كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1517 - 2006 / 4 / 11 - 10:48
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
[في الذكرى السنوية لسقوط الدكتاتورية الغاشمة في العراق]
لا ولن يكون الاحتلال في العراق نهاية التاريخ!
لم تكن القوى والأحزاب السياسية العراقية المناهضة للنظام الدكتاتوري في العراق راغبة بأي حال أن يسقط النظام تحت ضربات القوات الأجنبية, بل كانت تسعى للخلاص منه بنضالها ونضال الشعب العراقي الذي عانى الأمرين من تلك الدكتاتورية الغاشمة. وقد بذلت القوى المعارضة كل الجهود وطرقت كل السبل لتغيير الوضع بطرق أخرى سلمية وعبر تراجع النظام عن سياساته العدوانية والعنصرية والعسكرية. ولكن لم تستمع الدول العربية والجامعة العربية العتيدة ولا الدول المجاورة ولا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن الدولي إلى النداءات التي أطلقتها جميع قوى المعارضة العراقية ولم تستجب لها وتركت الشعب العراقي في معركة غير متكافئة تحملت القوى المعارضة ضربات شرسة وموجعة على مدى العقود المنصرمة وخاصة منذ أن تفاقمت سياسات النظام العدوانية ضد الشعب الكردي وضد العرب في الوسط والجنوب وضد القوميات وأتباع الأديان والمذاهب الأخرى, واشتد نهج النظام العسكري وذهنيته العدوانية نحو الخارج والتورط في حروب مهلكة للشعب.
ولم تكن الأحزاب والقوى الديمقراطية الكردستانية راغبة في إسقاط النظام عبر الحرب, وقد سعت حتى أخر لحظة إلى إقناع النظام بالتخلي عن سياساته وانتهاج سياسة تساهم في إشاعة الديمقراطية للعراق والاعتراف بحقوق الشعب الكردي وضمان حقوق القومية المشروعة والعادلة, بما في ذلك إقامة فيدراليته ضمن الدولة العراقية. ولكن الدكتاتور لم يكن مستعداً لأي من ذلك, بل غاص في سياساته العنصر والاستبدادية.
ولم يختلف موقف الحزب الشيوعي العراقي أو بعض القوى القومية والأحزاب الإسلامية السياسية عن ذلك, بل كانت لها مواقف مشتركة في هذا الصدد من أجل إبعاد شبح الحرب عن العراق. ولم يكن لهذه القوى أي يد في نشوب الحرب في عام 2003, بل كان صدام هو المسؤول عن نشوبها.
لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية مصممة على خوض الحرب ضد النظام الدكتاتوري لعدة أسباب جوهرية, منها:
1. امتلاكه للأسلحة المحرمة دولياً, وهما السلاح الكيماوي والسلاح الجرثومي, إضافة إلى سعيه الدؤوب لإنتاج السلاح النووي, والمخاطر الكبيرة في أن تكون مثل هذه الأسلحة بيد نظام استبدادي شرير كالنظام العراقي واحتمال إعطائها إلى قوى إرهابية تستخدمها في صراعها مع الولايات المتحدة.
2. وجود علاقات تعاون واسعة بين النظام العراقي وأجهزته الأمنية والمخابراتية وبين جماعة بن لادن وتابعه الزرقاوي والظواهري والعديد من القوى الإسلامية السياسية المتطرفة, وما ينشأ عن ذلك من مخاطر على الوضع في العراق والمنطقة والعالم.
3. العدوانية الشرسة والذهنية العنصرية التي يحملها نظام البعث الصدامي في العراق ومخاطر ذلك على دول المنطقة بشن حروب جديدة ومخاطر تحوله إلى قوة نووية في الشرق الأوسط مع وجود أطماع توسعية دللت عليها حربا الخليج الأولى والثانية.
4. المصادرة الحقيقية لحقوق الإنسان وحقوق القوميات, وخاصة بالنسبة للكرد والكرد الفيلية, والتركمان والكلد أشور.
5. الخشية من تعرض المنطقة بسبب سياسات النظام إلى فوضى وحروب مستمرة مما يمكن أن تنشأ عنه مخاطر جدية تمنع تدفق النفط إلى الأسواق العالمية.
وهذا يعني بوضوح أن إرادة الإدارة الأمريكية بشن الحرب غير مرتبطة مباشرة بقوى المعارضة العراقية حينذاك, رغم أن إرادة التغيير لدى العراقيات والعراقيين كانت صارخة, مما أوجد لقاءً غير مباشر لإسقاط الدكتاتورية الغاشمة بين الإدارة الأمريكية والمعارضة العراقية وترحيب المعارضة بالخلاص من النظام الهمجي.
