|
الفشل والعجز في صلب منظومة المحاصصة
سعد الله مزرعاني
الحوار المتمدن-العدد: 6084 - 2018 / 12 / 15 - 06:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على أبواب الشهر الثامن من التكليف، ما زال تأليف «حكومة العهد الأولى»، حكومة الرئيس سعد الحريري، ما بعد الانتخابات النيابية، متعذراً. قد تتشكل الحكومة خلال أيام أو أسابيع أو... لكن ذلك لا يُغيّر في حقيقة أن تأخير إنجاز الاستحقاقات الدستورية قد بات سمة تتربص بكل تلك الاستحقاقات: على مزيد من التعثر والتجاذب... وما يتصل بذلك من التعطيل والخسائر والتدهور والفشل والعجز.
لا يتأخر انتخاب الرؤساء وتشكيل الحكومات (لكي لا نتحدث عن النزاعات بشأن أمور أخرى، أقل أهمية نسبياً: في التعيينات، من أعلاها إلى أدناها، وفي العقود والصفقات و...) من أجل بلورة الفرز السياسي استناداً إلى الأكثرية والأقلية (وبالتالي الموالاة والمعارضة) وفق البرامج والتوجهات، أو من أجل تنضيج التشكيلة ومحاولة إحلال الشخص المناسب في المكان المناسب. يحصل ذلك بسبب أن «كونفدرالية دويلات الطوائف والمذاهب» اللبنانية المتنازعة، غالباً، بشأن كل صغيرة وكبيرة، تحظى بالمزيد من النمو والتمدد والتبلور على حساب الدولة اللبنانية التي لا يحكمها القانون الأساسي (الدستور) والعادي، ولا تدير شؤونها مؤسسات تنبثق من إرادة شعبية حقيقية مجسَّدة بانتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية واستمرارية (وليس الإنتخابات ذات القشرة الديموقراطية المخادعة التي تُسَخِر القانون، بسوء التطبيق أو التعطيل، وتوظف كل موارد وأجهزة الدولة للتجديد لأطراف السلطة). «الفضل» الحاسم في ذلك إنما يعود إلى منظومة المحاصصة الموروثة عن الحقبات الاستعمارية (السلطنة العثمانية ودور القناصل، ثم الانتداب الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى). هذه المحاصصة التي تكامل فيها العامل الداخلي بالعامل الخارجي عبر علاقة تبعية سياسية واقتصادية ومؤخراً مذهبية، نهض بها أطراف (وكلاء) لبنانيون كرّسوا الانتماءات الطائفية والمذهبية سبيلاً إلى توزيع وكسب النفوذ في البلاد، سياسياً وإدارياً و... وتوارثوها، ما وَسِعهم ذلك، جيلاً بعد جيل... من ثُمّ تبلورت الحصص الموزعة وفق توازنات الخارج والداخل، في مراكز قوى تحولت، سريعاً، وخصوصاً بعد تعطيل إصلاحات «اتفاق الطائف»، إلى دويلات تتغذى من نهب موارد الدولة وإضعاف مؤسساتها ورهن وحدتها الوطنية ووحدة قرارها السياسي والسيادي، وتدين بالولاء للخارج للاستقواء به في عملية اقتسام الحصص أو الحفاظ عليها أو تغييرها... حصل ذلك وسط نزاعات وصراعات لم تستثنِ استخدام اللجوء إلى القوة، عبر الاحتراب والفتنة الأهلية (ودائماً على إيقاع صراعات الخارج)، مروراً بالتعطيل والتوتير والتأجيل والتأخير... كما يحصل راهناً. في المراحل القريبة السابقة، يمكن التوقف عند تأخير تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام لمدة 11 شهراً، وتأخير انتخاب الرئيس ميشال عون لأكثر من عامين. وها هي «حكومة العهد» الأولى، كما يرغب أن تكون الرئيس عون وتياره، تواصل تعثرها للشهر السابع على التوالي. وقبل ذلك مرَّت أحداث بدا فيها الانتخاب والتكليف والتشكيل والتعيين... مستحيلاً لولا التدخّل الخارجي (مؤتمر الدوحة الذي حلَّ مشكلة ترئيس ميشال سليمان. ومشكلة التمديد للرئيس إميل لحود التي حسم بشأنها السوريون، وقبله للرئيس الهراوي). حتى موقع رئيس المجلس قد تعرَّض لاهتزاز من نوع آخر، حين اندلع الخلاف على قانون الانتخاب (بعد عام 2005) وأدى ذلك إلى تمديد ولاية المجلس بما مجموعه ولاية كاملة (بين عامي 2014 و2018). وفي عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة