|
عراق 9 نيسان و - المحيط - العربي
خالد السلطاني
الحوار المتمدن-العدد: 1519 - 2006 / 4 / 13 - 11:46
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تمر في هذه الايام الذكرى الثالثة لسقوط النظام الديكتاتوري التوتاليتاري البائد في العراق ، وتتيح هذه المناسبة المجيدة امكانات تعقب تبعات ذلك الحدث السياسي والاجتماعي والثقافي الضخم الذي هز ّ المنطقة باسرها ، ورصد تأثيراته على العراق ذاته وعلى الانظمة العربية المجاورة . ورغم فيض التقييمات العديدة والمتنوعة الصادرة عن شخصيات وتنظيمات واحزاب ومؤسات عربية لذلك الحدث الفريد والمبارك الذي جرى بالعراق قبل ثلاث سنوات ، تقييمات جلها تسعى الى التقليل من اهميته ونعته بنعوت كثيرة ، يشم منها رائحة التضليل المتعمد ، والافتراءات المفضوحة ، فان ما جرى في ربيع عام 2003 بالعراق ، وتحديدا في 9 نيسان ؛ - ولا بأس من اعادته مراراً – يكافأ ، في اعتقادنا ، ما شهدته البشـرية في ربيع عام 1945 ، وتحديدا – ايضا ً- في 9 أيار : يوم الانتصار المهيب على الفاشية ، وبدء مرحلة جديدة في تاريخ الانسانية ، مرحلة مترعة بتطلعات وآمال في الديمقراطية والسلام ، وهو ما كنا ، ايضا ، نأمله ونراه بعد "زلزال " 9 نيسان . بيد ان فترة السنين القليلة الماضية اظهرت صنوفا من المعوقات الهائلة ، حالت دون تحقيق سريع لتلك الاماني والامال المعقودة على حدث التغيير المبارك ، الذي جرى في ارض ما بين النهرين . ومعلوم ان اسباب تلك المعوقات كثيرة ومتنوعة ، يدخل ضمنها طبيعة ونوعية المجتمع الذي " رعاه " ، وجاهد في خلقه " النظام " الاستبدادي المقبور ، كما يدخل في سياقها اخطاء ممثلي الطبقة السياسية العراقية ما بعد التحرير ، بالاضافة الى الاخطاء التى ارتكبتها قوات التحالف . لكن البواعث الاساسية لتلك المعوقات التى تقف حائلة في وجه عملية تحقيق سريع لنظام ديمقراطي آمن وعامر هي الافعال المشينة التى يقوم بها بقايا النظام الصدامي البعثي والتكفيريين الالغائيين ، المتمترسيين وراء فهم مظلم وظالم للاسلام . ويجتهد في عمل و" انشاء " موانع وعقبات جديدة ومتنوعة النظام العربي بمؤسساته الحكومية وتنظيماته " الشعبية " وقواه السياسية واجهزته القمعية ؛ التى تسعى جاهدة لافشال التجربة الديمقراطية بالعراق ، والتى تعتبرها خطراً يهدد نظامها الاستبدادي ويعجل في نهايته . وثمة شواهد كثيرة لكيفية تعاطي النظام العربي مع الحدث العراقي ، والتى تدلل بصورة قاطعة عن فزع هذا النظام ورعبه جراء تبعات " توطين " الظاهرة العراقية بالمشهد السياسي في منطقة الشرق الاوسط . وما نشاهده من اعمال ارهابية مميتة وافعال تخريبية واسعة ، كالتى تحدث اليوم على نطاق واسع في العراق ، والتى ثبت بان منظميها وراعيها ومموليها دول الجوار العراقي بمباركة واضحة من اجهزتهم القمعية ، لهو دليل عن مدى اضطراب وهلع تلك الانظمة من الواقع العراقي الجديد. ولئن كان بالامكان ادراك " مبررات " سلوكية الانظمة العربية تجاه الحدث العراقي التى وجدت فيه تلك الانظمة اياها خطرا بالغا محدقا بها ، فان موقف بعض القوى العربية والشخصيات المثقفة او