أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زياد بوزيان - آراء حول الفكر الديني والعلمانية و التصَهيُن















المزيد.....


آراء حول الفكر الديني والعلمانية و التصَهيُن


زياد بوزيان

الحوار المتمدن-العدد: 6039 - 2018 / 10 / 30 - 19:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم تصل الحداثة الغربية التي أنجبت أعظم إمبراطورية في التاريخ ألا وهي الإمبراطورية البريطانية إلى مقولة أن الفكر الديني يقف ضد العلم وضد سعادة الانسان إلا بعد تجارب حيوية ، وميراث تاريخي مضني هو ميراث صراع الباباوية القروسطية مع إرهاصات العلم وحركات التنوير العلمانية الحديثة ، ومراس آخر متجدد هو مراس صراعات الديمقراطية ضد الدين السياسي في تاريخنا المعاصر وعندها وفقط عندها راحت مشترطة تجاوز الدين من أجل بناء عز ومستقبل الانسان المشرق ، و لعل جميع علماء وفلاسفة الحضارة الغربية التي أفرزتها حقبة التنوير ثم حقبة الثورة الصناعية الكبرى بدءا من نيوتن إلى كارل ماركس تحدثوا عن الدين وليس التدين باعتباره وقف و يقف حجرة عثرة أمام حركية العالم ، حين قالوا أن الانسان جاء إلى هذا العالم صدفة وهو يتحرك فيه متسلحا بالقانون الوضعي بدون غاية ولا قصد يُرتجى ، هذا المفهوم الميكانيكي للدين كان دعامة صلبة للتشكيك في الدين وليس في التدين، كون جل العلماء والفلاسفة كانوا يتبنّون المقولات الدينية الكنسية في أعماق أنفسهم ، باعتبار أن كل انسان مهما تعلّم إلاّ واحتوى بالفطرة على بذرة التدين احتواءا غريزيا وهي التي تجعله في وفاق مع نفسه ، والتدين بالمفهوم الاسلامى هو فطرة في الإنسان ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ولا تبديل لخلق الله) ، غير أن الإصرار على نقل هذه التجربة الدينية الذاتية في الأصل مهما كانت درجتها عميقة أو سطحية إلى الغير هو المرفوض منطقا و الغير موافق للطبيعة بأن يهتدي الانسان إلى الخالق بنفسه طوعا لا كرها ، وذالكم هو الفرق بين الدين والتدين ؛ فرق بينن التجربة الفردانية وحنينها الفطري إلى موجدها و التجربة الجماعية المستقوية بمعتقدها الديني، المعتصمة به للدرجة التي تعُب معها كل تجربة فردية مفارقة ؛ فعندما يعمل الدين على تدمير الانسان يجرفه كتيار دافق ، ويصر أن يجعل الدين في يد الانسان لا في يد " الله" فيصبح بعض الانسان عبيد عند بعضهم الآخر، أي يتم تجاهل قيمة العقل والقول بعجزه! مقابل قيم القوة والبطش التي يتمتع بها المقدس روحا أسطورية كان أو حجرا أو بناية.. مقابل جسد يتألم ليل نهار ناشد من يأخذ بيده، فيصبح الدين هو أفيون الشعوب كما قالا كارل ماركس و إيمانوال كانط ، بغض النظر عن تسمية دين معين كما في حالة الإسلام ، بين أهل السنة والحديث ومقرّبيهم السلفية الذين يقولون بأولوية النقل عن العقل وبين المعتزلة ومقربيهم الماتريدية الفرقة التي قامت في القرن الأول الهجري على أنقاض المذهب القدري (الجبرية) الذي إستغله خلفاء بني أمية لتبرير سطوتهم بل و حتى تبرير هزائهم ؛ بقولهم أن الانسان غير مخيّر خاضع للقدر، فجاءت المعتزلة لتأول العقل عن النقل و تحرّر الانسان و تقول بتاريخية القرآن ولكن لم يكتب لمشروعها الحضاري الاستمرار.

