أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - جورج حداد - بعد تجربة الاحتلال الاسرائيلي والهيمنة السورية: القوى الوطنية، اليسارية والاسلامية، اللبنانية امام تحديات المرحلة -الاستقلالية- الجديدة















المزيد.....



بعد تجربة الاحتلال الاسرائيلي والهيمنة السورية: القوى الوطنية، اليسارية والاسلامية، اللبنانية امام تحديات المرحلة -الاستقلالية- الجديدة


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1513 - 2006 / 4 / 7 - 10:31
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


رزح لبنان 22 سنة تحت الاحتلال الاسرائيلي وحوالي 30 سنة تحت التسلط الدكتاتوري السوري، المفوض اميركيا. اي ان هذا البلد الصغير، المثخن بالحرب الاهلية، رزح مدة 22 سنة تحت النير المزدوج. ومع انه لا يجوز وضع كل من اسرائيل والنظام الدكتاتوري السوري في كفة واحدة، كما انه كان لكل من الطرفين مواصفاته وحساباته الخاصة، فقد كان كل منهما يبرر وجوده في لبنان بوجود الاخر. وحينما تم الانسحاب الاسرائيلي، تحت ضغط المقاومة، كان ذلك بمثابة صدمة وارباك للنظام الدكتاتوري السوري، الذي كان يستخدم المقاومة كورقة ضغط مهمة على طاولة المفاوضات مع اسرائيل واميركا، فخسر ورقته الرئيسية، المتمثلة بالاحتلال الاسرائيلي، التي كان يستخدمها لتبرير وجوده "الميمون" في لبنان. ولذلك عمد، بعد الانسحاب الاسرائيلي، الى الاعتراف بـ"لبنانية" مزارع شبعا، كتبرير لاستمرار المقاومة في الارض المحتلة (اللبنانية لا السورية)، وهي منطقة لبنانية كانت السلطة السورية قد سيطرت عليها وانتزعتها من لبنان وقدمتها لقمة سائغة للاحتلال الاسرائيلي جنبا الى جنب الجولان.
وقد كان التسلط السوري والاحتلال الاسرائيلي يلتقيان موضوعيا عند "هدفين" مشتركين رئيسيين هما:
ـ ضرب وتقزيم الحركة الوطنية اللبنانية ووضعها تحت السيطرة.
ـ تضييق الخناق على الثورة الفلسطينية، وتحويل جماهير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الى "رهينة جماعية" مشلولة الارادة.
ولكن هذا لا ينفي انه كان يوجد اختلاف او تعارض بين الاحتلال الاسرائيلي والتسلط السوري، السابقين، على لبنان. ويدور هذا التناقض حول المحورين التاليين:
اولا ـ ان لاسرائيل اهدافها الستراتيجية والسياسية والاقتصادية والمطامع التوسعية الخاصة حيال لبنان. والى جانب ذلك، فقد كان من اهم اهداف الاحتلال الاسرائيلي للاراضي اللبنانية إحكام تطويق سوريا، لاضعاف مواقعها التفاوضية لاجل "السلام!" ولارغام النظام السوري على استمرار "التنسيق" الضمني مع اسرائيل على الساحة اللبنانية، وعلى تقديم المزيد من التنازلات ولا سيما فيما يخص الجولان المحتل. ولذلك فإن اسرائيل، التي وافقت على "الصفقة الاميركية ـ السورية" حول الدخول السوري الى لبنان في 1976، كانت مصلحتها تقضي بتقليص اي دور ايجابي للوجود السوري في لبنان، من وجهة نظر مصلحة الشعبين الشقيقين، وان يكون هذا الوجود ضعيفا على اسرائيل قويا على الوطنيين اللبنانيين والفلسطينيين.
ثانيا ـ اما النظام الدكتاتوري السوري، فقد كانت "الجزرة" الاميركية التي تلقاها في لبنان تتمثل في المكاسب المافياوية وفي توسيع نفوذه السياسي على حساب السيادة اللبنانية والمصالح الحيوية للشعب اللبناني المظلوم، بهدف اساسي هو تدعيم الجبهة الداخلية المهتزة للنظام السوري. ولكنه، فوق ذلك، كان يهدف ايضا الى تعزيز مواقعه التفاوضية مع اسرائيل، والتعويض ما امكن عن الضغط الستراتيجي، السياسي والعسكري، الذي كان ولا يزال يمثله بالنسبة له احتلال مرتفعات الجولان، والتهديد العسكري الاسرائيلي المباشر لدمشق.
ومن جهة اخرى فإن النظام السوري ـ وبالرغم من دكتاتوريته وفساده وانحرافه القومي والوطني ـ لم يكن قادرا على القضاء على الهوية القومية لسوريا العربية، والافصاح التام عن وجهه الحقيقي الممالئ ضمنا للامبريالية الاميركية والمعادي للعروبة ولحركة التحرر الوطني العربية. ولذلك فإن هذا النظام كان مضطرا:
1 ـ لممارسة الديماغوجية على اوسع نطاق. فحين كانت المدفعية السورية، للمثال، تقصف القوات الوطنية اللبنانية والفلسطينية في تل الزعتر وبيروت وصيدا الخ، في 1976، كانت ابواق هذا النظام تخدع الجنود والضباط السوريين وتدعي ان الدخول الى لبنان هو لمساعدة الشعب اللبناني ولدعم الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية. وحتى بعد اغتيال الشهيد العربي الكبير كمال جنبلاط (على يد "فلول البعث"، حسب تعبير وليد جنبلاط فيما بعد) في اذار 1977، فإن الابواق "السورية" تنصلت من الجريمة، وادعت، بدون تقديم اي دليل اثبات طوال 30 عاما، بأن اسرائيل هي التي اغتالته (وقد رد وليد جنبلاط على ذلك مؤخرا، في مناظرة مع السيد حسن نصرالله، بأنه كان يتمنى ان يستطيع القول ان اسرائيل قتلت كمال جنبلاط، كما قتلت هادي حسن نصرالله). ولا يصح هذا الاتهام لاسرائيل الا اذا اعتبرنا ان الاجهزة السورية المشبوهة ذاتها هي مخترقة اسرائيليا و"تلعب" لحساب اسرائيل. بل ان حزب البعث اقام في 1978 او 1979، في مركزه الرئيسي في بيروت، احتفالا بذكرى استشهاد كمال جنبلاط، فانطبق عليه المثل القائل "يقتل القتيل ويمشي في جنازته". وهذا يعني ان النظام السوري كان مضطرا للاعتراف بالشرعية التاريخية للحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية واللبنانية، بالرغم من كل تآمره عليها وجرائمه الموصوفة والمتواصلة ضدها. بل ان النظام ذاته كان يستمد "شرعيته" من وضع نفسه زورا في الصف "الوطني" و"القومي".
2 ـ من ضمن سياسته الديماغوجية، كان النظام السوري مضطرا لتقديم التنازلات للقوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية، بشخص بعضها دون البعض الاخر، من ضمن خطة التضليل وشق الصفوف والهيمنة المخابراتية. وقد تجلى ذلك، فلسطينيا، انه حينما دخل النظام السوري الى لبنان، فإنه هادن و"غازل" المرحوم عرفات وفتح ومنظمة التحرير، التي كانت تحسب في صفوف "المعتدلين"، وشن معركة حامية، ذهب ضحيتها مئات الشهداء من الطرفين، ضد ما كان يسمى "جبهة الرفض"، التي كانت تتلقى المساعدات من النظام العراقي البائد. ولكن فيما بعد، وخصوصا بعد الاحتلال الاسرائيلي في 1982، حينما رفضت قيادة عرفات الوصاية السورية، وسارت في خط قطري استسلامي منفرد، بحجة حماية "استقلالية" القرار الفلسطيني، عمد النظام السوري الى فك العلاقة السابقة مع فتح ومحاربتها، والى استمالة الفصائل الفلسطينية المناوئة لها، اي الفصائل "الرفضية" ذاتها التي قاتلها بضراوة بالامس، وكذلك الفصائل الاسلامية المستجدة، مستغلا الاوضاع الصعبة التي واجهتها تلك الفصائل في ظروف الاحتلال الاسرائيلي للبنان، وكذلك انشغال النظام العراقي البائد في الحرب الايرانية ـ العراقية المأساوية وما نتج عنها من ضعف "اهتماماته" الفلسطينية وتقليص مساعداته لـ"جبهة الرفض". وبصرف النظر عن الاهداف القريبة والبعيدة لقيام النظام السوري بمساعدة هذا الطرف الفلسطيني او ذاك، والسعي لايقاعه في احابيل المخابرات، لمحاربة الاطراف الاخرى، في هذه المرحلة او تلك، فقد لعب هذا "التنازل"، موضوعيا، دورا مساعدا في إبقاء جذوة المقاومة الفلسطينية، والوقوف بوجه الخط الاستسلامي لقيادة فتح ومنظمة التحرير.