التى تدعي الثقافة ، والمنادية بالدفاع عن حقوق الانسان العربي ، والمصطفة بتبجح مع " اطروحات " الانظمة الشمولية العربية يثير قلقا مشروعا عن جدوى ومصداقية دعاوي تلك القوى للشعارات التى ترفعها وعن الاهداف الحقيقية التى تتوخاها . فعلى امتداد ثلاث سنوات شاهدنا وقرأنا ( وما برحنا نشاهد ونقرأ ! ) صنوفا من المواقف والمقاربات والتحليلات الصادرة من تلك القوى التى يفترض وقوفها مع الديمقراطية ومع حقوق الانسان ؛ مواقف تصب زيتا على نار الارهاب المشتعلة اوارها في ارض العراق ، ومقاربات تذكي الفتنة الطائفية والقومية ، وتحليلات همها الوحيد ترسيخ مزيد من الاكاذيب والاباطيل والتلفيقات ، لما يجري في العراق بغية خلط الاوراق وبالتالي يضحى الارهاب الاعمى المستشري في ربوع مابين النهرين وكأنه " مقاومة " ضد المحتل الامريكي واعوانه العراقيين العملاء ! . ثمة نشاط محموم يومي لا يعرف الكلل ، وعلى امتداد طول الفترة الزمنية منذ سقوط النظام الديكتاتوري ولحين الوقت الحاضر ، يقوم به اؤلئك الذين قدموا انفسهم سابقا كمناصرين للديمقراطية والداعين لتثبيت حق المواطنة المشروعة ، للنيل من حقوق العراقيين في العيش بآمان وفي نظام مسالم تعددي وديمقراطي ؛ وهذا النشاط المكمل لهجمة الانظمة العربية المستبدة يسعى الى توظيف مختلف انواع التزييف والتزوير ويكرس مصطلحات واوصاف غارقة في شوفينيتها وعنصريتها تنشد بمجملها تعتيم اهداف التغيير المبارك الذي حدث في 9 نيسان وتحرص على اعاقة تحقيق مراميه . فالذي جرى بالعراق قبل ثلاث سنوات هو سقوط نظام استبدادي جائر قلما عرف العالم المعاصر نظيرا له في اجحافه وارهابه وظلمه وتعسفه وهمجيته ؛ فما هي ، اذن ، " المعصية" التى ارتكبت جراء عملية التغيير المبررة اخلاقيا وسياسيا وقانونيا والمتوافقة مع شرعة حقوق الانسان ؟ ماذا لو امتنع ، مجرد امتناع ، اولئك المتباكين على مصير العراق ومصير الحرية بالعالم العربي ( وهل بمقدورنا ان " نحلم " بوقوفهم الى جانب العراقيين ؟) امتنعوا وكفوا عن نشر الاكاذيب والاباطيل عن كل ما يخص الشأن العراقي الحاضر؟ انهم في هذا يقدمون عونا ً للعراقيين في تخطي المحنة التى افتعلها بقايا النظام الاستبدادي وغلاة التكفيرين الغارقين في وحل عصابيتهم التى تغذيها شهوة الغاء الاخر والتبحج في تمسكهم في فهم واحد اوحد " لمرجعية " منتقاة . سيكون موقفهم ذاك امرا مساعدا في كشف الافتراءات وعمليات التضليل المنظمة التى مورست ضد العراقيين وضد قضيتهم العادلة ، وسيكون ذلك ، ايضا ، مساهمة ملموسة تعمل على تعجيل رحيل الانظمة الاستبدادية التى حولت منطقة الشرق الاوسط الى " مستنقع " آسن من الظلم والقهر والعداء والاستبداد . وليس بخاف ٍ ان نجاح التجربة العراقية التى بدأت في 9 نيسان سينعكس ايجابا على مجمل الحياة السياسية ، ويسهم في تحقيق الاماني التى نادت بها اجيال متعاقبة من الشعوب العربية المغلوبة على امرها . وتظل الحالة العراقية مع الفلتان الامني ورغم وقع الاعمال الارهابية وانتشارجميع الافتراءات الباطلة التى يسوقها فريق " فسيفساء " سياسي غريب الاتجاهات والمنطلقات ، تظل تلك