|
روسيا -اليهودية-
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 6040 - 2018 / 10 / 31 - 18:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ينسى بعض العرب الشيء الكثير من حقائق الديموغرافيا والجيوبوليتكا حين يتحدثون عن روسيا اليوم في خضم الصراع في الشرق الأوسط، ولاسيّما دورها في سوريا رافعين أحياناً من شأن " الصداقة" والاعتبارات "المبدئية " فوق المصالح التي لا تتردّد روسيا ولا تخفي تقديمها كأولويات في سياساتها الخارجية. وكجزء من السياسة الروسية في المنطقة هو التوازن في علاقتها مع العرب وعدوتهم "إسرائيل"، لاعتبارات كثيرة منها: النفوذ الصهيوني المالي والتجاري والإعلامي والفني في روسيا، حيث يعود الوجود اليهودي إلى القرن التاسع الميلادي بعدما توسعت مملكة الخزر في وادي الفولغا واستقر قسم كبير من اليهود في مدينة كييف لمركزها التجاري الذي يربط البحر الأسود وآسيا وغرب أوروبا، إلى وجود ما يزيد عن مليون يهودي من أصل روسي أكثر من نصفهم يحملون جوازات سفر مزدوجة، وهم جزء من امبراطورية مالية دولية متعدّدة الجوانب. وبعد ثورة اكتوبر الاشتراكية بقيادة لينين وتأسيس الاتحاد السوفييتي ، كان عدد اليهود يزيد عن مليونين ونصف المليون، وقد توزّع الآخرون على دول مستقلة مثل بولونيا وليتوانيا ولاتفيا واستونيا، وعشية الحرب العالمية الثانية كان عددهم نحو ثلاثة ملايين. وشرّع البلاشفة قانوناً يساوي اليهود بغيرهم وأصبحت معاداتهم "جريمة" تصل عقوبتها إلى الإعدام، ولكن لينين وتأثراً بماركس كان يعتقد أن "اليهود لا يشكّلون أمة مستقلة"، ويرى أن الحل الأمثل للمسألة اليهودية هو ادماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها . أما ستالين فحسب تعريفاته للأمة فقد اعتبر " اليهود أمّة على الورق" . وسبق للينين أن عارض فكرة تأسيس حزب شيوعي يهودي مستقل " البوند" داعياً إلى انضوائهم في الحزب الأصلي، ووجدت هذه التنظيرات تطبيقات مختلفة، فخلال الأربعينات والخمسينات جرت عمليات دمج و"ترويس" إكراهية للجماعة اليهودية، وكان عدد اليهود في الحزب الشيوعي 280 ألف من مجموع أعضاء الحزب البالغ عددهم في منتصف السبعينات 14 مليون عضواً، بينهم عدد كبير من الأطباء والكتاب والصحفيين والمشتغلين بالبحث العلمي يفوق عددهم إلى نسبة عدد السكان. ومع كل هذه المواقع فإن ملف الهجرة ظلّ قائماً، بل ازدادت الضغوط لفتحه، لاسيّما في الثمانينات، باستغلال أجواء البريسترويكا التي دعا إليها غورباتشوف، وكان شامير قد وصف هجرة اليهود السوفييت باعتبارها "المعجزة الثانية"، وهو يعني بالمعجزة الأولى قيام دولة " إسرائيل"، لأنه يدرك الأهمية البالغة لعملية الهجرة في ظل استمرار مأزق "إسرائيل" الأخلاقي والحقوقي والإنساني، لاسيّما بهدر حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، خصوصاً حقه في تقرير مصيره. وكان هدف الهجرة الجديدة التي قدّر أن تبلغ حتى نهاية الثمانينات مليون يهودي، الوقوف بوجه القنبلة الديموغرافية الفلسطينية التي ستهدد بالانفجار وتؤثر في التركيب السكاني لدولة " إسرائيل"، وذلك قبل أكثر من ربع قرن