اما لبنانيا، فإن النظام السوري ـ بعد ان توهم بإمكانية التخلص من الحركة الوطنية اللبنانية بعد تصفية هيكليتها التنظيمية بعد اغتيال كمال جنبلاط، وخصوصا بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت وتصفية "القوات المشتركة" السابقة ـ "فوجئ" ايضا، بل وأحرج ايما إحراج، بظهور المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي بشكل مستقل، بعيدا عن النفوذ السابق لفتح، وكذلك بعيدا عن الهيمنة السورية. وإنه لذو دلالة تاريخية كبرى ان البيان الاول لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية صدر (في 16 ايلول 1982، ووقعه جورج حاوي ومحسن ابرهيم) من بيت الشهيد كمال جنبلاط، الذي سقط ضحية غدر النظام الدكتاتوري السوري ذاته. واخشى ما كان يخشاه النظام السوري هو ان تنتقل "عدوى" المقاومة الى سوريا نفسها، للنضال من اجل تحرير الجولان، خصوصا ان المقومات الحزبية والسياسية والفكرية للمقاومة (شيوعيون، يساريون، قوميون عرب، قوميون سوريون) لها "توائمها" في سوريا، مما يجعل انعكاس نضالات وتضحيات المقاومة على سوريا اكثر "سهولة" وتأثيرا. ولذلك اضطر النظام السوري لـ"التنازل" واحتضان المقاومة، في محاولة وقائية لاستباق امكانية انتشار "عدواها" الى سوريا من خلف ظهره. ومن زاوية نظر معينة، لعل تبني النظام السوري للمقاومة في لبنان هو احد اسباب عدم قيام مقاومة سورية لاحتلال الجولان. إذ انه من المعلوم ان كل شؤون دعم المقاومة اللبنانية والتعاطي معها هي منوطة بالاجهزة المخابراتية الشيطانية الكريهة ـ العدو اللدود للشعب السوري. ولكن في الوقت نفسه فإن احتضان المقاومة اللبنانية لم يكن بالتأكيد "بريئا" و"صادقا" لوجه الله تعالى، بل كان من ضمن خطة احتواء وهيمنة وتصفية. ومع ادراك النظام السوري لتعذر سد الطريق على المقاومة الوطنية اللبنانية وتصفيتها بالكامل، لسبب "فني" بسيط هو عدم التواجد السوري في منطقة الاحتلال الاسرائيلي السابق، وعدم قدرة النظام السوري على ارسال اجهزة مخابراته الى مناطق الاحتلال الاسرائيلي والتنسيق معه على الارض على المكشوف، عمد الى اللعبة الاستعمارية القديمة (لعبة "فرق تسد")، فقام ـ عن سابق تصور وتصميم ـ بشق صفوف المقاومة الوطنية والاسلامية، وتقديم المساعدة الى "حزب الله" والمقاومة الاسلامية، ومحاربة اطراف المقاومة الاخرى، القومية واليسارية والعلمانية. اي ان النظام السوري، كان مضطرا ان "يتنازل" و"يعطي" لطرف بيد، في حين كان يمنع ويصفي بقية الاطراف باليد الاخرى. وبالطبع ان العامل الاقليمي، وخاصة لجهة التعاون السوري ـ الايراني، لعب دورا كبيرا على هذا الصعيد، لصالح "حزب الله". وهكذا في حين نجح النظام السوري في تصفية المقاومة الوطنية اللبنانية (باجنحتها اليسارية، الشيوعية والقومية)، كان مضطرا ـ كمتنفس للضرورة والاندفاعة الجماهيرية نحو المقاومة ـ لان يساند "حزب الله" و"المقاومة الاسلامية" ("الشيعية"، التي لا امتداد سياسي ـ فئوي ـ طائفي لها في سوريا، الامر الذي كان ولا يزال يطمئن النظام السوري لعدم وجود "الحامل البنيوي" لانتشار "عدواها" في سوريا). ولكن هذه المقاومة "المأمونة الجانب" تجاوزت حسابات النظام السوري ذاته، وخرجت عن كونها "ورقة ضغط" فقط، وادى انتصارها على الاحتلال الاسرائيلي الى افقاد ذلك النظام الورقة الرئيسية لتبرير وجوده في لبنان، كما اسلفنا.
ان هذا الوضع المعقد، بحد ذاته، يلزم جميع القوى اللبنانية الحريصة على الاستقلال الوطني، والمدركة لتعقيدات البعد القومي للقضية الوطنية، بأن لا تنظر الى الامور بعين واحدة، بل ان تجري مراجعة نقدية لتجربة المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي السابق للاراضي اللبنانية، من جهة، بالارتباط مع مختلف جوانب الوجود السوري السابق في لبنان، من جهة ثانية.
وفي هذا السياق لا بد من ايراد الملاحظات التالية حول حصيلة وتداعيات هذه التجربة الاليمة المركبة:
1 ـ لقد تضافرت عوامل عديدة لاجبار جيش اسرائيل المتغطرس على الانسحاب الذليل من لبنان، وفرط تشكيلة عملائه المباشرين، التي كانت تسمى "جيش لبنان الجنوبي"، وتوجيه ضربة قاصمة ضد الطابور الخامس الاسرائيلي في لبنان، والذي كانت تمثله بشكل خاص "الكتائب اللبنانية" و"القوات اللبنانية" والزمر والعصابات الخائنة الاخرى الاقل شأنا على شاكلة "حراس الارز". وأهم هذه العوامل:
آ ـ الخيار التحرري العربي لجماهير الشعب اللبناني، الذي تمثل في انطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية، ورفض تحويل لبنان الى محمية اسرائيلية عبر اتفاق 17 ايار الذي أجهض في المهد، وأخيرا الالتفاف الوطني الشامل، الشعبي والرسمي، حول المقاومة الوطنية اللبنانية، ومن ثم المقاومة الاسلامية بقيادة "حزب الله". وقد كان لدعم النظام السوري، المحدود والملغوم، وبالرغم من كل اهدافه التآمرية ومصالحه الخاصة، دوره الايجابي النسبي على هذا الصعيد.
ب ـ الدور العسكري السوري المساند اضطرارا لمقاومة العدوان الاسرائيلي. فقد صرح الرئيس حافظ الاسد في حينه، بأن قوات الجيش السوري في لبنان لم تكن مهيأة لمواجهة اسرائيل عسكريا على الارض اللبنانية. وبالتالي فإن هذه القوات، وبوجود الرئيس الخالد حافظ الاسد على رأس النظام، "فوجئت" بالعدوان الاسرائيلي في 1982، واحتلال بيروت والجزء الاكبر من الارض اللبنانية (طبعا كما "فوجئت" باحتلال الجولان في 1967، بوجود الرئيس الاسد في وزارة الدفاع حينذاك). وبالرغم من ان النظام الدكتاتوري السوري كان يهادن اسرائيل فعليا، ويمنع اي مقاومة لاحتلال الجولان، ويزحف على بطنه خلف وهم "السلام!"، فإن اسرائيل، المشبعة بالعنصرية وروح العدوان، لم توفر القوات السورية "المتفاجئة" في لبنان، فأخذتها على حين غرة وارتكبت مجزرة حقيقية ضدها وزرعت طريق الشام، حتى الحدود، بالآليات السورية المدمرة وجثث مئات وألوف الجنود والضباط السوريين، المنسحبين عشوائيا، في وضعية غير قتالية لا هجومية ولا دفاعية ولا حتى انسحابية، وبدون غطاء جوي امام الزحف الاسرائيلي؛ ولاخفاء هذه الجريمة بحق هؤلاء العسكريين السوريين المضللين والمظلومين، قام زبانية النظام السوري برمي جثثهم في الوديان لاخفائها، دون اي احترام لا لتضحية هؤلاء العسكريين بحياتهم ولا لمشاعر عائلاتهم المنكوبة. وقد اسهمت هذه الجريمة العنصرية الاسرائيلية في دفع بقية القوات السورية، لا سيما التي احتجزت في بيروت الغربية المحاصرة، لأن تتلاحم على الارض مع قوات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وتقاتل معها ببسالة ضد العدوان الاسرائيلي. وهذا احد الاسباب التي اضطر معها النظام السوري لأن يدعم المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي وعملائه اللبنانيين، وهو الدعم الذي تمثل اخيرا في الدعم السياسي واللوجستي والامني لـ"حزب الله".
2 ـ جاء الانطلاق والنمو المستقل للمقاومة اللبنانية، ومن ثم الدور التاريخي المميز الذي اضطلع به "حزب الله"، كي يقلب الخطة الاسرائيلية رأسا على عقب:
فأولا ـ اصبحت مقاومة الاحتلال هي بيضة القبان في المعادلة اللبنانية ككل، الامر الذي لم يكن يدخل في أي حساب لا لاسرائيل وعملائها، ولا للانعزاليين اللبنانيين الذين راهنت عليهم اسرائيل كما راهنوا عليها، والذين اثبتوا بامتياز انهم مراهقون تاريخيا، وأقزام وعميان في السياسة اللبنانية والاقليمية والدولية، لا يرون لأبعد من انوفهم.
وثانيا ـ واصلت المقاومة اللبنانية المسيرة التي بدأتها المقاومة الفلسطينية، بحيث تهافتت كبناء من كرتون خطة عزل الشعب الفلسطيني واسقاط قضيته على الساحة اللبنانية. واننا لنرى اليوم ان المقاومة الوطنية اللبنانية عامة، ومنها "حزب الله" خاصة، قد حازت بين الفلسطينيين، في لبنان وفي الشتات والاراضي المحتلة، من الرصيد المعنوي والسياسي ما جعلها مثالا قوميا يحتذى، كمرحلة جديدة اعلى في ستراتيجية مقاومة الاحتلال. وقد كان للمقاومة، ولا سيما بعد تحقيق التحرير في ايار 2000، دور معنوي وسياسي كبير في انطلاق الانتفاضة الفلسطينية وتعزيز روح المقاومة لدى جماهير الشعب الفلسطيني قاطبة، ضد الخط التسووي، الانهزامي والاستسلامي لجماعة "اوسلو".
وثالثا ـ تحول الاحتلال الاسرائيلي للاراضي اللبنانية من ورقة ضغط ضد سوريا، الى ورقة ضغط خانقة ضد اسرائيل، وذلك بالرغم من تخطيط دهاقنة الستراتيجية الاميركية ـ الصهيونية الهادفة لفرض الاستسلام على العرب.
3 ـ بعد اخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السورية من لبنان، بنتيجة العدوان الاسرائيلي سنة 1982، ومجيء "حلفاء" اسرائيل بالدبابات الى رئاسة الجمهورية، وتنصيب بشير الجميل، ومن ثم امين الجميل، رئيسا للجمهورية، وقف لبنان على مفترق: اما السير في الخيار الاسرائيلي، واما التمسك بالخيار العربي. وفي تلك الظروف العصيبة للبنان، وما كان يرافقها من تفكك وتخاذل عربيين بعد "كامب دايفيد"، كان خيار الترابط مع سوريا هو التعبير الملموس عن الخيار العربي، بالرغم من جميع تجاوزات النظام الدكتاتوري السوري على الساحة اللبنانية.
