|
أحفاد ثورة 1789 الفرنسية يواصلون النضال
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 6077 - 2018 / 12 / 8 - 14:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مضى أكثرمن200سنة على أحداث الثورة الفرنسية، التى غيــّـرتْ الكثيرمن المفاهيم عن حقيقة (تعريف الثورة) وفقــًـا لما جاء فى كتب العلوم السياسية..وهو التعريف الذى يذهب إلى أنّ أية انتفاضة شعبية، لايجوزأنْ تــُـطلق عليها (ثورة) إلاّ إذا أحدثتْ تغييرًا جذريـًـا فى البنية الأساسية للمجتمع، من خلال ثلاثة معايير. الأول: هدم النظام الاقتصادى الذى كان سائدًا..وإقامة علاقات انتاج جديدة بين أصحاب رؤوس الأموال والعمال (وذلك قبل نجاح الثورة الروسية عام1917) المعيارالثانى: تحقيق العدالة الاجتماعية، بصورة حقيقية وملحوظة، بحيث تختفى الفروق الشاسعة فى الدخل بين أبناء الوطن الواحد. المعيارالثالث: تحقيق مطلب الحرية، على المستوى الفردى والسياسى والفكرى. ونظرًا لأنّ الثورة الفرنسية التى بدأتْ عام1789ومرّتْ بعدة أطواركان آخرها عام1840..وأنه خلال التطورات التى حدثتْ خلال خمسين عامًـا، يـُـمكن القول أنّ الانتفاضة الأولى (بعد هدم سجن الباستيل) وإعلان حقوق الإنسان والمواطن، ومسيرة النساء إلى قصرفرساى، التى أجبرتْ البلاط الملكى على التراجع..وإلغاء نظام الاقطاع..وبالتالى إلغاء كافة الامتيازات التى كان يحصل عليها كبارمُـلاك الأراضى..إلى آخرما هومعروف ومذكورفى الكتب التى أرّختْ لتلك الأحداث، والتى انتهتْ بتحقيق مطالب الجماهير(بالرغم من مقاومة النبلاء والتيارات اليمينية للقضاء على أهداف الثوار..وبالرغم من التصفيات الجسدية بين الجانبيْن..إلخ) ويرى المؤرّخون أنّ سبب نجاح الانتفاضة الشعبية، التى انتهتْ إلى (ثورة حقيقية) يعود- بالدرجة الأولى- إلى تأثيردورالفلاسفة فى التمهيد لها..وبصفة خاصة دورالفيلسوف فولتير(1694- 1778) ومونتسكيو(1689- 1714) ودوره المهم فى ترسيخ (مبدأ الفصل بين السلطة السياسية والتشريعية والقانونية) ودورجان جاك روسو(1712- 1778) والذى يعتبركتابه (العقد الاجتماعى) من أشهرأعماله. ولم يكن فلاسفة فرنسا وحدهم همْ الذين ألهموا الشعب الفرنسى، بضرورة مقاومة وتحدى الحـُـكام الطغاة، حتى تتحقــّـق الحرية والعدالة الاجتماعية..وإنما ساهم- أيضـًـا- فلاسفة من جنسيات أخرى..ومن بينهم- على سبيل المثال- الفيلسوف الإنجليزى جون لوك (1632- 1704) الذى كرّس فى معظم كتاباته على ترسيخ (نظرية المعرفة) التى (هى المدخل للفكرالعقلانى وفهم معنى الفلسفة) كما يـُـعتبرأحد الفلاسفة الذين دافعوا عن (المذهب التجريبى) 000 إذن كما يتضح من هذا العرض المُـختصرأنّ أحفاد ثوار1789كان لديهم تراث فكرى..وأنّ هذا التراث هوالذى جعلهم (ينتفضون) طوال السنوات الماضية..وبين كل انتفاضة وأخرى بضعة شهورإلى أنْ كانت الانتفاضة الأخيرة..والتى بدأتْ منذ منتصف شهرنوفمبر2018 واستمرّتْ عدة أسابيع..وكانت البداية قرارالحكومة رفع سعرالبنزين..وما يجب التوقف عنده هو(نسبة الزيادة) التى تضاربتْ التصريحات حولها (بين5%و10%)..ومع ذلك فإنّ الشعب رفض الرضوخ لقرارالحكومة، مع ملاحظة أنّ القرارشمل (سلعة واحدة وليس عشرين سلعة) ومع ملاحظة- ثانيـًـا- ارتفاع مستوى دخل المواطن الفرنسى، قياسـًـا على الدخل المُـتدنى للمواطنين فى أنظمة أخرى..وأعتقد أنّ الملحوظة الثالثة (والأهم) هى موقف الحكومة ورد فعلها من أحداث المُـظاهرات: فبينما كان سلوك المُـتظاهرين فى أقصى درجات العنف..والذى شمل حرق السيارات وبعض المُـنشآت..ومقاومة رجال الشرطة..إلخ فإنّ موقف الحكومة كان على النقيض (مجرد تصريحات للتهدئة) وعندما لم تفلح تلك التصريحات، التى وصفها المُـتظاهرون بأنها أشبه (بالحقن المُـخـدّرة) وبالتالى استمرّتْ المظاهرات المصحوبة بالعنف، فإنّ الحكومة اضطرّت لتقديم (تنازلاتها) وكان أول تنازل هوالتراجع عن قرارزيادة سعرالبنزين لمدة ستة شهور..وعلى أنْ (يتم التفاوض) مع ممثلين من المُـتظاهرين..