|
الى أين يهوي -البرنامج المرحلي-؟ماذا بعد الإفراج عن المجرمين مقترفي اعتداء 25 مارس 2006 على الطلبة الثوريين باكادير؟
المناضل-ة
الحوار المتمدن-العدد: 1516 - 2006 / 4 / 10 - 09:03
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تم صباح يوم الخميس 30 مارس 2006 باكادير إطلاق سراح 14 طالبا ثوريا، و 9 من عناصر ما يعرف في الساحة الجامعية بـ" البرنامج المرحلي"، وهو إحدى مكونات الطلبة القاعديين.
وراء هذا الإفراج، وما سبقه من أعمال اعتداء على مناضلي ومناضلات تيار الطلبة الثوريين بجامعتي مراكش واكادير، حالة بالغة الخطورة من العنف الذي تمارسه جماعة تدعي النضال التقدمي ( الماركسي-اللينيني) في الجامعة. وقد سبق ان شهدت جامعة اكادير مواجهات شرسة بين طلاب من الناشطين الصحراويين وآخرين من الحركة الامازيغية شهر مارس 2006. ولا يقدم الإعلام، الرسمي واليساري على حد سواء، أي صورة موضوعية عن أعمال العنف هذه، والنتيجة ان الرأي العام يظل ضحية تضليل ولا يدري ما الأمر؟ ولا يحتفظ من سمع بأعمال العنف الجارية بالجامعة سوى بانطباع مبهم حول اقتتال بين جماعات طلاب مجنونة عاجزة عن تدبير خلافاتها بالسبل السليمة، وبالتالي يجد تدخل قوات القمع بالجامعة ما يبرره بنظر الرأي العام.
وحتى المحيط الأصغر من مناضلي اليسار الجذري، المعنية اكثر بالموضوع بحكم القرابة البادية مع المعنيين بالعنف، الجناة منهم والضحايا، تظل متحفظة من أي سعي الى معرفة الحقيقة، ناهيك عن اتخاذ موقف صريح. ولا شك ان هذا التحفظ يعود جزئيا الى ما يروجه "البرنامج المرحلي" من ألوان الكذب والافتراء هي المكمل الطبيعي لعنفه الهمجي. هذا رغم ان ابسط تحقق من الوقائع بالميدان يبدد ذلك الكذب.
نعود في ما يلي الى التذكير بمجريات الأحداث، لنقدم تفسيرنا لما يجري، ولما قد يكون قيد الحبك من مؤامرات، ثم نخلص الى توضيح موقفنا مجددا من كل ذلك.
كان 14 طالبا ثوريا قد اعتقلوا صباح يوم الاثنين 27 مارس 2006، بعد اقتحام البوليس لسكناهم وتفتيشها، واخذ محجوزات منها معدات العمل الثقافي (معروضات الرواق) ومخطوطات و ملصقات صور الشهيد عبد الله موناصير وحتى البحث الجامعي لأحدهم.
سبق اعتقال هؤلاء تعرض 4 من رفاقهم لاعتداء ليلة يوم السبت 25 مارس 2006 بالشارع بحي الداخلة المجاور لجامعة ابن زهر، حيث يقطن قسم كبير من طلاب هذه الجامعة. وقع ذلك الاعتداء بين الساعتين 8 و 10 ليلا، حيث هاجمت عناصر "البرنامج المرحلي" الطلبة الثوريين مستعملة أدوات قاطعة كالخناجر وسلاسل حديد و"الزبارات"( أداة حادة لتقليم الأشجار تفوق نصف متر طولا). كان الطلاب الأربعة المستهدفين عزلا، فأصابت أدوات "البرنامج المرحلي" القاطعة أحدهم ببطنه مخترقة الجلد، وآخر بجرح غائر بيده يستدعي عملية جراحية لغرس الجلد، بينما أصيب ثالث بجرح برأسه ورجليه، والرابع بيده. وقد تم نقلهم إلى المستشفى بعد قدوم سيارات الإسعاف ولم يتحرك البوليس نهائيا طيلة يوم السبت والأحد رغم أن المجرمين مارسوا عنفهم الجبان في الشارع وبثقة المحمي الذي لا يخشى عقابا.
