أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عمامي - الشعب لا يريد...














المزيد.....

الشعب لا يريد...


محمد عمامي

الحوار المتمدن-العدد: 6052 - 2018 / 11 / 12 - 04:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


طوال طفولتي السياسية تعلمت تقديس الشعب. وقيل لي أنّ هذا الشعب هو من سيقوم بالثورة ومن سيحقق سعادته على الأرض بعد أن يعي أوضاعه ويصوغ أهدافه ويأخذ مصيره بيده فيقوم بمهامه الثورية... كم التهمت من كتب تمجد الشعوب وتنسب لها البطولات، ولكن قليل جدا من يقرّ تلك الحقيقة الفاقعة ألا وهي ترسّب كل أنواع الصفات المقزّزة في الغالبيات الساحقة من تلك الشعوب. العنصرية حدّ الصادية، الجشع والغش والتملق والنفاق والتذلل أمام القوي والاستقواء على الضعيف. في الشارع ترى الجميع قوارض تتآكل وجوعى تتناهش.
يحدث أن تندفع الروح الثورية فتكسر قيدها وتنتشر في صفوف واسعة قياسا بما كانت عليه على امتداد السنين الطوال. وما أن تجتاح عدة آلاف أو مئات الآلالف حتى يعطي ذلك الانتشار المتصاعد والمتسارع الانطباع بكونه عاما وشاملا. وهكذا يبدو للكثيرين أنّ الشعب كله أو جله قد اعتنق الثورة. إنّ ذلك محض سراب. فسريعا ما تخبو تلك الروح الثورية وتتضاءل قاعدتها الاجتماعية من جديد وتعود الثورة الى الوضع الأقلي. من زعزع، إذن، كيان دولة الاستعباد والاستبداد حدّ التهديد بتفكيك أوصالها؟ أليس الشعب العظيم؟ نعم، ذلك هو الشعب حين يعي مصيره فيتغير تغيرا جذريا ويصبح ثوريا لا علاقة له بما كانه قبل فترة وجيزة، يجيبني بعضي المتفائل السمج.
ولكن، بمجرّد فشل الثورة وتمكّن الثورة المضادة من امتصاص هيجان اللحظة الثورية، وعودة النظام القديم بأثواب جديدة، يتبخر كل ذلك المزاج الوهمي ويحلّ محله سقوط مريع ايتيكي ومعرفي ووجداني، وتنشب القوارض البشرية مخالبها من جديد في أجساد بعضها البعض بأكثر حدة وأشد وحشية. إذن، لا يمكن لبعضي المتفائل السمج أن يقنعني بعد اليوم بترهاته حول الشعب الثوري. فالثورة فعل خارج عن معقول تلك الغالبية المتوحشة المسماة شعبا. وهي، إذن، فعل أقلي يتبع مسارا معقدا لا متناه تصارع طواله الأقلية الثورية، لا فقط المنظومة السائدة والدولة القائمة وركام هائل من الموروث الأظلم، بل وتصارع أيضا نفس الشعب الذي هو حامل ذلك الموروث وحامي حمى الدولة والمنظومة الاستبدادية السائدتين. إنّ الأقلية الثورية تدخل في صراع مرير ومتواصل ضد أغلبية الشعب، قبل الثورة وأثناء الثورة وبعدها. أنّ الأغلبية/الشعب تمثل العائق الأكبر أمام تحقق الثورة فعلا لا بهرجا إعلاميا أو إيمانا وتصورا وهميا ينتهي بفاجعة. إنّ ثورة منتصرة هي ثورة قد تخطت مسخها الذي عادة ما يسبقها، وهو عبارة عن إنتاج، واع أو لا واع، للمهزومين/منظمي الهزائم، وهم الغالبية المنافقة المطبّعة مع النظام القديم المتجدد. وهي، إذن، ثورة يجب أن يكون لها من الدوام وطول النفس ما يجعلها تطيح بجميع الحواجز حاجزا حاجزا، خالقة في سيرورة تقدمها أجيالا جديدة تنخرط في الفعل الثوري فهما وسلوكا وممارسة يومية بقدر تحررها من ركام الموروث والمعتاد و"الطبيعي" والمعقول في نطاق المجتمع السائد. وطبعا، ومن بين أخطر الموروثات "الثورية" ما قبل الثورية هو مركزة وتكثيف قوى الثورة وحشدها من أجل هدف وهمي آخر، هو مقبرة كل ثورات القرن العشرين، عنينا به القفز إلى سلطة الدولة والتحكم فيها من قبل أقلية الأقلية الثورية، منصبة نفسها قيادة وحكومة على الثوريين من جهة وعلى المجتمع ككل من جهة أخرى. وهنا نهاية الثورة وانحطاطها إلى دكتاتورية جديدة قد تكون أشد بأسا من سابقاتها وككل سلطة أقلية ستعيد لا محالة انتاج الفوارق الطبقية ورسكلة الاستغلال والاضطهاد.
وهنا المفارقة. فلئن كانت الثورة تبدأ فعلا ثوريا أقليا يعاند الأغلبية المطبعة مع النظام القائم وتتبع مسارات متشعبة ومعقدة لفرض عديد المنجزات الثورية، ضمن سياقات ومراحل متعددة، تصبح بموجبها تلك المكاسب شيئا فشيئا أمرا واقعا، فإنها لا يمكنها النجاح في مهمتها الثورية الشاملة أي قلب المجتمع السائد رأسا على عقب وبناء مجتمع جديد أكثر تحررا وعدلا بدون إدراكها هدفا أوليا هو تخريط الأغلبية في ذلك الفعل أثناء تحققها كثورة ودون ذلك لن تكون ثورة اجتماعية شاملة وبالتالي ستضطر إلى الانتكاس عاجلا أو آجلا نحو هيمنة جديدة للثورة المضادة سواء القديمة المتجددة أو المنبثقة عن انحطاط الثورة نفسها. ولا يجب أن نغفل الدور الأساسي للجهل في حالة البؤس الذهني والثقافي للشعب. لذلك فنصيب التربية والتعليم الشعبيين كبير في الإسهام في رفع العوائق وفتح أفق الخروج من المأزق.



#محمد_عمامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النزيف.... نحو الحرب الأهلية
- مازوشية الزواحف الوطنية
- في الكوابح الذاتية للثورة
- أطروحات سريعة من وحي ثورة مغتصبة
- البركوس
- الثورة الاجتماعية في مواجهة مسخها -الديمقراطي-
- البرنامج المباشر للثورة الاجتماعية والسياسية بالبلاد التونسي ...
- الهبة الشعبية الجديدة ودروس 32 أكتوبر 2011
- تونس ترتقي إلى مصاف الفريسة المتميّزة
- السلطة -للكفاءات الوطنية-والشارع للشعب الكريم!
- الإتحاد العام التونسي للشغل بين الوفاق البيروقراطي وتجذر قوا ...
- نداء إلى من اختار أن يسبح ضد التيار
- الثورة في خطر، نداء ما قبل الإنتحار الجماعي.
- القوى الثورية وحرب استنزاف حكم الالتفاف
- مسيرة اليوم للاتحاد العام التونسي للشغل، وماذا بعد؟
- رسالة مفتوحة إلى مناضلات ومناضلي النقابيين الأتحاد العام الت ...
- قراءة أولية لمشروع دستور حزب النهضة: نحو جمهورية إسلامية سني ...
- قراءة أولية لمشروع دستور حزب النهضة: نحو جمهورية إسلامية سني ...
- مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل: دار لقمان على حالهاً(2)
- مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل: دار لقمان على حالهاً (1)


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عمامي - الشعب لا يريد...