لم يترك النظام العرقي أي خيار أمام المعارضة العراقية غير العمل بكل السبل المتوفرة للإطاحة به, بما في ذلك التعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا, وقد أقرّت هذا التعاون أغلب قوى المعارضة العراقية, ومن عارض الحرب ضد النظام خشية العواقب المريعة, كان يسعى بدوره للإطاحة بنظام صدام حسين. وعلينا هنا أن نتذكر باستمرار ما يلي:
1. إن الذي تسبب بالحرب الأخيرة هو النظام العراقي الذي رفض كل المقترحات العملية للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل وناور المجتمع الدولي وضحك على الذقون فترة طويلة.
2. وأن النظام كان يمتلك أسلحة محرمة دولية واستخدمها في عدوانه على الشعب الكردي عدة مرات, كما استخدمها في الحرب العراقية – الإيرانية, وأنه يمتلك التكنولوجيا والمعرفة الضرورية والخطط لإنتاج السلاح النووي.
3. وكانت له علاقات مستمرة مع قوى الإرهاب الدولي وكانت تعمل في العراق ضمن العديد من الصيغ, بما في ذلك جيش القدس.
4. وأن المعارضة العراقية كانت محاربة وقد أعدم لها الكثير من المناضلين الشجعان من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية, وأن القبور الجماعية شاهد على عنصرية وعدوانية وهمجية النظام.
5. وبالتالي فأن النظام العراقي الذي رفض الأخذ بمقترح الشيخ الراحل زايد بن سلطان آل مهيان بترك العراق وتشكيل حكومة مؤقتة .. الخ., مهد للحرب أولاً وتسبب في احتلال العراق ثانياً.
إن احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية والبريطانية وبقية الدول المشاركة في التحالف الدولي قد أدى إلى إسقاط النظام وتحرير العراق من عبودية الشعب للدكتاتورية الشرسة والموغلة بالعداء للإنسان العراقي. ولكن الاحتلال الذي ألغي رسمياً بقرار من مجلس الأمن الدولي, وافق على استمرار القوات الأجنبية في العراق ما دامت الحكومة العراقية بحاجة إليها, وما دام الإرهاب مستمراً. وفي قناعتي فأن هذا الوجود لن يطول كثيراً والشعب كفيل بإنهائه بعد الانتهاء من الإرهاب الجاري حالياًً. وأن علينا أن نقتنع بأن وجود هذه القوات في العراق ليس نهاية التاريخ, بل ستخرج قطعاً, ولكن علينا وبمساعدتها الخلاص من الإرهاب الدموي ووقف نزيف الدم ومنع وقوع كارثة الصراع الطائفي السياسي الذي أججته القوى الإرهابية والقوى الطائفية في العراق وفي المنطقة, والذي بدأت بتنشيطه سلطة الاحتلال ورئيسها الحاكم بول بريمر.
إن التصريحات الأخيرة للرئيس المصري حسني مبارك جاءت لتصب الزيت على النيران المشتعلة في العراق, وهي لغة قديمة استخدمها القوميون الشوفينيون العرب, وهي لغة استخدمها وما يزال يستخدمها الإسلاميون السياسيون المتطرفون مذهبياً من أتباع المذهب السني والمعادون لكل المذاهب والتكفيريون. وغالباً ما اتهم الشيوعيون بالشعوبية أيضاً, وهي لا تختلف كثيراً عن تهمة رئيس الجمهورية المصرية للشيعة في العراق والمنطقة. كان يفترض أن تكون هذه اللغة غريبة عن ذهنية الرئيس المصري, حين أشار إلى أن الشيعة في المنطقة ولاؤهم ليس لبلادهم بل لإيران. وهو أمر بالغ الخطأ والخطورة. ويبدو لي أن الرئيس المصري, كعدد من الحركات القومية العربية الشوفينية والطائفية عجزت عن أن تميز بين العرب من أتباع المذهب الشيعي عموماً وبين بعض القوى السياسية التي ترتبط بولاء خاص لإيران, وهي قليلة جداً, وليس كل قوى الإسلام السياسي الشيعية في العراق أولاً, وهذا لا يعني عدم طائفيتها, ولكن الولاء لبلد آخر شيء والولاء للمذهب شيء آخر.