هكذا ُنقل عدد من الطلبة الثوريين الى المستشفى، وعدد آخر الى المعتقل، بينما ظل الجناة طلقاء الى ان اعتقل بعضهم ضمن 9 من طلبة البرنامج المرحلي ألقي عليهم البوليس القبض يوم الثلاثاء 28 مارس. وكانت ضمنهم عناصر من جامعات أخرى:1 من الرشيدية و4 من مكناس ، علاوة على أخري من مراكش لم تعتقل.
وقد ضبط البوليس بمنازل قاعديي "البرنامج المرحلي" عتادا من الأسلحة البيضاء كاف لتسليح ما لا يقل عن 20 عنصرا. ضمت الترسانة ما يلي : سيف مصنوع وفق الأصول، و 16 "زبارة" لتقليم الأشجار، و 2 سكاكين، وزهاء 25 هراوة، و سلسلة حديدية، وَمـْبـَرد كهربائي لشحذ الأدوات القاطعة، وهذا ما عاينه حتى المحامي أثناء فترة الاعتقال.
وقد اعترفت عناصر من "البرنامج المرحلي" للبوليس، أمام الضحايا من الثوريين، بأسماء مرتكبي الاعتداء، و كذا بالأسلحة المصادرة عندهم، وبكونهم من بدأ العنف بجامعة مراكش. كما اعترف احد المعتقلين من "البرنامج المرحلي" عند اقتياده الى مستشفى الحسن الثاني، ومقابلته بأحد الضحايا، انه مارس الضرب لكن على ثوري آخر.
هكذا اصبح بين أيدي البوليس باكادير جناة ارتكبوا جريمة، معترفين بها، بحق أربعة طلاب ما زال احدهم بالمستشفى. إننا إزاء جناية العصابة الإجرامية لثبوت التصميم على العدوان باتفاق مشترك ( الفصل 393 من القانون الجنائي)، وهو ما يعاقب عليه القانون بالسجن من 5 الى 10 سنوات، وبضعف المدة على متزعمي العصابة. كما يقضي القانون الجنائي بحبس من ارتكب الضرب والجرح مع الإصرار والترصد واستعمال السلاح (مع التسبب بعجز لا يتجاوز 20 يوما) مدة من 6 أشهر الى سنتين وغرامة، وبالحبس من سنتين الى 5 وغرامة اذا تجاوز العجز 20 يوما. ويجوز علاوة على ذلك الحكم بالتجريد من الحقوق الوطنية وبالمنع من الإقامة من 5 الى 10 سنوات .
هذا وما زالت ترسانة الأسلحة المحجوزة عند مجرمي "البرنامج المرحلي" لدى بوليس اكادير ومعها محاضر الاستماع إليهم حيث الاعترافات ماثلة وستبقى للتاريخ. ومع هذا كله افرج عن المجرمين.
ما دلالة ما جرى؟
ليست هذه أول مرة ينظم البرنامج المرحلي اعتداءاته أمام أنظار أجهزة البوليس، وبعد الإعلان أمام الملأ في الجامعات عن عزمه على استئصال الطلبة الثوريين، الموصوفين بالتحريفية، من الجامعة بقوة الحديد. فقد سبق أن كان طلبة ثوريون بجامعة مراكش عرضة لاعتداء مماثل مساء يوم الثلاثاء 13 ديسمبر 2005 ، نقل اثنين منهما إلى المستشفى في حالة خطيرة استدعت إجراء عملية جراحية لأحدهما. و بعد أسبوع، صباح يوم 20 ديسمبر، نزلت عناصر "البرنامج المرحلي"، لتستعرض عضلاتها مشهرة سيوفها، مخلفة إصابة أحد الرفاق برأسه، فما كان على الطلبة الثوريين سوى الدفاع عن أنفسهم.