4 ـ في حالة الاحتلال الاسرائيلي والتمزق الوطني المأساوي، ووجود القوات والاساطيل الاطلسية في الاراضي والمياه اللبنانية، لعبت سوريا العربية موضوعيا دور العمق الستراتيجي للقوى الوطنية اللبنانية، للوقوف بوجه الاحتلال الاسرائيلي وعملائه في السلطة وخارجها، ولترسيخ خيار المقاومة والتحرير.
وبالرغم من كل سلبيات النظام الدكتاتوري السوري، فإنه لم يكن قادرا على منع الدور القومي لسوريا، ولكنه عمل المستحيل لاستغلال هذا الدور من اجل منع وتصفية المقاومة الوطنية اللبنانية التي كانت تتشكل من مختلف الاحزاب الوطنية واليسارية، وحصر المقاومة بالجناح الاسلامي (الشيعي) فقط، لتسهيل محاولة تطويعها والسيطرة عليها لاحقا.
5 ـ عانى لبنان حالة مريعة من التمزق والتفتت الداخلي على الاساس الطائفي والمناطقي الذي فاقمه العملاء حتى الحد الاقصى بوجود الاحتلال الاسرائيلي. وفي مرحلة ما، وضع لبنان امام خيارين انتحاريين: إما التقسيم الفعلي والفيدرالية، على غرار ما يساق اليه العراق اليوم؛ وإما التحول الى محمية اسرائيلية، على غرار ما يراد اليوم ان تصير اليه منطقة الحكم الذاتي الفلسطيني بموجب مؤامرة اتفاقات اوسلو و"خريطة الطريق" الاميركية. وفي تلك الظروف فإن الوجود السوري، وبالرغم من كل التجاوزات، اضطلع بدور ركيزة سياسية لتجاوز التمزق الطائفي ـ المناطقي، بحيث ان التسلط السوري، في مختلف المناطق اللبنانية، منع تقسيمها، على غرار ما كان الاستعمار الفرنسي الواحد "يوحد" سوريا ولبنان قبل 1946، وعلى غرار ما كان الاستعمار البريطاني "يوحد" الهند قبل استقلالها وانشطارها الى هندوستان وباكستان وبنغلادش. وتجلى ذلك بالاخص خلال معركة الجبل (83ـ1985)، حيث كانت "القوات اللبنانية" العميلة تستند بقوة الى الاحتلال الاسرائيلي. ولكن الوجود السوري جسد موضوعيا عامل التوازن الاقليمي الضروري، الذي قام على اساسه تحالف وطني لبناني ـ سوري ـ فلسطيني، اتاح امكانية تعديل الاختلال في توازن القوى، وتحويله من صالح "القوات اللبنانية" العميلة، الى صالح القوى الوطنية التي حققت الانتصار في الجبل بقيادة الحزب التقدمي الاشتراكي. وطبعا ان النظام السوري استفاد من ذلك لاعادة حضوره "الميمون" الى بيروت وغيرها من المناطق التي انسحب منها الاسرائيليون.
6 ـ كانت الساحة الوطنية اللبنانية والفلسطينية ذاتها قد ابتليت بحالة من التفكك المريع، الذي تبدى في سلسلة لا تنتهي من "الحروب الاخوية"، مما كان يشكل طعنة قاتلة في ظهر مقاومة الاحتلال. وكان النظام السوري طرفا رئيسيا في تلك الحالة، ان بسبب الممارسات الخاطئة، او بسبب التقديرات الخاطئة، او ـ اساسا ـ بسبب الخطة المسبقة لاخضاع وتطويع وتقزيم الحركة الوطنية اللبنانية والسيطرة التسلطية على لبنان. ومع ذلك فقد كان النظام السوري مضطرا للعمل على تأمين نوع من الاستقرار النسبي، الملائم له، على الساحة اللبنانية، ومن ثم العمل على بناء المؤسسات الموحدة للدولة اللبنانية واستعادة الوفاق الطائفي تحت ظل الهيمنة السورية. وبدون هذا الاستقرار الداخلي النسبي و"الوفاق الطائفي" لم يكن بالامكان انطلاق المقاومة الوطنية والاسلامية وانتصارها.
7 ـ ان الانسحاب الاسرائيلي، وانهيار فلول العملاء اللحديين، لا يعني ابدا ان الطابور الخامس الاسرائيلي في لبنان قد "انسحب" هو ايضا. بل على العكس ان هذا "الطابور" سيأخذ من الان فصاعدا يرفع رأسه اكثر من السابق، مستفيدا من غطاء مسارات مفاوضات "السلام!" مع اسرائيل، وبحجة "استعادة السيادة اللبنانية" من السوريين، بعد استعادتها من الاسرائيليين. ومع انهاء "التسلط السوري"، وحتى قبل ذلك، بدأ "الطابور الخامس" من جديد بطرح الاوراق "اللبنانية" الاخرى، ضد "الفلسطينيين" خصوصا، والمطالبة بنزع سلاح المقاومة (التي يسمونها ميليشيا) اسوة بالميليشيات الطائفية، وكأنما خطر اسرائيل قد زال تماما، وهذا بالاضافة الى الورقة الطائفية الجاهزة في كل ساعة.
8 ـ في لبنان قنبلة موقوتة ضخمة، كفيلة باعادة تفجير الاوضاع اللبنانية كلها من جديد، وتتمثل في الوضع المأساوي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين يعدون بمئات الالوف، وتتوزعهم مختلف التيارات والانتماءات السياسية ـ العسكرية. فلبنان ليس قادرا على ايجاد حل منفرد لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بمعزل عن الحل العام للقضية الفلسطينية. وتحاول جهات دولية واقليمية، وعلى رأسها اميركا واسرائيل وبعض الاطراف العربية السائرة في مخطط الاستسلام، تقديم الاغراءات للبنان لدفعه الى نزع سلاح اللاجئين الفلسطينيين و"تدجينهم" و"احتوائهم". واحتمالات مثل هذا التطور للاحداث تمثل خطر كارثة وطنية حقيقية للبنان. ومن جهة ثانية، فإن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين هم في غالبيتهم من مهجري النكبة في 48 ـ 1949، هم منقسمون تنظيميا على انفسهم ـ والسلاح في أيديهم ـ الى معسكرين: معسكر مؤيد للمسار "الاوسلوي" الاميركي للمفاوضات الاسرائيلية ـ الفلسطينية، وراض بكل ما تسفر عنه، ومعسكر مشكك وغير راض عن هذا المسار. وهناك مخاطر كبيرة لا تخفى على احد، ان يعمد العراب الاميركي واسرائيل، بطريقة مباشرة او غير مباشرة، بالتعاون مع اطراف عربية وفلسطينية "ذات مصلحة!"، الى اللعب من جديد على ورقة التناقضات الفلسطينية ـ الفلسطينية، مما يؤدي الى جر لبنان الى دوامة مجهولة لا يستطيع احد التنبؤ بمجراها ومضاعفاتها.
9 ـ بالرغم من الموقف الوطني الواعي الذي اظهرته المقاومة بقيادة "حزب الله"، في عدم الوقوع في احابيل الفتنة الطائفية بعد الانسحاب الاسرائيلي، فمن السذاجة الاعتقاد ان لبنان قد برىء تماما من الجراح الطائفية النتنة. وحوادث الضنية (مطلع عام 2000) في شمال لبنان، و"تظاهرة البلطات" (سنة 2001) الشهيرة في بيروت، واخيرا عمليات التخريب في الحي المسيحي (الاشرفية) (مطلع 2006) التي رافقت التظاهرة ضد الرسومات الكاريكاتورية الدانماركية المهينة للاسلام، التي قامت بها بعض الجماعات المتعصبة باسم "الاسلام!"، تكشف بوضوح ان سيف المخاطر الطائفية، وخصوصا احتمالات الفتنة الشيعية ـ السنية، لم يرفع من فوق رأس لبنان.
10 ـ مما يثير الشك ان يوحي البعض بأن اسرائيل، بعد اجبارها على الانسحاب، قد تخلت عن مطامعها في لبنان، وأنها ستلتزم من الان فصاعدا راضية مرضية بـ"الشرعية الدولية"، التي طالما خالفتها واحتقرتها ولا تزال، و"السيادة اللبنانية"، التي طالما داستها ولا تزال. بل على العكس تماما. فهي الان في صدد "جردة حساب عامة" بهدف ايجاد اشكال وذرائع جديدة لاستعادة المواقع السياسية وغير السياسية التي خسرتها في لبنان. و"الطابور الخامس" الموالي لاسرائيل يستفيد الان من اجواء "المصالحة الوطنية" و"الحوار الوطني" من اجل حرف التناقض مع النظام الدكتاتوري السوري باتجاه العداء لسوريا كبلد وكشعب، ومن اجل تمرير المخططات الاسرائيلية تحت شعارات "السيادة اللبنانية"، التي هي مهددة على يد اسرائيل في كل لحظة، ربطا باحداث داخلية طارئة او مفتعلة، او باحداث خارجية لا يستطيع لبنان، ولو اراد، ان يبقى بمنأى عنها، كفشل مفاوضات "السلام!" على هذا المسار او ذاك، واحتمالات التصادم الاسرائيلي ـ السوري (في حال فشل المساعي المنسقة لتطويع "حزب الله")، واشتداد اوار الانتفاضة والمقاومة من جديد في الاراضي الفلسطينية المحتلة (خصوصا بعد الانتصار الانتخابي لحماس).
