|
من الذى أضرم النار فى معقل الليبرالية المصرية ؟
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1512 - 2006 / 4 / 6 - 09:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أيمن نور ونعمان جمعه تفرقهما خصومات وعداوات كثيرة جعلت الأول ينشق عن الثانى ويترك له الجمل بما حمل ويغادر حزب الوفد ليؤسس حزب الغد. ومع ذلك تجمع بينهما أمور ليست قليلة. فكل منهما رئيس حزب، وكل حزب من الاثنين يرفع شعارات المعارضة من أرضية الليبرالية، والاثنان خاضا غمار انتخابات الرئاسة أى أن كل منهما يحمل لقب مرشح "رئيس الجمهورية"، والاثنان خسرا هذه الانتخابات كما كان متوقعا، شىء واحد كان مفاجئا هو تقدم الأول على الثانى فى عدد الأصوات رغم تقدم الثانى على الأول فى السن والخبرة، والاثنان تعرض حزبيهما لصراع داخلى شديد بعد انتخابات الرئاسة وصل الى حد الانقسام فى نهاية المطاف مصحوبا بدرجة مروعة من العنف والبلطجة رغم أن الاثنين من رجال القانون ويحمل كل منهما لقب "دكتور". والآن أضيف شىء جديد لقائمة الأمور التى تجمعهما، هو أنهما أصبحا من نزلاء السجون – الأول محكوم عليه فى قضية أتهم فيها بتزوير وثائق تأسيس حزبه والثانى محبوس احتياطيا على ذمة التحقيق فى قائمة طويلة من التهم أهمها إضرام النار فى معقل الليبرالية المصرية وإحراق مقر حزب الوفد .. الذى هو فى نفس الوقت بيته وبيت كل الوفديين! وبينما ينتظر الأول قرار محكمة النقض لتقرير مستقبله الذى مازال أمامه بحكم سن الشباب، ينتظر الثانى نتيجة تحقيقات النيابة العامة التى ربما سيكون لها أثر كبير على شيخوخته بعد أن تجاوز السبعين. ورغم أن شواهد كثيرة، ومواقف عديدة، ليست فى صالح الدكتور نعمان جمعه.. فانه ليس من الإنصاف إدانته قبل انتهاء التحقيقات وصدور حكم بات ونهائى يكون عنوان الحقيقة. فليس معقولا أن نظل نردد كل صباح وكل مساء الحكمة الخالدة القائلة بأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، ثم نفعل عكس مضمونها بمجرد إلقاء القبض على أحد. هذا من الناحية القانونية البحتة.. أما من الناحية السياسية فانه من سوء التقدير تركيز زاوية الرؤية على الدكتور نعمان جمعه فقط بصرف النظر عما إذا كان بريئا أو مذنبا فى رأى القضاء والقانون الجنائى. فالأزمة أكبر كثيرا من أن يتم وضعها فى رقبة شخص واحد أو حتى عدد يزيد أو يقل من الأشخاص. ذلك أن ظاهرة البلطجة وانتهاك القانون سابقة على أزمة حزب الوفد وغير مقتصرة عليه، حيث شملت كل الأحزاب السياسية تقريبا، والأمثلة كثيرة ولا داعى للت والعجن فيها. كما أنها تجاوزت الأحزاب السياسية وانتشرت فى النوادى الرياضية، وغيرها من المحافل الاجتماعية، وتجلت بأبشع صورها فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة. حتى الصحافة .. شهدت تعاظم العنف فى الخطاب السائد بصورة يمكن تسميتها بـ "البلطجة الصحفية" فى بعض الأحيان. إذن البلطجة ظاهرة واسعة النطاق فى كافة مناحى الحياة المصرية. وهى ظاهرة مقلقة ليس فقط لانها تتناقض مع ألف باء دولة القانون، وإنما أيضا لأنها تسمم الأجواء وتشيع الإحباط فى وقت كنا نتطلع فيه لإزالة الاحتقان المتصاعد فى المجتمع وإرساء دعائم الإصلاح السياسى والدستورى. وساعد فى استشراء هذه البلطجة، التى تسحق روح الأمل فى التحول الديموقراطى، انتهاج أجهزة الأمن لسياسة "الحياد السلبى"، بحجة عدم الرغبة فى التدخل فى الشئون الخاصة للأحزاب، أو الانتخابات. وهى حجة غير مقبولة وغير منطقية ونحن أمام عمليات عنف وخروج على القانون تؤدى إلى تعريض حياة المواطنين إلى الخطر، كما تؤدى الى تعريض السلم الأهلى نفسه لمشاكل لا تحمد عقباها. هذا