وتعرض الطلبة الثوريون للمحاصرة بالمنازل بمراكش بما في ذلك اقتحام بعضها، والمنع من ولوج الجامعة، فمنذ عدوان شهر ديسمبر 2005 والطلبة الثوريون ممنوعون، بقوة التهديد السافر، من ولوج جامعة القاضي عياض بمراكش. ناهيك عن أشكال المضايقة والاستفزاز و التحرش على الطريقة البوليسية: اختطاف وتعذيب من اجل انتزاع معلومات، والتهديد عبر الهاتف، وذلك في حرب متواصلة منذ 1998.
لكن الجديد في عدوان 25 مارس 2006 باكادير، وما أحاط به، هو درجة افتضاح اللعبة.
نظم البرنامج المرحلي باكادير استنفارا وطنيا، كان سيؤدي الى كارثة بالنظر الى العدد والعدة المحضرين، فاضطر البوليس للتدخل لكن دون متابعة قضائية. فما هي دلالة ان البوليس اعتقل جناة متلبسين ومعهم ضحاياهم، وضبط ترسانة كاملة من الأدوات الحادة، مع اعتراف الجناة بكل ما قاموا به باكادير ومراكش، وتورط مشاركين من مواقع جامعية بعيدة، ولم تتم متابعتهم قضائيا؟
ما يقوم به البرنامج المرحلي في صالح من يسعى الى تفكيك أجنة العمل النقابي بالجامعة، وابعاد الفكر الثوري منها، لتفادي تبلور قوة جماهيرية تسقط حسابات من يعمل لنسف ما تبقى من مكاسب طلابية، ولتجنب بروز وعي ثوري بين الطلاب في سياق اجتماعي محتقن باطراد.
تقوم جماعة البرنامج المرحلي "المناضلة" بالزبارات بأدوار تعفي جهاز القمع من التدخل المباشر، وهذا سواء كانت داخل تلك الجماعة عناصر مجندة من طرف البوليس لتلك الغاية، وهي حيلة حرب أتقنتها أجهزة الاستخبارات بكافة البلدان وعبر العصور، او نتيجة جهالة لم يسبق لها نظير في تاريخ الحركة الطلابية.
ان مواصلة البرنامج المرحلي عنفه الإجرامي بالجامعة يقدم فرصة ذهبية للقضاء على الحركة النضالية بها من خلال المحاكمات بتهم جنائية، بدل قمع سياسي صريح. واكثر من ذلك سُيعزل المناضلون الضحايا عن أي تضامن بتجريدهم من الصفة النقابية والسياسية، وهذا ما سبق اصطناعه في حالات عديدة منها مناجم ايميني بتهمة القتل، ومحاكمة المناضلين محمد رشيد الشريعي باسفي و المختار بنجلون بكلميم بتهمة المخدرات.
كما يهدي للجماعات الرجعية مسوغا لجرائمها السابقة ضد اليساريين ( عاهات وقتلى)، بتقديمها في صورة رد على عنف اليساريين.
ان ما جرى تشجيع من الدولة لمزيد من عنف قاعديي"البرنامج المرحلي" ضد الثوريين، وفي الآن ذاته رسم لحدوده: اضربوهم دون ان تقتلوهم. لذا فان مسؤولية ما جري وما سيأتي تقع ابتداء ونهاية على الدولة.
هذا من جانب مقترفي العنف والدولة التي تغض عنه الطرف، أما من جانب اليسار بالجامعة، وبالساحة السياسية بوجه عام، فان مواقفه، منذ عنف البرنامج المرحلي في ديسمبر 2005 بمراكش حتى العنف الأخير باكادير، تنطوي على دلالة بليغة. فإما ان هذا اليسار وصل من التفكك والضعف درجة أقعدته عن السلوك الوحيد السليم إزاء ما يجري، أي موقف رفض العنف وإدانة مرتكبيه إدانة مطلقة، او انه مرتاح لما يجري اقترافه بحق الطلبة الثوريين.
فبماذا يمكن تفسير صمت جماعات القاعديين الأخرى، و مواقف اليسار بمجمله؟
إنها تقاليد سياسية فاسدة تقضي بتفادي اتخاذ موقف مبدئي من العنف باستحضار حسابات الربح والخسارة. وثمة من يسعى للاستفادة من تنحية الثوريين بالسلاح من الجامعة، دون تورط مباشر في الأعمال القذرة، منتظرا التخلص من الثوريين لمباشرة تصفية الحسابات مع غيره من القاعديين.
