أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - تحليل ونقد تجارب الثورة والإصلاح في روسيا(5)















المزيد.....

تحليل ونقد تجارب الثورة والإصلاح في روسيا(5)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 6072 - 2018 / 12 / 3 - 22:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أدت التغيرات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية في ثمانينات وتسعينيات القرن العشرين في روسيا (البطالة، وانعدام الثقة بالمستقبل، وعسف السلطة واستهتارها بالقيم والمفاهيم المتسامية، وسيطرت العصابات ورجال المال الربوي، واحتقار القيم الوطنية الخاصة، ومحاربة الفكر التقدمي والإنساني، وتشجيع المفاهيم والقيم المتخلفة، والانحلال الأخلاقي، وتسطيح الوعي، والفساد الإداري والرشوة وغيرها من الظواهر السلبية) إلى تعمق الروح الراديكالي عند هذا التيار. ووجدت هذه الراديكالية انعكاسها الخاص في المواقف العملية لليسار المتطرف، سواء في تقييمه للنظام الحالي أو في مواقفه العملية منه ومن إجراءاته. فقد وجد اليسار المتطرف في النظام الحالي فاشية جديدة، وديمقراطية برجوازية مزيفة. لهذا قاطع انتخاباتها داعيا إلى انتخابات ديمقراطية حرة مباشرة، واعتبر الدستور أيضا دستورا باطلا. وهو سلوك يكشف عن عدم إدراك لمجمل التغيرات التي جرت وأثرها الفعلي على مجمل مسار الدولة والمجتمع. من هنا عدم قدرته على التعامل مع هذا الواقع المستجد وعجزه عن التأثير عليه بالعمل من داخله وضمن شروطه لتغييره. ذلك يعني إن اليسار الروسي المتطرف يكرر نفس الصيغة النموذجية لليسار المتطرف ويستعيد نفس آلية السقوط التاريخي في ميدان الفعل السياسي، مع البقاء المثالي في ميدان الوجدان الخالص. وليس أمامه إلا الانعزال والتقوقع على النفس ومن ثم سيادة عناصر الثورية المتطرفة والنزعة الفردية والإرهابية، أو الاندماج في حركة أرقى ليسار عقلاني وواقعي.
فاليسار المتطرف أحجار في تيار اليسار العام يتوقف وضوح ألوانها على صفاء مياه التيار. فقد كان اليسار المتطرف تاريخيا الرد المباشر على جمود الشيوعية وتحجرها، ثم أصبح في وقت لاحق المدافع الوجداني عن القيم المجردة للاشتراكية والشيوعية. مما جعله يقترب(مع سيادة النظام البرجوازي في روسيا) من اليسار الشيوعي الراديكالي، الذي ترافق ظهوره مع تحسس خطورة الغورباتشوفية بالنسبة للدولة السوفيتية والنظام الاشتراكي، وانحرافها عن "الماركسية اللينينية". وتشكل أول هذه الأحزاب عام 1990 تحت اسم (حزب العمال الماركسي – حزب دكتاتورية البروليتاريا). وتنامت هذه الظاهرة بظهور تشكيلات شيوعية متنوعة مثل (حركة المبادرة الشيوعية) عام 1991 والتي خرجت من حركة (الجبهة الموحدة للكادحين). ثم (الوحدة)، التي شكلت صيف 1991 (البرنامج البلشفي للحزب الشيوعي السوفيتي)، وكذلك (حزب العمال الشيوعي الروسي) الذي تأسس عام 1991. فقد كان عام 1991 أيضا عام ظهور "اليمين" الشيوعي مثل (البرنامج الديمقراطي في الحزب الشيوعي السوفيتي) و(الحزب الديمقراطي لشيوعيي روسيا ) و(البرنامج الماركسي في الحزب الشيوعي السوفيتي) وهي تيارات اضمحلت بعد حل الاتحاد السوفيتي وتجميد الحزب الشيوعي. على عكس اليسار الشيوعي الراديكالي، الذي مثله حينئذ (الشيوعيون) و(روسيا العمالية) و(من اجل الاتحاد السوفيتي).
كما كان عام 1991 مرحلة التحضير الجدي لإعادة توحيد الحركة الشيوعية وبناء حزب شيوعي يرث تاريخ الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية (البلاشفة) والحزب الشيوعي السوفيتي، بقيادة شخصيات عديدة من أبرزها زوغانوف. واستطاع هذا التجمع أن ينتزع من المحكمة الدستورية عام 1992 قرارا بإلغاء قرار يلتسن القاضي بوقف نشاط الحزب الشيوعي السوفيتي. ومن ثم تأسس الحزب من جديد في شباط عام 1993 تحت اسم (الحزب الشيوعي لعموم روسيا الاتحادية).