والحق كل الحق أنه قد زرعت في ترثنا الإسلامي بذورأ منتشة لكن ما أنتشت ، وبدأت محاولات للاجتهاد لأجل إحلال التدين محل الدين ، ونحو بلوغ علمانية إسلامية تكفل الاجتهاد للعلماء الذين هم في مصاف كارل ماركس و كانط ، و تسد طُرق النيل منه من قبل شراذم الملحدين المرضى ، من مثليين وخارجين عن القانون بالقول هم أيضا أن "الدين هو أفيون الشعوب" لكن ما استمرت وأقصيت . أجل فلولم تُقطع حركة المعتزلة والمُرجعة والفلاسفة المسلمين (أسماء بعينها) والصوفية/ أهل الصفا ( أسماء بعينها) العقلية والمعتدلة بالتكفير والزّج في السجون لما ظهر الملحدين أنذاك أمثال الرواندي ، ولولم يقطع دابر الاجتهاد ويزج به في حالات أسوأ من التكفير وهي تهمة إتّباع الشهوات لما ظهر الملحدين الرويبضيون أيضا في عصرنا ، منهم من هو في شاكلة المفتي المخنث في قنواتهم اليوتيوبية! فالنزعات العصبية والاقصائية التكفيرية أساءت وهي إلى الآن مازالت تسيء إلى المذهب والطائفة وإذا استشرت تضر به ضررا كادحا بارزا قد تجمده وتفقده انتشاره.

ــ دواعي التصهيُن

أخشى من أن الصهيونية ليست حركة معاداة للسامية بالقدر التي هي رد فعل طبيعي لِإضطهاد الفكر الديني للإنسان ، و تحجير خاصية العقل فيه والتاريخ هو الشاهد والحاكم على هذه النتيجة، فعندما قويت شوكة الإمبراطورية الرومانية كان العالم المتدين تمثله الديانة اليهودية التلمودية ، و كانت الغالبية العظمى من أتباعها مشتتين في أصقاع شتى و القسم الأكبر موجود على أرض فلسطين ، أرض الميعاد ، التي وعد الله حسب زعمهم بنصرة نبيه داوود على أعدائه فيها لأنها مقدسة ، هذه الغالبية العظمى لم تكن بالضرورة من أتباع موسى (كانوا اثنا عشر سبطا) بل كان فيها من المذاهب العقلية المحاكية للمعتزلة عند المسلمين ، وهي الفروع المعتدلة/العقلية الغير المتعصبة المضاد لليهودية الأرثذوكسية أو التوراة الشرعية ــ الأسفار الخمسة ــ التي نزلت على موسى بحجج العقل ، فهؤلاء البشر العقليون من بني إسرائيل هم الأسلاف الحقيقيون لبناة الحضارة الغربية اليوم( و المساهمين الحقيقيين في تفوقها بلوبياتهم الإستثمارية و السياسية في الولايات المتحدة) بل أكاد أجزم أنه لولا تاريخ إسرائيل الديني الذي أخبرتنا به التوراة لما ظهرت المعتزلة أصلا، كيف لا؟ وكانوا كلما غال موسى في استدعاء الغيبيات سألوه الحجة العقلية الدامغة كما أخبرنا بذلك القرآن الكريم كذلك « وقال موسى لقومه ... قالوا ادع ربك حتى يبين لنا وإذا قال موسى لقومه إني رأيت و رأيت ... قالوا ما مفاده : نحن لم نرى معك ، فكيف نصدقك؟ نحن لا نرى إلا ما هو مجسد أمامنا ». إذن ما من عصبيات قامت على أسس دينية إلاّ و وجدت لها مقاومة تحت مسميات عدة.

