أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الغني سلامه - الثقافة السمعية















المزيد.....

الثقافة السمعية


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 6088 - 2018 / 12 / 19 - 17:10
المحور: المجتمع المدني
    


قبل الراديو والتلفزيون والإنترنت، كان المصدر الوحيد للأخبار "الحكواتي"، والذي كان أيضا وسيلة التسلية المفضلة، والحكواتي يتمتع عادة بقدرات مميزة في السرد والخطابة؛ وكان حتى يستحوذ على انتباه السامعين يضفي على حديثه عناصر التشويق والمبالغة، وإختلاق الأخبار وفبركة القصص، إذا لزم الأمر..

اليوم، انتقلت هذه "الصنعة" بكل مزاياها وسماتها إلى الأدوات الحديثة، أي إلى وسائل الاتصال التكنولوجية، وظل نفس جمهور المستمعين، يصغي لهذا الحكواتي الجديد، بنفس الآلية القديمة، ويبني ثقافته، ومواقفه السياسية، وحتى وشخصيته الفكرية، بناء على ما يسمعه منه فقط.. ونعني بهؤلاء من يكتفون بسماع نشرات الأخبار وتحليلات "الخبراء الإستراتيجيون" الذين تستضيفهم المحطات الفضائية المختلفة.. ونضيف إليهم من يستمدون ثقافاتهم من منشورات فيسبوك وتويتر، السريعة والسطحية..

ولا نستغرب حين نشاهد متعلمين وخريجي جامعات، ومنهم من بلغ درجات أكاديمية متقدمة لكنهم يصنفون ضمن فئة "جمهور المستمعين"، ذلك لأنهم لم يقرؤوا شيئا خارج نطاق تخصصهم، وظلت العوالم الأخرى بالنسبة لهم غامضة، مع أنهم بالطبع لا يعترفون بذلك..
وفي المقابل هنالك من يستمدون ثقافاتهم من الكتب والروايات والدوريات والصحف والمراجع الرصينة.. أي جمهور القراء..

لكن بعض من يحسبون أنفسهم من "جمهور القراء"، تجدهم بالكاد يقرؤون كتابا أو كتابين في السنة، وصارت مطالعاتهم تقتصر على المنشورات القصيرة والسريعة.. على أية حال تلك هي سمات المرحلة؛ حيث صار الناس في هذا الزمن "السريع" يفضلون كل شيء سريع وقصير: الوجبات، الأغاني، المقالات..
وفي الواقع، ثمة فارق كبير بين جمهور المستمعين، وجمهور القراء.. وبالتالي فرق كبير بين الثقافتين..

الثقافة السمعية، تعتمد فقط على التناقل الشفهي، والقراءات المبتورة والمجتزأة، وبالتالي لا تقدم علما يعتد به، ولا تعطي خبرا صحيحا، ولا تبني ثقافة محترمة.. بل هي في أغلب الأحيان مجرد إشاعات، أو قصصا مفبركة وأخبارا زائفة، أو عبارة عن استنتاجات متسرعة، وتحليلات خاطئة، لأنها تفتقر لأسس التفكير المنطقي، ولأنها غير موثقة، ومنزوعة من سياقاتها العامة..

وعندما تُبنى أي معرفة استنادا للسمع فقط، عادة ما تكون ناقصة ومشوشة، بل إنها كثيرا ما تعكس جهلا فاحشا بالموضوع، لذلك هي ثقافة مدمرة للعقول ومدمرة للمجتمع.

الثقافة السمعية هي الأكثر انتشارا في أغلب المجتمعات، لأنها أسهل، ولا تتطلب جهدا، وهي تحاكي الطبيعة البشرية بنزعاتها البدائية وأمراضها ونواقصها، وهي تناسب أكثر أولئك المفتونون بنظرية المؤامرة، أو الذين تستهويهم قصص الفضائح، والإثارة، وحياة الناس الخاصة (بالذات المشاهير).. لهذا، عندما تنتشر أخبار تتضمن جوانب سلبية، وفضائح، أو اتهامات لآخرين.. تجد رغبة عجيبة لتصديقها، وترويجها، حتى لو كانت تتناقض مع أبسط الحقائق المعروفة والموثقة.