على قرار الكنيسيت باعتبارها دولة "يهودية نقية"، وتم تقديم المغريات لهم بما فيها الاستيطان في القدس. وترافق ملف الهجرة مع استئناف العلاقات الدبلوماسية بين "إسرائيل" لكل من هنغاريا وجيكوسلوفاكيا وبلغاريا وبولونيا ويوغسلافيا، ورضوخ ألماني ديمقراطي لمطالب "إسرائيل" بالتعويض عن الأضرار التي لحقت باليهود في الحرب العالمية الثانية على يد هتلر، وتحوّلت الهجرة من حق فردي إلى هجرة جماعية شبه إكراهية ، لاسيّما بإقامة جسر جوي، الأمر الذي عقّد من عملية إقامة سلام حقيقي. جدير بالذكر أن المستوطنين الروس المهاجرين إلى " إسرائيل" هم الأكثر يمينية وتطرّفاً وتتّخذ غالبيتهم الساحقة مواقف مسبقة معادية من العرب. وحسب الكاتب اللبناني اليساري يوسف مرتضى في كتابه المهم والشائق "المسلمون في روسيا" (دار الفارابي، بيروت، 2017) فإن نفوذ اليهود الروس يزيد عن حجمهم ، فوزير الخارجية وفيما بعد وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان ورئيس الكنيسيت يزلي أولشتاين ورئيس الوكالة اليهودية شرانسكي ونائب وزير الخارجية رئيف ألكين كلّهم من الصهاينة المتطرّفين ، بل إن اليهود الروس في الأرض المحتلة ازدادوا تطرفاً (عمّا كانوا عليه) و5% منهم فقط مع عودة الجولان إلى سوريا، وذلك طبقاً لدراسة البروفسور ماجد الحاج وفقا للكتاب المذكور. وعلينا أن نعرف علاقة الصداقة التي تربط بوتين بنتنياهو وحسب وصف الطرفين فإنها صداقة ستراتيجية بامتياز، علماً بأن " إسرائيل" تحفّظت على فرض عقوبات على موسكو بعد ضم شبه جزيرة القرم، وباعتها طائرات بلا طيّار، وكان لها دور غير منظور في موضوع السلاح الكيماوي السوري، ولم يكن لموسكو اعتراضات على ضرب مواقع حزب الله في سوريا من جانب القوات الجوية "الإسرائيلية"، علماً بأن حجم التبادل التجاري هو أربع مليارات دولار بين البلدين، كما التزم بوتين في خطاب له أمام الحاخامات بمحاربة حازمة لأي تعبير "لا سامي" على أرض روسيا (2014)، متعهداً دعم الجاليات اليهودية في روسيا، وباقتباس عن كتاب يوسف مرتضى أنقل قولاً للبروفسور ماجد الحاج مفاده "إن الروس صاروا أكثر "إسرائيلية" وصهيونية مع الزمن وتلك هي لعبة المصالح ذات العلاقات المتناقضة"!!
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السينما بصيغة التعدد
-
العراق يتألق فكراً وموسيقى بالناظور
-
روسيا «العربية»
-
مهدي الحافظ: يا له من زمن؟ لم يبقَ ما يحتجّ به سوى الموت
-
إدارة الصراعات وفض المنازعات
-
اللّا عنف.. القوة الخارقة
-
في استشكال «حوار الحضارات»
-
تونس والعرفان - كتاب جديد عن الدكتور عبد الحسين شعبان
-
روسيا «المسلمة»!!
-
سيناريو ما بعد البصرة!
-
كلام في معنى الحفاظ على الهوية
-
مالمو (السويدية) تحتفي بالمفكّر العراقي عبد الحسين شعبان
-
عن الاختفاء القسري مرّة أخرى
-
هل بات عزل ترامب وشيكاً؟
-
المغطس العراقي
-
قول ثان في الطائفية
-
روح العصر والعمل الحقوقي
-
ثقافة التعايش وفقه الحوار
-
الإرهاب والدين.. علاقة آثمة
-
كلمة الدكتور شعبان في ندوة أعمدة الأمة الأربعة
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|