إن ولاء الشيعة العرب على مدى قرون وقرون هو للعراق وليس لأي بلد آخر. وإذا ما وجدت قوى سياسية تدين بالولاء لإيران فهي محدودة وهي مدانة من قبل الشعب العراقي, ولكن بعض القوى الشيعية تحاول الاستفادة من نفوذ إيران وإمكانياتها لتعزيز مواقعها في بلدها العراق, وهذا ما يحصل اليوم في جنوب العراق, حيث نجد تفاقم النفوذ الإيراني في المنطقة, وهو خطر حذرنا منه كثيراً وسنبقىة نحذر منه ونطالب بإيقافه. إذ أن لإيران أطماع في العراق وفي منطقة الخليج وهي التي التهمت حتى الآن الجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
أرى بأن على الرئيس المصري أن يعتذر للشعب العراقي عن الخطأ الذي ارتكبه في هذا الصدد, وأملي أن لا يساهم في تعميق الصراع الطائفي في العراق, بدلاً من أن يساهم في تخفيفه ورفضه تدريجاً. إن التصريحات التي أدلى بها الرئيس المصري يوم أمس (8/4/2006) في اللقاء الصحفي, كانت وما تزال, كما يبدو لي. الموجه الفعلي لتحركات الأمانة العامة للجامعة العربية ونهجها في مواجهة الأزمة في العراق, ولهذا لم تنجح في إنجاز الكثير لأنها كانت وما تزال متحيزة كالرئيس المصري, وبالتالي كانت أحد الدروب التي سلكها الإرهابيون لتصعيد ما يسمى بالمقاومة ضد السيطرة الشيعية والإيرانية على العراق. ومن يتابع الفضائيات المصرية سيجد أنها تلعب كثيراً على هذا الوتر الطائفي وتحاول الترويج لفكرة المقاومة, وهي ليست سوى إرهاباً دموياً ضد الشعب العراقي وضد وحدته الوطنية.
كان الساسة العراقيون محقين حين رفضوا وأدانوا هذه التصريحات وطالبوا بالاعتذار عنها. لقد جاءت هذه التصريحات بعد زيارة قيل أن الشيخ حارث الضاري قد قام بها إلى جمهورية مصر العربية, وأملي أن لا تساهم هيئة علماء المسلمين, التي ينتمي لها هذا الشيخ, بتعقيد وتشديد الصراع الطائفي, بعد أن ساهمت الهيئة بالكثير منه حتى الآن. إن المطلوب من الهيئة هو إدانة صارمة للإرهاب والإرهابيين, الذي لم تفعله حتى الآن, وهي متهمة بممارسة ذلك, عبر ميليشياتها المسلحة غير المعلن عنها أو منح الحماية للإرهابيين والتغطية عليهم. وعليها أن تفند هذه الاتهامات على أرض الواقع وبالممارسة العملية.
لم يشجب الساسة المصريون يوماً السياسة الطائفية الملعونة التي مارسها نظام صدام حسين طيلة عقود ضد أتباع المذهب الشيعي, كما أنهم لم يكلفوا أنفسهم مشقة شجب السياسية الشوفينية والعنصرية الدموية التي مارسها نفس النظام الصدامي ضد الشعب الكردي في مجازر الأنفال وحلبچة وغيرها من المجازر. ولكنهم أصبحوا على استعداد لاتهام الشيعة بالولاء لإيران دون التمييز بين الناس في إطار المذهب الشيعي.
ليس الإنسان العراقي, سواء أكان شيعياً أم سنياً أم من أي دين أو مذهب آخر, هو المسؤول عما يجري في عراق اليوم, إذ أنه ليس من عمله ولا وفق إرادته أو رغباته, بل هو من صنع الصراعات الطائفية السياسية التي تقودها الأحزاب الإسلامية السياسية, وهي التي يجب أن تنتقد على مواقفها وتحالفاتها على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي, وليس الجماهير العراقية التي تلتزم بهذا المذهب الإسلامي أو ذاك اجتهاداً وهو حق طبيعي للإنسان.
كل العراقيين يعرفون بوجود تدخل إيراني فظ في العراق وخاصة في جنوب العراق ويسعون إلى إيقافه ومنع تفاقمه, كما يدركون عواقبه على المجتمع العراقي. ولكن لا يتم ذلك عبر اتهام كل الشيعة العرب في العراق باعتبارهم أتباع مذهب إسلامي خامس, بالولاء لإيران لمجرد كونهم شيعة. إنها خطيئة كبرى يرتكبها من لا يريد تحقيق الوحدة الوطنية في العراق. ليتذكر السيد رئيس الجمهورية المصرية تصريحات وسياسات وإجراءات الدكتاتور صدام حسين قبل وأثناء الحرب العراقية – الإيرانية. لقد هجّر هذا الدكتاتور العنصري والطائفي ما يزيد عن 400 ألف إنسان عراقي عربي وكردي فيلي من العراق بحجة التبعية والولاء لإيران, كما قتل عشرات الألاف من الناس العرب الشيعة والكرد الفيلية الشباب بنفس الحجة القبيحة ودفنهم في مقابر جماعية.
إن الشعب العراقي سينتصر على الإرهاب وسيعزز وحدته الوطنية وينهي الوجود الأجنبي في العراق وسيبني جمهوريته الديمقراطية الاتحادية وسيردد مع الشاعر العربي قوله:
وستنقضي الأيام والخير ضاحك يعم الورى والشر يبكي ويلطم
وعلى الدول والشعوب والقوى الديمقراطية في الدول العربية أن تسند نضال الشعب على هذا الطريق, وان تبتعد عن المشاركة في تفتيت وحدته الوطنية وصب المزيد من الزيت على الصراع الطائفي المنفلت من عقاله حالياً.
9/4/2006 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