11 ـ ان العراب الاميركي، "الحليف" الستراتيجي لاسرائيل، سيسعى بكل ما لديه من امكانيات هائلة ونفوذ، للاقتصاص من الوطنيين اللبنانيين الذين اذلوا اسرائيل، وعرقلوا الخطة الاميركية العامة لـ"احتواء" الاطراف العربية واحدا واحدا، وسيكون على رأس جدول اعمال هذا العراب الان تخريب الساحة الوطنية اللبنانية، وعزل "حزب الله" والسعي لتطويعه وإجباره على التخلي عن الالتزامات القومية للمقاومة، تحت شعارات المحافظة على "السيادة اللبنانية"، او ضربه عن طريق افتعال الفتن الطائفية، واخيرا الهيمنة على لبنان بمختلف الاشكال او تمزيقه من جديد.
12ـ امام هذه الجبهة المعادية بأطرافها الدولية (اميركا ومسرح الدمى التابع لها) والاقليمية (اسرائيل واحتياطاتها من الاستسلاميين العرب والفلسطينيين) والداخلية (الطابور الخامس واحتياطاته "الانعزالية" و"الاسلامية!" اللبنانية)، فإن الدولة اللبنانية عامة، والجيش اللبناني خاصة، غير قادرة على المواجهة بقواها الخاصة. فلبنان ليس الصين ولا روسيا. والقيادات الوطنية اللبنانية ذاتها هي قيادات طائفية وبورجوازية محدودة الافق و"مصلحية" ومتذبذبة، وليست قيادة فيتنامية او غيفارية او كاستروية.
13 ـ ان أي احتمال لضرب لبنان الوطني من الداخل او الخارج، سيؤدي الى عزل واضعاف سوريا ويشكل تهديدا مباشرا لامنها الداخلي والخارجي. واحتمالات العدوان على سوريا هي من ضمن سيناريو الهجمة الاميركية على المنطقة. وبطبيعة الحال ان الاميركيين سيلجأون، ايضا، الى الشعارات الكاذبة، كما فعلوا في العراق، من اجل تبرير اي عدوان، وعلى رأس تلك الشعارات "محاربة الارهاب والدكتاتورية" و"نشر الدمقراطية"، والمتاجرة، على طريقة قميص عثمان، بدم الشهيد رفيق الحريري، الذي يتحمل النظام السوري ولا شك مسؤوليته في جريمة اغتياله، التي يبدو ـ كما تدل الدلائل بمزيد من الوضوح يوما عن يوم ـ انها كانت جريمة مركـّبة، اميركية بامتياز، الدور الامني السوري ـ اللبناني فيها لا يتعدى دور الكومبارس التنفيذي.
14 ـ ان كل الضجة الاميركية ضد النظام الدكتاتوري في سورية، على غرار ما جرى في العراق، ليست سوى ذريعة لاسقاط سوريا كبلد في قبضة الاحتلال الاميركي ـ الاسرائيلي، مباشرة او غير مباشرة. ومثل هذا الاحتمال سيمثل كارثة حقيقية على لبنان الوطني العربي، الذي سيكون حينذاك لقمة سائغة لاسرائيل وطابورها الخامس في لبنان، الجاهز للتكشير عن انيابه من جديد والشروع في حمامات الدم الطائفية والحزبية مثل وبابشع مما يجري الان على الارض العراقية. والاطراف الوطنية والاسلامية الشريفة، ولا سيما تلك التي تتحمل "المسؤولية" التاريخية عن انطلاق المقاومة، ستكون في رأس اهداف سكاكين الجزارين. واي طرف من هذه الاطراف، في صفوف ما يسمى "المعارضة" او "الموالاة" يعتقد انه بمنأى عن الخطر سيكون ضحية "وهم قاتل".
15 ـ الان، وتحت الشعارات الكاذبة حول "الوطنية اللبنانية" و"السيادة اللبنانية"، تتصاعد الاصوات المشبوهة التي تتمحور حول ثلاثة مفاصل:
الاول ـ استغلال التناقض المشروع مع النظام الدكتاتوري السوري، بهدف إنهاء العلاقة المميزة مع سوريا، التي هي علاقة قومية، تاريخية وجغرافية، وقصر تلك العلاقة على "حسن الجوار" كما بين اي دولتين اجنبيتين متجاورتين.
الثاني ـ استغلال حالة التسيب السابقة، وخاصة التحاق بعض الفصائل الفلسطينية بالمخابرات السورية، من جهة، والانحراف "الاوسلوي" للقيادة الفتحاوية الفلسطينية، من جهة ثانية، لاجل خنق روح المقاومة لدى جماهير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ونزع الطابع الوطني والقومي المشروع عن قضيتهم، والهيمنة العسكرية والامنية والسياسية على المخيمات، وقصر وجود اللاجئين على الجانب الانساني فقط، الذي لن يعط هو ايضا حقه.
والثالث ـ إلزام المقاومة، بشخص "حزب الله" حاليا، وبشخص اي طرف وطني لبناني يمكن له ان يحمل راية المقاومة، بالقبول باتفاقية الهدنة مع اسرائيل، ومنع اي "اعتداء" عليها، على غرار كافة الجيوش النظامية لدول الطوق، بما فيها بالاخص سوريا التي يحمي جيشها، عمليا، الحدود مع اسرائيل، بالمعنيين، اي انه يقف ـ ولو نظريا ـ بالمرصاد لاي عدوان اسرائيلي جديد، الا انه في الوقت نفسه يمنع اي "اعتداء" على الجيش الاسرائيلي الذي يحتل ارض سورية وفلسطينية وعربية بشكل عام. اي ان المطلوب تحويل المقاومة ذاتها الى "حرس حدود" لاسرائيل، مقابل عدم اعتبارها "ميليشيا" وعدم نزع سلاحها.
ان هذه الاصوات تكشف عن العداء السافر لسوريا، كبلد وكشعب عربي، وللقضية الفلسطينية، وللقضية الوطنية اللبنانية، ان من موقع العمالة المباشرة لاسرائيل، او من موقع الانعزالية المريضة، المسيحية والاسلامية، التي تصب مباشرة في خدمة اميركا واسرائيل.
واصحاب هذه الاصوات وتلك يعمدون، لتعزيز مواقفهم، الى التلويح بالاخطاء والتجاوزات وحالة التسيب التي رافقت الوجود السوري، ووجود المقاومة الفلسطينية، سابقا، في لبنان. الا ان الضرورة الحتمية للتصدي للانحرافات ليست ابدا مرادفا لفك الارتباط القومي للبنان، بل ان العكس هو الاصح.
والغاية الوحيدة لهذه الاصوات هي:
ـ عزل لبنان وابقاؤه وحيدا منفردا ضعيفا، ولقمة سائغة للاحتواء على يد اسرائيل وحلفائها الستراتيجيين.
ـ الاسهام في تصفية القضية الفلسطينية.
ـ عزل وضرب سوريا، بحجة تغيير النظام الدكتاتوري واشاعة الدمقراطية.
ولبنان اليوم، وخصوصا في ظروف مفاوضات واحتمالات "السلام!" الوهمي، ومخاطر العدوان الحقيقي، هو بأمس الحاجة، اكثر من أي وقت مضى، الى الدعم الدولي والاقليمي، ليس سياسيا واقتصاديا وانسانيا وحسب، بل وبالاخص عسكريا. ويأتي التعاون العسكري مع سوريا في رأس قائمة هذه الضرورة.
XXX
ـ في ايار 2000، وبتحرير ارضه من الاحتلال الاسرائيلي، حقق لبنان انتصارا وطنيا تاريخيا، يعادل وربما يفوق في الاهمية اعلان الاستقلال، فالجلاء الفرنسي، في 43 ـ 1946. ذلك ان هذا الانتصار قد تحقق، بعكس التيار، في ظروف اختلال التوازن الدولي بانهيار المنظومة الاشتراكية وتفوّق الجبهة المعادية الاميركية ـ الصهيونية، وتقهقر وضعف التضامن العربي عامة، وحركة التحرر الوطني العربية خاصة، وفي ظل مسارات المفاوضات المخزية، الهادفة الى وهم "السلام العادل والشامل!" مع اسرائيل، واخيرا لا آخر في ظل السلبيات والمساوئ الشديدة لوجود النظام الدكتاتوري السوري في لبنان.
ـ وفي نيسان 2005، وبنتيجة ردود الفعل المشروعة ضد جريمة اغتيال رفيق الحريري، التي فجرت النقمة الشعبية المتراكمة ضد التسلط الامني ـ المافيوي السوري مدة 30 سنة، سقط كبناء من كرتون التسلط السوري المخزي على لبنان، واضطر النظام الدكتاتوري السوري الى الاذعان للضغوط الداخلية والاقليمية والدولية وسحب قواته ومخابراته من لبنان.
وبهذين الحدثين الكبيرين (الانسحاب الاسرائيلي، فالسوري، من لبنان) المتعارضين ظاهريا والمرتبطين عضويا، وُضع لبنان، بمختلف فئاته السياسية والطائفية، وربما لاول مرة في تاريخه الحديث، امام معادلة "السيادة" وتقرير المصير الوطني المستقل، المرتبط بصورة لا انفصال فيها بالصراع العربي ـ الاسرائيلي ودور لبنان في هذا الصراع، وبطبيعة وحقوق وموجبات الانتماء العربي للبنان.
واذا كان "اتفاق الطائف"، الذي اسدل الستار على مأساة "الحرب اللبنانية"، قد تم في السعودية، وبمشاركة وضغوط واملاءات عربية ودولية مباشرة، تمحورت خلاصتها حول مقايضة "السلام الاهلي" اللبناني مقابل تسليم لبنان مكرها للهيمنة السورية البشعة، فإن "الحوار الوطني" الحالي، الذي يجري الان على الارض اللبنانية، وتحديدا في مجلس النواب اللبناني، انما يتم بين الاطراف اللبنانية ذاتها، الموالية والمعارضة للنظام السوري و"ذيوله" اللبنانية، بدون اي وصاية مباشرة على لبنان، بحيث يظهر ان مصير لبنان يتوقف الآن ليس على اية املاءات خارجية مباشرة، بل على اتفاق او عدم اتفاق الاطراف اللبنانية المعنية ذاتها، مهما كانت التدخلات و"الوساطات" والضغوط العربية والدولية. وفي هذا "الحوار الوطني" فإن اطرافا "لبنانية"، مثل جعجع والجميل وعون، ليست سوى "لبنانية" بالاسم، اما عمليا فهي ليست سوى "ادوات بلدية" لتوصيل ونقل وتنفيذ الضغوط والاملاءات والمؤامرات الغربية والصهيونية ولـ"توريط" الاطراف الوطنية الاخرى باسم "الوفاق" و"السيادة" و"الحرية" و"الاستقلال". ولكن وجود "حزب الله" من جهة، وورثة الحركة الوطنية السابقة من جهة ثانية، في صميم هذا "الحوار"، يشكل احدى اكبر الضمانات للوقوف بوجه المؤامرات الخارجية ولتحقيق الخيار الوطني العربي المستقل للبنان.