الحياد السلبى فسره البعض بأنه "تكتيك" حكومى مقصود به ترك أحزاب المعارضة "تأكل نفسها" من الداخل. لكنه – إذا صح – تكتيك خائب وقصير النظر لانه لا يضر بأحزاب المعارضة فقط، وإنما يؤذى العملية الديموقراطية بأسرها، وكل الأحزاب بما فيها الحزب الحاكم نفسه، بدليل النتائج التى أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وإذا كان هذا "التكتيك" موضع جدل، فان ما يصعب الجدال فيه مسئولية لجنة شئون الأحزاب عن تصاعد هذه البلطجة داخل الأحزاب السياسية، لان القيود التى تفرضها التشريعات القائمة، ومنها التشريعات الحاكمة للجنة شئون الأحزاب السياسية ، تصادر الحق الأصيل للمصريين فى إنشاء أحزابهم السياسية دون قيد أو شرط، وتجعل ممارسة هذا الحق رهنا بموافقة هذه اللجنة، وهى موافقة صعبة المنال. وبسبب هذه القيود المفروضة على إنشاء أحزاب جديدة تتحول النزاعات التى تنشأ داخل الأحزاب إلى صراعات بالغة العنف حيث يحاول كل فريق أن يستأثر بـ "رخصة" الحزب وما ينبثق عنها من "رخص" لاصدار الصحف وتعيينات فى مجلس الشورى، ومكاسب ومغانم متعددة الأشكال، تصل إلى تأشيرات الحج والعمرة والاتجار فيها ببعض الأحزاب الصغيرة. ودعونا نقارن ذلك – وهى مقارنة أكرهها – بين مصر مهد الحضارة وصاحبة التاريخ العريق وبين دولة مصطنعة كإسرائيل عمرها أصغر من عمرى أنا شخصيا، نرى كيف خرج حزب كاديما من رحم حزب الليكود بدون مشاكل أو عنف أو بلطجة أو لجوء إلى المحاكم أو تمزيق الهدوم .. حتى عندما دخل آرييل شارون – بكل ثقله – فى غيبوبة عميقة. لذلك .. وبدلا من تصويب المدافع كلها على شخص واحد، أو بضعة أشخاص، يجب أن ننظر إلى ظاهرة البلطجة السياسية فى إطارها العام، وأن نتتبع جذورها الدفينة، وأن نضع أيدينا على أسبابها السياسية والتشريعية والدستورية التى جعلتها تشمل معظم الأحزاب السياسية وليس حزب الوفد فقط، وتظهر فى معظم مجالات العمل العام والخدمة العامة، ومن بينها الانتخابات العامة والنقابات والنوادى الاجتماعية والرياضية. وفى كل الأحوال .. لا يجب التهوين من شأن إضرام النار فى معقل الليبرالية المصرية، أو الركون إلى التبسيط أو الشماتة فى تحليل مغزى هذا الحدث الجلل، لان هذا المنهج التبسيطى هو الذى من شأنه أن يجعل من حريق مقر حزب الوفد شرارة لحريق قاهرة جديد لا قدر الله. ومسئوليتنا جميعا – بكل مدارسنا الفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار – الحيلولة دون هذا السيناريو الشرير.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المهندسون يرفعون شعار: الضغوط الأجنبية هى الحل!
-
تونس الخضراء .. ثنائية السياسة والاقتصاد
-
نصف قمة
-
عفواً يا فضيلة المفتي: أرفض تطليق ابنتي
-
»عمر أفندي« يستنشق أولي نسائم الشفافية
-
استقلال تونس .. بدون عدسات الحكومة اللاصقة .. والملونة
-
! أرباب الصناعة.. وأرباب السوابق
-
يا عم حمزة .. رجعوا الأساتذة .. للجد تانى
-
طرق أبواب مغلقة بالضبة والمفتاح!
-
البراءة ل»عمر أفندي«.. و»العبّارة«!
-
ليس من حق -بلير- التأكيد على أن الله معه
-
-ترماى- الكويز .. وقطار منطقة التجارة الحرة
-
حرمان زويل من الدكتوراه .. ومنع أبو الغار من الكلام!
-
السجن .. للصحفيين!
-
وزارة الثقافة تلبس العمامة .. وعمرو خالد يرتدى البدلة الإفرن
...
-
بنك الطعام .. الأمريكى
-
حرمان زويل من الدكتوراه .. ومنع أبو الغار من الكلام
-
إنهم يستقيلون .. بسبب النجاح!
-
البعض يفضل الكلابشات على الأقلام .. فى أيدى الصحفيين
-
نتيجة لعبة شد الحبل بين أمريكا وطهران .. تقرر مستقبل العرب!
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|