ومن اليسار من يعتبر العنف الجاري شأنا يخص أطرافا سواسية في التطرف، تقتضي الحكمة تركها تتطاحن. والحال ان عنف البرنامج المرحلي يستهدف الجميع، إصلاحيين وراديكاليين وأمازيغيين و أنشطة الطلاب الترفيهية، وكل من يتحرك، ولا يقف الا عند حدود قوة تفوقه عددا كما هو الحال في مراكش حيث منع الجميع من أي نشاط بالجامعة ما عدا الإسلاميين.
وثمة طراز آخر من الموقف اليساري يتعالى ويتعامى عن الواقع لدرجة مساواة الجلاد والضحية، ويدين كل أشكال العنف دون تمييز من يدافع عن النفس. ونموذجه بيان تجمع اليسار الديمقراطي باكادير بتاريخ 31 مارس 2006. هذا بينما الحقيقة يعرفها الجميع (من كان له طبعا حد أدنى من الوجود بالجامعة) وهي ان" البرنامج المرحلي" هو الذي يصارع التيارات الأخرى بالقمع الدموي، بينما يدافع الثوريون عن الحرية النقابية والسياسية لجميع التيارات، ولم يضربوا يوما الا دفاعا عن النفس. وبالتالي فالموقف النضالي الحقيقي ليس اقل من إدانة الجماعة التي جعلت من العنف منهجا لمعاملة من يختلف معها. وعلى من يشكك في أقوالنا أن يذهب الى جامعة مراكش حيث يتفرعن "البرنامج المرحلي" ويرد علينا الأخبار.
لماذا استهداف الثوريين؟
ُيستهدف الثوريون بسبب أدوارهم في التعبئات الطلابية، ومواظبتهم على نشر الفكر الماركسي الثوري بالجامعة. ويرى النظام و "البرنامج المرحلي" في نشاط الثوريين خطرا: الأول لان الجامعة في ذروة أزمتها بعد اتضاح الإفلاس التام لما يسمى بالإصلاح. أما قاعديو "البرنامج المرحلي" فواعون تمام الوعي انهم مهددون بالانقراض أمام ديمقراطية الثوريين، و تماسك وجهة نظرهم، وتطابقها مع مستلزمات النضال، ليس بالساحة الجامعة وحسب، بل في الإطار العام لازمة حركة النضال العمالي والشعبي بالمغرب.
يلتقي النظام مع البرنامج المرحلي في هدف القضاء على الثوريين، الأول يطلق العنان للثاني ليرهب الثوريين وليفسد أجواء النضال بالجامعة، لان عنفه يؤدي، أولا وقبل كل شيء، الى إبعاد الطلاب من النضال ومن السياسة.
ليس الأمر سوى رد على تقدم الطلبة الثوريين في موقع اكادير ومراكش، وخوف من امتداد تاثيرهم الى الجامعات الأخرى. وما يسمى بالبرنامج المرحلي عاجز عن مقارعة الحجة بالحجة، وليس لديه ما يقدم لنضالات الطلبة، غير الممارسات التحكمية وأساليب إكراه الطلاب التواقين لتحسين أحوالهم الدراسية على الخضوع لقاعديي البرنامج المرحلي.
مواصلة رفع راية الحريات عالية
يرى "البرنامج المرحلي" في راية الثوريين المدافعة عن الحريات، والمناهضة للعنف، راية بيضاء. ويواصل رفضه الإصغاء لدعوات نبذ العنف و محاولته ترهيب الثوريين لإجلائهم من الجامعة. والحال ان التجربة أكدت، لمن يجعله عماه بحاجة إلى تأكيد، ان الأدوات القاطعة لا ترهب الثوريين، و أنهم أدوا من سلامتهم البدنية ثمن الدفاع عن أفكارهم وعن حق الجميع في التعبير والنشاطين النقابي والسياسي بالجامعة. وسيواصل الثوريون استماتتهم من اجل ذلك. وهذا ما سيجعل "البرنامج المرحلي" يتعرى اكثر أمام أنظار من لا يعرفه بعد. إن حبل الكذب قصير، وقصير جدا حين يتعلق الأمر بجرائم تجري على مرأى من جموع الطلاب، وأمام أنظار أجهزة البوليس ذاتها.
