|
نقد حدود العقل *
احسان طالب
الحوار المتمدن-العدد: 6088 - 2018 / 12 / 19 - 14:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بداية ينبغي التفريق بين االطور والمجرد ، فمجرد الإنسان تشمل كل الأطوار زمانية ومكانية ، أما إنسان الكهف ، هومو، أريكتوس ، هوموسيبيان ، نياندرتال ، إنسان الثورة الرقمية ، إلخ هي أطوار ،هنا نلاحظ التعريف بالإضافة ما هو إلا أطوار تكوّن أجزاء من كلية مجرد إنسان هنا نلاحظ التعريف بالذات . ف" إنسان " معرف كأفهوم **تماما كأفهوم العقل . أما ما عرف بالإضافة فهو طور من مجمل أطوار . من معضلات العقل البشري بنيته القادرة على تبني التناقضات المتصادمة ، النقد والتنزيه ، العلم والخرافة ، المنطق واللامعقول الخ . ، فالغزالي أبو حامد دل بوضوح على استيعابه لمجمل منطق الفلاسفة ، لكنه كرس حياته للتقليد وتقييد العقل بنص بذاته ، وليس " النص" من حيث هو مادة للبحث . والتقليد مرادف مضاد للنقد أو لاستعمال وظائف العقل خارج حدود مفروضة عليه ، فالمقلد لا يفكر خارج السياق ، ويبقى رهين النسق مهما كان باليا أو قاصرا ، فالواقع الإنساني محاط بعالم متغير يتحدث تلقائيا كل لحظة ، العقل المقلد لا يتجدد أبدا بل يدور في حلقة مفرغة يعطل وظائف الإبداع والابتكار وصولا لتجميد وظيفة التفكر الأساسية وإلحاقها ب" نص" بذاته دون سواه ، بتلك الآلية ستنقلب وظيفة العقل الأساسية لتتحول إلى تفكير آلي نمطي ثابت بقواعد وأصول هي بحد ذاتها متحجرة ارتبطت بزمان ومكان محددين لا وجود لها بدون شروط وجودها الزمانية والمكانية . أيضا ابن تيمية له كتاب نقض المنطق بين فيه علمه بحجج وبراهين الفلاسفة ، لكن خلاصة مذهبه ، التقيد بحرفية النص ، إلا ما ندر ، وله قاعدة لا عقلية ولا منطقية في فهم وتحديد صلب الشريعة وهي : كل فهم في الكتاب والسنة لا يتفق مع ما ورد فيه أثر صحيح عن الصحابة وبعض التابعين فهو خاطئ ولو كان صحيحا. فباب الاجتهاد مفتوح بصورة مواربة لا نصل إليه إلا عبر جسر وصول وحيد هو المأثور عن الصحابة فقط . ما يعني تلقائيا إخراج العقل عن وظائفه الأساسية كما في حالة التقليد الغزالية . فالعقل عنده ما وافق صحيح نص وليس صحيح " النص " باعتبار النص هو ما نص عليه الأثر الصحيح عن الصحابة ، أي لا قيمة للعقول من بعدهم إلا اجتهادا في دحض مخالفيهم ، واجتهاد في نقض ما خالف نصا ، نصَ هو على تنصيصه . لا يمكن لعاقل أن يقول بأن الغزالي أو ابن تيمية ليسا بعقلاء ، من حيث وجود الدليل على تعقلهم ، لكن ما آل إليه تعقلهم هو حرمان المسلمين من العقل إلا في حدود ما نص كل منهما على أنه الشرع ، أي ابطال العقل المسلم خارج دائرة أطروحاتهم . وهذا ليس عيبا بهما فقط بل في المذاهب والطوائف الإسلامية الأخرى ، فالقاعدة عند الجميع هي: "نصنا" أي ما اعتبروه نصا وتاليا شرعا هو العقل وما خالفه لا معقول . الطريف أن كل طرف منهم من دعاة اكتمال العقل داخل حدود " المنصوص" يرى نصه عقلا ونص الآخر لا عقل . فنصنا هو كمال العقل ونص غيرنا جهل . تلك هي معضلة العقل البشري، ما لم يتحرر من تعقيل نص دون سواه، حتى ولو كان النص أيديولوجيا لا دينية، مادية وجودية طبيعية سيستمر بإنتاج عقول ممسوخة تشبه تلك الألعاب التي ينتجها معمل صيني رديء بالملايين كل يوم. لا حدود للعقل !! فأنت لن تستطيع معرفة تلك الحدود إلا عندما تقف عندها ، عاجز أو ناقص معرفة ، كما أن من يحدد تلك الحدود هو بالواقع " عقل موسوم بمعرفة مسبقة محددة، لها سقف معرفة غائية لا قصدية . قصدية العقل: تعني سعيه المطلق ليكون عقلا أي متفكرا أي موجودا ، أما الغائية فهي سقف ، هدف تتحقق الغاية ببلوغه فالغاية من الغائية هي الغائية بذاتها ، أما الهدف من القصد فهو بلوغ ما بعد القصد فهناك قصد آخر . ففي القصد هناك إرادة واعية حقيقية في الوصول إلى كشف للمستور أو المخبوء أو المجهول ، مثلا علم الفلك قصد وليس غاية فالعالم من حولنا لا حدود