كمعاداة السامية أو معاداة اليهود بالإنجليزية anti semitism ؛ وهو مصطلح يشير لمعاداة اليهودية كمجموعة عرقية ودينية. و المعنى الحرفي أو اللغوي للعبارة هو "ضـد السامية"[*] ساهم في خلق الصهيونية السياسية في نهاية القرن ال19 ثم الدينية بعد ذلك ، فتيودور هرتزل 1860-1904 في البداية لم يؤسس حركته على أساس ديني بل على أسسها على أساس عرقي ، لكن عندما كبرت حركته تلك فمن الطبيعي أن ينضم إليها دعاة الفكر الديني و ربما المتعصبون منهم أيضا ، ولعلّ هذا التقابل الطبيعي بين حركية العقل في وجه الميتفزيقا في تاريخ الإنسانية هو سبب مآسي المسيحيين في القرون الوسطى ؛ أين كان يحرق المرء عندما يتكلم كلاما منطقيا عن الكنيسة ، وهي سبب مآسي العالم الإسلامي منذ نشأة الفرق العقلية المعتدلة كالمعتزلة إلى يومنا ، ما تصهينت الحركة السلفية تصهيناﹰ دينيا إلاّ بعد أن ذاقت ذرعا من تمييز وعنصرية ليس من قبل الأنظمة العربية الليبرالية بل من فرق ـأهل السنة والجماعة ذاتها ، التي انقلبت عليهم كما انقلب الخليفة المتوكل ابن المعتصم ابن المأمون على المعتزلة ، فعندما غالت السنة والجماعة كنا أمام الأصول السندية المفتقدة للبراهين العقلية، بل محاكاة الصيهونية في المناداة بعودة القدس ولم شمل المسلمين. وعلى منوال الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية والصهيونية الإسلامية ظهرت بالجزائر في منطقة القبائل الكبرى والصغرى( محافظتي تيزي وزو وبجاية) كذلك الصهيونية الأمازيغية كنتيجة طبيعية لاضطهاد الفكر الديني قبل وأثناء وبعد العشرية السوداء للأمازيغ ، فتشكلت حركة سياسية علمانية واسعة ضد العرب والمسلمين movement anti arabomuslims تدعو إلى إقامة وطن للأمازيغ يحفظ لغتهم وتراثهم من التشتت والضياع ، وقد بدأت فعليا في إنتهاج ثقافة (عنصرية جديدة ) مضادة للناطقين بالعربية وما بالك بالمتدينين في منطقة القبائل، فيها تيارات معتدلة نسبيا كحركة الأرسيدي وأخرى متطرفة وهي حركة العروش التي يترأسها فرحات مهني رئيس حزب تحرير القبائل MNK ! ولعل المقارن بين نشأة الصهيونيات في مختلف أرجاء العالم لا مفر له من أن يستحضر قوله تعالى « و لولا دَفع الله الناس بعضهم بِبَعض لفسدتِ »

ولعلّ الركيزة الأساسية التي شحذت وتشحذ همم الصهيونية هو مدنيتها أو نفورها من القانون الغيبي إلى القانون الوضعي، ولعل عودة المثقف العربي والأمازيغي والمسيحي الرافض اليوم كما البارحة للحركة الأصولية ليصرخ بالمدنية وبالعلمانية secularism للعلمانية ، وهذا المثقف له أصوله لدى أمة بني إسرائيل القديمة ، العلمانية ليست هي المقابل للدين ولكنها المقابل للكهانة أو التدين. العلمانية هي التي تجعل السياسية من شأن هذا العالم و التدين شأن من شؤون الله. العلمانية في جوهرها ليست سوى التأويل الحقيقي والفهم العلمي للدين، العلمانية لا تجعل الدين أساساً للمواطنة بل تفتح أبواب الوطن للجميع من مختلف الأديان ، وشعب إسرائيل القديم الذي يلعن ذريته في أيامنا الأصوليين والدواعش صبح مساء هو نفسه الشعب الذي وقف ضد اصطفاء توراة موسى لليهود/ اسباط يعقوب أي ضد مقولتي أرض الميعاد و شعب الله المختار العنصريتين ، بل أخشى أنه الشعب الذي دعا إلى حق المواطنة كأساس الانتماء إلى أرض إسرائيل ، فلا كلام من الله إلى موسى ولا هم يحزنون، من الطبيعي إذن أن الديمقراطية الغربية التي ساهم في ترسيخها اليهود استندت على أفكار العقل "المتمرد" المناهض للجمود والغيبيات ، نظام الحكم مدني يستمد شرعيته من الدستور لتحقيق العدل من خلال تطبيق القانون ويلتزم بميثاق حقوق الإنسان. فلا ديمقراطية من دون علمانية ولا علمانية من دون فكر عقلاني فكأنما « العلمانية نظرية في المعرفة حاولت الاستقلال ببعض مجالات المعرفة عن عالم ما وراء الطبيعة وعن المسلمات الغيبية »[†]