وعلينا التذكير هنا، لمن "سكروا" بنشوة "التحرير" بوجهيه، انه بالرغم من الانسحاب الاسرائيلي، ومن ثم الانسحاب السوري العسكري ـ المخابراتي المكشوف، فمن السذاجة، اولا، الاعتقاد ان اسرائيل قد "سحبت يدها" نهائيا من "المسألة اللبنانية"، ولم يبق عالقا بينها وبين لبنان (وسوريا "اللبنانية"!) سوى قضية احتلال وهوية مزارع شبعا. كما من السذاجة، ثانيا، الاعتقاد ان النظام الدكتاتوري السوري قد استسلم بسهولة لهزيمته في لبنان. ومن السذاجة اكثر من اي شيء آخر، ان يستبعد احد احتمالات "صفقة اميركية/اسرائيلية ـ سورية" جديدة على حساب الخيارات الوطنية العربية للبنان.
ومع ذلك فاننا نرى للاسف كيف ان القوى الوطنية اليسارية والاسلامية، تنسى هذه الحقائق وتضيع في خلافاتها "السلطوية"، وتغرق في تفاصيل الخلافات الالهائية المصطنعة حول "لبنانية او لالبنانية مزارع شبعا"، "ميليشياوية او لاميليشياوية حزب الله"، شرعية او لاشرعية استمرار المقاومة. وهي كلها "خلافات" تحيد عن جوهر التناقض الرئيسي في المنطقة، ونعني به التناقض مع اسرائيل، والتناقض الاساسي المتمثل بالتناقض بين الامبريالية الاميركية والامة العربية، ومن ضمنها لبنان.
واذا كانت القوى الوطنية، اليسارية والاسلامية، وبالاخص حزب كمال جنبلاط و"حزب الله"، تسمح لنفسها بهذا "الترف" الخلافي فيما بينها، مستقوية ضد بعضها البعض، بعضها بالجعاجعة، وبعضها الاخر بالعواونة، فإنها جميعا، ومعها القضية الوطنية والقومية، ستدفع الثمن غاليا، وستندم أيما ندم حينما لا ينفع الندم، اذا استمرت على هذا المنوال من الخلافات العبثية.
XXX
تجاه هذه الاوضاع المعقدة، ولا سيما تجاه الاخطار القائمة، فإن القوى الوطنية اللبنانية، ولا سيما التقدمية واليسارية والاسلامية، هي مدعوة، من ضمن اطار "الحوار الوطني" و"الوفاق الطائفي"، لعدم انتظار المبادرات "الدولية" و"العربية" (من "القمة" او غيرها) و"السورية" و"الفلسطينية"، بل ان تأخذ هي نفسها زمام المبادرة لتوحيد صفوفها ووضع خطة انقاذ وطنية وقومية. ويأتي في رأس المهمات التي تتطلبها مثل هذه الخطة:
1 ـ رأب الصدع المؤسف، بل المخجل، بين القوى الوطنية، اليسارية والاسلامية، ذاتها. فمن المعيب، بل والكارثي في الحساب الاخير، ان يتفق وليد جنبلاط مع سمير جعجع، ويتفق حسن نصرالله مع ميشال عون، في حين يدب الخلاف بين وليد جنبلاط وحسن نصرالله. واذا كان للبنان "مصلحة وطنية" ـ نشكك بها وبأهدافها! ـ في الاتفاق مع جعجع وعون، وغيرهما من الاعداء السابقين والحاليين للقوى الوطنية، الذين جعلوا انفسهم، سابقا او حاليا، مطايا لاسرائيل واميركا، فإن أساس "المصلحة الوطنية" للبنان هي اتفاق وتوحيد صفوف القوى الوطنية الحقيقية ذاتها. وتصبح اكثر إلحاحا يوما عن يوم مسألة إحياء الحركة الوطنية اللبنانية، التي سبق واسسها كمال جنبلاط وان تضم اول ما تضم "حزب الله" وحلفاءه الشيعة. وان تأسيس مثل هذه "الحركة الوطنية" الجبهوية التي تضم العلمانيين والدينيين، المسلمين والمسيحيين، الشيوعيين واليساريين والاسلاميين، سيكون لها الكلمة الاولى في رسم مصير لبنان، وستقدم مثالا نموذجيا مفقودا في العالم العربي والاسلامي بأسره.
2 ـ إلغاء احتكار "حزب الله" للمقاومة الوطنية ضد اسرائيل. فبدون اي تشكيك بـ"وطنية" حزب الله، كتوجه؛ الا انه لا يمكن ان ننكر ان اقتصار "المقاومة" على "حزب الله" هو، من وجهة النظر الحزبية والطائفية، قصر للمقاومة على حزب واحد هو بدوره جزء من طائفة واحدة. وبذلك فإذا كان "حزب الله" يمثل كل اللبنانيين الوطنيين، كتوجه وطني للمقاومة، فإنه بنيويا لا يمثل سوى فئة حزبية واحدة هي جزء من طائفة واحدة، ليست بدورها كل لبنان او كل اللبنانيين الوطنيين. وهذا الوضع الطائفي الخاص لحزب الله يثير الشكوك باحتمالات حرف سلاحه في الاتجاه غير الصحيح، لا سيما في بلد كلبنان، تتآكله الطائفية وعرضة لجميع انواع المؤامرات الداخلية والخارجية. فعلى "حزب الله" اولا، وعلى حزب كمال جنبلاط، ثانيا، الذي انطلقت من بيته "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" قبل ظهور "حزب الله"، وعلى الشيوعيين، والقوميين العرب، والقوميين السوريين، والبعثيين الشرفاء (لا ندري اذا كان لا يزال يوجد بعثيون غير عملاء للمخابرات المنحطة) وغيرهم من الوطنيين، وبدلا من التلهي القاتل والمخجل بموضوعة "نزع او عدم نزع سلاح حزب الله"، عليهم جميعا البحث في السبل الآيلة الى "تأطين" او "تأميم" او "تعميم" المقاومة، بجيث تشارك فيها جميع القوى الوطنية اللبنانية من جميع الانتماءات الحزبية والطائفية، لتحويل لبنان كله الى "بلد مقاوم"، ونشر "الحرس الشعبي" في كل مدينة وبلدة وقرية ومصنع ومدرسة ومؤسسة، للدفاع عن لبنان ضد اي عدوان اسرائيلي او اميركي محتمل. اما التنظيمات السرية الهجومية للمقاومة، فيتم الاتفاق بشأنها بين القيادات السياسية الرئيسية، ويترك الجانب العسكري الصرف للمختصين. وفي هذا الصدد نشير انه اذا فعل لبنان ذلك فإنه لا يأتي بجديد، بل انه لا يفعل سوى ان يقلد، ولاول مرة، اسرائيل ذاتها. فدولة اسرائيل التي قامت اساسا على اكتاف اليهود الاوروبيين، الذين جاء قسم كبير منهم من صفوف المقاومة الاوروبية ضد هتلر، قد عممت، وهي الغاصبة، "ثقافة المقاومة". فكل قادر على حمل السلاح في اسرائيل يذهب سنويا للتدريب عدة اسابيع غير محسومة الاجر في مكان عمله، و"الاحتياط" الاسرائيلي، الذي يتم استنفاره عند الضرورة في مدى بضعة ايام فقط يعد بمئات الالوف. اي ان اي هجوم عربي محتمل ضد اسرائيل، سيواجه ليس فقط الجيش الاسرائيلي القوي، بل وسيواجه شعبا مسلحا عن بكرة ابيه. فإذا كنا "نضمن" ان لبنان لن يعتدي على اسرائيل؛ فمن هو الوطني او العاقل الذي "يضمن" ان اسرائيل لن تعتدي ايضا وايضا على لبنان، ولن تحاول الدخول الى بيروت ذاتها مرة اخرى، مهما انبطح "اللبنانيون" و"العرب" امام جورج بوش وزحفوا على بطونهم من اجل "سلام!" لن يأتي؟!!
