|
العروسة للعريس
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 6069 - 2018 / 11 / 30 - 08:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعدما شاهدت بعض لقطات من إحتفال الرئاسة بمولد النبي .. يتحاور فيها السيد الرئيس السيسي و السيد شيخ الازهر الطيب .. تحول عندى (الاكتئاب المزمن) إلي (يأس كامل) يطبق علي كل مفردات حياتي . أنا لست من هواة الجدل حول تعاليم الاديان .. و أرى أن كل إنسان حر في أن يصدق ما يريد .. حتي لو كان هذا في حدود اللامعقول لدى البعض .. ولا أهتم كثيرا بقضايا تجديد الخطاب الديني أو تنقيته أو إعادة تفسيرة أو المقارنة بين القراءات المختلفة التي يبتدعها المحترفون من الكهنة ليتطابق مع التوجهات السياسية للحكام .. ففي النهاية هناك متلق .. قد يقبل و قد يعارض و قد لا يهتم و قد يتحمس .. ثم سيضع ما إختار في موضع التجربة التي قد تدعم فكره أوتنفيه أو تغيرة . فالمنظومة الفكرية لبشرى ما تأتي كنتاج لتعليمة و تدريبه و تجاربه الشخصية التي إكتسبها من خلال تفاعلة مع الاخر و مجتمعه و زمنه . لا جدوى من محاولة تغيير قناعات الافراد العقائدية التي شربوها مع لبن الام عن طريق الوعظ أو بالقوة أو حتي بالمنطق و النقاش و الفلسفة ..فالتغيير عادة، لو حدث، يتم ذاتيا ولاسباب قد تكون غير معلومة أو مفهومة أو مطروقة لدى البعض . بمعني أنه رغم وجود نص صريح لدى المسلم بإسلوب تقسيم الميراث بين الذكر و الانثي إلا أنه في بعض الاماكن ينهب الرجال حق الاخوات حتي بدون تبرير .. و في أماكن أخرى يتنازل الرجال عن نصيبهم لصالح الاخت المتضررة من وفاة عائلها .. و لدى أغلب العائلات من الطبقة المتوسطة يقوم الاب بالتوزيع المتساوى لما يملك قبل وفاته وقد يكون متحيزا لاحدهم بغض النظر عن جنسه .. و هو حر في أملاكة . إنتابني اليأس بسبب أن الطريق الذى نسلكه منذ زمن الانقلاب الذى قام به الرئيس السادات .. علي المنظومة الفكرية و السلوكية و التعليمية العقائدية التي زاولتها أجيال ما قبل السبعينيات من القرن الماضي تم تجربته و فشل عدة مرات بحيث تحول إلي متاهه ندور داخلها نزعق و نتشاجر يلعن بعضنا بعضا فكل شخص يتصور أنه يعرف السبيل الصحيح ( وفي رأيه الوحيد ) للخروج منها .. رغم أنه وعصبته يدور و يدورويدور في نفس المسالك الفكرية و السلوكية دون جدوى . إذا أردنا أن ننهي حالة التوهه التي نعيشها فالسبيل الوحيد هومحاولة ترقية سلوكيات البشر .. لتصبح غير عدوانية و غير معادية للتغيير و متصالحة مع المفردات الإنسانية للزمن الحديث . هذا التغير علية أن يتحرك في مساحات خاصة بتخفيض نفوذ رجال الدين علي رجال السياسة و التعليم و الإعلام ، و تعلية القيم المدنية الخاصة بحقوق الانسان في أن يعيش علي النهج الذى إرتضاه ..وهو الامر الذى لن يتم بالرجاء أو التأمل أو القوة أو الاضطهاد .. و إنما بوضع خطط ومناهج تعليمية للأبناء تتصف بالعقلانية وتقديم العلوم النظرية و التطبيقية و الفلسفات الحديثة المرتبطة بالمنطق الجدلي لهم .. إن تعليم الاطفال في كتاتيب الازهر علي نفس النمط الذى إبتدعه الفقهاء منذ الف سنة .. و إنفاق المليارات عليه .. لا ينتج إلا عقل مغلق محدود المرونه .. مبتعد عن علوم العصر حتي لو كان صاحبها طبيب أو مهندس أو يحمل درجة الدكتورا . هذه الافكار معروفة جيدا .. و منتشرة بين المثقفين و كتبهم .. إعتبارا من ((الاسلام و أصول الحكم )) و (( في الشعر الجاهلي )) مرورا ب (( هذا او الطوفان )) و حتي (( مفهوم النص )) . علينا أن نوحد القاعدة التعليمية .. لأبناء الغد .. و إلا فإننا نؤجل إلي زمن بعيد تال الانعتاق من الدوران في منحنيات المتاهه . ما الذى يمنع أن يصبح (( الدين لله و الوطن للجميع )) و ينحصر دور الكهان في الجانب الروحي و ترقية أخلاق المحبة و التسامح و العدل .. إنهم السياسيون .. الذين في اللحظة التي يعارضون فيها سلوكيات الكهانة .. يحتضنونهم و يقدمون لهم كل دعم ممكن .. بدأ بتمكينهم من أذان و أفئدة الناس عن طريق أجهزة و وسائل الاعلام .. مرورا بوضع القوانين التي تجعلهم تابوهات لا يقترب منها .. و إنتهاءا بوضع القيود و محاربة إكتمال المجتمع المدني الذى يفصل فية الدين عن الدولة .. و يسمح لجميع العقائد بالتواجد السلمي تحت مظلة القيم العصرية . التعرف علي الاديان كما سادت بين المؤمنين الاوائل و أدت لإكتسابهم القوة و القدرة.. جاءت دائما منذ زمن (رع ) و(أمن ) لتزيح