أواسط آذار 2003م
مع اقتراب موعد الحرب التي تبيّتها الإدارة الأمريكية ضد العراق ، تزداد حدة الجدل على مختلف المستويات الدولية الرسمية التي شهدت انعقاد ثلاث قمم عربية وإسلامية وعدم انحياز ، تمخضت جميعها عن بيانات ختامية أجمعت على رفض الحل العسكري ، ودعت نظام بغداد للمزيد من التسهيلات والتعاون مع فرق التفتيش ، والانصياع الكامل للقرارات الدولية . كما تتصاعد موجة الاستنكار الشعبي في شوارع العديد من مدن العالم للتهديدات الأمريكية ، لكن الاستعدادات العسكرية المحمومة من جانب الإدارة الأمريكية وحلفائها ، والجهود الدبلوماسية الرامية لانتزاع قرار من مجلس الأمن يجيز شن الحرب على العراق تتواصل رغم العراقيل الناتجة عن رفض البرلمان التركي لمشروع قرار حكومي يجيز نشر قوات أمريكية على الأراضي التركية لاستخدامها كممر إلى كردستان العراق ، ورغم العقبات التي أحدثها التنسيق الفرنسي – الألماني – الروسي لتحول دون تمرير قرار أمريكي بريطاني في مجلس الأمن يكون غطاءً للهجوم العسكري المرتقب .
وبالعودة إلى الدور التركي ، فإن عدم سماح البرلمان للقوات الأمريكية بالانتشار والعبور من الأراضي التركية ، أربك الجهود العسكرية من جهة ، وأجبر الإدارة الأمريكية للبحث عن البدائل ، كما تسبب في حرمان تركيا من المكاسب الاقتصادية والسياسية التي كان بالإمكان الحصول عليها من جهة أخرى . ورغم القرار الصادر عن البرلمان التركي ، فإن حكومة التركية والمؤسسة العسكرية لا تزال تبحثان عن وسيلة للتدخل في شؤون كردستان العراق التي شهدت في الفترة الأخيرة احتجاجات رسمية وشعبية واسعة على التهديدات التركية بالتدخل العسكري تحت غطاء الحجج الواهية ، مثل المحافظة على وحدة العراق ، وحقوق التركمان ، ومنع الهجرة إلى تركيا ، والحيلولة دون حصول قواتKADEK على السلاح ، لكن النوايا العدوانية التركية ضد الشعب الكردي والعمل على نسف الفيدرالية التي أقرتها المعارضة العراقية لكردستان ، هي التي تحرك سياسة حكام أنقره ، خوفاً من انعكاس أي تطور إيجابي هناك على الوضع الكردي في كردستان تركيا ، ولذلك فإن التدخل العسكري التركي في شؤون كردستان العراق أمر محتمل جدا" ، و قد يترافق ذلك مع انتزاع قرار جديد من البرلمان يسمح بنشر ومرور القوات الأمريكية ، او فتح الاجواء التركية امام نقل تلك القوات جوا"، لكي تضمن تعويض خسائرها الاقتصادية ، من جهة ، وتستغل الفرصة للتدخل في شؤون كردستان العراق والوقوف في طريق الفيدرالية التي اختارها الشعب الكردي لمستقبله، من جهة اخرى . وفي تطور آخر أقدمت المحكمة الدستورية التركية على اصدار قرار بحظر نشاط حزب HADEP اثر قرار المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان القاضي بلا قانونية المحكمة التي حكمت على عبد الله أجلان بالإعدام .
وفي الجانب الكردي ، فإن تشكيل قيادة سياسية وعسكرية مشتركة بين الحزبين الرئيسيين ، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لتنسيق الموقف الكردي ومواجهة التطورات والمستجدات التي يمكن أن يحملها الهجوم الأمريكي وما يمكن أن تتعرض له كردستان من تدخلات إقليمية تركية – إيرانية وغيرها ، أو هجمات انتقام من جانب نظام صدام حسين في لحظات انهياره ، أو أعمال تخريب تقوم بها جماعات موالية للنظام ، يعتبر إنجازاً هاماً يضاف إلى ما حققته الدبلوماسية الكردية من مكاسب في مؤتمر المعارضة العراقية في لندن واجتماع لجنة التنسيق والمتابعة في صلاح الدين من إقرار النظام الفيدرالي التعددي والدعوة لعودة المهجرين ، وإعادة التركيب الديموغرافي القومي لمدينة كركوك ومحيطها ، والإقرار بالدور الكردي في الحكومة المركزية المقبلة .