له بالمعرفة ، وكل معلوم يستفتح الباب لمعلوم آخر كان مجهولا . فالقصد هو ما بعد الغائية . ، هناك دائما شيء ما وراء الشيء . تريد القصدية الوصول إليه. من يضع تلك الحدود أليس عقل تجاوز من سبقه ليقول لهم هناك شيء ما أو أشياء خارج المعرفة . هذا الأخير يدفع بالحدود نحو أفق أوسع ، ثم يليه من يدفع حدوده القديمة مستعينا بمن سبقه نحو الأوسع . هكذا فالعقل بما أنه تفكر مرتبط بالوجود هو متخط للحدود ببقاء الموجود الذي لا يفنى. تعليل حدود العقل بحدود المعرفة إنما هو تنصيب الأصغر كمستوعب للأكبر ، بمعنى آخر المعرفة محدود بما وصلت إليه ، فهذا المحدود " الصغير" ليس حجة على العقل ـ الكبير ـ الذي أنشأ تلك المعرفةـ خلقا أو اكتشافا ـ فأصل بلوغ المعرفة استكشافا أو تقريرا هو العقل ، إذن منتج العقل ـ معرفة ـ لا يستقيم أن يكون سقفا ـ حد ـ للعقل . حدود المعرفة: مسألة زمانية وليس وجود ، المعرفة بما هي عوالم لدواخلنا وعالم ما يحيط بنا مباشرة ، وعالم ما يوجد حولنا خارج محيطنا مساوي لقْدر معرفتنا ، فتلك العوالم الآن تعادل معرفتنا وما نتصوره عن ما يمكن لنا بلوغه من معارف عنه ، تلك هي عوالم ما كشفناه أو قررناه بحدود "زمان " وليس بالزمان . العقل لا زماني ووجود لا مكاني. فهو متحرر من تلك الحدود بماهيته ، أما المعرفة فمحدودة بحدود زمانية ومكانية . فرض حدود على عقل ما ـ مادي ، ميتافيزيقي ، علمي ، أيديولوجي ، تُخل بماهيته الأصيلة أي التفكر وتأسيس الفكر وإنتاج معرفة جديدة أو إضافية ،ما يفيد تاليا بأن حدود العقل هي مفروضة عليه ،وليست أصيلة فيه ، مانعة له من الحركة خارج الزمان والمكان . تتحول إلى أغلال تخرج العقل عن وظائفه الوجودية . ليصبح عقلا بعينه وليس مجرد عقل بماهيته. هذا التفريق يجعلنا نستوعب معضلة عقل البشري ، وليس " العقل " بذاته باعتباره موضوع ذاته وليس موضوعا خارج الذات . المعرفة لها حدود بحكم ما هي عليه الآن ، أي أن معرفتنا اليوم هي المحدودة وليس مجرد معرفة ، تلك المتعلقة بمجرد عقل تبقى ذات منسجمة مع أفق قابل للانفتاح على الدوام . يبقى الجواب على سؤال معضلة العقل البشري القادر بنيويا على تبني المتعارضات المتناقضة محتوى بفكرة نمط بعينه، فالفيلسوف الذي يؤيد الخرافة الأيديولوجية إنما يفعل ذلك لأسباب لا علاقة لها بمجرد العقل ، إنما بدوافع لا نهاية لها قد تكون عاطفية أو سياسية أو نتيجة لبلوغ "عقله " حدا خشي بعده من الضياع فنكث إلى الخرافة التي تجعل كل مجهول ومعلوم مرتبط بغائية محكمة لا ضرورة لتعقلها.
* استكمال مبحث النص والعقل . ** أقصد بالأفهوم معنى أشمل من " المفهوم " فهو يشمل عدة مفاهيم . وهو تفريق مدرسي ـ غير ملزم ـ يهدف لتوسيع مجال البحث والاستقصاء.
#احسان_طالب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنفاس المعاني دخان يهدئ ضوضاء المقال
-
قطيع حائر بين الوهم والحقيقة
-
كل الأسماء أشياء تنتهي كما هي موجودة
-
رقي صوب العلا يناجي الخلود
-
إشكالية العقل والنص تفكيك التناقض .*
-
تحليل الموروث كنتيجة موضوعية لذات النص
-
النص ذاتا وموضوعا وهوية
-
المعالجة الواعية للتطرف النصوص التاريخية غير قابلة للحذف !
-
الكهف الأفلاطوني الحديث والمعاصر *
-
مقاربة حداثية للتراث *
-
ما هو النص ؟ معنى الإشكالية بين المحكم والمتشابه
-
الحضور الأنطولوجي للعلم إشكالية المشروع الإسلامي
-
القلق؛ فعل فكّر ومسألة الشعور :دراسة فلسفية
-
بحث في الظاهرة الاجتماعية : العنف ضد النساء كأنموذج
-
في انطولوجيا الذات والنفس والمعرفة
-
الوجود عند أبي هذيل العلاف وإبراهيم النظّام ، مقاربة ميكانيك
...
-
التنوير كأفهوم من أبيقور إلى كانط ومابعده
-
ماهية الحقيقة والأوهام الأنطولوجية : دراسة فلسفية
-
الماهية عند أرسط: المقولات العشر ، القياس
-
كتابة الأبحاث والرسائل الجامعية والدراسات نصائح وأفكار
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|