|
لكي نبقى على الأرض 2
محمد ابداح
الحوار المتمدن-العدد: 6028 - 2018 / 10 / 19 - 08:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قد يلاحظ المرء بأن ثمة فئة خاصة من البشر تعشق التنزّه والمكوث طويلا بقِسم مُؤسفٍ من أقسام متحف التاريخ يُدعى (الفظاعات البشرية)، وهي رجال الدين والزعماء السّياسيين، لذا فإنه ومن أول خطاب لأحدهما يُشعرك فورا بأنّك في عقر دارك، وإن غادرته لأي أمر ما؛ ففي النهاية يُفترض بك العودة له، ذك هو الدين (برمجة) وتلك هي السياسة (تنفيذ)، فمن المُمكن الخروج ظاهريا من (المُعتقد) لتنفيذ أمرٍ ما (سياسة)، لكن فكريا يبقى المرء متعلقا فيه، (فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ- كورنثس.20/11)، يقابله ذات النهج في القرآن الكريم (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ – البقرة 173 ). يُعرفُ الفناء الخلفي لتاريخ العلوم المادية بأنه مستودع الأخطاء البشرية عبر العصور، ومن الجائز القول بطريقة ( لا تقلّ خُبثا) بأن تاريخ الأديان يُعتبر سجلا للسوابق الجنائية التي ترتقي لمستوى جرائم حرب، لكن يجب التنبيه؛ فمُستودع الأخطاء العلمية والتي قادت العالم إلى الإكتشافات والإختراعات التي تظهر كل يوم، مفتوح للجمهور، أما متحف (الفظاعات البشرية) فهو قبلة الباحثين عن كل ما يُخالف منطق العقل البشري في الخُطب الدينية أيام الجمع والسبت والأحد، وفي الصحف الرسمية على مدارالأسبوع، والمفارقة أن تاريخ العلوم المادية يجد نفسه في ابتكار وتطوير الأدوات لخدمة البشر، وأما العلوم الديوسياسيّة ( ديني- سياسي) فلا تجد نفسها إلا في علم الأنساب وتقديس الأرباب ( الحكام) وتوزيع المناصب وتقسيم المكاسب. إن البدايات تحوي في أمعائها كل ما يتبعها لاحقا، وعليه فإن كانت الأفضلية تتم وفقا للأسبقية في التسلسل الزمني فحتى وإن كان ذلك يعتبر ( دونية منطقية- كلود برنار)؛ فمن غير المتصور أن يتحمّل المرء أعباء افتراض زمن يسير بخط مستقيم موازي للتطوّر في تاريخ إرتقاء فكر مجتمعات بشرية ذات عقول متناقصة السيادة مع مرور الوقت، فما الذي يسيطر على العقول بقوة ويُفقدها سيادتها المركزية ويُحرّكها كيفما شاء؟ لأن يكون الإنسان الأول قد ارتقي بفكره وجسده بعيدا عن نظريات (داروين)، فلا ريب أنه وجد نفسه ضمن مجتمعات بشرية أوّل ما نظمت نفسها فيما يتعلق بتفسير الموت والحياة والخلود ( بربّ أو دون رب) نظمته ضمن معايير لاهوتية، قبل أن تبدأ بتفسير المفاهيم السابقة وغيرها تفسيرا علميا ماديا، فالعُرف الديني سبق نظيره العلمي في الفكر البشري، لذا فإن أشد صيغ المفاهيم الأيديولوجية تعقيدا تحتبس بداخلها أكثر الصيغ الدينية بدائية، وعليه فإن دراسة دين مجتمع ما؛ هو دليل الأيدولوجية الخاصة به ( إن كل أيدولوجية حتى وإن كانت ألف مرة صحيحة وذات أفضل نفع للبشرية، سوف تبقى بلا معنى عملي لتشكيل حياة شعب ما، مادامت مبادئها لم تغدُ لها راية لحركة كفاح..- هتلر)، لكن ذلك قد لا يجيب على السؤال السابق. لذا استحق الأمر بحثا في طبيعة العقل البشري وسلوكه وأحكامه. كان علينا أولا إلقاء نظرة على أبحاث ( لامارك- فرنسا 1829م) في التطوّر العضوي للكائنات الحية، والتي استوحى منها (مالتوس- فرنسا 1834م) نظريته في المتواليات الهندسية للنمو البشري والغذائي، ثم استعارها (داروين- بريطانيا 1882م) لنظرية تطوّر الكائنات الحية من أسلاف مشتركة، والتي شطرت آراء العلماء لإتجاهات عدّة، لفت نواظرنا منها إتجاه أشار إلى (دوركهايم- فرنسا 1917م)، الذي درس تاريخ المُجتمعات البشرية، وأُسُس القيم والعادات المتحولة لقوانين أخلاقية تحكم سلوكيات المجتمع، ودور الفرد فيه، كذلك تعريف السلوكيات الفردية على أنها حساسية وشعور وتفكير تتمتع بسلطة قسرية تفرض نفسها على الفرد، وبأن الحساسية ليست مرضا نفسيا أو تهمة إجتماعية كما نعتقد، وبأن الإنسان الحسّاس هو أكثر البشر تفاعلا وإدراكا للواقع ولما يدور من حوله. لكن وبرغم عمق الأفكار التي طرحها دوركهايم في علم الإجتماع، إلا أن نظرياته تشكل فقط الأطر الرئيسية لتفسير سلوك البشر، لذا استوجب التنقيب عن المراجع التي استند إليها الأخير في نظرياته، والتي بدورها أشارت إلى (آدم سميث- اسكتلندا 1723م)، صاحب( ثروة الأمم )، حيث يرى بأن القوى البشرية هي المصدر الحقيقي للأمم كذك تنويع الإنتاج والصناعة، وقد تلقّف ( دوستوت تراسي- فرنسا 1836م)، الملقب بعرّاب ( الأيدويولوجيا) والذي أثنى على (دروكهايم) واعتبر بأن الإدارك العقلي والحالة النفسية والذاكرة وإطلاق الإحكام واتخاذ القرارت، وقوة الإرادة اللازمة لقهر المقاومات المادية والعوائق مصدرها حساسيّتنا، ومحرّك أفكارنا العامة وأحكامنا المسبقة واللاحقة، ثم لخّص ماركس ( ألمانيا 1883م) ما سبق ذُكره في كتابه (رأس المال)، وعليه فمن يُتقن مسك خيوط الأيدويولوجيا تصبح له راية، وأتباع يحملونها عاليا.
#محمد_ابداح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لكي نبقى على الأرض
-
العلّة الغائبة
-
قوة الفكرة
-
نرجسية الأديان
-
المجتمعات البريئة
-
السُحُب الفارغة!
-
الإتجاه الجغرافي للتاريخ
-
القيمة العلمية للأديان السماوية
-
ضجيجُ الموتى!
-
المتغيّر والثابت في الوطن العربي!
-
الصحافة الرسمية الرائجة
-
المعارفُ والقناعات!
-
الجمهورية العربية الثالثة!
-
العودة المستحلية!
-
دول المخاض العربي!
-
هوّية الهيمنة الدّينية والسّياسية
-
تقنين الفساد المالي والإداري في الدول العربية المعاصرة
-
قواعد النّقد السياسي-8
-
قواعد النّقد السياسي-7
-
قواعد النّقد السياسي-6
المزيد.....
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|