الحالة بواقعها المفعم بالامال والحرية التى لا يعرف المشهد السياسي العربي مثيلا لها ، تمثل حالة متقدمة بمراحل عن مستوى واقع الانظمة العربية وخطابها السياسي . وربما لهذا ، تحديدا ، فان راهن الحالة العراقية بات امرا غريبا وشأنا غير قابل للفهم والادراك من قبل النخب السياسية العربية ؛ ولعل في حدث تسمية الجامعة العربية لوزير السودان السابق ، ليكون ممثلا عنها في جمع العراقيين بمؤتمر وفاق وطني دليلا ً واضحا على مدى ابتعاد الصورة المتخيلة للواقع العراقي في ذهن المسئولين العرب . ذلك لان ممثلا لنظام متهم بابادة جماعية في دارفور، وصاحب سجل طويل في انتهاك حقوق مواطنيه بشنه حرب اهلية لسنين عديدة ، بالاضافة لفرضه نظام يلغي حقوق نصف مجتمعه ، فضلا عن وصوله للسلطة بانقلاب عسكري ، واحتكاره الحكم لنفسه من دون اشراك الاخرين لمدة تزيد على خمسة عشر سنة ، ان مثل هذا الوزير هو المختارمن قبل " الجامعة " ليكون " راعيا " لمجتمع ونظام استطاع رغم الارهاب القاتل والبشع والقاسي ان يحقق اجراء انتخابات حرة ونزيهة تتجاوب معاييرها مع المعايير الدولية ، غير المعروفة لدي الممثل "المصطفى " ؛ نظام يعتمد على الفصل التام بين السلطات ، حر ّ في صحافته ، وحرّ في تشكيلاته لمنظمات المجتمع المدني ، بالاضافة الى انجازه لمحكمة العصر والتى بها يقاضى اعتى المجرمين والديكتاتورين اللذين عرفهم الزمن الحديث . فكيف لنا ان نصدق ، بعد مثل ذلك الاختيار، بان احدا ما في " المحيط " العربي قد قرأ واستوعب حالة عراق 9 نيسان ؟ ؛ والامثلة عن ابتعاد الواقع العراقي اليوم عن محيطه كثيرة ؛ ذلك المحيط الذي ما فتأ يمارس انتهاك دائم وشامل لحرمة وحقوق مواطنيه ، والذي يعتبر " حكامه " بان سلطتهم الاستبدادية لا يمكن لها ان تزول ، يمكن ، فقط ، توريثها ، من الاب الى الابن وهلما جرى ! فهل بعد ، نلام على ابداء التحية الى 9 نيسان المجيد ؟ تحية له : تحية الى 9 نيسان . * د . خالد السلطاني اكاديمي عراقي
#خالد_السلطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في وداع الشيخ جلال الحنفي - البغدادي -
-
اشكاليات تعاطي الاخر مع - الاخر - : العمارة نموذجا /القسم ال
...
-
اشكاليات تعاطي الاخر مع -الآخر- : العمارة نموذجا
-
جبرا ابراهيم جبرا : المثقف رساما ً
-
تنويعات عمارة ما بعد الحداثة
-
كتاب - خواطر السنين - : مكان .. يتوارى
-
العمارة ، بصفتها قبولاً للآخر : عمارة مبنى سفارة الدانمرك في
...
-
معاداة الاخر : ايران نموذجا
-
عمارة زهاء حديد :واقعية الفضاء الافتراضي
-
عمارة مابعد الحداثة : المصطلح والمفهوم
-
زمن - الجهاد - الارهابي : زمن الارتداد المشين
-
عمارة مكتبة الاسكندرية : الحيز ، المكان ، والزمان
-
سلالة الطين : الكاتب ، والكتاب
-
تسعينية جعفر علاوي - العمارة بصفتها مهنة
-
مسجد ما بعد الكولونيالية
-
رسالة مفتوحة الى برهان شاوي
-
صفحات منسية من تاريخ العراق المعماري: مبنى مجلس الامة-الى ال
...
-
تحية الى 9 نيسان المجيد
-
نكهة العمارة المؤولة
-
مصالحة ام ... طمس حقوق؟
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|