أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - جزيرة مهجورة














المزيد.....

جزيرة مهجورة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6028 - 2018 / 10 / 19 - 18:23
المحور: الادب والفن
    


كوخ أسرته، كان على مبعدة بضعة فراسخ من الشاطئ. وعليه كان أن يفيق باكراً يومياً، وفوق ذلك، أن يمضي لصيد الأسماك بمعدة شبه خاوية. في واقع الحال، لم يرث عن أبيه الراحل سوى صنارته وشيئاً من معرفته بالصيد. لسوء حظ هذا الابن، أنه الأكبر بين أخوته الستة، الذين يمضون النهار في التسكّع أو في اللعب مع أولاد الأكواخ المجاورة. لقد أنتزع باكراً من طفولته، بعيدَ وفاة الأب بصورة مفاجئة، ليُدفع به إلى العمل. ولكنه لم يكن ماهراً في الصيد كأبيه، وكثيراً ما عادَ بغلّة زهيدة أو حتى بدونها. كونه من النوع الحالم، فإن اعتاد قضاء جلّ وقته على الشاطئ وهوَ بالكاد يعير الصنارة انتباهه. جسده حَسْب، كان ينتصب بين الصخور، فيما أفكاره تمضي بعيداً.
ذات صباح صيفيّ، أضطر الشابُ لترك أفكاره جانباً. إذ لفتَ نظره جسمٌ ما، ضئيل الحجم نوعاً، يسبح فوق سطح الماء المُزبد وقد تلألأ تحت أشعة الشمس، يدفعه الموج باتجاه الصخور. سرعان ما استقر الجسم بين يديه، ليتبيّنَ أنها زجاجة، محكمة الإغلاق بوساطة سدادة من فلين. وكان باطن الزجاجة متسخاً جداً، مع أنه خال من الماء: " أتكون قمقماً، حُبِسَ فيه جنيّ؟ "، فكّرَ الشاب وليسَ بدون رعشة. مع ذلك، دفعه الفضول ( وربما الأمل أيضاً ) إلى نزع السدادة. لم يكن ثمة جنيّ، بل مجرد ورقة مطوية سرعانَ ما فُتحت على كتابة غامضة. ولأن الشاب يجهل القراءة، قرر أن يمضي بالورقة إلى جار عجوز كان والده الراحل يحترمه بوصفه أكبر الصيادين سنّاً.
كان الطقس رائعاً، آنَ أنطلق مع الرجل العجوز في مركبه ذي الشراع المزدوج. لقد علمَ من الرجل مسبقاً، أن عليهما الإبحار ليوم أو ربما يومين، كي يُدركا صاحبَ الرسالة في جزيرةٍ مهجورة: " وإنها تتوسطُ أرخبيلاً خطرَ المسالك، لطالما سمعنا كيفَ تحطمت على صخوره مراكبُ الصيادين والتجار والمسافرين ". إلا أنهما وصلا بالسلامة إلى شاطئ الجزيرة المقصودة، وذلك بفضل مهارة أحدهما ولا ريب. هنالك شاهدا عن كثب ما خمّنا أنه صاحبُ الرسالة، وكان في حالة من الإملاق بحيث بدا شبحاً من الأشباح. من موقفه وراء هيكل خشبيّ لسفينة محطّمة، لوّح لهما الرجلُ يده في وهن، صارخاً بصوت كالنباح.
قال لهما: " إنها سفينة تجارية، كان تحملني حينَ فاجأتها عاصفة في منتصف ليلة خريفية. لقد غرق الجميع، أو ربما نجا البعض بالسباحة إلى الجزر القريبة. فوجدتني وحيداً هنا، تحيطني صناديقٌ مليئة بالمجوهرات ومسكوكات الذهب والفضة ". ثم استدرك حالاً: " وكما وعدتُ في رسالتي تلك، فإنني سأتقاسم ومنقذي هذه الثروة ".
كان الفجرُ قد أرسل خيوطه الحمر، لما بان لعينيّ الشاب عن بُعد الشاطئُ الأليف. تذكّر عند ذلك عودته يوماً مع أبيه في مركب صيادين، وكان غلاماً يافعاً. أغاني أولئك الصيادين، المعبرة عن فرحة الوصول الآمن، كانت ما تفتأ تصدى في ذاكرته. وها هوَ يلقي الآنَ نظرةً على التاجر، المستغرق في النوم، ثم نظرة أخرى على المعلّم وكان صاحٍ وبيده دفة المركب: " إنهما في نفس السنّ تقريباً، وقد شبعا من الحياة ولا شك "، خاطبَ داخله وهوَ يرتعش كالمحموم لفكرة عذبته طوال الليل. ثم تنهّدَ مختتماً تهويمه: " حقاً إنّ الغدرَ حرامٌ، وحقاً أيضاً أنه لا يُرضي الله أن يتقاسمَ شابٌ فقيرٌ الكنزَ مع عجوزين على حافة القبر! ".
رفع المجدافَ الثقيل بيديه القويتين، ليهوي به مرتين متتاليتين. بعدئذٍ، همدَ هنيهة فوق السطح البارد. أخذ يهذي بصوت مسموع، وكان ما ينفكّ مرتعشاً: " تسعة صناديق لشخص واحد، ليَ أنا وحدي ". ثم عاد وفكّر حزيناً: " المؤسف، أنه كانَ بالوسع جلب المزيد من تلك الصناديق لولا أنّ ثقلها قد يُغرق المركب! ". على حين غرة، إذا بالضياء يختفي خلفَ سحابة سوداء. وبينما الرذاذ يصافحُ يده، فكّرَ الشابُ مرتاعاً: " يا إلهي، كأني به نذيرُ عاصفة..! ". وأوقف بقيةَ الجملة المذعورة هبوبٌ مجنون، انقض من السماء فجأةً ـ كما يفعل الباشقُ، الساقط رأساً على فريسته.
ساعات ممضة، قضاها الشاب بين طيات الموج الهائج على أثر انقلاب المركب بفعل العاصفة. أخيراً، حينَ خيّل إليه أنه وصل إلى الشاطئ الأليف، نهضَ أمام عينيه الهيكلُ الخشبيّ لسفينة التجار تلك، المحطمة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 1
- زين وآلان: الفصل السابع 5
- شجرتان وأسطورة صغيرة
- زين وآلان: الفصل السابع 4
- زين وآلان: الفصل السابع 3
- أُضحِيّة
- زين وآلان: الفصل السابع 2
- زين وآلان: الفصل السابع 1
- زين وآلان: الفصل السادس 5
- زين وآلان: الفصل السادس 4
- زين وآلان: الفصل السادس 3
- زين وآلان: الفصل السادس 2
- زين وآلان: الفصل السادس 1
- زين وآلان: الفصل الخامس 5
- زين وآلان: الفصل الخامس 4
- زين وآلان: الفصل الخامس 3
- زين وآلان: الفصل الخامس 2
- زين وآلان: الفصل الخامس 1
- قصة واقعية، وأخرى خيالية
- زين وآلان: الفصل الرابع 5


المزيد.....




- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - جزيرة مهجورة