أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - في المعبد اليهودي … بالقاهرة














المزيد.....

في المعبد اليهودي … بالقاهرة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6080 - 2018 / 12 / 11 - 13:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


على الضِّفَّة الأخرى من العالم، يقف خيميائيٌّ يهوديٌّ اسمه "ريموند شينازي”، ينظر صوبَ مصر. ظلَّ على مدار سنوات طوال، يدخل معملَه كلَّ صباح يكتبُ معادلاتٍ، ويمزجُ تراكيبَ ومحاليلَ وأكاسيرَ في قواريرَ، ثم ينظر في عدسة ميكروسكوب يتأمل شيئًا ضئيلاً راقدًا على شريحة زجاجية نحيلة. وحين يُرهقُه الكدُّ وتُجهدُه الأفكارُ، يذهبُ إلى النافذة لينظرَ صوبَ النصف الآخر من الكرة الأرضية، حيث مصر. عقلُه في أمريكا حيث يعيش ويُدرِّس الكيمياء. وقلبه في مصر، حيث وُلِد وعاش طفولته، وحيث تنبضُ النوستالچيا في شرايينه.
تذكَّرتُ ذلك الرجلَ النبيل، الخميس الماضي 6 ديسمبر، وأنا أقفُ بين أهله وأقربائه وأبناء عقيدته داخل المعبد اليهودي في شارع عدلي بالقاهرة، أهنئ أبناءَ مصر اليهودَ بعيد "الأنوار". أتأملُهم وهم يوقدون الشموعَ على أرض مصر، فيزدادُ إيماني بحقيقة أصيلة تربط بين عشق الوطن، وقيمة الوطنية النبيلة، وحقّ المواطَنة الكريمة، في ثالوث أبديّ مقدّس، لا علاقة له بأية اعتبارات أخرى. ذلك العالِمُ الكبير، عاش سنوات طفولته وبدايات صباه في وطنه مصر، على شاطئ الأسكندرية الساحر، قبل أن يهاجر مع أسرته، مضطرًّا، إلى أمريكا، حيث ترقَّى على مدارج العلم العليا؛ ليغدو بروفيسورًا مصريًّا أمريكيًّا عالميًّا مدهشًا، يُصوّبُ الناسُ أنظارَهم إليه، بينما هو لا يُصوِّب بصرَه إلا نحو أرض ميلاده: مصر الطيبة.
عرف ذلك الرجلُ من الإحصاءات الدولية، أن مصرَ تحتلُّ المرتبة العليا في إصابة أبنائها بفيروس سي القاتل. وخزَ الحزنُ قلبَه، وقرّر أن ينقذَ أشقاءه من ذلك العدو الشرس. فاقتطع من عمره تسعة عشر عامًا، لا يبرح معملَه ولا يرفع عينيه عن أبحاثه حتى ابتكر مع فريق عمله دواءً إعجازيًّا أدهش الدنيا. إعجازيةُ ذلك الدواء، سوڤالدي، أنه يُشفي من المرض في غضون أسابيع قليلة، ويُمثّلُ وقايةً نهائية منه، في آن. الدواءُ في أصله باهظُ الثمن، ولكن بفضل جهود شينازي أستطاع أن يُهديه لوطنه مصر بثمن زهيد، فسجّلته وزارةُ الصحة المصرية كأول عقار رسمي لعلاج فيروس سي الذي ظلَّ ينهشُ في أكباد المصريين عقودًا طوالا. ولأن النُبلَ شيمةُ العلماء، فإنك حين تُنصت إلى ذلك الرجل النبيل، لن تلمح في صوته أية مرارة جرّاء ما لَحِق باليهود المصريين من اضطهاد في وطنهم مصر، بعد قيام دولة إسرائيل. لا يذكرُ كيف لوحقوا وشُوِّهوا وحُرقت ممتلكاتهم وطُردوا من ديارهم بمصر، رغم أنهم كانوا، وما زالوا، أكثر الرافضين لقيام دولة إسرائيل المحتلة على أرض فلسطين. حين تسأله لماذا خرج مع أسرته من مصر في بدايات الستينيات الماضية، يقول ببساطة مبتسمًا: "بسبب الأحوال السياسية" وفقط. دون مجرد إشارة إلى المظالم التي طالت يهودَ مصرَ الذين أحبّوا مصرَ أكثر من ملايين يعيشون على أرضها ولا يعرفون قيمتها. وربما أكبرُ دليل على هذا أن معظم من هُجِّروا قسرًا من يهود مصر لم يذهبوا إلى إسرائيل التي كانت، ومازالت، تفتح لهم أحضانها وهي تُلوِّح لهم بالباسبور الإسرائيلي القويّ. بل هاجروا إلى أمريكا وأوروبا، وهم يبكون ترابَ مصر الكريم. ولأن الأصالةَ صُنوُ العلماء، فقد كان حُلمُ ذلك البروفيسور النبيل هو أن يُهدي الدواءَ الغالي لأبناء بلده، الذين يموتون كل يوم على يد ذلك الفيروس الشرس. ما كان أسهلَ أن يطوي ذلك الرجلُ صفحةَ مصر على مرارتها، ويرمي ببصره نحو دول العالم التي كرَّمته وعرفت قدره. لكنه لم يفعل. إنما ظلَّ ولاؤه لوطنه الطيب. ولو سُئلَ ذلك الوطنُ لطلب محاكمة كل متطرّف ينتقصُ من حق وقدر أي مسيحي أو يهودي من المصريين. ولشدَّ ما يتشابه النبلاء. ذلك الرجل النبيل يُذكِّرنا بنبيل آخر هو البروفيسور سير مجدي يعقوب، الذي اِضطُهد كذلك في بداية مشواره العملي بعد تخرّجه بتفوق من كلية الطب في مصر، فسافر إلى بريطانيا وترقّى حتى وقف على قمة هرم الطب العالمي. ثم قرّر في الأخير أن يُهدي ثمرة علمه وعبقريته إلى وطنه الطيب. فأنشأ مركزًا عملاقًا في أسوان لعلاج قلوب أطفال المصريين الفقراء، راميًا عرض الحائط بأية مرارة تذوّقها في مصر. المرارةُ لا تعرف حلوقَ النبلاء. المرارةُ لا تحتلُّ إلا نفوس الصغار.
يهودَ مصرَ المتحضرين، كل عام وأنتم أبناءُ وطننا الطيب الذي يجمعنا على الحبِّ والعمل. مسيحيي مصر المتحضرين، كلُّ عام وأنتم أبناء وطننا الطيب الذي يجمعُنا على الحبّ والعمل. وأُشهِدُ اللهَ ربّي أنني أحبُّ جميعَ من أحبّوا مصرَ؛ دون النظر إلى عقائدهم التي هي شأنُ الله وحده. أحبُّ الَله فأحبُّ جميعَ صُنعِه، وأحبُّ مصرَ فأحبُّ مَن أحبَّها، فلا أكره ولا أظلم ولا أعتنق الطائفية. هكذا تربَّيتُ وتعلمتُُ من أبي المتصوّف، وهكذا أطبِّق أولَ مبادئ عقيدتي: فسِلمَ الناسُ من لساني ويدي.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على هامش الفستان… طاقيّةُ التقيّة
- كلامٌ هادئ في شأن تونس والأزهر
- زهرةٌ بين منال ميخائيل و… بسملة
- عمرو سعد … والصبايا الجميلات
- نصف قرن على ميلاد الهرم
- مصرُ الكويتُ … والوزيرةُ الجميلة
- تلويث الذوق العام
- برقية إلى … نادية صالح
- كيف أكتبُ عن -عيد الحب”!
- ثلاثةُ رجال من مصر
- أنغام: وحشاني يا أختي جدًّا
- خيبتنا … مرآةُ ميدوزا في يد المايسترو
- سانت كاترين … هنا نُصلّي معًا
- أيامُ الرجل الكفيف
- ثلاثون عامًا على ميلاد الجميلة
- سوق برقاش... يا سيادة الرئيس!
- ليزا وأطفالي …. وقانون الطيران
- الرئيس يستثمر في الإنسان في مؤتمر شرم الشيخ
- الرئيس يستثمر في الإنسان
- مُعلِّمةُ البيانو


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - في المعبد اليهودي … بالقاهرة