|
كيوتو (٣)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
منير المجيد
(Monir Almajid)
الحوار المتمدن-العدد: 6087 - 2018 / 12 / 18 - 03:20
المحور:
سيرة ذاتية
- مساء الخير سيّدي! كيف كان يومك؟
قال لي البواب البرازيلي وهو داخل زيّه البطريقي.
أعطيته تقريراً، وأنا أترنّح قليلاً بفعل البيرة والساكيه، حول جولتي الطويلة والشاقة على معابد كيوتو الأشهر، وإنتهائي إلى إيزاكايا «ميهو».
إن كنت مهتماً بالمعابد سيّدي، أوصيك بالذهاب إلى «نارا».
رُبّاه، كم أكره أن يناديني أحد بالسيّد.
هي ضمن برنامجي في الواقع. كنت قد خطّطت لذلك غداً، إلا أنني محطّم فيزيائياً. بعد غد.
تمنّى لي ليلة سعيدة، فدخلت من الباب الدّوار ليزداد دواري أيضاً.
الحمّام الساخن حسّن من وضعي كثيراً، وأزال رائحة الدخان العالقة بشعري، وتمنيت أن تزول من الثياب بحلول صباح اليوم التالي.
في مطاعم الإيزاكايا يُسمح بالتدخين، وبالرغم من أن بعضها يفصل بين قسم للتدخين وآخر لغير المدخنين، فإن الرائحة ستلصق بك أينما كنت.
مطاعم الإيزاكايا تتفق، عادة، مع شركات خاصة لنقل السكارى وسياراتهم إلى بيوتهم آخر الأمسية. قبل أن تبدأ بالشرب، تُعطيهم، إن شئت، مفاتيح سيارتك ومكان ركنها، بالإضافة إلى عنوانك، وهم يتكفلون الباقي.
مسترخياً في السرير، كانت نشرة الأخبار من محطة NHK تتحدث عن نية الحزب الليبرالي الحاكم بقيادة رئيس الوزراء «شينزو آبيه» تعديل الفقرة التاسعة من الدستور.
المعروف أن اليابان استسلمت إبّان الحرب العالمية الثانية بعد أن رمت الطائرات الحربية الأمريكية قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي، لتُصبح البلاد بعدها محميّة أمريكية.
إلا أن الأمّة، وبسبب الشعور الجمعي الذي يُميّز هذا البلد عن غيره من البلدان. الإعتزاز المذهل بالإرث، وتأليه الإمبراطور، مع إقتران الإتجاه نحو القومية والحداثة والديمقراطية، لم تتخلى عن فكرة عدم العودة إلى الصناعة الحربية، التي كانت متطورة للغاية قُبيل الحرب.
الدستور الحالي كُتب بالأصل باللغة الإنكليزية وبأمر من الحاكم العسكري حينذاك الجنرال «دوغلاس ماك آرثر»، والفقرة التاسعة منه، بالتحديد، تُجرّد اليابان من قواتها العسكرية وتُحرّم عليها دخول الحروب، مما أدّى، ببساطة، إلى القضاء على الصناعة الحربية. كلّ ما يُسمح للبلاد الخوض فيه، حينما يتعلق الأمر بأنشطة عسكرية، هو المشاركة في قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام.
عودة إزدهار الصناعة اليابانية، بعد الحرب، بشكل عام، يعود إلى تطورّه بفضل الحرب في شبه الجزيرة الكورية.
في العام ١٩٥٠ شنّ «كيم إل سونغ» قائد كوريا الشمالية، حليفة الإتحاد السوفياتي، حرباً على كوريا الجنوبية، حليفة أمريكا، التي دفعت بدورها قواتها لتهاجم كوريا الشمالية.
حينها خطرت للأمريكان فكرة تصنيع قطع الغيار الضرورية في اليابان، بسبب القرب الجغرافي وأيضاً بسبب انخفاض التكاليف.
أسفرت الحرب عن مقتل ٥ ملايين وعن دفع عجلة الإقتصاد في اليابان.
إذا أُتيح لرئيس الوزراء تغيير الفقرة التاسعة، فإن البلاد ستدخل في منافسة كبيرة مع الصناعة الحربية الأمريكية. صدّقوني، ستكون أمريكا هي الخاسرة.
بعد الإفطار، الياباني بطبيعة الحال، قررت زيارة ضاحية «أراشياما ساغانو» وغابة البامبو.
القطار ينقلك من المحطة الرئيسية إلى الموقع في غضون ثلاثين دقيقة.
كل ما قرأتُ وشاهدتُ من وثائقيات وصور ومنشورات عن هذه المنطقة لا يُقاس مطلقاً بما يُمكن مشاهدته من القطار.
منظر جسر «توغيتسُ- كيو»، والجبال المحيطة المكسوة بالغابات حتى آخر سنتيمتر. الإبحار في سفينة صغيرة حول البحيرة التي يُشكّلها نهر «كاتسُراغاوا» قد يكون فائق الرومانسية، ويُذكّر بالحب الأول في زمن المراهقة. إلاّ أن غابة البامبو «ساغانو» ذات الشهرة العالمية، والتي فيها الملايين من الأشجار العملاقة الممتدة بسيقانها المُقسّمة بعناية كحلقات رابطة، والتي تغطي مساحة ستة عشر كيلومتراً مربعاً، فإنها تكفي، لوحدها، أن تكون السبب في زيارة هذه البلاد.
عدت، مرّة اخرى، مترفاً، سعيداً، مُحلّقاً في عالم من الجمال المرهف والسكون. كيف تكون هذه الأرض البديعة، وهذا الشعب الذي يُضيء سلاماً وهدوءاً أن يمّر في هكذا تاريخ مليء بالحروب والإقتتال والإغتصاب والإعتداء على نصف قارة آسيا؟
كان قد حان وقت تناول العشاء، حينما حطّ القطار الصغير في المحطة الرئيسية. وكما البارحة، لم أتناول شيئاً طيلة النهار منذ الإفطار.
في الطابق العاشر بحثت عن مطعم مُلائم. أبعدتُ فكرة السوشي، لأنني، ببساطة، أردت أن أسير عكس تيّار بقية الزوار الأجانب هنا. تعبت من ربط المطعم الياباني بطبق واحد، لا يُلفظ أسمه على نحو صحيح إلا القلّة. المطبخ الياباني واسع وشيّق وممتع وشهي.
اخترت تناول «شابو شابو». شرائح رقيقة جداً من لحم البقر تغمسها، في مرقة القدر المُسخّن على طاولتك، لثانيتين. على جانب القدر هناك أرز (كالعادة)، مخللات كيوتو الشهيرة، صلصة الصويا، وسلطة من خضار كيوتو الشهيرة أيضاً.
على مدخل الفندق، كان صاحبي البرازيلي مشغولاً بالتحدث إلى عائلة أمريكية، أفرادها كلهم بدناء، ولم يكترث بي مطلقاً.
(يتبع)
#منير_المجيد (هاشتاغ)
Monir_Almajid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيوتو (١)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
-
كيوتو (٢)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
-
طوكيو، هم الذين يطلقون سراح الشمس
-
الشينكانسن، هم الذين يطلقون سراح الشمس
-
قامشلو
-
لا، هذا ليس رثاء يا أمي
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|