3 ـ آن الاوان للخروج من المقاربة الخاطئة والمخجلة والانتحارية من موضوع الوجود الفلسطيني والسلاح الفلسطيني في لبنان، وهي المقاربة التي انجر اليها الوطنيون انفسهم، مع الاختلاف التاكتيكي فيما بينهم، من جنبلاط الى "حزب الله" وغيرهما. حيث تتم هذه المقاربة على اساس الطرح "الانعزالي" "الطابور خامسي" ليس الا، ويجري الحديث عن منع السلاح الفلسيطيني خارج المخيمات وضبطه داخلها، ووضع المخيمات تحت السيادة اللبنانية، كأنما هناك تعارض بين الاثنين. ان هذه المقاربة تنطلق من اساس خاطئ هو اعتبار اللاجئين الفلسطينيين عنصرا طارئا غريبا وضيفا ثقيلا على الارض اللبنانية. واذا عدنا الى الماضي غير البعيد، وتحديدا الى ما قبل الحرب اللبنانية، نجد ان كمال جنبلاط يكتب عن المخيمات الفلسطينية قائلا ان اللبنانيين لم يكونوا يدرون ما يجري فيها. وان الدولة اللبنانية كانت تعامل المخيمات كمعسكرات اعتقال لاعداء محتملين، وان رجال الدرك والمكتب الثاني كانوا يسيؤون معاملة الفلسطينيين بكل المقاييس، وكانت الامور تشمل ليس فقط كبت الحريات السياسية والنشاطات الثقافية والاجتماعية، بل وتصل الى حد الاهانات والاذلال والتعدي على الكرامات الشخصية والاعراض. وليس من الصدفة انه بعد انطلاق المقاومة الفلسطينية المسلحة، ولا سيما بعد هزيمة حزيران 1967، ترافق ذلك مع "انتفاض" المخيمات على الوضع المذل السابق، وكان من ابرز الشعارات التي رفعتها الجماهير الفلسطينية في نهاية الستينات "لا لمخافر الدرك في المخيمات". وللاسف ان هذه "الانتفاضة" على الاوضاع السابقة في المخيمات، تجسدت لاحقا في ما سمي "التجاوزات" الفلسطينية على السيادة اللبنانية، وذلك من باب قانون الفعل الاعمى ورد الفعل الاكثر عمى. ان كلمة القوى الوطنية اللبنانية، العلمانية والاسلامية، في السلطة، ولا سيما جنبلاط وحزب الله، هي اليوم غيرها في الخمسينات والستينات. فهل سنلجأ الى "العلاج!" المجرب القديم لـ"مشكلة" المخيمات الفلسطينية في لبنان؟ ابسط جواب على هذا التساؤل هو المثل الشعبي القديم: "من جرب المجرب كان عقله مخرب!". ان وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، كوجود اللاجئين او المهجرين اللبنانيين من الجنوب او من اي منطقة لبنانية الى اي منطقة لبنانية اخرى، بفعل الاحتلال الاسرائيلي او تداعيات الحرب اللبنانية، هو مشكلة انسانية، ولكنه ليس مشكلة امنية بحد ذاتها، الا اذا قاربنا نحن هذه المسألة بطريقة خاطئة تستعدي هؤلاء اللاجئين او المهجرين. و"ضبط" المخيمات الفلسطينية بأجهزة الامن اللبنانية الحالية، التي نعرف طبيعتها، لن يكون افضل بل سيكون اسوأ بكثير من "ضبط" المخيمات ايام بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب الخ. والذين يقدمون لنا هذه "الروشتة" انما يقدمون لنا وصفة سامة وقاتلة. والجماهير الفلسطينية اليوم ليست في وارد الاستسلام بسهولة نسبية، كما في الخمسسينات والستينات، لتسلط الدرك والمخابرات والقوى المسلحة اللبنانية، ايا كانت. واذا ـ لا سمح الله ـ بدأت المشاحنات وحدث اي انفجار لبناني ـ فلسطيني، فإن لبنان سيكون الخاسر الاول، لأن غالبية الدول العربية والاسلامية ستقف الى جانب الفلسطينيين، ليس حبا بقضيتهم، بل تملقا لهم من اجل الوصول الى اهداف تطويعهم "السلس" للمخططات الاميركية ـ الصهيونية الخبيثة. وبطبيعة الحال سيكون اول المهرولين لدعم الجانب الفلسطيني، بأمل العودة الى لبنان من خلاله، هو النظام الدكتاتوري السوري "ما غيرو"، الذي يقف الان بالمرصاد لاستغلال كل مصيبة تحل بلبنان. من هنا انه يتوجب على القوى الوطنية اللبنانية، بالدرجة الاولى، تغيير زاوية مقاربة "الموضوع الفلسطيني"، انطلاقا من النظر الى اللاجئين الفلسطينيين من زاوية كونهم، امنيا وعسكريا، لا مشكلة للبنان، بل احتياطا ودعما للبنان، ومشكلة لاعداء لبنان، وعلى رأسهم اميركا واسرائيل والنظام الدكتاتوري السوري. فبالرغم من كل السلبيات التي رافقت الى الان الوجود الفلسطيني في لبنان، فقد اثبت الفلسطينيون انهم يكنون للبنان حبا وتعاطفا كبيرين. وقد ترسخ هذا الشعور، بالاخص، بعد ظهور المقاومة الوطنية والاسلامية اللبنانية، وانتصارها على الجيش الاسرائيلي. من هنا يتوجب وضع خطة لـ"تعزيز" الوجود الفلسطيني في لبنان، انسانيا، واجتماعيا، وصحيا، واعلاميا، وثقافيا، الخ، واولا واخيرا عسكريا، نعم عسكريا، بحيث تتحول المخيمات الفلسطينية، واللاجئون الفلسطينيون في لبنان الى "قلعة صمود" حقيقية للبنان، بوجه اي طامع، ولا سيما بوجه العدوان الاسرائيلي المحتمل. انه لمن المخجل ان يتم تحويل المخيمات الفلسطينية الى زرائب لمجموعات بشرية ضعيفة يمكن ان تفتك بها بعض قطعان الذئاب (كما جرى في مجزرة صبرا وشاتيلا، التي نفذتها مجموعة من القتلة الساديين المتخرجين من المدرسة المنحرفة، المسماة "الكتائب اللبنانية"، التي اسسها غير المغفور له بيار الجميل، وهي المدرسة التي لا زالت موجودة وتبيض وتفرخ حتى اليوم، واصبحت اكثر خطرا، اذ انها تكتسب الشرعية اكثر فإكثر، بالحصول على اعتراف القوى الوطنية ذاتها بها والتعاون والتحالف معها). وبدلا من ذلك يجب ان يتم تسليح المخيمات الفلسطينية، بالتنسيق بين المنظمات الفلسطينية، من جهة، والمقاومة والقوى الوطنية اللبنانية، من جهة ثانية، والجيش اللبناني، من جهة ثالثة. ويجب العمل على انشاء وحدات لـ"جيش التحرير الفلسطيني" النظامي ونشره على الحدود اللبنانية بمعية الجيش اللبناني. وكذلك العمل على تنظيم التنسيق بين المقاومة الفلسطينية والمقاومة الوطنية اللبنانية، لمواجهة اسرائيل في حالتي الدفاع والهجوم على السواء.
4 ـ بعد التجربة المريرة للوصاية السورية على لبنان وما رافقها من موبقات وجرائم كبرى، بدأت باغتيال كمال جنبلاط وتغييب الامام موسى الصدر ولم تنته باغتيال الرئيس رفيق الحريري (ولا نتهم النظام السوري وحده بذلك)، اصبح هناك الكثير مما يفرق بين لبنان وسوريا، ان على صعيد التوجهات السياسية للكتل الشعبية اللبنانية، او على صعيد العلاقات الرسمية ذاتها بين الدولتين. ولكن هناك وقائع وحقائق تاريخية، في العلاقات بين البلدين، تتجاوز العواطف والميول والاتجاهات السياسية، كما تتجاوز الموقف من هذا النظام او ذاك. ومن هذه الوقائع والحقائق:
أ ـ ان النظام السوري الحالي هو نظام موروث، مستمر منذ اكثر من اربعة عقود. ومن الوهم الاعتقاد انه سيتغير بين ليلة وضحاها، بفعل قوى المعارضة الداخلية، التي اثبتت طوال هذه العقود الطويلة سطحيتها وانتهازيتها ولاوطنيتها ولاقوميتها الحقيقية. وتجلت طبيعة هذه المعارضة، في انها وقفت طوال سنين حالكة "تتفرج" على لبنان وهو يذبح من الوريد الى الوريد، ولم تحرك ـ سوى الطائفية والجعجعة بلا طحن ـ ساكنا ضد النظام الذي تدعي معارضته. وباستثناء بعض التنظيمات اليسارية الكردية التي ارسلت عددا من المتطوعين للقتال الى جانب القوى الوطنية اللبنانية ضد اسرائيل وطابورها الخامس، فإن المعارضة الانتهازية السورية لم تكلف نفسها مشقة تسيير مظاهرة احتجاج واحدة تضامنا مع الشعب اللبناني، في دمشق او حلب او القرداحة. كما تجلت طبيعة هذه المعارضة في ترك الاحتلال الاسرائيلي يعلن ضم الجولان الى اسرائيل ويباشر بمنح الجنسية لمن يرضاها من سكانه العرب الاصليين، ولم تقم تلك المعارضة حتى اليوم برشق هذا الاحتلال الغاشم ولو بحجر واحد. وندع جانبا لواء اسكندرون الذي اصبح، من قبل السلطة والمعارضة معا في سوريا، نسيا منسيا. ومن الوهم اكثر الاعتقاد ان النظام السوري سيتغير بقوة الضغوط الخارجية، او بعملية جراحية خارجية، خاصة اميركية. فالنظام الدكتاتوري السوري دأب على خدمة المخططات الاميركية: في الخليج؛ وفي قبول المفاوضات مع اسرائيل؛ وخصوصا في لبنان؛ والا لما نال هذا النظام التفويض الاميركي بدخول لبنان في 1976، ثم تفويضه مرة ثانية بالوصاية على لبنان بعد اتفاق الطائف في 1989. والضغط الاميركي على النظام السوري لم يكن ولن يكون باتجاه تغييره، بل باتجاه "شد عزائمه" مقابل الضغوط الإحراجية الاخرى، التي تمثلها موضوعيا المقاومة الوطنية والاسلامية التي انتصرت على اسرائيل في لبنان، والانتفاضة الفلسطينية التي تجسدت اخيرا في الفوز الانتخابي لحماس، واشتداد اوار المقاومة السياسية والمسلحة للاحتلال الاميركي للعراق. والنظام الدكتاتوري السوري هو في رأس قائمة ادوات التآمر الاميركي على المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، وعلى الحركة القومية الكردية، وعلى الحركة التقدمية والدمقراطية في تركيا. ويبدو من طبيعة بعض تلاوين او صيغ المعارضات لهذا النظام، مثل جماعة ما يسمى "اعلان دمشق"، او جماعة رفعت الاسد، او جبهة خدام ـ البيانوني، او جماعة الغادري، ان التغيير المرتقب في سوريا، وبمباركة اميركية، لن يكون اكثر من عملية تجميل صورية في النظام ذاته، او تغييرا نحو الاسوأ. ولذلك فإنه من الحكمة، بالنسبة للقوى الوطنية، كما وبالنسبة للسلطة، اللبنانية، التعامل مع النظام الدكتاتوري السوري وكأنه موجود طويلا، حتى ولو "تغير" غدا.
