أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كريم عزيزي - لماذا يتواصل تعثر نهضتنا ؟















المزيد.....

لماذا يتواصل تعثر نهضتنا ؟


كريم عزيزي

الحوار المتمدن-العدد: 6068 - 2018 / 11 / 29 - 16:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


معضلة العالم الموسوم بالعربي الإسلامي لا حل لها ولا أمل في وجود هذا الحل يوما ، الشيزوفرنيا -التي لم تستثن أحدا- بين التراث والحداثة لا شفاء منها وهي مرض مزمن قاتل يرى نتائجه الجميع دون أن يستيقظ أحد من السبات : نخب تتخبط بين تقليد الأجنبي وبين الالتزام بإملاءات أصل مزيف ، التراث لا يصلح والتقليد الأعمى لتجارب الغير المتحضر لا تصلح أيضا والشيزوفرنيا لا تزال تحاول التوفيق بين الإثنين والنتيجة نراها أمامنا مركبًا بقبطان أعمى تتلاقفه الأمواج العاتية وتلقيه في كل الاتجاهات ، الهيام والضياع سيكونان طريقه الحتمي ولا أمل له في الوصول إلى وجهة معينة ، لن يستطيع العودة من حيث أتى ولن يستطيع الوصول إلى حيث أراد بل سيبقى هائما تتلقفه الأمواج حتى يغرق غير مأسوف عليه ودون أن يأبه أحد لمصيره المحتوم .

تجاوز العالم المعاصر مرحلة الاستعمار المباشر ، لكنه اتخذ شكلا جديدا قد يكون أبشع بكثير من العصور السابقة جعل من الأرض التي نعيش عليها غابةً بكل ما في الكلمة من معاني فالقوي يأكل الضعيف وأمام أعين الجميع تماما كذلك الأسد الذي تصوره الكاميرات يفترس جاموسا أو كتلك الضباع أو الكلاب البرية التي تفترس غزالا ، العالم كله يشاهد ولا يحرك ساكنا باستثناء بعض الصرخات من منظمات حقوقية وغيرها لا قيمة لها ولا تأثير على سير مجريات عالمنا اليوم ، عالم المال ومن يملكه ، علم تتصارع فيه الأسود والنمور على افتراس الجميع تحت مرأى ومسمع من الجميع والسكوت علامة رضى وخوف ومشاركة في الجريمة ، الجريمة اليوم كونية وصارت أخلاقا عالمية مثلها مثل ميثاق حقوق الإنسان الذي يُسوَّق لشعراء الحب والغزل الذين تجاوزهم وقصائدهم ومريديهم الزمن ، ما عاد زمن عواطف ومبادئ وأخلاق بل هو زمن الخبث والخداع والجريمة : الحياة لم تعد هبة من السماء بل صارت تفتك من بين أنياب الوحوش ، من أراد الحياة مع الوحوش فليكن وحشا ضاريا يقرأ له ألف حساب وإلا فليمت وجبة دسمة مثله مثل غيره من آكلي العشب .. ونحن أقوام لا زلنا نأكل العشب ونبحث عن البروتين في الجراد ومنا من يأكله علنا مفتخرا ومنا من يفعل ذلك خلسة ومنا من يتأفف لكنه ولانعدام غيره لا يستطيع إلا العودة إليه والافتخار بأكله خفية أو علنا .

المأساة لم تبدأ في القرن السابع بل بدأت في اللحظة التي تبنت فيها الإمبراطورية الرومانية المسيحية كديانة رسمية لها فرضتها بالقوة على كل مستعمراتها ، منذ تلك اللحظة بدأت التبعية الحقيقية للأجنبي المحتل الذي وباسم الدين أصبح أخا لنا وأصبح تاريخه تاريخنا وأصبحت هويته هويتنا ، كان الدين المخدر الأمثل لسحق الشعوب وصهرها في بوتقة دولة دينية وشعوب دينية تستمد كل مقومات حياتها من السماء والسماء لم تهتم إلا لمصلحة الأقوياء ولم تعطي للمسحوقين إلا الوعود بحياة أخرى بعد الزهد في حياتهم الأرضية وتركها لمن يتحكم فيهم والذي سيلقى حسابه في اليوم الآخر ولا مجال للنقاش والثورة فالقدر قد سنه وقدره خالق هذه الشعوب الذي يعلم حاجياتها وآمالها اكثر منها وما لها من خيار غير الطاعة والامتثال للخالق ولصاحب السلطة والجبروت والمال : المستعمِر الأجنبي ، الذي صار بتقدير من الخالق أخا وأبا مستحِقا للطاعة وللموالاة وإن جار وظلم . صحيح أن الشعوب ثارت نسبة منها واتخذ بعض مثقفيها أشكالا جديدة من دين المستعمِر للمقاومة ، لكن غالبية الشعوب بقت على ولائها للمستعمِر وتبنت دينه الرسمي ولذلك لم تنجح ثوراتها ولم تستقل نهائيا وكان ذلك حالها مع كل الإمبراطوريات التي حكمتها ومع أديانها وثقافاتها ، كانت هذه الشعوب كعاهرة تلقفتها أيادي الجلادين السماسرة القوادين جل فترات تاريخها ولا يزال ذلك حالها إلى اليوم : الاستقلال يبدأ بهجر العهر قبل إلقاء اللوم على السماسرة ، وشعوبنا لا تزال عاهرة عهرا يشيب من هوله الولدان ومع ذلك لا تزال تتساءل لماذا هي متخلفة ومسحوقة .

