|
أدعوك للتعرّف على فريديريك نيتشه الجزء الأول
بوناب كمال
الحوار المتمدن-العدد: 6065 - 2018 / 11 / 26 - 19:01
المحور:
سيرة ذاتية
في عام 1882 تنبّأ أحد أعظم العقول في القرن 19م بحدوث أزمةٍ لم يسبق لها مثيل، والتي أُطلقَ لها العنان بفعل جريمة اغتيال الإله ؛ "لقد مات الإله وسيبقى ميّتًا، لأننا قتلناه، ما كان أقدس وأقوى ما في عالمنا لقد نزف حتى الموت أمام أعيننا، ومن الذي سيغسل الدم عن أيدينا؟". إن هذه اللهجة الفجّة القاسية التي اختارها لوصف موت الإله هي مقياسٌ قوي لمدى ما توقّعه من عواقبٍ وخيمة، لأن ما تنبأ به نيتشه، وبوضوحٍ مقلق، أنه بدون الإيمان بوجود الله لن تبقى أي سلطة تدعم القيم الأخلاقية التي وطّدت أركان المجتمع الأوروبي طوال ألفي عام، لقد أعلن نيتشه تحرّرنا من الله وامتلاكنا مصائرنا وقِيمنا بأيدينا، ولكن الفكرة التي طاردت نيتشه وقوّضتْ مضجعه هو أن هذه الحرية جعلتنا ندفع الثمن غاليا، لأن فقدان الإيمان الديني سيتسبّبُ في خواء وجودنا الإنساني من المعنى؛ إنها أزمةٌ سيظلّ نيتشه يصارعها لبقية حياته. 1 ـ الطفولة: من سخرية القدر أن طفولة الرجل، الذي سيعرّف نفسه لاحقا نقيض المسيح ، كانت عامرةً ببهجة المسيحية، حيث كان أبوه كارل لودويج كاهنا لوثريًا مؤمنا بعفوية وسذاجة؛ لقد كان بيت طفولة نيتشه في قرية ريكن (شمال ألمانيا) يحيا ويتنفّس المسيحية؛ عاش سنواته الأولى في استقرار وهدوء بجانب شقيقين؛ إليزابيث التي وُلدت عندما كان في الثانية من عمره، وبعدها بعام وُلد شقيقه جوزيف؛ لكن في خريف 1848 وببلوغه سن الرّابعة تشتّت طفولة نيتشه، إذْ أُصيب والده بمرض عقلي وشهدت صحّته تدهورًا مُريعًا، وانتهى به الأمر أعمى وطريح الفراش، ليفارق الحياة بعدها بعام، وقد أظهر التشريح أنّ ربع مخّه قد أصابه العطب؛ تركتْ معاناة الوالد أثرها على نيتشه طيلة حياته. بعد موت والده تساءل نيتشه بعمق: لماذا أنزل هذا الإله، الذي طالما أَحبّه والدي ووَهب حياته له، عقابه وعذابه الشديد على رجل خيّر؟، كانت تلك بداية رحلة الشك التي ستَسمُ حياة نيتشه. 2 ـ في جامعة بون: في عام 1864، وفي العشرين من عمره، وَصل نيتشه إلى بون ليَدرس اللاهوت بالجامعة، راسمًا مستقبلا لنفسه ككاهن لوثري، ولكن أثناء دراسته اكتشف طريقة جدلية جديدة لدراسة الكتاب المقدس وهي النقد الكتابي ؛ رأتْ هذه الطريقة أن النص المقدس ليس نصّا تاريخيا مقدّسًا بقدر ما هو مجرّد أساطير؛ فبعد أن منحه موت والده قوة عاطفية لبناء شكّه منحته المنهجية الجديدة الأدلة الوضعية لمساندة قلاقله؛ هنا كانت بداية الانفصال التام عن المعتقدات الدينية والأخلاقية التي طالما تربّى عليها؛ لقد رأى بأنّ تعاليم المسيحية حصرتْ اهتمامها على الحياة الآخرة وهو ما كان له عواقبه الوخيمة، حيث تحوّلت الأرض إلى مجرّد منفى مظلم، وما الحياة إلا ألم ومعاناة نقاسيها لا أن نحتفي بها، وهذا التركيز المفرط على الحياة الآخرة قد سلبَ عظمة وسمو اللحظة الآنية. دفع نبذ نيتشه للمسيحية إلى الانصراف عن دراسة اللاهوت