ب ـ ان لبنان هو الدولة العربية الوحيدة التي حقق شعبها، عبر المقاومة الباسلة وتضحياتها الغالية، اول نصر، هو النصر العربي اليتيم الى الان على اسرائيل، باجبارها على الانسحاب من الاراضي اللبنانية المحتلة بدون قيد ولا شرط. وكي لا نغش انفسنا، فليس هذا النصر، من حيث الحجم العسكري والوزن الستراتيجي، بالقوة والمدى اللذين يجعلان اسرائيل مهددة بالانهيار طبقا للقاعدة التي تقول ان العرب يمكنهم احتمال الهزائم على يد اسرائيل، اما اسرائيل فلا يمكنها احتمال هزيمة واحدة، لانه بها تكون نهايتها. ولكن في مقابل "تواضع" او "محدودية" الانتصار اللبناني على اسرائيل، فإن له اهمية ستراتيجية، معنوية وسياسية وعسكرية، غير محدودة ايضا. ذلك ان لبنان هو بلد صغير، وهو البلد العربي الاضعف بين ما كان يسمى دول المواجهة او دول الطوق العربية. ولا مجال للمقارنة بين قوة اسرائيل وقوة لبنان. وقد تم هذا النصر في اوضاع دولية واقليمية ومحلية، سلبية، بالنسبة الى لبنان. ومن هذه الاوضاع، على سبيل المثال لا الحصر، ان لبنان لم يكن قد شفي بعد من الجراح الغائرة للحرب الاهلية، وان المقاومة الفلسطينية كانت قد أخرجت بالقوة من لبنان واصبحت جماهير اللاجئين الفلسطينيين (بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، وتآمر النظام السوري لحماية الجزارين و"تعويمهم" سياسيا) في وضع مذعور وشبه مشلول، واخيرا لا آخر كان لبنان يرزح، الى جانب الاحتلال الاسرائيلي، تحت نير الوصاية السورية التي لم تكن تقل ثقلا وسوءا عن الاحتلال. ومع ذلك تحققت اعجوبة النصر، التي فاجأت الاصدقاء والاعداء معا. وبهذا النصر تم تحطيم اسطورة "الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر"، على يد اصغر واضعف اطراف المواجهة العربية. ونتجرأ على القول إن هذا النصر هو، بالمعنى التاريخي، بداية النهاية بالنسبة لاسرائيل، لأنه قدم المثال الواقعي المطلوب على ان اسرائيل يمكن ان تهزم، وليس بالضرورة على يد الجيوش الجرارة العربية، او الاسلامية، والاسلحة باهظة الثمن والمتطورة، الصاروخية او النووية، التي تملك اميركا (اي عمليا اسرائيل) الاقوى والافتك والاغلى والاكثر تطورا منها، بل على يد المقاومة الشعبية والجماهير الثائرة العربية، وهو ما لا تمتلكه لا اسرائيل ولا اميركا ولا الحلف الاطلسي كله. هل ستترك اسرائيل واميركا هذا النصر "يمر" ويتفاعل معنويا وسياسيا، واخيرا عسكريا، على الساحات العربية؟؟ اذا كان بعض العرب، وبعض اللبنانيين، يعتبرون ان 24 ـ 25 ايار 2000 قد اصبح من الماضي، وأنه قد آن الاوان لنزع سلاح المقاومة، والانصراف الى بناء لبنان السياحة والاصطياف ونوادي التسلية والمواخير والترانزيت والبنوك، في رؤيا مركنتيلية شيحاوية ـ حريرية لدور ومستقبل لبنان، فإن هذه النظرة ليست اكثر من وهم، وقد اثبت اغتيال رفيق الحريري نفسه (ايا كانت الاطراف المشتركة في الاغتيال) سرابية هذا الوهم. فإذا تجاوزنا هذا الوهم، فإنه من المؤكد ان اسرائيل واميركا تعدان العدة، بمختلف الاشكال التآمرية وبالعدوان المباشر حينما تجدان ذلك مناسبا، لـ"تأديب" لبنان، وتحويله الى "أمثولة" وجعله يدفع ثمنا غاليا جراء كسره احدى اهم المعادلات الستراتيجية في المنطقة، وهي معادلة "التفوق الاسرائيلي". وهذا يعني ببساطة ان لبنان هو مهدد بخطر العدوان والانتقام والاحتلال الاسرائيلي من جديد، في كل لحظة.
ج ـ انه لمن الخطأ الفادح المطابقة الميكانيكية بين النظام الدكتاتوري السوري وبين سوريا كبلد وكشعب. فإذا كان النظام السوري قد اثبت، في منعطفات عديدة، انه حليف ضمني لاميركا، فهذا لا يعني ان هذا النظام قادر على التطويع التام للشعب العربي السوري وتحويل سوريا الى محمية وقاعدة اميركية ـ صهيونية. وقد رأينا، والشيء بالشيء يذكر، كيف ان القيادة الفلسطينية الرسمية التي سارت في خط الاستسلام الاوسلوي قد فشلت في جر الشعب الفلسطيني الى صفها، وقد دفع عرفات حياته ثمنا لهذا الفشل. وكانت النتيجة انتصار حماس الكاسح في الانتخابات الاخيرة، كتعبير ملموس عن فشل الخط الاستسلامي الاوسلوي. وها ان القيادات السياسية والعسكرية الاسرائيلية تهدد بالاغتيالات وباجتياح الاراضي الفلسطينية المحاصرة، من جديد. والنظام السوري، الذي يدرك عجزه عن التطويع الكامل لسوريا، يلجأ الى الديماغوجية والى التظاهر بالممانعة حيال شروط الاستسلام الاميركية ـ الاسرائيلية. وهذا ما يجعل سوريا عرضة للضغوط الاميركية ـ الاسرائيلية المتواصلة لفرض الاستسلام غير المشروط على هذا النظام المأفون. ولا يمكن لاحد ان يستبعد الضربات العسكرية، وربما العدوان واسع النطاق ضد سوريا، من قبل اميركا او اسرائيل او كليهما معا، وبأشكال وحجج وذرائع مختلفة. وهذا يعني ان سوريا هي ايضا مهددة بالعدوان الاميركي والاسرائيلي، مثلها مثل لبنان.
د ـ كيفما نظرنا في عالم اليوم نجد مختلف الدول تتجه لتشكيل تحالفات، وبعضها عدواني كحلف الاطلسي، بدافع الضرورة لحماية الامن الوطني. وان الواقع الموضوعي يحتم على البلدين، لبنان وسوريا، ايجاد صيغ ملائمة للتعاون العسكري، بالرغم من جميع حساسيات وذيول المرحلة السابقة. والنظام السوري الذي، بالرغم من كل اكاذيبه وديماغوجيته، لا يريد فعلا تعزيز الجبهات العربية بوجه الهجمة الاميركية ومخاطر العدوان الاسرائيلي، لن يكون مبادرا لطرح اي صيغة واقعية للتعاون العسكري مع لبنان، بل على العكس فإنه من المرجح ان يستغل اي حجة، وان يفتعل ـ هو واذنابه من اللبنانيين ـ مختلف الحجج، كي يزيد شقة الخلاف بين البلدين كي يتهرب من واجبات المواجهة المشتركة للمخاطر الاميركية ـ الاسرائيلية. وهذا يعني انه، في الوقت الذي ينبغي على القوى الوطنية اللبنانية الواعية ان تتابع العمل بدأب لتطهير لبنان من اذناب الدكتاتورية السورية، فإنه ينبغي في الوقت نفسه "حشر" النظام الدكتاتوري السوري في الزاوية، بطرح المبادرات للتعاون العسكري على الارض بوجه مخاطر العدوان على سوريا ولبنان معا، وأن يشمل هذا التعاون الطرف الفلسطيني ايضا. وتبرز، على هذا الصعيد، عدة ضرورات اهمها:
الاولى ـ إيجاد قواعد انذار مبكر (رادارات وما اشبه) جوية وبرية وبحرية، في الجبال اللبنانية العالية، وعلى طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وعلى امتداد الشواطئ اللبنانية. على ان تكون تلك القواعد عسكرية ـ تقنية صرف، ومشتركة، وبقيادة لبنانية.
الثانية ـ التأهيل العسكري لـ"حزام امني" للبنان، من جبل الشيخ الى البحر، وبعمق 40 ـ 50 كلم، تحشد فيه كافة انواع الاسلحة البرية، الدفاعية والهجومية، ومن الجيوش المتآخية الثلاثة: اللبناني والسوري والفلسطيني. على ان تكون القيادة العليا في لبنان لبنانية، تطبيقا لمبدأ السيادة. وأن يكون هذا الحشد مهيأ، من جهة، للدفاع المستميت عن الارض اللبنانية، بالتنسيق مع "القوات الشعبية" المتطوعة من ابناء المناطق المعنية ومن ابناء المخيمات الفلسطينية. ومن جهة ثانية، للهجوم على الاراضي الفلسطينية المحتلة (شمال اسرائيل) التي تعتبر، بكل المقاييس العسكرية والسياسية، "الخاصرة الرخوة" لاسرائيل.
