|
مركز الشرق للدراسات الليبرالية--الآخر في كل الأديان---المسيح الهي-6
سلطان الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 1515 - 2006 / 4 / 9 - 12:48
المحور:
حقوق الانسان
إن مفهوم الآخر في المسيحية يلخصه حوار يسوع المسيح مع معلم الشريعة، كما يرويه انجيل لوقا. (( وإذا واحد من علماء الشريعة يقوم ويقول له ليختبره: يا معلم، ماذا علي أن أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له: ماذا كُتب في الشريعة؟ كيف تقرأ؟ فأجاب وقال: أحبب الرب إلهك بكل قلبك، وكل نفسك، وكل قدرتك، وكل ذهنك، وقريبك كنفسك. فقال له: افعل هذا فتحيا. وأما هو فأراد أن يزكي نفسه فقال ليسوع: ومن قريبي؟ فأجاب يسوع وقال: رجل كان منحدرا من أورشليم إلى أريحا، فوقع على لصوص، فعروه وأوسعوه ضربا، ومضوا وتركوه بين حي وميت. فاتفق أن كاهنا كان منحدرا من تلك الطريق فأبصره فمال عنه وجاز. وكذلك لاوي وصل إلى المكان، فأبصره فمال عنه وجاز. ثم إن سامرياً في سفر مر به، فرآه فتحركت أحشاؤه ورق لحاله. فمال إليه فضمد جراحه، صابا عليها زيتا وخمرا، وحمله على دابته الخاصة وأتى به الفندق وأعتني بأمره. وفي الغد، عند انطلاقه، أخرج دينارين وأعطاهما لصاحب الفندق وقال له: اعتن به، ومهما أنفقت فوق هذا، أديته إليك عندما أعود. فأي هؤلاء الثلاثبالرحمة.ك، كان قريبا للذي وقع على اللصوص ؟ قال: الذي عامله بالرحمة. فقال يسوع: اذهب واعمل أنت أيضا هكذا))(لوقا 10:25-37) كلمة قريب هنا تعني في أصل اللفظة الآخر الذي نختلط به، الآخر الذي نشترك معه أو يشترك معنا، الشخص المحبوب أو الأخ أو الرفيق، أو الجار، أو فقط الإنسان الآخر. بهذا نفهم الطريقة التي دار بها الحوار. فمعلم الشريعة أراد أن يبرر نفسه فسأل يسوع: ومن (هو الآخر) ؟ وينتهي جواب يسوع، بعد قصة الكاهن واللاوي اللذين مضيا في سبيلهما والسامري الرحيم بسؤال مفاجئ: ((فأي هؤلاء الثلاثة، في رأيك، كان قريبا للذي وقع على اللصوص ؟)) لا شك أن الكاهن واللاوي هما أقرب إلى اليهودي الذي سُلب وضُرب وأُلقي على قارعة الطريق، من السامري الذي لم يكن في ذلك الزمن لليهود المحافظين على الشريعة آية مخالطة معه ولا للسامري معهم. من هذه الناحية تظهر بوضوح التمييزات التي تتضمنها كلمة ((الآخر في المسيحية). ولكن جواب يسوع لا يتحرك على هذا الصعيد. فهو يخترق البديهيات الاجتماعية. لا نعي من هو (الآخر) بسهولة وبساطة. ف(الآخر في المسيحية) أنا أكتسبه عندما أصير أنا قريبه. ما يتعلق به الموضوع في هذه الوصية هو في هذه الصيرورة التي ليست على الإطلاق أمرا بديهيا، والتي تجعل (الآخر) قريبي عندما أصير أنا قريبه. فالكاهن واللاوي وكذلك معلم الشريعة الذي طرح السؤال هم بعيدون بمسافة كبيرة عن هذه الصيرورة. من هو (الآخر في المسيحية) ينبثق بوضوح من هذه المسافة. كيف نحددها؟ في القصة يوصف الكاهن واللاوي بأنهما من الناس الذين يسيرون في طريقهم وهم يعرفون إلى أين يتوجهون. صحيح أنهما يبصران الإنسان الذي يكاد يفقد الحياة. فيقتربان منه، ولكنهما يمضيان في سبيلهما. إن لهما أسبابا تدفعهما إلى ذلك. أما السامري فيصرف بطريقة مختلفة. فيقطع سفره، ويؤجل متابعة أهدافه. وينعطف على الإنسان المجرح، متأثرا بحاجته إلى المساعدة. في هذا الوصف الذي يبدو بسيطا تكمن أقوال حاسمة أساسية عن الإنسان. !! الفلسفة- ابتداءً من الفلسفة الماورائية اليونانية الكلاسيكية إلى الكتاب المعاصرين - تصف الإنسان بأنه كائن يسعى كليا وبعزم تام إلى هدف-. فالإنسان، في كل تعابير حياته، يُظهر أن أرادته مرتبطة دوما بما يعلل قصدها. ويُطلق أرسطو على هذا القصد كلمة ((السعادة)) -eudaimonia- ولكنه يجعل لهذه الكلمة مضمونا مختلفا عما يراه المفكرون المسيحيون من أمثال أغسطينوس وتوما الأكويني. ولكن بالنسبة إلى هؤلاء أيضا فالإنسان من طبيعته يسعى إلى السعادة الأبدية (beautitudo- باعتبارها الهدف الأخير لحياته. ويقول الفيلسوف مارتن هايدغر من جهته إن المسألة عند الإنسان هي دوما وفي كل مكان مسألة الكينونة. ولكن إذا كان الإنسان من طبيعته كائنا يسعى إلى أمر ما، فينتج من ذلك في الوقت نفسه أنه يجب أن يحدد هذا السعي ويُجسده كل مرة في تصرفه. لا يستطيع الإنسان أن يحيا حياة إنسانية من دون هدف. لا يمكنه أن يفعل غير ذلك، بل يتبع دوما هدفا ما. وبقدر ما يتوقف الإنسان عن إتباع أي هدف، بالقدر نفسه تصير حياته بلا معنى وتفقد ديناميتها. الإنسان يضيع في أهداف غريبة يحددها له أناس أحرون ويُسخرونه لتحقيقها. عن هذا الطابع الأساسي للحياة الإنسانية تنجم علاقات الإنسان بالعالم. فأمور العالم تهم الإنسان- فتبدو له جديرة بالاهتمام والانتباه وذات جدوى -لأنه يرى فيها مجالا لتحقيق الأهداف الأساسية التي يسعى إليها. وبدون هذا السعي فهي ميتة بالنسبة إليه. والعلاقات المتبادلة مع (الآخر) تتسم أيضا بهذا الطابع الأساسي للسعي. فالفائدة المتبادلة، والتعاطف، والمصالح المشتركة، ولكن أيضا تناقض المصالح، والصراعات، وأخيرا تسوية المصالح، والتعاون، والاعتراف المتبادل بالحرية وبإمكانيات التنمية، كل هذا لا يعود بالا مكان فهمه من دون هذه السمة الأساسية للوجود الإنساني. إن إتباع الأهداف الخاصة والمشتركة هي جزء من طابع الصيرورة الذي يتسم به الإنسان المزود بالحرية. وهذا تعبير عن ارتباطه بالزمن. ولكن بناء على هيكلية الوجود هذه، ثمة درجات مختلفة من القرب إلى (الآخر) والبعد عنهم، استنادا إليها يُحدد الإنسان علاقاته ووجباته. فيزنها ويقدرها بعلل موافقة وعلل مناقضة. والإنسان (((الآخر))) الذي يلتقي به يُدرجه في ميدان العلاقات الذي يحدده انطلاقا من أهدافه الخاصة. ((((الآخر))))هو دوما إنسان يقوم على بعض المسافة مني. ((((الآخر))) هو كل مرة قريبي بطريقة مختلفة كل الاختلاف.وبالنسبة إلى هذه المسافة بيني وبين (((الآخر))) تظهر أسباب بحاجة دائمة إلى تصحيح، لأنها ليست أسبابا قاطعة. ليست المسألة عند يسوع مسألة اقتراحات مبررة لتصليح تصرف الكاهن واللاوي في سعيهما إلى هدفهما. ما يقصده يسوع هو أمر آخر.فالسامري أيضا عنده هدف.