|
الاشاعة في المجتمع العراقي ... سهولة تقبلها وترويجها / تقويم واصلاح شخصية الفرد العراقي
عبد الستار الكعبي
الحوار المتمدن-العدد: 6028 - 2018 / 10 / 19 - 10:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاشاعة في المجتمع العراقي ... سهولة تقبلها وترويجها / تقويم واصلاح شخصية الفرد العراقي
الملامح السلبية في شخصية الفرد العراقي التي تنعكس على عموم المجتمع لتصير حالة عامة والتي يتطلب تقويمها كثيرة، منها تقبله الاشاعة واقتناعه بها بسهولة وتسخير نفسه ليكون مروجا لها أو على الاقل وقوفه محايدا بالتعامل معها، مع ان الاشاعة عمل مضاد لمصالح المجتمع بمختلف الجوانب . وتقبل الاشاعة أو ترويجها يمثلان موقفا سلبيا حيث ان الايجابية ان تقف بالضد منها مقاوما لها مانعا ان تتحقق أهدافها وغاياتها . وذلك لان الدفاع عن المجتمع واجب اخلاقي وعقلي قبل ان يكون وطني وشرعي ، حيث ان الانتماء الى المجتمع الذي يمثل الاهل والاقرباء والاصدقاء وابناء الوطن مع البيئة التي يعيش فيها الفرد ومصالحه فيها يفرض على الافراد والمنظمات والمؤسسات ان يقدموا للمجتمع استحقاقات الانتماء اليه والعمل بين صفوفه والتمتع بامتيازاته. والاشاعات التي مرت وتمر علينا في مجتمعنا العراقي انواع ومراحل وتوجهات مختلفة يحددها صناعها حسب الغايات المخططة لها والفئات المستهدفة بها ومواضيعها ، ويرتبط ذلك بشكل رئيس بالظروف الموضوعية التي يمر بها البلد والمجتمع ، فالاشاعة في زمن السلم تختلف عنها في زمن الحرب والكوارث ، والاشاعة في المجتمعات المنغلقة على نفسها تختلف عنها في المجتمعات المنفتحة وهكذا تؤخذ الظروف الاخرى التي يمر بها المجتمع في نظر الاعتبار . وكذلك تكون الوسائل المستخدمة لترويجها متعددة ايضا ومن اهمها في الوقت الحاضر وسائل التواصل الاجتماعي عامة والفيسبوك خاصة لانه ساحة مفتوحة بلا قيود تضبط النشر والترويج ولان مستخدميه في العراق كثيرون جدا يصلون الى عدة ملايين مما يسهل انتشار الاشاعات بسرعة كبيرة. فمنها السياسية التي يبثها اعداء البلد سواء كانوا دولا أو احزاب أو اشخاص أو منظمات لغرض خلق فجوة بين المواطن والدولة من خلال اضعاف شعوره بالانتماء لها او لغرض زرع العداء والتصادم بينه وحكومته أو لاغراض اخرى . مع العرض ان العملية السياسية والحكومات المتعاقبة ومنذ سنوات لاتحتاج الى اشاعات لانها لم تكن في صف الوطن والمواطن وانما خادمة لاشخاصها وللاحزاب المتسلطة. ومثالها شائعات الفيسبوك التي تبين اسماء الوزراء الذين سيقدمهم عادل عبد المهدي المكلف بتشكيل الحكومة بالاشارة الى ان من بينها شخصيات متهمة بالفساد . ومنها الاقتصادية التي تهدف الى اضعاف الواقع الاقتصادي عموما والمالي المتعلق بالعملة الوطنية خاصة ومثاله ما ينشر بين فترة واخرى من اخبار غير رسمية حول موضوع حذف الاصفار من العملة ومجهولية ما ستؤول اليه الامور في حال تطبيقه . وكذلك الشائعات التي يطلقها المستوردون والتجار ضد بعض المنتجات من اجل اسقاطها وترويج منتجات اخرى بسبب شدة التنافس التجاري بينهم لأجل الربح