كما أن الدين أصبح ينطوي على تدين وهو التدين الذي يصاحبه عقل ، ليرعى صاحبه ويمنعه من التطرف والانحراف إلى تسويق الفكر الديني أي الى الدين السياسي ، وهذا التدين الحالة الفردانية المتماهية فقط مع حالتها ، وهي الحالة التي أفرزت الحداثة الغربية أو قل السّير بالعقل وراء الدين لتوجيهه ، وأبرز مثال هو المفكر والفيسوف الألماني فرديريك هيجل 1770ــ1831 الذي تخرج قسيسا بيد أنه ما انفك يحرص على أن يضع الدين في مكانه الطبيعي اللائق ؛ فهو حينما صنّف الأديان جعل من المسيحية الدين الكامل الذي لا يتضمن نقصا ، والإسلام مع اليهودية ديانتين وحييتين وزرادشتية والبوذية والبراهمانية ديانات طبيعية مرتكزا على معطيات عقلية لا عاطفية ، كما اعتبر برغسون المسيحية دين متحرك وبقية الأديان ساكنة بنفس المنهج ، بالتالي عندما تُرك العقل يعمل عمله حمل إضافات إيجابية لصالح الدين نفسه ، وعندما منع وصودر مع الإسلام الذي عرف انعطافات فكرية مشابهة للمسيحية في القرن الثاني للهجرة مع جماعة واصل ابن عطاء المعتزلية ، غير أنهم وُجهوا بالتكفير والحط المذل من طرف النقليين. فلو أنهم تركوا لوصلوا بالإسلام إلى بر الأمان وأصبح العالم الإسلامي اليوم مثل أوروبا ، مجالاﹰ رحب للتقدم والسلام ، فكأنما العقليون المعتزلة أرادوا بالدين أنقاذا له من نفسه حين سقوطه في مناقضة العقل ، كما أراده تماما فلاسفة الحداثة الغربية ، وليحموه من الفرق المغالية المتصهية تماما كمغالاة المتصهينين اليهود مع النبي موسى. وفعلا فاليوم نجد من الملحدين الذين استنهضهم فكر الجماعات الإرهابية المحسوبة على الإسلام ما نجد ، حيث لا يبرحون منتهزين فرصة تلو الأخرى للإساءة إلى التدين، و مَثَلنا في ذلك قصة الخضر مع النبي موسى الواردة في القرآن ، فحينما سعت المعتزلة إلى محاولة تأويل تصرفات الخضر اللاعقلية مع بحارة السفينة ومع الصبي ومع أهل القرية الظالمة تأويلاﹰ علميا لتخلص على أنها سلوكات نبي يفوق موسى نبوة وحكمة وكفى، أكد أهل السنة والنقل بالحجة الطعن في القرآن ذاته من خلال إعطاء الخضر مجرد صفة عبد صالح! و يمكن اليوم من أن تجد تفسيرات الخضر للنبي موسى ( رؤيته ) المجافية لجميع الأدلة العلمية و العقلية : « كان هناك مَلك ظالم يأخذ أفضل السفن ويترك السفن التي فيها عيب أو نقص فلمّا رأى الثقب الذي صنعته تركها لهم ، وأمّا قتل الغلام لأنّه كافر وسيُتعب والديه بكفره وعناده وكبره وضرر موته على والديه أقل مفسدةً ممّا سيفعله بهما لو كان حياً وسيبدلهما الله بولد مؤمن يُدخل السرور على قلبيهما ، وأمّا الجدار الذي في القرية فتحته كنز لولدين يتيمين كان أبوهما مؤمناً، فأراد الله أن يبقى الكنز تحت الجدار القديم و لا ينهار حتى يبلغا سنّ الرشد » تأويلات أخرى على لسان الملاحدة ، تأويلات منطقية هي الأخرى لكن لا تنصف التدين إطلاقا وما بالك بالدين، كالقول مثلا : لماذا لم يبحث الخضر عن حل نهائي للقرصنة بقطع الظلم من أساسه أي يبحث عن الملك ـأو القبطان الظالم ويوقفه عند حده؟ ولماذا لم يذهب الخضر إلى والدي الصبي ويخبرهما حتى يتقيا شر ولدهما؟ ولماذا لم يعمل الخضر على إصلاح أهل القرية بدل إصلاح الجدار؟