أما بالنسبة لانتخابات مجلس الشعب التي جرت في يومي 2-3 آذار الجاري ، فقد أقرّ الاجتماع الموسع لحزبنا المنعقد أواخر كانون الثاني المشاركة فيها من خلال قائمة كردية فعالة ، واتخذ نفس القرار في اجتماع مجلس التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا ، وكذلك في اجتماع مجموع الأحزاب الكردية في 15 شباط ، والتي أصدرت بياناً جاء فيه :( بالرغم من كل المآخذ ، قرر المجتمعون الاشتراك في الانتخابات ، إلا أنهم لاحظوا في الوقت نفسه بقلق شديد بعض الإشاعات التي يؤكدها بعض ما يترشح عن مناقشات المسؤولين في البلاد بأن الهامش المتروك للمستقلين في محافظة الحسكة لن يتجاوز الأربعة ...) ، وختم البيان : ( وعندها ، نعتقد أن العملية الانتخابية مع هذا الهامش الضيق أو قائمة الظل ، ستفقد كل ما يمتّ إلى الديمقراطية بصلة ، ولن يبقي في نفوسنا أية رغبة أو دافع للاستمرار في هذه الانتخابات ).
وعلى هذا الأساس ، تشكلت قائمة أولية مؤلفة من أربعة مرشحين ، اثنين من التحالف واثنين من الجبهة الديمقراطية الكردية ، على أن يبت الطرفان بموضوع إمكانية ضم مرشح خامس من الحزبين خارجهما ... وهكذا ، تمت تسمية مرشحي الجبهة ، ومرشح الفئة – ب – من التحالف ، في حين لم يستكمل التصويت على تسمية مرشح الفئة – أ- منه ، بسبب ظروف خاصة بالتحالف ، لكن ذلك لم يكن ليشكل عائقاً في طريق التوصل إلى قائمة موحدة ،وكان من السهل جداً حسم هذا الموضوع ، إلا أن صدور قائمة مرشحي (الجبهة الوطنية) بشكل رسمي في يوم 23/2/2003 وتحديد هامش المستقلين بـ /4/ مرشحين رسمياً ، استدعى عقد لقاء بين الجبهة الديمقراطية الكردية والتحالف الديمقراطي الكردي باعتبار أن لهما مرشحين في القائمة الكردية الأولية المعتمدة في اجتماع مجموع الأحزاب الكردية ، وصدر عن اللقاء في 23/2/2003م بلاغ الانسحاب الذي عبر عن مصداقية الالتزام ببيان مجموع الأحزاب الكردية ، واعتمد على ضيق الهامش الذي رأى فيه الطرفان أنه( يضيق عن استيعاب القوى والأطياف السياسية والاجتماعية في محافظة الحسكة ، الأمر الذي يجعل من المستحيل التوصل إلى تشكيل قائمة مستقلة تضم جزءاً ولو صغيراً من الفعاليات الوطنية ). ولما كان هذا الانسحاب قد بني أصلاً على ضيق مساحة هامش المستقلين في محافظة الحسكة وهو سبب خاص بهذه المحافظة ، كان من الطبيعي أن تكون لدوائر ريف حلب ومدينة حلب والرقة وضع آخر يترك شأنه لقيادات الأطراف المعنية في تلك الدوائر ، حيث تقرر ذلك في إجتماع الجبهة والتحالف ، وعلى هذا الأساس إستمر مرشحا حزبنا ، ومرشح الديمقراطي التقدمي ، في ريف حلب ضمن قائمة التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا ، كما استمر مرشح آخر من حزبنا في مدينة حلب ، وآخرمن حزبنا في دائرة محافظة الرقة ، لانتفاء الأسباب المذكورة في بيان مجموع الأحزاب في تلك الدوائر، وحققوا نتائج انتخابية جيدة ،بشهادة المراقبين . لكن إعتماد قائمة ظل موجهة في ريف حلب والمخالفات الأخرى في مدينة حلب ، ألغت مبدأ تكافؤ الفرص ، وعبرت مرة أخرى عن الاصرار على عدم احترام الهامش المتروك للمستقلين ناهيك عن سياسة شوفينية ،قوامها التنكر لإرادة شعبنا الكردي في اختيار ممثليه الحقيقيين ، واللجوء إلى التزوير والأساليب المنافية للتقاليد الديمقراطية كلما تعلق الأمر بحقوق شعبنا .مما دفع بمرشحي التحالف و مستقلين آخرين لإرسال برقية احتجاج الى السيد رئيس الجمهورية ، و أخرى الى وزير الداخلية ، أشاروا فيهما الى عدم نزاهة الإنتخابات في دائرة ريف حلب .