أعماله. الطريق لمتابعة أعماله . ولكن رؤية الإنسان البائس تصعقه. فيذهل للأمر وتتحرك أحشاؤه. فلا يزن الأسباب التي تدعوه إلى التوقف وتلك التي تدعوه إلى متابعة السير. ويلتفت إلى الإنسان الذي يكاد يموت . ويعرف أنه مسئول بصورة مطلقة عن دم هذا الرجل وألمه. فلا يتابع طريقه بل يوقف مشروعه. فما يحدد عطفه ليس هدفه الخاص، ولا تسوية المصالح، بل يتعلق الآمر بالحري ب((((الآخر))))، فيهتم به، ويتوقف عن الاهتمام بأعماله الخاصة. وفي هذا الموضوع لا يتصرف ألسامري بطيش. بل يعمل برزانة وحكمة. فيضمد باعتناء جراح الرجل (الآخر)، ويحمل (الآخر) إلى الفندق، ويستدرك ما يلزم للأيام المقبلة. هنا تكمن النقطة الحاسمة. إن عمل ألسامري لا يصدر عن هدف مخطط له سابقا. ولا ينتج من حديث عن المصالح المتبادلة بقصد تسوية ما. عمله هو بالجري جواب عن وضع معين. انه جواب أُعطي انطلاقا من نداء وإصغاء. النداء صامت، وهو يصدر (آخر) في عريه وبؤسه. وهو نداء يمكنه تجنبه والابتعاد عنه. يمكن مثلا التساؤل بفكر نقدي: من هو ألآخر؟ ولكن إذا سمع أحد النداء وقطع سيره، حينئذ يتوجه إلى (((الآخر))) ما الذي يجري في مثل هذا الحدث؟ يضطلع الإنسان بكيانه الانساني بطريقة أخرى، ويكتسب أصالة. ف(((الآخر))) أيضا كانسان يمكن أما أن يتوافق مع أهدافه أو يتناقض معها. انه (((ألآخر))) الذي يقف أمامي بدون أن أتوقع حضوره، ومع ذلك يستأثر باهتمامي بدون تحفظ، بدون إكراه، ومع ذلك بصورة ملزمة.
#سلطان_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مركز الشرق للدراسات الليبرالية --الآخر في كل الآديان--الماكر
...
-
مركز الشرق للدراسات الليبرالية--الآخر في كل الآديان-4- يهوه
...
-
مركز الشرق للدراسات الليبرالية ----الآخر في كل الديانات---بو
...
-
الآخر في كل الأديان--2من 20---المنبوذين
-
الآخر في كل الأديان---1من 20--مركز الشرق للدراسات الليبرالية
-
صديقي الكردي---تهمتك العلمانية
-
أصحاب الفخامة والجلالة والسموم---
-
من يستطيع توحيد المعارضة اليوم؟؟؟؟؟
-
نسبية اينشتاين والنظرية البعثية --
-
القومية العربية + الارهاب الاصولي =العولمة السلبية!!!!!!!!
-
بروكسل---والبقية تأتي
-
الحركة الشعبية الوطنية --والببغاء---والحمار--
-
الى متى يستطيع المواطن السوري أن يتحمل كل هذا النصب؟
-
وظيفة الاعلام ابراز حقيقة سوريا---تصريح للسيد الوزير
-
ما الذي حدث في بينين ويهمنا ؟؟؟؟؟؟
-
هل يمكن أن يكون هناك حزب جديد--يرأسه الرئيس؟؟؟
-
يوم نبحت الحساسين - جمع حسون وهو حيوان طائر
-
داحس والغبراء-------والفدرالية المطلوبة
-
من حلبجة الأكراد--الى أضرحة الشيعة--مرورا بتماثيل بوذا
-
الجنون هو أن تفعل نفس الشيء كل يوم ---وتتوقع نتيجة مختلفة.
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
هآرتس: ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون -اسرائيل- اصيبوا بمرض
...
-
اللاجئون السودانيون في تشاد ـ إرادة البقاء في ظل البؤس
-
الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
منظمة حقوقية يمنية بريطانيا تحمل سلطات التحالف السعودي الإما
...
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|