ولعلّ من نزعات الدين السياسي المعاصر المحرّض على التصهيُن أو على أقل تقدير المنتج للخطاب الإثني والملاحدي ما لا يخطر على بال، سنورد أول بأول فيما يلي أحداث مستقاة من واقع بلاد المسلمين اليوم( الجزائر، مصر..) ، حينما يورد الشيخ محمد كشك حديث جد ضعيف السند ــ يصنف تحت خانة النزعة الصهيونية الإسلامية المحقرة لليهود و أشياعهم النصارى الغربيين ؛ الذين هم أصحاب حضارة يزودونه صبح مساء من حضارة العلم والمعرفة ، فضلا عن التكنولوجيا التي هو في أمس الحاجة إليها ربما تكون النظارات التي يرتديها إحداها ــ قائلا :
-1- قال موسى لربه يا ربي خلقت أدم بيديك ، و نفخت فيه من روحك و أسجدت له ملائكتك ، و أدخلته الجنة و تبت عليه فكيف استطاع أن يؤدي شكر هذه النعم كلها ؟ فقال له الله : يا موسى يكفي من آدم أنه قال الحمد لله رب العالمين ، قال موسى يا ربي إذا قال العبد يا رب و هو راكع ماذا تقول له ، قال أقول له لبيك يا عبدي ، قال فاذا قالها و هو ساجد ، قال أقول لبيك يا عبدي، قال موسى فاذا قالها و هو عاصٍ ، قال أقول له لبيك لبيك لبيك!
- 2- إن الله تعالى يقول لموسى ابن عمران وهو يتلقى التوراة ، قال موسى ياربي إني أرى مكتوباً في التوراة أن هنالك أمة تأتي...... إلخ حديث (تمني سيدنا موسى أن يكون من أمة محمد)[‡]

خطاب كهذا من شأنه إذكاء الصهيونية المسيحية والإثنية وتغذية الأحقاد والعنصرية بين النخب في البلد الواحد فضلا بين الديانات. أو لم يكن موسى نبيا من أعظم خمس أنبياء؟ أو لم يكن كليم الله و وارث وصاياه العشر، وصاحب توراة تتلى أسفارها وتناقش مبادئها أيام البعثة المحمدية وقبلها؟ بل أن التراث اليهودي والنصراني قد شكل بشهادة المؤرخين بل طبع المشهد الثقافي للجزيرة العربية بطابعه وأصبح جزءا من حياة الوثنية ، حتى إذا نزل القرآن نزل على طراز التوراة دعوة واحتفاءا بقصص الأنبياء والأولين. أخشى أن في هذا الخطاب عنصرية اتجاه اليهود / الإسرائيليين ، ذلك الشعب الصعب المراس عن عصبية الفكر الديني ، الفكر الذي يكاد يشكل مرادف لاسم إسرائيل نفسها لذلكم فكأنما الشيخ كشك باستفزازه تكاد تنطبق عليه صورة مسمّى الشويعر إلا قليلا في بيت أبو الطيب المتنبي الخالد: أفي كل يوم تحت ضِبني شُوَيْعرٌ *** ضعيف يقاويني ، قصير يطاول