وأن يسلك طريقًا جديدا، ففي عام 1865 كتب إلى أخته "إذا أردتِ راحة البال والسعادة فعليك بالإيمان، وإذا أردت أن تكوني تلميذة للحقيقة فعليك بالاستقصاء". عاش نيتشه في عصر شهد هيمنة العلم، حيث كان البحث عن الحقيقة الموضوعية هو الشغل الشاغل، ولكن ما لاحظه بوضوح شديد هو أنّ طغيان الموضوعية قد حرم الإنسانية من شيء جوهري، فبدون المسيحية لن يكون هناك قواعد أخلاقية مُلزمة تعمل على تعايش الجميع، كما لن يتواجد حلّ لخوف الإنسان من الموت، والأهم من ذلك هو أنه عند غياب الخلاص الأبدي كهدف يسعى إليه الإنسان، فإن الحياة ستفقد غايتها الروحية الأسمى؛ لذلك أصبح الهدف الذي وَهبَ نيتشه نفسه له هو البحث عن معنى في عالمٍ بلا إله . 3 ـ التعرّف على شوبنهاور: جاء أوّل قبسٍ لتساؤلات نيتشه وهو في الواحد والعشرين من عمره، حين قرّر أن يدرس فقه اللغة وحضارات اليونان والرومان وفلسفتيهما، وقد صادف أنه كان في مكتبة حين وقع نظره على كتاب سيؤثر على فكره وإنتاجه في العقد التالي؛ عنوان الكتاب "العالم كإرادة وتصوّر" لمؤلّفه "أرثر شوبنهاور"؛ رأى شوبنهاور، المتشائم، أن حل المعاناة اللانهائية للحياة هو عدم الميلاد من الأساس، فالبشر في حالة مستمرة من الرغبة، وإذا لم يُشبعوا رغباتهم فيشعرون بعدم الرّضا، وإذا أشبعوها ستظهر غيرها لتبقى المعاناة دورية، فالإشباع غير ممكن، و "أسعد البشر هو من يخرج من الحياة بأقل قدر من الألم". تحدّث نيتشه عن تجربته مع الكتاب أنه كمن ينظر في مرآة تعكس العالم والحياة بلْ وعقله في روعة متناهية؛ ولكن بينما أبدى تقبّلا لتشخيص شوبنهاور للحياة على أنها دورة من المعاناة، عارض بشدة نظرته العدمية الزاهدة والمتمثلة في رفض العيش وعدم السعي وراء الرغبات، وبدلًا من ذلك عقد العزم على البحث عن طريقة تُثبت أهمية الحياة بالرغم من كل آلامها. يُتيع........ المصدر: السلة الوثائقية المرئية: "عباقرة العالم الحديث"، قناة BBC، ترجمة فريق موقع أكوام.
#بوناب_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسة الخارجية النّسوية (مجلة فورين بوليسي) ترجمة : بوناب
...
-
مفهوم الهوية وتطورها في الحضارات القديمة
-
العالم يريدك أن تفكر كواقعي (ستيفن والت) ترجمة: د. بوناب كما
...
-
أسطورة المنهج في علم السياسة: الجزائر نموذجا
-
وهم السيادة
-
أفكار من مقدمة كتاب - مأساة سياسات القوى العظمى - ل جون ميرش
...
-
عودة الإله جانوس من بوابة إسطنبول
-
الطبيعة البشرية والسياسة: بين اليمين واليسار
-
مبدأ حسن الجوار الإيجابي في السياسة الخارجية الجزائرية
-
عثمان بن عفان وكتاب الأمير ل - مكيافيلي-
-
الثيموس والفايسبوك Thymos and Facebook
-
كردستان: بوليفيا الشرق، صداقة الجبال وعشق الحرب
-
ماذا عن سنغافورة يا فوكوياما!
-
علاقة السلطة بالمعرفة في أوروبا: من الصدام إلى الاحتواء
-
أسباب بقاء الممالك الخليجية من منظور كريستوفر دافيدسون
-
التدخل الإنساني: إعادة تسويق لنظرية الحرب العادلة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|