تكشف هذه العملية عن استقطاب سياسي يدفع إلى الهامش كلا من اليمين الشيوعي واليسار المتطرف، ويبقى اليسار الشيوعي الراديكالي، بينما يتنامى تيار اليسار الشيوعي المعتدل (العقلاني) عنوانا لتكامل وعي الذات السياسي بالنسبة لليسار الروسي بشكل عام واليسار الشيوعي بشكل خاص.
يفترض تكامل وعي الذات السياسي بالنسبة لليسار، تكامل الرؤية الأيديولوجية تجاه المعضلات والمشاكل الوطنية والاجتماعية الكبرى، وأساليب حلها، أي صياغة منظومة من المبادئ الكبرى للتغيير المفترض وطبيعة النظام البديل وغاياته النهائية. فاليسار المتطرف عادة ما يفتقر لنظريات لها أبعادها العملية الواضحة، وفي تنظيراته اقرب إلى الرومانسية الوجدانية، التي لم تعد ذات قيمة عملية، لأن حوافزها لا تتعدى كونها نقدا مستلهما من بطون الكتب لا من دراسة الواقع كما هو. فعندما تشترك الاتجاهات الفوضوية والتروتسكية وبعض قوى اليسار الشيوعي الراديكالي في النظر إلى ضرورة الثورة (والثورة الدائمة) تؤكد على أن انهيار الاتحاد السوفيتي هو دليل على ذلك. بمعنى أن الانهيار نتاج لتخلي الاتحاد السوفيتي عن الثورة العالمية الدائمة من اجل القضاء على النظام الرأسمالي العالمي.
تصنع هذه الرومانسية على مثالها تصورات طوباوية حتى في أساليب العمل السياسي. فهي تستعيد تصورات وسيكولوجية القرن التاسع عشر الأوربي، دون أن تأخذ بنظر الاعتبار حصيلة تحولات القرن العشرين العاصفة في ميادين العلاقات الاجتماعية والقومية والتداخل العالمي في الاقتصاد والثقافة ووسائط الاتصال والمعلومات والتكنولوجيا وأثرها على تنظيم ونفسية الأمم والطبقات والفئات الاجتماعية وشكل الدولة ومستوى تنظيمها وتتطور آلية القمع المباشر وغير المباشر فيها وغيرها من الجوانب. وهي رومانسية يمكن ملاحظة بقاياها في أيديولوجيات اليسار الشيوعي الراديكالي، الذي لم يتحرر بعد من ثقل الماضي وصراعاته الأيديولوجية بصفة خاصة، حيث يتركز الجدل حول الستالينية وستالين والسلطة السوفيتية ودكتاتورية البروليتاريا والعقيدة الماركسية- اللينينية وما شابه ذلك.
غير أن اطروحات اليسار الشيوعي الراديكالي تتميز بالتنوع أيضا، لكنه تنوع محصور بأحكام الماضي وتصوراته وقيمه ومواقفه. ومن الممكن اتخاذ آراء (الحزب الشيوعي السوفيتي) نموذجا في النظر إلى أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي والتجربة السوفيتية وماهية البديل المفترض. حيث ينطلق من المقدمة الفكرية القائلة، بأن الحزب أهمل الفكرة الستالينية عن أن الصراع الطبقي يشتد مع تطور الاشتراكية، وميّع الحدود في قبول الأعضاء الجدد الذين أدى ازدياد عددهم إلى تغير طبيعة الحزب وفشل الدعاية الأيديولوجية. وبالتالي، فهو أول من خان الاشتراكية هم أولئك الذين كانوا يعملون في الحقل الدعائي والأيديولوجي، إضافة إلى وجود تناقضات بنيوية في الصناعة والزراعة، وعدم حل التناقض الواقعي بين الاشتراكية والقومية، وسباق التسلح، وصعود القيادات الخائنة للسلطة، وتحالف اليمين الداخلي مع الإمبريالية العالمية، الأمر الذي يفسر واقع العداء السافر والشديد للشيوعية من جانب رؤساء الجمهوريات الجديدة، أعضاء اللجان المركزية والمكاتب السياسية زمن غورباتشوف.