أقفل المجلس النيابي أبوابه لأكثر من سنة بعد أن انسحب الوزراء الشيعة من الحكومة «البتراء» التي تفرَّدت بحكم البلاد رغم فقدانها «الميثاقية» الطائفية، وتركت، فيما تركت، ورثة الـ11 مليار دولار التي أُنفقت خلافاً للأصول (احتوتها، جزئياً، «الصفقة الرئاسية»، بين التيار العوني وتيار «المستقبل»، التي حملت العماد ميشال عون إلى كرسي الرئاسة الأولى). ليس من الصعب ملاحظة أن تفاقم أزمة اللبنانيين يسير بالتوازي مع انتهاك الدستور والقوانين. إن شرط قيام الدويلات هو تعطيل الدولة و«اضمحلالها» (لكن ليس وفق التصور الماركسي طبعاً!). ويثابر قادة البلاد، على الأقل منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1989، على التنكر لإصلاحات التسوية التي أنهت تلك الحرب (اتفاق الطائف). الإدارة السورية سهَّلت وتواطأت. المحيط العربي والإقليمي لم «يبلع» أساساً، حصول أي نوعٍ من أنواع الإصلاح! اليوم، مثلاً، تضاف، إلى «فضائل» تعطيل بند إصلاح التمثيل النيابي والسياسي بقيام مجلس نيابي خارج القيد الطائفي (وإنشاء مجلس شيوخ طائفي محدود الصلاحيات) عملية تعميم التوزيع الطائفي على كل الفئات والأسلاك والنقابات وأعضاء مجالسها (!) رغم النص الدستوري الحازم بمنعها، باستثناء الفئة الأولى مؤقتاً. في تشكيل الحكومة تبرز، الآن، بقوة «حصة الرئيس». وهي بدعة ما أنزل الدستور بها من سلطان أو سلطات؟ الدستور، من أجل المحافظة على مرجعية رئيس الجمهورية الذي «هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن» (حسب النص)، حصر به أداء القَسَم، ومنعه من التصويت في مجلس الوزراء. أناط سلطة القرار بمجلس الوزراء مجتمعاً. أعطى الرئيس حق رد القوانين ومخاطبة المجلس... كل ذلك من أجل أن يبقى حكماً لا أن يصبح طرفاً، ويعجز، بالتالي، عن السهر على المصلحة العامة وعلى حقوق كل اللبنانيين لا على حق فريق منهم وفق حسابات حزبية أو طائفية... بكل المقاييس الوضع اللبناني يتدهور في كل الحقول: الوحدة الداخلية، وممارسة قرار مستقل، والاستقرار السياسي والاجتماعي، وتوفير الحد الأدنى من الخدمات للمواطن، والبيئة والصحة والتعليم والكهرباء والماء. حادثة «الجاهلية» ينطبق اسمها على وصفها: مزيج من الفلتان، وخطأ استخدام وتسخير الأجهزة والقضاء، ومظاهر الاستقواء والولاء للخارج وفق علاقات مشوَّهة، ومشبوهة أحياناً، وذات طابع فئوي في كل الأحيان! بعد حوالى 210 أيام من تكليفه بتشكيل الحكومة، من قِبل الرئيس ميشال عون، الرئيس المكلّف يكلّف الرئيس ميشال عون لإجراء استشارات لتشكيلها! هذه ليست نُكتة أو مجرد مهزلة: إنها تعبير جديد، وباهظ الثمن، عن خلل كبير في قلب نظامنا السياسي! الشعب اللبناني، الذي اجترح معجزة التحرير، وأثبت، دائماً، تعلقاً بالتنوع والانفتاح، يستحق نظاماً أفضل بالتأكيد.
#سعد_الله_مزرعاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحزب الشيوعي التأسيس وإعادة التأسيس
-
وطن قيد الدرس
-
واشنطن: من الحرب بالواسطة إلى الحرب المباشرة؟
-
مساهمة في نقاش نتائج «الشيوعي اللبناني» الانتخابية
-
صراع على السلطة لا على السياسات والتوازنات فقط
-
معركتا الفساد
-
«الهجمة الأميركية» الراهنة
-
الصراع على الشرق الأوسط
-
المصالح لا المبادئ!
-
«تيارا» السلطة وتيار المعارضة
-
فرصة مراجعة للتحرر من الشوائب
-
التأخّر، فالفشل السعوديان
-
الاستفتاء الكردي بين شبهتي «المؤامرة» و«الخيانة»
-
مساران متناقضان
-
سوريا بعد العراق... إخفاقات فعدوان؟!
-
الكُرد وحق تقرير المصير
-
قاعدتان!
-
المخرج من المراوحة في الفشل
-
نحو بناء تيار مدني فاعل ومستقل
-
مرحلة ترامب في انحطاط العولمة
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|