تعاليم دين سابق و تخاطب بشر من الناضجين بالاقناع والموعظة و القدوة الحسنة و تقديم حلولا تناسب (ذلك الزمن) تعلي من شأن أصحابه . أى لم يكتسب المؤمن الجديد يقينه بحكم الميلاد لقد أتت النتائج الجيدة لان الدعوة تمت من خلال معطيات عصرها و بالإقناع .. و هكذا لكي يكتسب رجل دين قدرته علي الوعظ يجب أن يتم هذا بعد إكتمال شخصيتة العلمية و تمتعه بالحس السليم الذى يسمح له بفهم إيجابي لمفردات دينه .. لا تنتظر من كاهن متخصص في علوم الدين فقط أن يتفهم قضايا التطور لو أن كل ما حصلة من معرفة جاءت من نصوص محفوظه مكررة تم صياغتها في زمن سابق لنوع أخر من المستخدمين . أى أن من يريد أن يسلك درب الكهانة في زمننا .. علية أن يبدأ ذلك بعد إنهاء تعليمة المدني وحصوله علي درجة علمية .. يستكملها بالدراسات الكهنوتية .و هو أمر لا يحدث بالنسبة لإسلوب إعداد رجال الدين الازاهرة .. الذين يتعلمون القراءة و الكتابة في جيتوهات تعليمية بالقرى و الكفور تتصاعد حتي تصل لجامعتهم . رجل الفلسفة أو المهندس أو خريج الحقوق أو الطبيب .. عندما يريد أن يمتهن الدعوة و التعليم الديني .. سيكون أفضل كثيرا من طفل الخامسة الذى يحفظ نصوصا لا يعي معناها فيتحول لدوجمة . و مع ذلك فليس من حق الداعية هذا( سواء كان دوجمة أو قادم من أصول علمية مدنية ) أن يفرض علي الناس ما يراه صحيحا .. إن دوره أن يشجع الاخرين علي المناقشة و الدراسة و التحليل و الفهم.و الوصول العقلاني للتغلب علي مشاكل يومهم و ينمي علاقة إيجابية دافئة بين الانسان وقيمه العصرية . القيم الدينية ( حتي لدى أكثر التيارات تمسكا بالقديم ) .. قيم متغيرة .. تكتسب تطورها من المناخ الذى تسود فيه ..التدليل علي هذا لا يحتاج لبرهان .. حتي لمن عاش فترة قصيرة علي الارض و كان من الذكاء ليرقب إختلاف سلوكيات المؤمنين سواء بالاديان الابراهيمية .. أو الاديان الاسيوية .. خلال الفترة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتي اليوم .. يكفي أن في اربعينيات القرن الماضي كانت الدعوة تتم من خلال الكنائس و المعابد و الجوامع .. و اليوم يضاف لها التسجيلات الصوتية و البصرية .. و برامج التلفزيونات الفضائية .. مما جلب الكثير من الاموال علي البعض .. و تحول الفقيه الذى كان يبحث داخل أنجر الفته علي قطعة اللحم ..إلي راكب لسيارة (همر ) بملايين الجنيهات .. و تغيروضع رجل الدين الإقتصادى من متلقي للصدقات ..إلي متحكم في المليارات .. لقد ظهر الوجه التجارى للدعوة في أوضح صوره.. تحالف قائم بين الدعاة بمختلف أشكالهم و رجال المال و السياسة مع الحكام الفاشيست الذين يجرفون ثروات الامم و يصبونها في أرصدتهم . العقيدة الدينية في القرن الحادى و العشرين لم تعد تلك البسيطة التي عشناها في منتصف القرن الماضي .. لقد أصبحت طقوس إحتفالية .. تجتذب السياح .. سواء في الهند .. أو الجزيرة العربية .. أو في كربلاء و النجف .. أو في روما .. مليارات الجنيهات .. تدرها قوافل الحجيج .. و التي نشهدها في الموالد الخاصة بأولياء الله بمصر وقد تصبح مجلبا للرزق مع تسويق زيارة مسار العائلة المقدسة الذى ترعاة الكنيسة و الحكومة لعل و عسي . التحالف المتأمر بين رجال الدين.. ورجال البزينس ..إن لم يعية صاحب العقيدة .. فسيقع في حبائل شراكهم .. و الصراع بين رجال الدين و رجال البزينس علي إقتسام الحصيلة .. إن لم يراه هؤلاء المتعصبون لجانب من الجانبين فسينطبق عليهم المثل القائل ..(( العروسة للعريس و الجرى للمتاعيس)).
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ولا كل من لبس العمامة يزينها.
-
رجع أكتوبر .. ورجع معه النقار
-
اللهم إيمانا كإيمان العجائز .
-
زحمة يا دنيا زحمة (1972 - 2018.)
-
مسرور السياف و أخوته
-
بدرنا لم يعد ينير بين الامم
-
خارج حسابات القوى ..أصبحنا
-
مواطنة منقوصة رغم أحضان الكهان.
-
أوهام مهدرة..لديكتاتورعادل
-
رموز من قش..و أبطال من ورق
-
تخيروا نوابكم فإن العرق دساس
-
تداعيات حفل تنصيب الرئيس .
-
إستبد ، يستبد ،إستبدادا .
-
صالة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة.
-
إنكم تتسامحون أكثر مما يجب .
-
دوام الحال من المحال ..سنتغير
-
الحاضر تحيطة ضبابات الجهالة
-
المستقبل علومه أصبحت عصية علينا .
-
ماض غير موثوق من صحته
-
ضباطنا العظام ..و التكريم بقوة القانون .
المزيد.....
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|