وتشاطر هذه الرؤية اغلب الحركات الشيوعية الراديكالية والسلفية، باستثناء (البروليتاريين) الذين يدينون الستالينية. ويعتقدون أن الثورة الاشتراكية ضرورة تاريخية يمكن تحقيقها من خلال تثوير العمال من الداخل وتنظيمهم الذاتي. في حين تنطلق أيديولوجية (الحزب الشيوعي الروسي البلشفي) من مبادئ عامة منها أن العداء للستالينية كان وما يزال شكلا من أشكال عودة الرأسمالية، وبما أن مسألة الملكية هي مسالة السلطة لهذا ينبغي أن تكون الملكية جماعية عامة ولا ضرورة للملكية الخاصة باستثناءات محدودة تخص الفلاحين الصغار. وعليه ينبغي رفض الاعتراف بنتائج الخصخصة التي جرت في روسيا بعد 1991، بما في ذلك خصخصة الأرض. أما الدولة المثلى فهي الدولة الوطنية المتعددة القوميات والموحدة في خدمتها للنظام الاشتراكي. إضافة إلى مبدأ معاداة الإمبريالية والصهيونية. في حين يشاطر (الحزب الشيوعي العمالي الروسي) وتفريعاته اللاحقة في (الحزب الشيوعي السوفيتي) و(روسيا العمالية)، و(البرنامج اللينيني)، المبادئ الأساسية التالية: ضرورة الدفاع عن الستالينية، والدفاع عن الملكية العامة، ورفض العمل المأجور، وقيادة الطبقة العاملة، والدولة الوطنية – القومية، والشيوعية باعتبارها فكرة وطنية لروسيا، ومعاداة الإمبريالية والصهيونية. أما أيديولوجية (الحرس السوفيتي العمالي الثوري الشيوعي للبلاشفة) فإنها مبنية على أساس الاعتراف بوحدة الماركسية – اللينينية - الستالينية، وسيادة المبدأ الاممي الخالص (وطن سوفيتي للعمال جميعا)، ونقل السلطة إلى داخل المعامل والمصانع من خلال الانتخابات، والغاية من كل ذلك صنع مجتمع عمالي خالص، وتقييم العمل حسب الوقت لا المال (للعمال ست ساعات عمل أما المهندس الكبير فساعتان)، إلغاء النقود من التداول والاستعاضة عنها بالبطاقات الإلكترونية، وتوزيع المواد لا بيعها.
إن هذا التيار يمثل النموذج التقليدي للصيغة العمالية والمباشرة للماركسية، ويعبر عن الوجدان الصادق لقيم العدالة والمساواة والحرية، إلا أن بديله الأيديولوجي عاجز عن تحقيق ذلك، لعجزه عن تأسيس قيم العدالة والحرية والمساواة بالشكل الذي يستجيب لمتطلبات الإدراك العقلاني في منظومة العلاقات الاجتماعية والوطنية والعالمية المعاصرة.
ونعثر في هذا التيار إلى جانب الماركسية التقليدية على محاولة جعل الفكرة الشيوعية فكرة وطنية صميمية بالنسبة لروسيا. وهي الفكرة التي بدأت تتغلغل في مسامات الأيديولوجية السياسية (للحزب الشيوعي لعموم روسيا). وبين هذين الاتجاهين العامين توجد بعض الأيديولوجيات الشيوعية التي تدمج في أفكارها المميزة للشيوعية التقليدية مبادئ التعددية السياسية والفكرية وحرية الصحافة والملكية الخاصة ونزع ملكية الدولة من خلال تسليمها للكادحين، إضافة إلى معارضتها وإدانتها للستالينية الدوغمائية في حل مشاكل التطور الاجتماعي، كما هو الحال في أيديولوجية (الحزب الروسي للشيوعيين). في حين يضع (اتحاد الشيوعيين)، في أيديولوجيته الشيوعية مبدأ عدم الاعتراف بالملكية الخاصة في الاشتراكية، والاعتراف بآلية السوق وأهمية الدولة ودورها الأساسي في الاقتصاد، ورقابة السوفيتات على مختلف مرافق الدولة، وتجميد الأسعار، ووضع حد أقصى للمداخيل وتقنينها عن طريق الضريبة التصاعدية، وتأميم البنوك وشركات التأمين، والدفاع عن حرية المنتج الصغير والجمعيات التعاونية، والسماح المحدود بالعمل المأجور، واعتبار البروليتاريا الطبقة الطليعية (والمثقفون من ضمنها) القائدة للدولة والمجتمع، وإعادة بناء الاتحاد السوفيتي على أسس طوعية لدول ذات سيادة، والإقرار بمبدأ الدولة الوطنية – الدولتية – السوفيتية.