يعتبر البرنامج المرحلي تمسك الثوريين بالحرية النقابية والسياسية للجميع في الجامعة، وجهودهم لتحاشي منزلق العنف الخطير، ضعفا. وقد شهدوا ما يمكن ان يؤدي إليه اضطرار ضحايا همجيتهم الى الدفاع عن النفس.
إن ما يمارسه البرنامج المرحلي من ليس جديدا، وقد تفادى المناضلون الرد عليه بالمثل، وسعوا الى تطويقه بمختلف السبل: • نقاشات مباشرة مع زعماء ورموز البرنامج المرحلي • نقاشات جماهيرية بالساحة الجامعية، سواء في الأنشطة مثل الأيام الثقافية او أي فرصة يتيحها ما يطرأ من ممارسات عنيفة، وذلك بقصد خلق رأي عام مناهض للعنف وابراز مستتبعاته على النضال الطلابي. • توزيع منشورات وطنية ومحلية ضد العنف. • سلوك صارم، وضبط للنفس، بالامتناع من أي انسياق الى العنف. • ممارسة ذلك الاقتناع فعليا في الميدان: فرغم القمع الذي يتعرض له رفاقهم في مراكش طيلة سنوات، حافظ الثوريون باكادير على حرية كاملة لجميع التيارات، ومنها البرنامج المرحلي الذي يجاهر بأنه سيقضي على ما يسميه التحريفية بالعنف.
بقدر عجز البرنامج المرحلي عن العطاء الفكري والنقابي والسياسي، يشتد سعاره ضد دفاع الثوريين عن حرية كافة التيارات بالجامعة، وقد يصل العمى حد إسقاط قتلى ( ما دامت الأدوات القاطعة تشحذ بمبرد كهربائي)، وعندها سيذهب معتقلو محاربة التحريفية بالحديد الى سجون النظام بسبب عنفهم على مناضلين ضد هذا النظام بالذات.
لا ميثاق أخلاقي مع المجرمين وهنا لا بد من الوقوف ضد عرف درجت عليه الجماعات القاعدية المتذابحة بالجامعة، عرف يقضي بالتزام كل الأطراف بعدم تقديم أي شكاية الى القضاء ضد الاعتداءات حتى الدموية منها. انه نوع من الميثاق الضمني بين "الرفاق القاعديين" يلزم باحترام قواعد لعب معينة، ويرى في الوصول الى القضاء وشاية بمناضلين.
لن يقبل هذا المنطق المجنون غير من يؤمن ان الاعتداء بالأدوات الحادة وسيلة تعامل بين المناضلين. انه الحمق، فكل من يضرب شخصا آخر لأنه يحمل رأيا مغايرا يراه تحريفيا، أوحتى رجعيا، ليس مناضلا ، ناهيك عن استهداف حياته بأدوات حديدية جرى شحذها بمبرد كهربائي.
قد تقع تدافعات بين مناضلين غير منضبطين، وحتى درجات ضئيلة من العنف، لكنها تكون حالات استثنائية، عبارة عن انفلات يتدخل الأكثر تعقلا من كلا الطرفين لتطويق المشكل وحله بروح رفاقية. يقع هذا مثلا بين في مسيرة عمالية بين مناضلين مندفعين اكثر من اللازم، غير منضبطين للجنة التنظيمية. اما ان تقوم جماعة باستنفار قواها للانقضاض بعد ترصد على مناضلين من تيار آخر، فلا علاقة لذلك بالنضال. انه اعتداء كأي اعتداء آخر قد يقبل عليه مجرم لأجل السرقة. وبالتالي فلا مسوغ لامتناع المناضلين المضروبين بحديد "البرنامج المرحلي" عن تقديم شكايات الى القضاء ضد المجرمين مقترفي الاعتداء. ونتحدى ايا كان ان ياتي بحجة تقنع عاقلا بغير هذا.
