليم وسائل توفر للمواطن فرص لبناء مهاراته وكفاءاته التي يحتاجها في معترك الحياة, كما أن التربية الوطنية والتعليم تنطلق من ثقافة الناس مع الأخذ بنظر الاعتبار الخصوصيات في التنوع الثقافي للمجتمع.

2ـ البعد ألمهاراتي : ويقصد به المهارات الفكرية والعقلية مثل : التفكير النقدي والقدرة على ممارسة النقد والنقد الذاتي, والتحليل الموضوعي لمختلف الظواهر الاجتماعية والسياسية, والقدرة في المحاولة على حل المشكلات أو إدراك أولي لماهية الحلول, حيث أن المواطن الذي يتمتع بهذه المقدرة يستطيع التميز بين الطالح والصالح من الأمور ويكون أكثر عقلانية ومنطقية فيما يفعل أو يقول دون الانسياق وراء التجمعات أو الشلل التي تحول فردية الإنسان إلى حشد قطيعي, اقرب جدا إلى الحيوان منه إلى الإنسان .

3ـ البعد الاجتماعي : ويقصد به خلق الكفاءة الاجتماعية لدى الدارسين ـ المواطنين في التعايش مع الآخرين من مختلف الفئات الاجتماعية وتنمية روح التسامح ولغة التواصل مع مختلف المكونات القومية والاثنية في الوطن الواحد والتعايش معهم بسلام, بعيدا عن استخدام لغة الإكراه والتميز والإقصاء والفرقة والكراهية .

4 ـ البعد ألانتمائي : ويقصد به البعد الوطني وما يترتب عليه من غرس انتماء الدارسين لثقافتهم ولمجتمعهم ولوطنهم, وتعزيز ثقافة المصلحة العليا للوطن بعيدا عن التشرذم الجغرافي ـ الطائفي والقومي والديني, وإحلال ثقافة المسؤولية العليا اتجاه الوطني ومصيره, وحمايته من التدخلات الخارجية وأخلاق التفكك الداخلي.

5ـ البعد ألقيمي والديني, مثل : إشاعة قيم التسامح والعدالة والمساواة والحرية والديمقراطية بين مختلف الأديان السماوية وغير السماوية, وتكريس مبادئ عدم المساس بمقدسات الأقلية الدينية وتوفير الفرص اللازمة للتعبير عن نفسها في إطار وجودها الجغرافي دون إرهاب أو ابتزاز أو ارتهان أو عمليات إرهابية جبانة تطال هؤلاء بفعل ضعف إمكانيتهم في الدفاع عن أنفسهم.

6 ـ البعد الجغرافي ـ المكاني : وهو الإطار المادي والإنساني الذي يعيش فيه المواطن, أي البيئة المحلية يتعلم فيها ويتعامل مع أفرادها, وليست فقط من خلال النصائح والمواعظ داخل غرفة الصف, بل من خلال المشاركة التي تحصل في البيئة المحلية والتطوع في العمل البيئي, ومن خلال ربط هذه النشاطات بالبيئة الأكبر " الوطن " من ناحية القيم والأهداف المرجوة من كل نشاط , وعدم الاعتكاف فقط في البيئة الأصغر التي تحجر عقل الدارس وتسهل مراوحته كالصنم في محل إقامته.

ان الابتعاد عن اقحام العملية التربوية وبشكل خاص المناهج الدراسية بثقافة الكراهية وإعادة بناء نظام التعليم على أسس من الحداثة ومعطيات العلم والتقدم التقني, وإعادة صياغة العلاقة بين الدين والدولة بما يؤمن احترام الدين وعدم استخدامه في السياسية التربوية والتعليمية كمحفز للعدوان وكذلك إعلان القطيعة مع كل موروث مسبب للفتنة ويسئ للمبادئ العامة للدين ووظيفته الفطرية... إنها مهمات ليست سهلة ولكن يتوقف عليها مستقبل العراق بأسره ومستقبل اجياله القادمة.



#عامر_صالح (هاشتاغ)       Amer_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الدكة العشائرية- بين الأرهاب وإعادة انتاج العشيرة ملاحظات ...
- دعوة متجددة نحو أصلاح جذري للمناهج الدراسية في العراق
- أزمة تشكيل حكومة في العراق أم أزمة نظام سياسي
- عاشوراء الحسين بين الرمزية الأنسانية والأستغلال السايكوسياسي
- العراق: أزمة أخلاقية أم سياسية أم دينية
- الديناميات النفسية المتحولة في وعي الانتفاضة
- فاجعة غشاء - البكارة المطاط - وحديث عن العفة واضطهاد المرأة
- انتفاضة تموز العراقية 2018 بين غضب السلطة الجائر وغضب المنتف ...
- انتفاضة تموز العراقية 2018 وخلفيتها السايكواجتماعية
- في نتائج الأنتخابات البرلمانية العراقية: المعارضة خير من الح ...
- الأغتراب النفسي بين الناخب والمرشح في الانتخابات البرلمانية ...
- في سيكولوجيا القيمة الأخلاقية والتربوية للصوت الأنتخابي وليس ...
- في الذكرى الخامسة عشر لأحتلال العراق وسيكولوجيا أستعصاء أزمة ...
- في سيكولوجيا الأنتماء للحزب الشيوعي العراقي في ذكرى تأسيسه
- في سيكولوجيا تزوير الوعي الأنتخابي ومستلزمات النهوض به
- اليوم الدولي للمرأة وسيكولوجيا التحرش الجنسي
- في سايكوسوسيولجيا الصوت الأنتخابي العراقي !!!
- الحراك الأجتماعي الايراني بين المشروعية والآفاق
- العقلية الذكورية وتعنيف المرأة في مشروع تعديل قانون الاحوال ...
- لا لتأصيل سلوك الكراهية بين مكونات المجتمع العراقي


المزيد.....




- صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب ...
- لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح ...
- الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن ...
- المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام ...
- كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
- إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك ...
- العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا ...
- -أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص ...
- درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عامر صالح - المنهج الدراسي في العراق وصناعة الكراهية