هذه التيارات المتأرجحة ما بين الشيوعية الراديكالية وبين الشيوعية المعتدلة الذي يمثله (الحزب الشيوعي لعموم روسيا الاتحادية) هي حلقة الوصل بينهما على الأقل فيما يخص نشر الاعتدال النظري والسياسي بين صفوف اليسار بشكل عام والشيوعي منه بشكل خاص.
وبغض النظر عن أن عمر (الحزب الشيوعي لعموم روسيا الاتحادية) لم يتجاوز سنوات قليلة من الناحية الرسمية، فانه يحاول تمثيل وتمّثل تاريخ أحد اأقدم وأعرق الأحزاب السياسية في التاريخ الروسي ألا وهو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي (ومن ثم البلشفي والشيوعي السوفيتي). واستطاع في غضون سنوات معدودة أن يجتذب القوى الشيوعية وأن يستقطب اليسار، ويذلل الصعوبات الجمة التي وضعتها السلطة اليلتسنية أمامه، وأن يبرهن عمليا على انه أحد أقوى أحزاب اليسار الحية والحزب الأقوى في روسيا حينذاك، وأنه الحزب الوحيد القادر على قيادة المعارضة السياسية للنظام القائم في روسيا والقادر على مواجهته. فقد حصل في انتخابات عام 1993 البرلمانية على 47 مقعدا، بينما حصل في انتخابات 1995 البرلمانية على 149 مقعدا، واستطاع أن ينافس السلطة الحالية بكل إمكاناتها الهائلة والتأييد العالمي لها على منصب الرئاسة وأن يحصل على ما يقارب نصف الأصوات في انتخابات 1996 وكذلك في انتخابات عام 2000.
غير أن تمثيل اليسار في أوضاع روسيا الحالية والأوضاع الدولية يضع أمام اليسار الشيوعي مهمات غاية في التعقيد، تستلزم إيجاد النسبة المعقولة بين الوطني والاجتماعي الطبقي والقومي، الاشتراكي والديمقراطي، التجديد والمبدئية وغيرها من المهمات.
إن الأيديولوجية العامة (للحزب الشيوعي لعموم روسيا الاتحادية) تنطلق من أولويات المصالح الوطنية العليا بمضمونها الاجتماعي الإنتاجي العادل. ويرى الحزب أن مهمته الأساسية ليست في الرجوع إلى الاشتراكية بل السير قدما نحوها على هدى الرؤية النقدية لتجربة الماضي بغية تفادي تكرار أخطائها. فانهيار الاتحاد السوفيتي والتجربة السوفيتية هو أولا وقبل كل شيء نتاج الأخطاء الداخلية(الذاتية) للحزب والدولة. من هنا فان الموقف من التراث (الماضي) هو الموقف من المستقبل. فالفساد والمحسوبية والتحلل الأخلاقي والطفيلية و"الخصخصة" ظواهر لها جذورها ونماذجها في أواخر المرحلة السوفيتية. وأفصح الأدلة على ذلك وجود القيادات السابقة للحزب في رئاسة المعادين للشيوعية في مجرى البيروستوريكا وانحلال الاتحاد السوفيتي. وفي الوقت نفسه ينبغي الاحتفاظ بالتراث الإنساني العميق للتجربة السوفيتية وبالأخص ما يتعلق منها بفكرة العدالة الاجتماعية والوطنية – الدولتية والسلطة السوفيتية. فمبدأ (من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله) ينبغي تطبيقه استنادا إلى الكفاءة الإنتاجية والعلمية والإبداع. والوطنية السوفيتية هي وطنية أممية النزوع والغاية لأنها تستند إلى مبادئ العدل الاجتماعي والنزعة الإنسانية. والسوفيتات (المجالس الشعبية) اكثر استجابة لحقيقة الديمقراطية، لأنها تغلق الباب أمام المغامرين والديماغوجيين وتضع حدا للصراع والمنافسة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. والنظام السوفيتي ينبغي أن يستند إلى شبكة متطورة من الجمعيات التعاونية والإدارات المحلية الذاتية في ظل مساهمة فعالة من جانب الدولة في الاقتصاد من خلال التخطيط والبرمجة وتنشيط آلية السوق وتجسيد شعار إن الإنسان للإنسان أخ وصديق ورفيق.