والسبب في ذلك، أن الناس لا تسعَ لمعرفة الحقيقة، بل هي غير مهتمة بها أصلاً، تفضل الكذب الجميل على الحقيقة المرة، الناس بطبعهم يميلون لتصديق الروايات السيئة عن الآخرين، ويجدون فيها تعويضا عما ينقصهم، وعزاء لخيباتهم وضعفهم، وفرصة للتعبير عن غضبهم المكبوت، يفعلون ذلك بنوع من التطهر، ليظهروا أمام أنفسهم وأمام الآخرين كما لو أنهم ملائكة، وأشخاصا مثاليين، وكأنَّ حياتهم بلا أخطاء.. ربما تكون تلك القصص والأخبار ساذجة، وغير قابلة للتصديق إطلاقا، لكن حب الإثارة، والرغبة للخروج عن المألوف، تجعل الكثيرين يعيدون إنتاج تلك القصص والأخبار والتعليق عليها، مع التهويل وبناء استنتاجاتهم الخاصة، والمرعبة.

ما مدعاة كل هذا الحديث؟

في السابق كانت الأنظمة المستبدة تحتكر الإعلام، وتضعه تحت سيطرة أجهزة الأمن، وتمنع عن الناس أي مصدر مستقل للمعلومات.. ثم تعمل على توجيه الرأي العام كما تريد، واختلاق قضايا رأي عام يتلهى بها المواطنون، فتبدأ في ترويج مقولات معينة.. والناس تصدق ما تسمعه من الإعلام، وتتعامل معه بوصفه حقيقة مطلقة، لأنهم لم يتعودوا على القراءة، ولا يدققون فيما يسمعونه.. لأنهم تعودوا على ثقافة التلقين (السمعية) في المدرسة والجامع والجامعة..

في السابق كان لكل بلدة حكواتي واحد، اليوم، صار كل مواطن حكواتي.. بفضل تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، التي مكنته أيضا من استخدام وسائل رهيبة في سرعة انتشارها والمديات التي تصل إليها، مثل يوتيوب وفيسبوك وواتس أب وغيرها.. ولكن، لم يرافق هذا التطور التقني تطور في ثقافة المجتمع؛ فظلت الثقافة السمعية هي السمة الطاغية..

وبفضل الانتشار غير المسبوق لوسائط التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية الإلكترونية، التي لا تلتزم بمعايير العمل الصحافي.. صار المواطن بديلا عن الإعلام الرسمي للأنظمة في ترويج الإشاعات والأخبار، أو في نشر ثقافة التجهيل والسطحية، من خلال تلك المنشورات التي تمتلئ بها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أقل ما يقال عنها أنها هبل..

ولا بد من التأكيد، على أن الثقافة السمعية بحد ذاتها ليست خطأ؛ فالاستماع صار من ضرورات العصر، لكن الاعتماد عليها فقط، دون مصادر المعرفة الحقيقية، وأهمها الكتب، يخلق ثقافة مشوهة..

اليوم توفر التقنيات الحديثة إمكانية تحويل الكتب إلى محاضرات سماعية، وقد لجأ العديد من المفكرين والمنظرين والعلماء والأدباء إلى تقنية السمع، أي بدلا من تأليف كتاب، يقوم بتسجيل فيلم ينشره على قناة يوتيوب، وفيه يحكي كل ما أراد كتابته، وهذا له جمهور واسع، وآخذ بالازدياد.. وقد يجمع بين التأليف والكتابة مع التسجيل والتوثيق الصوري.. هذا إلى جانب الكتب الناطقة التي كانت مصممة أساسا للمكفوفين، ثم انتشرت بسرعة، لأنها مناسبة لمطالعة كتاب في الحافلة، وأثناء المسير..

أُحب منظر الناس وهم يضعون في آذانهم سماعات "هدفون"، أثناء تجوالهم، فإذا كان ما يسمعونه أغاني، فستمنحهم طاقة وحيوية، وإذا كانت كتبا ومحاضرات ستعطيهم معرفة..

ولكن، يبقى خير جليس في الزمان كتاب.. له ملمس، ورائحة، وشعور خاص لا يعرفه إلا من اعتاد على المطالعة..



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علوم زائفة
- حُراس الفضيلة، وفستان رانيا يوسف
- الغضب المقدس
- المواطن المستقر
- خوف الطغاة من الأغنيات
- إعدام ميت
- الأصوليّة الإسلامويّة الجديدة - تأملات في فكر وممارسات قوى ا ...
- الفقر، والانفجارات الشعبية في العراق
- بوح واعترافات شخصية
- وما زال حرق النساء مستمرا
- خزعبلات المشايخ
- الرجل والمرأة، كراهية أم خوف؟
- إيران تخلع الحجاب
- النيوليبرالية الإسرائيلية
- بماذا نؤمن؟ ولماذا؟
- ماذا يحدث في السعودية؟
- الجيل القادم من داعش
- قضية الأمازيغ
- الفيدرالية هي الحل
- يا مسيحيي الشرق، شكرا لكم


المزيد.....




- -وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس ...
- الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
- بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة ...
- بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
- قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا ...
- إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد ...
- مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الغني سلامه - الثقافة السمعية