وعلى ضوء نتائج الانتخابات وما رافقتها من ممارسات لاديمقراطية من جانب السلطة وما تحيط بها من أوضاع سياسية ، يمكن التوصل إلى استنتاجات مفادها ، أن آمال التغيير والإصلاح قد تلاشت ،مرة اخرى، في ظل تواصل الممارسات القديمة ، وبات من المؤكد أن السلطات أصرت على ضبط كل شيء ، وإغلاق أبواب مجلس الشعب أمام أي صوت معارض أو مطالب خارج إرادتها ، خاصة في هذه المرحلة التي تقف فيها المنطقة عند أبواب التغيير المتوقع بعد الهجوم الأمريكي على العراق وما يمكن أن ينجم عنه من تغيير الخارطة السياسية . ومن الطبيعي أن تكون سوريا بموقعها الجغرافي وطبيعة نظامها وتحالفاتها الإقليمية ومواقفها السياسية مستهدفة ، وستكون محاصرتها وتضييق هامش المناورة أمامها ، وتفكيك علاقاتها مع إيران والأحزاب الفلسطينية واللبنانية الرافضة للهيمنة الأمريكية الإسرائيلية ، وبالتالي عزلها وتهميش دورها من بين أهداف مرحلة ما بعد الحرب الأمريكية ضد العراق . وفي هذه الحالة ، فإن السلطات المسؤولة ، وبدلاً من إشراك كافة القوى والفعاليات الوطنية في تحمل مسؤولياتها تجاه متطلبات هذه المرحلة والتعاون معاً في صيانة استقلال سوريا وتحصينها في وجه الضغوطات القادمة ، فإنها تعمدت إسكات أي صوت يخرج عن نطاق معزوفتها القديمة ووضعت العراقيل أمام أي تغير يذكر ... مما تسببت في ضياع فرصة أخرى من فرص الاحتكام لمصلحة سوريا ،وعرقلة تطورها.
وكان من أهم الدروس المستخلصة من العملية الانتخابية هي إمكانية توصل الحركة الوطنية الكردية إلى التفاهم بين أطرافها رغم الصعوبات التي أورثتها الانشقاقات الحزبية والمهاترات التي لا تجد ما يبررها سوى التخلف وقصر النظر ، وقد تواصل هذا التفاهم بعد الانتخابات من خلال إصدار بيان مشترك بين الجبهة الديمقراطية الكردية والتحالف الديمقراطي الكردي لاستنكار تهديدات الجيش التركي بالتوغل في كردستان العراق ،كما اصدرا نداءا" مشتركاً بمناسبة مجزرة حلبجة ، و أقاما إحتفالاً مشتركاً أيضاً بمناسبة مئوية القائد الخالد مصطفى البارزاني ، ونأمل أن يكون ذلك بداية عملية لبناء إطار شامل وفعال ، يحرر الحركة الكردية من قيود التوتر الداخلي ، ويمكنها من التفرغ لمهامها الوطنية والقومية خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تعنينا كشعب كردي باعتباره جزءاً من الشعب السوري من جهة ، وكجزء من الشعب الكردي في بقية أجزاء كردستان ومنها كردستان العراق من جهة أخرى ، وفي الحالتين ، فإننا بأمس الحاجة لوحدة الحركة الكردية في سوريا بنفس القدر الذي نحتاج فيه لدعم وتعاون القوى والفعاليات السورية للوقوف في وجه المساعي الرامية إلى تشويه الصورة الوطنية لشعبنا والتشكيك في ولائه الوطني لتبرير إطالة أمد الاضطهاد القومي بحقه والتنكر لحقوقه ، وتجاهل الحل الوطني لقضيته العادلة .
اواسط آذار 2003
اللجنة السياسية
لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا
(يكيتي)