على حساب الاخرين حيث تنتشر في المجتمع في مواسم استيراد المواد الغذائية شائعات عن دس الجراثيم في بعض انواع الفواكه أو اللحوم وغيرها من الامثلة . ومنها الدينية والمذهبية التي يصنعها رجال أو نشطاء الاديان والمذاهب المتصارعة مع بعضها او التي يصنعها الاخرون لغرض خلق الفتنة بينها او لتغذية خلافاتها . ونعتقد ان اخطر الاشاعات تلك التي تتناول مواضيع وحالات الانحراف في السلوك والاخلاق من خلال نشر قصص واحداث وهمية او حقيقية تعطي الانطباع للمتلقي بوجود فساد اخلاقي كبير ومتعدد الجوانب في المجتمع مما يساهم بنشر الرذيلة وتزيينها وصولا الى مرحلة تقبلها وسهولة ممارستها من أجل تحقيق الغاية الرئيسية في هذا الاتجاه وهي تحطيم البنى الاخلاقية للمجتمع . مع ان حالات الانحراف الاخلاقي موجودة زمانيا ومكانيا في كل المجتمعات الا ان الخطيرة منها في المجتمع العراقي لم تكن كثيرة ولم تصل الى مستوى الظاهرة . ومن الامثلة الحية على موضوع الاشاعة في المجتمع العراقي انتشار خبر قبل اسابيع قليلة يمثل صورة في اهوار الجنوب العراقي تجمع بين شخصيتين سياسيتين بارزتين في العملية السياسية التي جرت بعد عام 2003 ولهما دور مهم فيها وشغلا مناصب رفيعة المستوى وهما برهم صالح وعادل عبد المهدي ويتوسطهما شخص ذكر في الخبر المصور انه ضابط امريكي كبير يتولى مسؤولية الاستخبارات العسكرية في الشرق الاوسط . ان انتشار الخبر افقيا وبسرعة بين الفيسبوكيين وتداوله بكثرة من قبل نشطاء في صفحاتهم ورسائلهم يعني تصديقهم بما ورد فيه . ومن الضروري ان نلاحظ ان نشر هذا الخبر المصور كان قد رافق انتخاب السيد برهم صالح رئيسا للجمهورية وتكليف السيد عادل عبد المهدي لتشكيل مجلس الوزراء . وبعد اجراء عمليات البحث والتقصي من أجل التحقق من صحة هذا الخبر والصورة تبين لنا ان الشخص الموجود في صورة الخبر الفيسبوكي بين الرئيسين برهم صالح وعادل عبد المهدي والمذكور فيه انه ضابط استخبارات امريكي هو في الحقيقة مواطن عراقي اسمه ( جاسم محمد الاسدي) وهو من الناشطين المهتمين بشؤون الاهوار فيكون اصطحابه من قبل الرئيسين في سفرتهما أمر لابد منه ليكون دليلا يبين لهما منطقة الاهوار جغرافيا وتاريخيا وبيئيا وثرواتيا اضافة الى اوضاعها الحالية ومعاناة اهلها وغير ذلك من الجوانب. وتبين لنا ان عدة جرائد بغدادية كانت قد نشرت مرات عديدة صورة له مرفقة بمقالات عن الاهوار بتاريخ سابق بمدة طويلة لنشر الخبر الفيسبوكي الكاذب. وكذلك تبين انه واحد من اعضاء الفريق العراقي المفاوض مع منظمة اليونسكو العالمية من اجل ادراج الاهوار ضمن قائمة التراث العالمي والذي استمر عمله وسعيه لعدة سنوات الى ان تم تحقيق هذا الهدف . مع العلم ان (الموقع الرسمي لقبيلة بني اسد في بغداد) كان قد سارع بنشر تكذيب لهذا الخبر وذكر الاسم الكامل واللقب للناشط ( جاسم محمد الاسدي). وبذلك تبين لنا كذب هذا الخبر الفيسبوكي وانه اشاعة تم تلفيقها عن قصد من قبل صناعها لتؤدي الأهداف المطلوبة وهي اظهار عمالة الرئيسين وان تنصيبهما يتم من قبل امريكا وان الديمقراطية