البرنامج المرحلي والعنف
يعتبر البرنامج المرحلي عنفه حربا مقدسة ضد الإصلاحية والتحريفية، ولم يبد قط أي موقف مناهض لاستعمال العنف داخل الجامعة لحسم الخلافات السياسية، بل يزايد بكونه ثابت على مبدا الحرب المفتوحة ضد الآخر. لماذا لم يسبق لاي من تنويعات البرنامج المرحلي ان أدانت ولو لفظيا في بياناتها استعمال العنف لحسم الخلافات السياسية؟ لماذا لم ينهض أي طرف للدفاع عن الإرث القاعدي الحقيقي بوجه التفسخ الراهن.
وقد عاش البرنامج المرحلي كيف ينقلب عليه منطقه، وشهد اقتتالا داخليا لم يشهده أي تيار سياسي في تاريخ المغرب. ومع ذلك ليس لجنونه حدود. فحتى بافتراض انهم نجحوا في القضاء على تيار بالضرب والجرح والقتل، فماذا سيفعلون إزاء تيارات أخرى قد تظهر، لا بل ماذا يفعلون اليوم إزاء الجماعات السلفية الأقوى من الثوريين بكل الجامعات؟
ان ما يقوم به البرنامج المرحلي ضد الطلبة الثوريين ليس صراعا مع وجهة نظر سياسية ما بل إجهاز عن القليل الذي يسمح به النظام من حرية التعبير والنشاط النقابي والسياسي بالجامعة. كما ان ما يقوم به تيار الطلبة الثوريين ليس سوى دفاع عن حرية التعبير والنشاط النقابي والسياسي، حرية مفتوحة للجميع، من الإصلاحيين الى الثوريين، وما بينهما، وحتى للرجعيين.
مستقبل "البرنامج المرحلي"
إن التفكك الذي يشهده هذا التيار، سياسيا وتنظيميا، منذ سنوات من المعارك الداخلية الطاحنة (اقتتال بالمعنى الحرفي للكلمة وليس مواجهات فكرية وسياسية)، يجعله بحاجة الى عدو خارجي يعيد إليه الوحدة. تلك إحدى وظائف هذا العنف. لكنها وحدة مستحيلة لان العنف سرعان ما يفعل فعله بين مكونات التيار ذاته.
فبعد سيرورة مديدة من الاقتتال بين التيارات القاعدية، حرمت جماعة مراكش دخول "جامعتها" على فرق البرنامج المرحلي الأخرى. واصبح العنف مزايدة مع تيارات أخرى في الدفاع عن مواقع جامعية يعتبرونها لهم او يجب ان تكون كذلك. انه تنافس بين أقسام يدعي كل منها انه "البرنامج المرحلي" الحقيقي وان الآخرين يتطفلون او يسترزقون.
ان ما جري في في السنة الجامعية 2005 –2006 طور آخر، متقدم جدا، في اتضاح طبيعة ما يسمى بالبرنامج المرحلي، او بالأقل العناصر المسيطرة فيه، أي التي توجه وتخطط.
فخارج العنف ضد الرأي الآخرين، ايا كانوا، لا يقدم البرنامج المرحلي إجابات في أي مضمار كان، و يغطي قصوره الفكري بعبارات السب والقدح واللغة العنترية. ويقتات في احسن الأحوال من أفكار أنتجت في سياقات سياسية مضت عليها أربعة عقود.