ولعل العجب العجاب أن نلفي من محض تجربتنا الخاصة ، نأي النزعة العقلانية إسلامية كانت أو علمانية بالنفس عن مجال الربح السهل نأيا فطريا رادعا ، بينما تحشر النزعة النقلية نفسها في الحلال والحرام لتستثمر فيه حتى بالانتهازية والتمويه لغايات يصعب فهمها ، فيما من المفروض أن يكون الحاصل هو العكس، فمظاهرات الربيع العربي في الجزائر كشفت الغطاء عن أحزاب ومنظمات إسلامية صغيرة (كما يصفها عادة الاعلام الغربي) كانت حليفة استراتيجية للنظام السلطوي ، وقد تحولت بين عشية وضحاها إلى معارضة شرسة للسلطة!

ــ الربيع العربي وانتهازية الحركة الدينية .. تجارب شخصية

عندما عدت إلى الجامعة بعد طويل غياب استوقفني البواب عند مدخل الجامعة ، بيد أنه في غمرة من فرح وصراخ وعويل صاحب تواجدي أمام مظاهرات طلابية وأخرى لأسلاك الحرس البلدي اختلط فيها الحابل مع النابل وجدتُني فجأة أنسل وألج الحرم في لحظات ، و لم يكن ذالكم الفعل إنتهاز للفرصة كما قد يتبدا قط. وفي الداخل إذ بأحدهم يدهسني فيسارع لطلب المعذرة "سامحني يا أستاذ سامحني يا أستاذ" .. ياه لم أتصور أبدا أن ينادني عون إداري في يوم من الأيام بالأستاذ وأنا مازلت طالبا! ياه ، فهل أكون كبرت لهذه الدرجة أم تراها تسريحة شعري أوحت له بأني أستاذ؟! وما إن ابتعدت قليلا حتى لاحقتني أعين مجموعة أوانس بالتحديق المهلك حتى ألفيتني أفر من نظراتهن إلى المدرّج فرارا أين وجدت الأساتذ يستعد لِإملاء سؤال الإمتحان على طلبته، فجلست وتناولت الورقة مستعدا لكتابة السؤال ، لكن سرعان ما تلقفتني منه ومن طالباته نفس النظرات ، فأدركت أن في الأمر إنَّ ، ربّما فعلا أكون قد كبرت بشكل لافت! أو أن الأمر يعود لثقافة قد ينعت وسط الأحداث المتسارعة تأوّل كل شيء بل لا بد من أن تأول كل شيء على مقاس ما يحدث من حولها من حراك سياسي وشعبي غير مسبوق ، ولا يهمها حينئذ من أن تعمل من الحبة قبة، وإن كانت بالفعل قد عملت من الحبة قبة ، وهذا ما أبانه رد فعل دخولي الإمتحان معهم وأنا على شكل لم يكن أولا و أخيرا غير شكلي! بعد أن أخذت مكاني كان الأستاذ قد اتجه صوبي وهو يلتفت بين الصفوف لردع محاولات التهيُّأ للغش وبعد أن وصل قال لي : ـــ أنت غايب على طول يا ابني أين مبرر الغياب؟
ـــ ماهو المبرر أمامك ، ألست مسن أمامك ولا إيه؟ فأنا أشتغل حتى أدرس وبصوت مهموس تمتمت« فلماذا دائما تعملون من الحبة قبة! »
ـــ أنا راح أسمحلك تمتحن بس لازم المبرر بعدين. فاهم ، متفقين؟

يا لطيف السؤال عن الثورات العربية. لماذا نجحت هنا وفشلت هناك حلل وناقش؟ الراجح أني راح آخذ العلامة الكاملة فالجواب واضح أمامكم ؛ الثوار بين قوسين عن طريق وسائل دعايتهم المختلفة يروحون عاملين من الحبة قبة فينهار النظام العربي المتردي نفسياﹰ ثم لا يحتاج بعد ذلك غير بعض الطلقات هنا وهناك حتى يقوم الجميع يكبر ويهلل الله أكبر تحيا الثورة أسقطنا النظام ويحيا الثوار الله أكبر. وإلا يتفطن "النظام" قبل فوات الأمن فيروح مسخّر قواته الرادعة وخططه الاستراتيجية أمنيا واعلاميا هو الآخر لقمع " الثوار" ثم يظهر أنصاره متفاخرين ؛ تحيا الدولة..يحيا الرئيس..قضينا على المتمردين، قضينا على المجرمين .. قضينا عالكلاب .. هذه سنة الحياة عندما تنجح الثورة تسمى ثورة وعندما تفشل تدعى تمرد وخروج عن القانون، فاكتساح الثورة لأركان الدولة يكون كاكتساح النار للهشيم ىل كاكتساح الورم الخبيث العنيد لكامل الجسد حتى يصبح في لمح البصر الكل ثوار، حتى الحيوانات ثوارا مجازا : البطالين ثوار و المحرضين ثوار.. وقادة الجيش الذين فرطوا في شبابهم وغفلوا عن عوائلهم لأجل الوطن فجأة يصبحون هم الفساد والنظام الذي ياما أكّلنا عيش لسنوات هو البهدلة والدكتاتورية نفسها وفي منتهى القسوة! والله العظيم ليذكرنا تكبير الأشياء فوق ما تستحق في ماسمي ﺑ"مظاهرات الربيع العربي" بالثورة التكنولوجيا في عالم الجينات ، أين تمكن العلماء من تكبير حبة الفاصولياء ليضاهي حجمها حبة التمر، لكن هل يا ترى سيصبح لها نفس المذاق الطيب بهذا الحجم؟ حتما لا، الأمر سيان عندما يكبر البطن إما أن يقول للرأس غني وهذا حال رفاهية المجتمعات الغربية ، أو أن يقول له إعمل من الحبة قبة عشن أتناول فطوري بالزيادة حتى وإن كان بدون طعم.

ولعل الزج بالدين في صراعات هو في غنى عنها ناتج افتقاده لسمة الاعتدال المنوط بالعقليين الموجهين للدين سيجد له في كل عصر من يجتهدون زجاََ به في براثن تلكم الصراعات معتقدين أنهم ينصرونه! من هؤلاء علماء الدعوة السلفية القائلين بوجوب طاعة الحاكم في غير معصية لله إثر أحداث الربيع العربي، وهم السلفيين الذين لهم حظوة في كذا من بلد عربي، في حين أن المعتزلة قالوا بعدم جواز ذلك عندما لا تتوفر شروط الثورة على الحاكم الظالم وهي القدرة ، فلو عُمل برأي المعتزلة لتحاشى السلفية ومن سار في دربهم عن دعم الهمج الذين ساروا وراء محرضيهم في ربوع كذا من قطر عربي ، فسقط من سقط من أبرياء وحدثت ما حدث من مآسي نتيجة لانتهازية واستغلالية الفكر الديني الحاجر على نعمة العقل ، وهو المعنى الذي أردت استجلاءه في مقالي السابق بعنوان « مظاهرات الربيع العربي وقفة للتذكر والتأمل » عندما قلت فيه لولا استغياب العصا لما عصى من عصى المعنى الذي يلتمس فيه ذم للأنظمة العربية الإستبدادية باسلوب توكيد الذم من خلال المدح ؛ مدح ثقافة الخنوع والحجر عن العقل في المجتمعات العربية التي إطّلعت بحمايتها الأنظمة العربية ، فكم من مقال أسيئ قراءته و لم يفهم من قبل القائمين على الموقع فضلا عن القراء ، لأنه يتطلب جهدا قِراءاتيا إن لم نقل جهدا عقليا تفكيكيا مرتكزا على تجارب.