الثالثة ـ قبل 5 حزيران 1967، كان الجيش السوري المتمركز في مرتفعات الجولان يتمتع بميزة ستراتيجية هامة، هي الاشراف المباشر على سهل الحولة، بكل ما فيه من قواعد عسكرية ومناطق صناعية وزراعية وبنى تحتية وتجمعات سكانية هي الاكبر والاهم في اسرائيل. ولكنه في حرب الستة ايام لم يجر استغلال هذا الامتياز الستراتيجي، لدك تلك المواقع، بل ـ بالعكس ـ جرى تسليم مرتفعات الجولان بدون قتال. والان توجد حالة خاصة للحدود اللبنانية ـ "الاسرائيلية" هي ان المناطق على جانبي الحدود هي مأهولة بكثافة. ولكن الفارق الجوهري بين الجانبين، هو ان الجانب الاسرائيلي هو مهيأ بكثافة دفاعيا وهجوميا على السواء. وفي الاجتياح الاسرائيلي للبنان في حزيران 1982، وقع على الجانب اللبناني اكثر من 25 الف قتيل خلال بضعة ايام (من تصريحات لعميد الكتلة الوطنية المرحوم ريمون اده). اثناء الاحتلال الاسرائيلي، وبعد ايار 2000 اثناء "الوجود" السوري، لم يكن بالامكان طرح مسألة تجهيز الحدود اللبنانية عسكريا، لأن القرار الستراتيجي كان في يد القيادة السورية، التي سبق وسلمت الجولان، والتي لا تريد مواجهة حقيقية مع اسرائيل، والتي تزحف على بطنها نحو وهم "السلام العادل والشامل!". الان الوضع يختلف. ولبنان "المستقل" ملزم بأن يتهيأ عسكريا الى اقصى حدود التهيئة. وكي يحمي لبنان نفسه عليه ان يستغل حاجة "اسرائيل" الى ضمان امن "حدودها" الشمالية والمناطق المأهولة فيها، بالعمل على خلق "ميزان رعب" بين الطرفين. ولهذه الغاية على الدولة اللبنانية، ومن ضمن خطة ايجاد "حزام امني" للبنان، العمل على نشر شبكة صواريخ ومدفعية من كل العيارات والمديات، في عمق 15ـ 20 كلم من الحدود، لاجل الرد المرن والتصاعدي ضد اي عدوان اسرائيلي، وفي حال هجوم اسرائيلي واسع النطاق كما جرى في تشرين 1978 او في حزيران 1982، ان "تفتح ابواب جهنم" على شمال اسرائيل. ان تحقيق هذه الخطة، التي تعطي ميزة استراتيجية للبنان وللجانب العربي، ينبغي ان تتم بالدرجة الاولى بالتنسيق والتعاون بين الجيوش المتآخية، اللبناني والفلسطيني والسوري، وبينها وبين المقاومة اللبنانية والفلسطينية التي يمكنها تحضير مجموعات فدائية جاهزة لاقتحام الحدود ومهاجمة المواقع "الاسرائيلية" خلفها.
الرابعة ـ نشر الاسلحة الجوية والمتطورة (طيران، صوارخ، غواصات) التي يمتلكها البلدان في الاماكن المناسبة على الارض اللبنانية، من اجل الاشتباك الفعال مع العدو، على ان تكون القيادة لبنانية على الارض اللبنانية.
هـ ـ من اهم القضايا التي يتوجب على القوى الوطنية، اليسارية والاسلامية، مواجهتها، انطلاقا من المبدأ القومي، هي قضية احتلال الجولان، وترك المحتلين الاسرائيليين يضمون "قانونيا" هذه الارض العربية المغتصبة الى "اسرائيل"، وينعمون بـ"السلام" التام فيها. ان تمسك النظام الدكتاتوري السوري بـ"سورية" الجولان المحتل، لمنع أي مقاومة شعبية "سورية" او "عربية" ضد هذا الاحتلال، يكشف "لاوطنية" هذا النظام، كما يكشف اكاذيبه "القومية" التي اجتاح بموجبها لبنان وهيمن عليه مدة 30 سنة، لمصلحة الاوباش والمافيات والعصابات، كما لمصلحة اميركا واسرائيل. كما ان استمرار احتلال الجولان كل هذه المدة، بدون اي مقاومة، يكشف عجز و"لاوطنية" و"لاقومية" الاطراف المعروفة للمعارضات السورية. واستمرار هذا الاحتلال، بدون اي "إزعاج خاطر" يشكل خطرا قوميا على لبنان، وعلى الشعب الفلسطيني، كما على الامة العربية بأسرها، اولا، لانتزاعه ارضا عربية، وتهديده لعاصمة عربية رئيسية هي دمشق، وثانيا لانه يسهم في نشر روح الاستسلام والتخاذل، وثالثا لانه يضفي "شرعية" الامر الواقع على الاحتلال، ورابعا لانه يشجع اسرائيل على السير بعناد في سياسة العدوان والتوسع وعلى احتلال المزيد من الاراضي العربية. ولولا الهدوء الذي تنعم به اسرائيل في الجولان، لما كانت تتجرأ على شن السياسة العدوانية الوحشية التي تمارسها يوميا ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، ولما تجرأت على احتلال الاراضي اللبنانية واقتحام مدينة بيروت العظيمة ذاتها. من هنا انه يتوجب على القوى الوطنية، اليسارية والاسلامية، اللبنانية، ولا سيما تلك التي قامت على اكتافها المقاومة الوطنية والاسلامية، ان تبادر الى تحريك مسألة بدء مقاومة الاحتلال الاسرائيلي للجولان. وبطبيعة الحال يجب اولا العمل لاشراك القوى الوطنية السورية، الموالية والمعارضة للنظام. لقد كان حزب البعث فيما مضى جزءا لا يتجزأ من المقاومة الشعبية المسلحة ضد اسرائيل، وقد قدم الشهداء في هذا السبيل. ولكن الدكتاتورية الاسدية والصدامية حرفت البعث عن هذا الطريق الصحيح ووجهته في اتجاهات الهيمنة السلطوية والمخابراتية والتعاون مع المخططات الاميركية. والامين القطري السابق لحزب البعث (السوري) الرفيق عاصم قانصو لا يني يتفاخر بأن حزب البعث سبق له ان نظم 115 عملية فدائية ضد الاحتلال الاسرائيلي للارض اللبنانية. كما انه يتمسك بشدة، ونحن معه، بورقة "لبنانية" مزارع شبعا من اجل استمرار المقاومة ضد اسرائيل. فإذا كانت لبنانية مزارع شبعا تبرر للبنانيين مقاومة اسرائيل، افلا يبرر احتلال الجولان للسوريين مقاومة اسرائيل ايضا، وأفلا يبرر احتلال القدس وحيفا ويافا الخ للفلسطينيين مقاومة اسرائيل. ومن زاوية النظر القومية، اليست مزارع شبعا والجولان والقدس اراضي عربية تبرر لجميع العرب مقاومة اسرائيل؟؟ وهل ينبغي ان ننتظر من النظام السوري المتآمر، او من المعارضة السورية المتخاذلة والمشبوهة ان تحرك موضوع المقاومة في الجولان؟ ردا على مسألة حصر المقاومة بلبنان، دعا وليد جنبلاط الى فتح كل الحدود للمقاومة. وهذه الدعوة لا ينبغي ان تكون استجداء من المتآمرين والمتخاذلين، بل ينبغي للمقاومة اللبنانية والفلسطينية القائمة، وهذا حقها وواجبها في آن معا، ان تباشر هي نفسها الى فتح الحدود للمقاومة، ولا سيما في الجولان المحتل، والى "توريط" المعارضة والنظام السوريين بذلك. واذا كان "حزب الله" بالاخص، ونحن معه، حريصا على العلاقات المميزة مع سوريا، فإن هذا الحرص ينبغي ان يترجم ليس فقط بالدفاع عن كرسي اميل لحود او كرسي بشار الاسد، بل ان يترجم، اولا، بتوسيع نطاق عمل المقاومة قليلا خلف مزارع شبعا، وفتح الطريق لتدشين "المقاومة العربية والاسلامية" لاحتلال الجولان. وهذا من شأنه قلب كل الميزان الستراتيجي في المنطقة عموما وفي الصراع العربي ـ الاسرائيلي خصوصا. فهل يثبت حزب الله "عروبته" و"اسلاميته" الحقيقية، بعد ان اثبت وطنيته اللبنانية، ويخطو هذه الخطوة الحاسمة بالشروع في مقاومة احتلال الجولان؟!!



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأكراد شعبنا الثاني
- الصفقة الاميركية السورية الجديدة: اعادة انتاج -سايكس بيكو- ...
- الانقلاب الكياني في التركيبة اللبنانية
- من هم المرتدون الذين سيحاكمون لينين؟ كريم مروة واصحابه نموذج ...
- النظام الدولي المختل والدور التاريخي العتيد للمثلث الشرقي ال ...
- رد الى صديق كردي
- المحكمة الدولية ضرورة وطنية لبنانية وضمانة اولا لحزب الله
- المخاطر الحقيقية للوصاية على لبنان والمسؤولية الوطنية الاساس ...
- حزب الله: الهدف الاخير للخطة -الشيطانية- لتدمير لبنان
- ؛؛الوفاق الوطني؛؛ اللبناني ... الى أين؟؟
- ماذا يراد من لبنان الجديد في الشرق الاوسط الكبير الاميرك ...
- -الفأر الميت- للمعارضة السورية
- العالم العربي والاسلامي ودعوة ديميتروف لاقامة الجبهة الموحدة ...
- هل تنجح خطة فرض تركيا وصيا اميركيا على البلاد العربية انطلاق ...
- الحرب الباردة مستمرة بأشكال جديدة بين -الامبراطورية- الروسية ...
- حرب الافيون العالمية الاولى في القرن 21: محاولة السيطرة على ...
- هل يجري تحضير لبنان لحكم دكتاتوري -منقذ!-؟
- أسئلة عبثية في مسرح اللامعقول
- الجنبلاطية والحزب التقدمي الاشتراكي
- وليد جنبلاط: الرقم الاصعب في المعادلة اللبنانية الصعبة


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - جورج حداد - بعد تجربة الاحتلال الاسرائيلي والهيمنة السورية: القوى الوطنية، اليسارية والاسلامية، اللبنانية امام تحديات المرحلة -الاستقلالية- الجديدة