وأضحت عنده الماركسية قاموسا بائسا من السب والألفاظ النابية واتهام الجميع بالتحريفية والخيانة. والا فما تقييمه لتحركات الطلاب بوجه ما سمي بالإصلاح البداغوجي؟ ولا سطر واحد. و هل يتساءل هذا التيار لماذا لا يجد له ولو موطأ قدم في النقابات العمالية، او غيرها من منظمات النضال، بعد ان خرجت أفواج تلو الأخرى من عناصره بالجامعة؟
و هل لديه أي تقييم لتاريخ الحركة الماركسية اللينينية المغربية التي يدعي الاهتداء بتراثها؟ و هل يفيد ولو برأي عن التطورات التي شهدها هذا اليسار، وماذا كان موقعه من تحولاته، سياسيا وتنظيميا، بدل اتهام جميع أطرافها دون استثناء بالتحريفية والخيانة؟
ما يقوم به اليوم "البرنامج المرحلي" دليل انه لم يستفد حرفا واحدا من دروس الحركة الماركسية اللينينية: فمن الأخطاء التي اعترف بها، بشجاعة المناضلين، قادة وكوادر تلك الحركة ذلك الميل الى العصبوية واللاتسامح مع الرأي المخالف( راجع مقال جريدة المناضل-ة العدد11حول ما تبقى من القاعديين). هذا الخطأ بالذات هو ما فاقمه البرنامج المرحلي الى مستوى الجريمة: مواجهة رأي تيار ماركسي بالأدوات الحديدية المشحوذة بمبرد كهربائي.
النضال ضد التحريفية؟ نعم، لكن كيف؟
أصبحت مواجهة التحريفية لازمة في خطاب "البرنامج المرحلي" لكن دون أي جهد فكري حقيقي، لا شيء غير الضرب والجرح. ليست التحريفية هي كل رأي مغاير. فلم يكن تاريخ الحركات الثورية سوى تاريخ خلافات يسيرها المناضلون بالنقاش الديمقراطي. إن النضال ضد التحريفية، أي ضد إفراغ الماركسية من مضمونها الثوري، واجب كل ثوري. لكنه نضال بالأفكار، بالرد على حجج التحريفية، وكشف جذورها الطبقية، و من جهة أخرى بتكتيكات العمل النضالي لنزع الجماهير من تأثيرها.
لم تنتج جماعات "البرنامج المرحلي" في تاريخها أي ادب فكري ضد التحريفية ( الاصلاحية) التي عاتت فسادا في الحركة النقابية والشعبية بالمغرب، مثبتة بذلك ان لا صلة لها بتراث الحركة الماركسية اللينينية. فالسرفاتي ورفاقه المؤسسون لم يواجهوا تحريفية قيادة الحزب الشيوعي المغربي في النصف الثاني من الستينات بالأدوات القاطعة، بل أنتجوا فكرا سياسيا بديلا، وعملوا على تجسيده ميدانيا، ايا كانت أخطاؤهم التي أضحت دروسا بملك كافة مناضلي الطبقة العاملة بالمغرب بمختلف أصولهم.
جماعة "البرنامج المرحلي" عقبة بوجه تطبيق البرنامج المرحلي
استمدت جماعة "البرنامج المرحلي" الاسم من 3 عناوين عامة اعتبرها أصحابها جوابا على متطلبات النضال في الجامعة، وهي :
1- مواجهة ما تمكن مواجهته من الإصلاح الجامعي و،
2- رفع الحظر العملي عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب و،
3- النضال ضد البيروقراطية.
وهي شعارات صحيحة في عموميتها، بغض النظر عن كونها لا توضح الكيفيات. وقد يرتضيها كل مناضل حقيقي من اجل مصالح الطلاب وتقدم كفاحهم. ولو كان المناخ السائد بالجامعة صحيا لتمكنت هذه الشعارات من لف قسم عريض من القاعدة الطلابية، وداخلها كل مكونات اليسار، حتى الإصلاحي كطلبة اليسار الاشتراكي الموحد مثلا.
هذا لأن تلك الشعارات، التي تسمى بالذات برنامجا مرحليا، دفاع عن حد أدنى يتفق عليه اليسار الطلابي كله: فالشعار الأول دفاع عن مكاسب الطلبة بوجه الهجوم على التعليم الجامعي بما هو خدمة عمومية والسعي الى تحويله الى سلعة(ضرب المجانية)، وجعل الجامعة تابعا لحاجات الرأسماليين. والشعار الثاني دفاع عن حرية العمل النقابي والسياسي في الجامعة. والثالث رفض لأي تسلط يصادر حق الطلبة في تقرير مصير نضالاتهم بأنفسهم. وهو على كل حال ليس سوى صياغة أخرى للديمقراطية الواردة في شعار "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب منظمة جماهيرية ديمقراطية تقدمية مستقلة".