تبني الرومان للمسيحية زادهم قوة على قوتهم الابتدائية التي انطلقوا منها ، المسيحية لم تصنع روما بل روما وريثة أثينا بعظمتها كانت قوية وزادتها المسيحية قوة على قوة ، كان الشق اليهودي العنيف من الديانة المسيحية أصل سياسة السلطة وكان الجانب المسيحي اللطيف المسالم الداعي للطاعة والخنوع يُسوَّق للشعوب عبر مثقفين محليين جنّدتهم السلطة لخدمتها حتى صاروا جزء منها وسياطا مسلطة على ظهور شعوبهم : أعظم لاهوتيي ومنظري دين الإمبراطورية لم يكونوا رومان بل كانوا من الشعوب المستعمَرة ، المستعمِر كان قويا نعم لكن أبناء البلد أيضا كانوا عملاء وخونة ، أصل الداء دائما ما يكون داخليا ولا يستعمل نظرية المؤامرة إلا أعوان الإمبراطور ومن يرفضون الاعتراف بحقيقةٍ لا يجادل فيها اليوم إلا مثقفو شعوبنا .

شعوبنا كانت مستعمَرة وتابعة لسيدها الروماني الذي كان يحكم العالم تلك الأزمنة ، انقسام الإمبراطورية إلى شقين لم يُغيّر المعادلة فالعبد يتبع دائما سيده فهذا تابع للشق الشرقي وذاك للغربي ، الشرقي الذي ورثته روسيا وتواصل ذلك إلى اليوم حتى بعد تبني الشيوعية والارتداد عنها ، والغربي الذي ظل بيد روما ثم بعد ذلك أوروبا الغربية ويتواصل إلى اليوم بتزعم أمريكا لقيادة العالم الغربي الذي لا يزال محافظا على أصوله اليونانية الرومانية المسيحية وإن تبنى العلمانية على أرضه عكس ما يعمل به على أراضي مستعمراته : التبعية للجلاد الأوروبي الغربي هي هي ولم يتغير فيها إلا وساطة العرب المسلمين ، وهذه الوساطة أصبحت تقريبا السبب الوحيد الذاتي لتخلفنا حيث نجحت فيما فشل فيه الرومان والبيزنطيون ، لم نصبح رومان وبيزنطيين عندما كنا مسيحيين لكننا أصبحنا عربا عندما أصبحنا مسلمين : لو أصبحنا أوروبيين ما كانت أوضاعنا ستكون كالتي نعيشها اليوم بل كنا سنكون أحسن ، الأصل (اليوناني/الروماني) "قوي/ قوته ذاتية" وما كان ليسمح بأوضاعنا الحالية حتى وإن بقينا أوروبيين مزيفين أو درجة ثانية . الاختلاف على النقيض مع العرب الذين صنعهم الإسلام عكس الرومان ، الرومان القوة أصلهم عكس العرب الذين أصلهم الضعف ، الرومان أهل حضارة والعرب أهل بداوة ، حكمت روما بالمسيحية لكن أصل الحضارة لم يكن المسيحية بل الأصول اليونانية الرومانية وإن أخذت طابعا وغلافا مسيحيا : الدين لا ينتج حضارة بل يطبعها ويختمها باسمه ، أما العرب فحكموا بالإسلام الذي كان "كل" الحضارة والدين لا ينتج حضارة كما قلنا وكما هو معلوم أن الإسلام ليس شيئا آخر غير عادات وتقاليد وثقافة العرب . يوم انتهى زمن الدين وأخلاقه وسلطة سمائه وعندما أراد الغربيون النهوض من سباتهم عادوا إلى أصولهم القوية ونهلوا من بحار الفلسفة اليونانية وبنوا عليها فكانت عصور الأنوار فتقدموا ، أما الشعوب الإسلامية فعندما فكّر مثقفوها في النهوض من سباتهم عادوا إلى "أصولهم" المستحدثة فلم يجدوا شيئا غير بداوة العرب التي ورثها الإسلام برمتها فنشأ تيار القومية العربية بدعم غربي ومعه نشأت التيارات الإسلامية أيضا بدعم غربي ، لم يبحثوا في الفلسفة الغربية لأنها منتوج المستعمِر / الكافر الغربي وبما أنهم صاروا عربا ونسوا تاريخهم وأصولهم الحقيقية فلم يكن أمامهم من خيار غير البحث في صحراء العرب عن حل تأتي معه نهضتهم وهذا مستحيل لأن العرب لم تكن له يوما قوة ذاتية بل قوتهم أتى بها الإسلام والزمن قد تجاوز الأديان ومن أراد التحضر والتقدم فليبحث خارج الدين . الحركات القومية العربية والإسلامية كان عداؤها للغرب مجرد شعارات لخدع الشعوب لأنها تحت الطاولة كانت ربيبة هذا الغرب الذي أراد التخلص من الأتراك كهدف أولي ثم مواصلة التحكم في مصائر شعوب هذه الحركات التي سيطرت على الساحة السياسية والثقافية لبلدانها ولم يكن هناك أي وجود أو فاعلية لغيرها ، مع ملاحظة أن القوميين هؤلاء لم يتبرؤوا من الإسلام والإسلاميون لم يتبرؤوا من العروبة بالرغم من شعاراتهم الخداعة لأتباعهم حيث زعم القوميون أن العرق هو الأصل ولا فرق بين مسلم ومسيحي وغيره وزعم الإسلاميون أن الدين هو الأصل ولا فرق بين القوميات لكن الواقع الذي لا يخفى اليوم أنهم كانوا سواسية والأرض الممتدة من الخليج إلى المحيط لم يكن يُسمح فيها بالحياة لشيء آخر غير الإسلام والقومية العربية حتى صار الإسلام قومية عربية بينهم وبذلك قدّموا للتاريخ دليلا إضافيا على أن الإسلام لم يكن يوما شيئا آخر غير العرب وثقافتهم وهي ثقافة كما قال التاريخ الرسمي بنت إمبراطورية في زمن يستحيل استعادته ، ما عاد الزمن زمن فرسان وخيول وأشعار بل هو زمن الصواريخ والأقمار الصناعية التي وصل إليها كنتيجة حتمية من اعتمدوا على أصول فلسفية عقلية قوية أي الغرب والتراث الإغريقي .

من الذي تقدّم ، سبب تخلفنا ذاتي ومقومات نهضتنا غير موجودة في التراث العربي الإسلامي الذي لا يزال يعوّل عليه كل مثقفي بلداننا ، جميعهم ينهمون من صحراء العروبة والإسلام وإن ظهروا كعقلانيين وعلمانيين واشتراكيين . هذا لا يعني البحث الحصري في التراث الغربي الذي لا يمكن استثناؤه من نهضة حقيقية ، لكن يعني أن الأصل الذي يجب الانطلاق منه لا يجب أن يكون لا العروبة ولا الإسلام ، الأصل موجود عند كل شعوبنا وهو أصل حضاري متعدد الألوان ويقبل بكل الأطياف وبه لن يوجد عداء للتراث الغربي من جهة ولن يسمح بأن نبقى تحت عقدة النقص تجاه هذا الغرب من ناحية أخرى ، الأصل موجود في ميزوبوتاميا في سوريا القديمة في مصر "الفرعونية" وفي شمال افريقيا القبل عربية : سيظهر ذلك مستحيل التحقيق وقبل ذلك مستحيل القبول لأن الجميع يعادي ما ذكرتُ ، لكن تاريخ كل الرافضين الحديث منه والقديم يثبت خطأهم وأوهامهم التي لا يزالون يتشبثون بها والتي يستحيل على شعوبنا أن تنهض بوجودها وتواصلها.

كريم عزيزي 29/11/2018.



#كريم_عزيزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كريم عزيزي - لماذا يتواصل تعثر نهضتنا ؟