وبالعودة إلى انتهازية الفكر الديني المحجّر لحاسة العقل ، فلننظر كم من ثورة تدور رحاها في العالم في كل يوم بل في كل ساعة ـــ ولم تعمل من الحبة قبة ـــ إنها الثورات المدنية ، أصحابها متدينون تدينا مدنيا ؛ إنها ثورات الضمير التي تجعل الوزير ( أو أي مسئول وطني كان أو محلي ) الذي يعتقد بعد تتسبب الأحوال الجوية في مقتل العديد من مستعملي الطريق مثلا ، أنه هو المتسبب الذي لم يهيئها ، فخاف مقام ربه من سلم من عقاب الضمير وعقاب المجتمع المدني فاستقال ، ولم يسلم من آمن بأنه سيزحزح عن الجنة في بغلة إن لم يهيئ لها الطريق ، لأنه ظل في منصبه حتى خلعته الثورة شر خلع. وقد يذهب إثر انزلاق حافلة و مقتل العشرات من ركابها ليس وزير النقل فقط بل الحكومة بكاملها تستقيل، بل قد يسحب البرلمان ثقته من الرئيس المنتخب شرعيا. إنها الثورة الحقة ؛ الثورة التي تدور عجلتها مع الزمن ، مع التاريخ إلى الأمام و لا تنتكس لتدور إلى الخلف ، إلى السكون و التحجر أبدا.



[*] - ينظر موقع ويكيبيديا على الرابط : https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%A9
[†] - حسين أحمد أمين : دليل المسلم الحزين حول الدعوة إلى تطبيق الشريعة ، مكتبة مدبولي ، مصر 1987 ، ص 254
[‡] - عن الأحاديث والرسائل غير الصحيحة المنتشرة - جبهة دفاع قناة الأمة الفضائية على الفيسبوك



#زياد_بوزيان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواية الجزائرية الجديدة ونقد الخطاب الديني، رواية الغيث لم ...
- التنوع الإثني بالجزائر ، عروش قبيلة مطماطة النوميدية أنموذجا
- صبحٌ بلا مساء
- مظاهرات الربيع العربي ، وقفة للذكرى والتأمل
- الاعلام العربي الجديد أخلاقيات المهنة و تحديات الواقع ، الجز ...
- -الإعلام العربي الجديد- أخلاقيات المهنة و تحديات الواقع الجز ...
- الشموع الذاوية وعقيدة البَخس الإعلامي
- بين النقد الأدبي الأكاديمي والنقد الأدبي الصحفي ، إطلالة على ...
- قيم الإنسان بين الزمن الجميل و زمن الشّدة
- العقل والإيمان رؤية نقدية من منظور بنيوي
- بين الإيمان والإدراك ، رؤية نقدية من منظور بنيوي
- التنظير النقدي الأدبي في الجزائر وإشكالية غموضه - نماذج مختا ...
- مآلات راعي الحُضنة
- إشكالية المنهج النقدي أم إيديولوجية النخب؟
- أدونيس وأرباب الآلهة ، إطلالة على منظومة الفكر العربي الراهن


المزيد.....




- الشرطة الألمانية تنفي أن تكون دوافع هجوم ماغديبورغ إسلامية
- البابا فرانسيس يدين مجددا قسوة الغارات الإسرائيلية على قطاع ...
- نزل تردد قناة طيور الجنة الان على النايل سات والعرب سات بجود ...
- آية الله السيستاني يرفض الإفتاء بحل -الحشد الشعبي- في العراق ...
- بالفيديو.. تظاهرة حاشدة أمام مقر السراي الحكومي في بيروت تطا ...
- مغردون يعلقون على التوجهات المعادية للإسلام لمنفذ هجوم ماغدب ...
- سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
- بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- وفاة زعيم تنظيم الإخوان الدولي يوسف ندا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زياد بوزيان - آراء حول الفكر الديني والعلمانية و التصَهيُن