وبصفة خاصة ممثلى النقابات العمالية والمهنية..وبينما كان المُـتوقــّـع (من وجهة نظرالحكومة) أنّ المُـتظاهرين سيـُـرحبون بهذا القرارإذا بالحكومة تتلقى صفعة رفض المُـتظاهرين..وليس ذلك (فقط) وإنما رفعوا مطالبهم إلى 40 (أربعين) مطلبـًـا. وقد ذكــّـرنى قرارالتراجع لمدة ستة شهوربقرارالسادات فى انتفاضة شهرطوبة/ يناير1977بتراجعه عن الزيادة فى أرتفاع18سلعة (مرة واحدة) وبناءً على هذا القرار(بلع) شعبنا الطــُـعم وذهب المتظاهرون إلى بيوتهم..وبعد ستة شهوركانت الخطة الخبيثة برفع شعار(تحريك الأسعار) وهكذا انتصرالاستبداد على الانتفاضات العفوية..وهذا هوالفرق بين الشعب الفرنسى، المُـسلــّـح بتراث من الفلاسفة..وبين بسطاء شعبنا الذى افتقدوا إلى (طليعة روحية) من الانتيليجنسيا (سواء من المحسوبين علا الثقافة السائدة أومن الأحزاب إلخ) وأعتقد أنّ من بين أهم مظاهرالفرق بين المجتمع الفرنسى ومجتمعات أخرى هوموقف كل من 1- الشرطة التى لم تــُـطلق رصاصة واحدة على المتظاهرين، واكتفتْ بالوسائل العادية، مثل خراطيم المياه والغارالمسيل للدموع 2- موقف (كافة وسائل الإعلام) حيث وقف (كل) الإعلاميين مع المتظاهرين..ولم يظهرمذيع (واحد) يتهمهم بالعمالة لجهات خارجية، أولقلب نظام الحكم..إلخ- 3- موقف غالبية الأدباء والمفكرين مع مطالب المتظاهرين 4- موقف كافة النقابات المتضامنين مع المتظاهرين. والمغزى من كل هذه المظاهرأنّ المتظاهرين وراءهم (مجتمع) بالكامل يـُـساندهم ويؤيــّـد مطالبهم. فهل ما حدث هو(حلقة) من حلقات الثورة الفرنسية التى بدأتْ عام1789؟ وهل الحلقة الأخيرة ستكون نهاية الحلقات؟ أم أنها حلقات متواصلة لتحقيق المجتمع المنشود، مجتمع العدالة المطلقة، الخالى من أى شكل من أشكال التمييزبين المواطنين؟ وأليس ذلك معناه الفرق بين مجتمع دينامكى، يموج بالحركة الدائبة والمستمرة..والرافض لكافة أشكال الاستغلال..ومجتمع استاتيكى، ساكن يتلقى لطمات الظلم بالشكوى والولولة؟ وإذا كان ثوارفرنسا فى عام2018هم أحفاد ثوارفرنسا عام1789فإنّ هذا يؤكد أنّ الثورات الحقيقة هى التى تــُـحدث التغييرالجذرى فى بنية المجتمع..وهوما حققته الثورة الفرنسية..والثورة الصينية..والثورة الروسية..وثورة شعبنا فى شهربرمهات/ مارس1919..ويؤكــّـد- ثانيـًـا- أنّ الشعب الفرنسى مُـتميــّـزبرفضه الاستكانة لما يــُــسمى (قبول الأمرالواقع) فبالرغم من أنّ ثوار1789 أسقطوا النظام الملكى، فإنهم- كذلك- أسقطوا أربع جمهوريات، بل إنّ أحفادهم ثاروا ضد المناضل الوطنى، الذى قاد حرب تحريرفرنسا من المحتل الألمانى أثناء الحرب العالمية الثانية، وخرجوا فى مظاهرات ضده عام1968وأسقطوه فى انتخابات عام1969واستجاب لإرادة الشعب (وكانت غالبيتهم من العمال والطلبة) وانسحب بهدوء من الحياة السياسية..ولعلّ القارىء قد فطن إلى اسمه: إنه العظيم الجنرال ديجول. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التواص الاجتماعى فى العصورالقديمة والحديثة
-
فساد الأنظمة (العربية) ونهاية شعارات العروبة
-
ماذا سيفعل العرب بعد جفاف آبارالبترول؟
-
التقدم العلمى وهزيمة الثوابت التراثية
-
الاستعمار الإيرانى للوطن الأحوازى
-
أليست مساواة النساء بالرجال من حقوق الإنسان؟
-
الوجه الآخرللولايات المتحدة الأمريكية
-
طاها حسين فى ذكرى مولده
-
الاجبارعلى اعتناق المعتقد الدينى
-
خطورة الخلط بين اللغات واللهجات
-
الأنظمة العربية وتاريخ الاغتيالات السياسية
-
هل وزارة الصحه فرع من فروع الأزهر؟
-
فساد المحليات : مسلسل متواصل الحلقات
-
التوحيدى بين أهمية كتاباته وتناقضاته
-
حسن نصرالله والتطبيع بين إيران وإسرائيل
-
التعليم للأثرياء ولمن استطاع إليه سبيلا
-
حقيقة العلاقة بين تنظيم حماس وإسرائيل
-
هل ممارسة الظلم غريزى أم بيئى؟
-
التوسع الإسرائيلى والتراجع العربى
-
مسلسل قتل المصريين (المسيحيين)
المزيد.....
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|