والانتخابات في العراق كذبة كبيرة وضحك على العراقيين . ومن معرفة هذه الغاية نستظهر بصورة قريبة من الدقة الجهات الصانعة لهذا الخبر الكاذب وهم أعداء الديمقراطية في العراق والذين خسروا مصالحهم وفقدوا مناصبهم وسلطتهم وكذلك بعض الداعين الى مقاطعة الانتخابات ليظهروا للعراقيين صحة موقفهم ومهزلة الانتخابات. ان التصديق السريع بهذا الخبر وبغيره واحد من ملامح السطحية في التفكير والتدني في الوعي وكان على الفيسبوكيين المروجين لهذا الخبر وأمثاله التأكد من صحته قبل الاقتناع به وترويجه . وان ترويج الاشاعة يعني تقبل الشخص ان يكون مضحوكا عليه ومستهلك العقل لانه يتقبل افكارا وتوجيهات من غيره بقصد استخدامه بلا وعي ولا تبصرة منه وتعني انه جند نفسه لصالح غيره ليكون من ادواته ووسائله وانه يضع نفسه في خدمة اعداء مجتمعه ودولته ويعمل على الاضرار ببنية مجتمعه اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وفكريا واخلاقيا وهو ما ينعكس عليه ايضا كونه فردا في المجتمع يتحمل سلبياته ومعاناته واضراره. واخيرا فان مقالتي هذه ليست دفاعا عن أي طرف ولا عن أي شخصية انما هي دعوة لرفض الانقياد للاخرين والاستسلام لما يريدونه سواء أكان اشاعة او غيرها وكذلك هي دعوة للوعي والتعقل واتباع منهج البحث والتقصي من اجل الوصول الى الحقيقة .
#عبد_الستار_الكعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقوق الموظفين بين ظلم وزارة المالية واستجابة ديوان الرقابة ا
...
-
سيناريو الصراع على منصب رئيس الجمهورية في العراق
-
الحلقة 7 (الاخيرة) : الضعف الجلي في العقل السياسي العراقي /
...
-
الحلقة 6 : هكذا تم رهن العراق ، القروض التي كسرت ظهر العراق
...
-
قشمرة بقشمرة ... وطرطرة بطرطرة ... بغداد ترجع ليوره !!!
-
ثقافة دستورية وبرلمانية / متى يعقد مجلس النواب العراقي أول ج
...
-
الحلقة 5 : الكهرباء الرديئة كم صرفت لها الحكومة ؟! / دراسة ف
...
-
تظاهرات واحتجاجات محافظات الوسط والجنوب في العراق بين (مثقفي
...
-
حكومة العبادي في أواخر ايامها ... تصدر ضوابط جاهلة وباطلة وظ
...
-
الحلقة 4 : حينما تكون الموازنة اساس خراب العراق واستغفال شعب
...
-
انقذوا العراق ... التداعيات الانهيارية لما بعد الانتخابات ال
...
-
الحلقة 3 : أخطاء ونواقص المادة (36 / ثانيا) وأثارها على المو
...
-
الحلقة 6- مقاطعة الانتخابات في ميزان العقل / انتخابات مجلس ا
...
-
الحلقة 5- (بيان الشعب) المواصفات المطلوبة في المرشح ليستحق ا
...
-
الحلقة 4- هل ان المشاركة في الانتخابات واجبة ؟ ام ان مقاطعة
...
-
الحلقة 3- سنة وشيعة ، كرد وعرب ، اسلامية ومدنية ، تشضي الكتل
...
-
الحلقة 2- الفديوات الخلاعية تسقيط سياسي أم سقوط اخلاقي - / ا
...
-
انتخابات مجلس النواب العراقي 2018 / الحلقة 1- رسالة عقلية ال
...
-
دراسة في موازنة العراق للسنة المالية 2018 / الجزء الثاني - إ
...
-
دراسة في موازنة العراق للسنة المالية 2018 / الجزء الاول - اع
...
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|