وهكذا فالبدائل الأيديولوجية لليسار الروسي بشكل عام والشيوعي بشكل خاص مازالت في طور البحث عن مبادئ عملية كبرى. فاليسار المتطرف بما في ذلك الشيوعي الراديكالي، مازال أسيرا لتصورات الماركسية السياسية لا الماركسية الفلسفية. وهو لا يتعامل مع الواقع الروسي والعالمي بمعايير المعاصرة ولا يبحث عن بدائل واقعية من خلال دراسة الواقع واستلهام دروس التجارب التاريخية للشيوعية، بل يتعالى ببريق الأفكار والمبادئ المتسامية للشيوعية وتوجيه الانتقادات اللاذعة للنظام الرأسمالي. وهو سلوك يؤدي بالضرورة إلى الاضمحلال التدريجي للشيوعية الراديكالية والسلفية وتحولها إلى تيار عصبوي عقائدي منعزل.
أما البديل الأكثر عقلانية وواقعية في اليسار الروسي المعاصر فهو ذاك الذي يمثله (الحزب الشيوعي لعموم روسيا الاتحادية). فقد استطاع الحزب صياغة المبادئ الكبرى لعقيدته السياسية في الوطنية الدولتية، والجماعية، والعدالة. وهي مبادئ تستمد مقوماتها من معاينة التاريخ الروسي وإبداعه الروحي أيضا، ولا تتعارض مع تقاليد الفكرة اليسارية بشكل عام والشيوعية بشكل خاص. مما يعطي لليسار الشيوعي العقلاني إمكانية تجميع اليسار الروسي بمختلف تياراته، والمساهمة في إضعاف تقاليد التطرف والغلو المميزة للسلطة والأحزاب في روسيا، أي انه يفسح المجال أمام إمكانية تذليل آلية الخلل الدائم في الدولة والمجتمع. وهو ما يعطي لليسار الشيوعي فعاليته وقيمته التاريخية المعاصرة باعتباره إحدى الضمانات الكبرى لبعث روسيا من جديد والمساهمة في إنعاش اليسار العالمي .
وعموما يمكننا القول، بأن التجربة التاريخية السياسية في روسيا تكشف عن أن روسيا بلا يسار هي روسيا مجهولة المستقبل. وتكشف أيضا عن أن اليسار هو الخميرة الحية لتثوير العلاقات الاجتماعية باتجاه أبعادها الإنسانية. وليس مصادفة أن يتعرض العالم في مختلف جوانبه ومستوياته إلى هزائم فادحة حتى مع سقوط اليسار الروسي البيروقراطي. مما يدل على أن وجود يسار (ديمقراطي واشتراكي وشيوعي وقومي وغيره) عقلاني وواقعي وإنساني النزعة هو الشرط اللازم للتقدم الاجتماعي والحرية. (يتبع......)
***














#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحليل ونقد تجارب الثورة والإصلاح في روسيا (4)
- تحليل ونقد تجارب الثورة والإصلاح في روسيا (3)
- تحليل ونقد تجارب الثورة والإصلاح في روسيا (2)
- تحليل ونقد تجارب الإصلاح والثورة في روسيا (1)
- الهوية وإشكاليات المرجعية الثقافية في روسيا(3)
- الهوية وإشكاليات المرجعية الثقافية في روسيا (2)
- الهوية وإشكاليات المرجعية الثقافية في روسيا(1)
- أثر المرجعيات الثقافية في المصير التاريخي للأمم
- نقد تقاليد الاستبداد في الثقافة السياسية العربية - على مثال ...
- نقد تقاليد الاستبداد في الثقافة السياسية العربية(3) على مثال ...
- نقد تقاليد الاستبداد في الثقافة السياسية العربية(2) على مثال ...
- نقد تقاليد الاستبداد في الثقافة السياسية العربية(1)
- داوود الطائي- شخصية ومصير
- سفيان الثوري- شخصية ومصير(3-3)
- سفيان الثوري- شخصية ومصير (2-3)
- سفيان الثوري – شخصية ومصير (1-3)
- الحركة الصدرية والمستقبل: من الطائفة إلى الأمة، ومن المدينة ...
- أيديولوجيا الحركة الصدرية – اللاهوت الشيعي والناسوت العراقي
- الحركة الصدرية - الأنا والتاريخ أو اليوطوبيا والمستقبل
- الحركة الصدرية – تيار الداخل وصعود الباطن العراقي


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - تحليل ونقد تجارب الثورة والإصلاح في روسيا(5)