لكن الممارسة الفعلية لجماعة البرنامج المرحلي على جميع المستويات ( معاملة التيارات الأخرى وحتى وجهات النظر الداخلية، التصرف خلال نضالات الطلاب، الصورة التي تقدمها عن الماركسية اللينينية) ممارسات تعرقل تحقيق أي شيء من البرنامج المرحلي.
لا يمكن مواجهة ولو 1% من الإصلاح الجامعي دون بناء قوة جماهيرية، وهذا البناء متعذر مع وجود جماعة تلغي حرية التعبير والنشاط النقابي والسياسي. كما يستحيل الظفر بحرية نشاط الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سوى بجهود القاعدة العريضة من الطلاب. وتلك الجهود هي ما يحطمه البرنامج المرحلي كل يوم. اما عن البيروقراطية فهل ثمة بيروقراطية اشد من القمع الذي يمارسه البرنامج المرحلي؟
هذا ما يحكم على قيادات جماعات " البرنامج المرحلي" بالإفلاس الناجز، والاضمحلال بعد خروجها من الجامعة، وبقائها سنوات إضافية في اجترار الماضي. اما الذين جذبتهم اللغة المتجذرة، او انعدام بديل مناضل في جامعات عديدة، الى صفوف هذه الجماعات، وحافظوا على الحس النقدي والإرادة النضالية الصادقة، فلن يصونوا احسن ما فيهم الا بنزع قميص "البرنامج المرحلي" المتسخ بجرائم قمع الرأي المغاير وإراقة دماء الشباب الثوري.
كريم – طالب ثوري
ابريل 2006 **** للمزيد من التفاصيل حول ما جرى في الجامعة المغربية في حق فصيل الطلبة الثوريين من عنف واعتقالات، أنظر-ي موقع جريدة المناضل-ة http://www.al-mounadhil-a.info
#المناضل-ة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حدث قبل 30 سنة انقلاب فيديلا العسكري: إرهاب دولة ضد الأرجنتي
...
-
بمناسبة الذكرى الخمسين لاغتيال المناضل الشيوعي المغربي عبد ا
...
-
ماذا تبقى من تيار القاعديين(البرنامج المرحلي) بجامعة مراكش؟
-
فرنسا :الحركة ضد عقد التشغيل الأول تدخل منعطفا
-
حزب المؤتمر الوطني الاتحادي: من أين؟ والى أين ؟
-
أضاليل هيئة بنزكري حول قتلانا في فاس
-
مؤتمر الرابطة الشيوعية الثورية (فرع الأممية الرابعة بفرنسا)
...
-
فرنسا : حركة احتجاجية ضخمة ضد عقدة العمل الأول
-
قبل 50 سنة فبراير 1956: تقرير خروتشوف السري
-
مقابلة مع ستالين بيريز بورخيس-نقابي فنزويلي
-
نصر الكادحين الاكيد
-
أين تسير جمعية المعطلين؟....عناصر أولية لفهم أزمة الجمعية ال
...
-
واجب التضامن مع الثورة الفنزويلية
-
ألكسندرا كولونتاي أول وزيرة في العالم ...من تكون؟
-
تلبية مطالب ضحايا سياسة الافقار والقمع يمر عبر اضطلاع منظمات
...
-
التعليم ليس بضاعة...دفاعا عن التعليم كخدمة عمومية حول -الميث
...
-
ميلاد الحزب الاشتراكي الموحد: دلالات سياسية وواجبات المناضلي
...
-
الشيلي : ميشال باشلييه رئيسة للبلد
-
الديون الخارجية العمومية للمغرب الغاء الديون شرط لا غنى عنه
...
-
مؤتمر الفيدرالية الديمقراطية للشغل أي نقابة هي الفيدرالية؟ م
...
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|